روى ثعلب أحمد الزيدي الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى - فيما رواه عنه محمد بن أبي الخير بن زريون الصنعاني المعاصر للإمام أحمد بن سليمان أن عبد الملك بن وهيب خرب قاعة، وأذل أهلها، لأنهم قتلوا أهله، فرأى ثعلب المذكور في النوم سبعة رجال عليهم ثياب نظيفة في أوَّلهم رجل بيده عصا قد أقبل حتى وقف على ماجل قاعة على الحاجب، وأشار بعصاه إلى قريَة قاعة، وقال:
ألا أيَّتها القريَة أما متّ أياماً ... فلا بد إله العرش أن يحييك أعواما
وأن يُهلك أقواماً بما أولوه أقواما ... وأن ينصر مظلوماً وأن يهلك ظلاَّما
فلم يلبث أن خرج علي بن محمد الصليحي فقتل همدان، وذلل بني وهيب، وكان قيس بن وهيب سيد همدان في عصره فقتله بحاز،(1) ودوخ البلد، ثم عمرت قاعة إلى الآن، والله أعلم.
أحمد بن محمد بن أحمد(2) [ - ]
الفقيه الفاضل العالم أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال - رحمه الله - كان عالماً، قال الفقيه محمد بن سليمان المذاكر صاحب الروضة: إنه كان من تلامذة القاضي جعفر بن أحمد - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن محمد بن الحسن(3) [ - 656 ه‍ ]
__________
(1) حاز: قرية أثرية مشهورة في ناحية همدان طرف قاع المِنَقَّبْ (المصدر السابق ص: 142).
(3) أئمة اليمن ج 1/171 - 176، معجم المؤلفين ج 2/90، مصادر الحبشي 156، مطلع البدور - خ - المستطاب - خ - طبقات الزيدية - خ - الموسوعة اليمنية ج 1/62، تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي ج 3/209 - 211، الجواهر المضيئة ص 19، مؤلفات الزيدية ج1/381 ج2 /123 ، ج3/77، مصادر التراث اليمني في المكتبات الخاصة (تحت الطبع)، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 151.

الشيخ العالم المجتهد الأصولي أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن أبي طاهر محمد ابن إسحاق بن أبي بكر بن عبد الله بن الرصاص، نسبه من جهينة بن زيد، ابن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وكان بعض أجداده مع الهادي إلى الحق - عليه السلام - المشهور بالحفيد، كان عالماً متبحراً لا يشق غباره في العلوم، من أساطين العلماء وسلاطين الكلام وآية العدل والتوحيد، وله في العلوم القدم الرَّاسخة، وله على ذلك آيات بينات منها الجوهرة(1) التي هي مدرس العصابة، وله ثلاثة كتب تجري منها مجرى الشرح، هكذا رأيته(2) ثلاثة كتب وبخط بعض مشائخنا، له كتابان كالشرح للجوهرة وهما (الوسيط) و(غرَّة الحقائق) لها، وله كتاب (الشجرة) في الإجماعات ولم نره إلى الآن، ولعله قد فقد والله المستعان، وما كان مثله مما يغفل عنه، وله في كل شيء من العلم قدم مع بلاغ(3) في إنشائه رائعة، وله رسالة تخرج في مجلد متوسط إلى العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - سمَّاها (مناهج الإنصاف العاصمة عن شب نار الخلاف) وذلك بسبب رسائل دارت بين القاضي عبد الله - رضي الله عنه - وبين الفقيه العلامة علي بن يحيى الفضلي، وكان الشيخ وجيهاً رئيساً /179/، ولذلك كان منه ما كان إلى الإمام الشهيد السَّعيد أحمد بن الحسين - عليه السلام - فالله المستعان.
__________
(1) ويسمى جوهرة الأصول وتذكرة الفحول في علم الأصول (أصول فقه) منه نسخة خطت سنة 866ه برقم (1524)، وأخرى برقم (1529) بمكتبة الأوقاف جامع صنعاء، ومنه نسخة في مكتبة آل الهاشمي بصعدة رقم (164) خطت سنة 698ه.
(2) في (ب): مذكوراً زيادة.
(3) لعلها: بلاغة.

إذا تأمل المتأمل مكانة هذا الشيخ في العلم، وما يشيده(1) من ذكر آل محمد في رسائله، ويعطر بذكرهم المجالس، ثم كانت هذه الهفوة - وأعوذ بالله من حب الدنيا - وقد كان الإمام يعرف من الشيخ شيئاً من هذا، وكان يجزل عطاءه حتى إنه أقطعه في صنعاء المحميَّة بعض منازل الملحدة الباطنية.
قال السيد يحيى بن القاسم: وقيمة ذلك نحو ثلاثين ألفاً ولم يعط(2) حميداً شيئاً، وقد ترجم للشيخ شمس الدين الخزرجي وغيره، ووصف خلقته وزرقة في عينيه.
ومن إنشائه كتابه إلى جيلان وديلمان.
قال السيد العلامة يحيى بن القاسم - رحمه الله -: وقد نقلنا منه ما يتعلق بسيرة المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام - فأفهمت عبارته أنه أوسع من هذا، من الفقير إلى الله تعالى أحمد بن محمد بن الحسن إلى جهة الجيل والديلم مع الأخ البر رحيم داد:
هل رَكْبُ مكةَ حاملون تحيَّةً ... تُهدَى إليكم من محبٍ مغرَمِ
أغضَى الجفون على معينٍ ساجمٍ ... وطوى الضلوع على جَوى متقدمِ
إن لم يبلِّغها الحجيج فلا رمَوا ... بالجمرتين ولا سقوا من زمزمِ
__________
(1) في (ب): شيده.
(2) في (ب): ولم يعط الإمام حميداً شيئاً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله، كتابي إليكما أيُّها الحِبران الكاملان، و(1)الصدران الفاضلان، شيخا الإسلام الداعيان إلى الله وإلى أرباب الفضل، وولاة العقد والحل.. إلى قوله: ?سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ? (يس:58)، تحيَّة من عند الله مباركة (طيبة)(2) تفيض بالخيرات أنوارها(3)، ويتوالى من ذي العرش حياؤها، وتضيء حنادس البعاد لآلئها. سلام على معاهد العلم وربوعه الذي طهر البر عراصها وأنديتها، وأزاح الدين الحنيف عن بشر التقوى ساحاتها وأفنيتها، وساد على دعائم الْهُدى سادات الورى ذراها وأبنيتها، بقرارة جيلان وديلمان، وذات الرسم الباقي الأثر الخالد من حديث الطوفان؛ فهناك حط الفضل رحله، وطنّب رواقه، وألقى الفقه بعاعه(4) وأرخى عن عزٍ إليه دقاقه. وإنّ أرضاً كان الناصر للحق - عليه السلام - مرسي أوتادها، وضارب أسدادها، وخائض غمارها، ومعين فوَّارها، ومشكاة أنوارها، وناهج محجتها على واضحة ليلها كنهارها، لأرض محفوفة بفخامة خطرها، ونماء سعيها، وبجليل ذكرها، و(5)لا جرم أنه لأثرٌ شامخ الشرفات، باذخ القذقات، راسخ القواعد والأساس، محكم القرائن والأمراس..
__________
(1) سقط (الواو) في (ب).
(2) سقط في (ب).
(3) في (ب): أنواها.
(4) يقال: ألقى عليه بعاعه أي نفسه، والسحاب ألقى بعاعه أي كل ما فيه من المطر (انظر القاموس المحيط ص: 909).
(5) سقط (الواو) في (ب).

إلى قوله: فهو - عليه السلام - أبو عذرها، وطليعة سرها، التي هتفت به الصحف الغوائر، وآذنت به قبل أوانه البشائر، وترتبت(1) بذكره الأسفار وابتهجَت الدَّفاتر؛ حتَّى رعف به الزمان، وتبلج به ذلك /180/ الأوان، فلم يزل يدندن حول تلك الدِّيار، ويحوم عليها بأسفار وتطيار وعقر وأمرار، وعزم لا يلويه وكل، وحزم لا يلقيه(2) دجل، حتى أعطي مقاليدها إذِ رام إصلاحها، ونبذ إليه الأسعاد مفتاحها، إذ حاول افتتاحها..
إلى قوله: فورد ضريح صريبتها من ورد من أئمَّة الْهُدى، وأقمار الدُّجى، الذين أضاءت أنوارهم المشارق والمغارب، ورتع في رياض علومهم الأعاجم والأعارب، سلام الله وبركاته(3) على تلك الأرواح في مساءٍ وصباح ما انفك السلف من أئمتنا ينحو من ذلك المنهاج، وتلمع ضوء لآلئهم من تلك الهالات والأبراج، وتنبأ(4) نورها من العراق تناويب وإدلاج، فأوَّل من عشا إلى ضوء نارها فاتبعه، وسام برق الحيا في رباها فانتجعه، السيد الإمام أمير المؤمنين المهدي لدين الله أبو عبد الله محمد بن الحسن الدَّاعي - عليه السلام - فأحيا تلك المآثر التي ما يفنى(5) على مر الجديدين أثر.
__________
(1) لعلها: وتزينت.
(2) في (ب): لا يثنيه.
(3) في (ب) زيادة: وصلواته.
(4) في (ب): ويتناوبوها.
(5) في (ب) زيادة: لها.

إلى قوله: ثم تلاه الإمامان اللَّذان هما هلالا هالة الملة المحمدية، وواسطة عقد النحلة الحنيفية، كما أن قطر اليمن ما زال فكر أئمة الزيدية وأشياعهم من لدن الهادي إلى الحق - عليه السلام - إلى هذا الأوان، ينادون فيه بالصوت العالي، ويخفق فيه كوكب مذهبهم المتلألي، ويرث الأول التالي، فهم كذلك يأثرون فيه قرناً بعد قرن، ويروونه خلفاً بعد خلفٍ من آل القاسم - عليه السلام - وأشياعهم الكرام.. إلى قوله: ولقد جمع الله تعالى للإمام المنصور ذي المجد المعمور، والشرف الموفور، والعلم المأثور، والسيف المشهور، أمير المؤمنين والخليفة الصَّادع بالحق المبين، حليف القرآن، ماضي الجنان واللسان، أبي محمد عبد الله بن حمزة بن سليمان، كريم الحظين، من أحيا دين آبائه الأكرمين، في هذين القطرين، واقتفى سنن هذين الإمامين المحتذي لمثالهما، الناسج على منوالهما، حتى اشتدَّ الأمر، وانتظم البحر، واتصل السؤدد والمجد فحق حينئذٍ على كل ناحيَة أن يكون له على كل من فيه طليعَة ورقيباً، وأن يسمعهم صوته مؤذناً ومهيباً، أن هلم فإن طالع سعدنا قد بارى فلق الصباح، وإن أملنا الذي كنَّا نعدُّ له الأيام ونستهل له طوالع الشهور والأعوام، قد أذن بالنجاح، وحيعل بالفلاح، نعم فأصدرنا - أعزكم الله - هذه الكلمة المسطورة، والأحرف المزبورة، عجالة من مستوفر، وقبساً من مختار، ولمعة من بارق، ونبذة من طارق، وغرفة من بحار، وصبابة من تيار، كم أشاهد متحملها - أحسن الله توفيقه، وأبهج له طريقه - على حين أزمع الترحال، وشد الرحال، في يوم الأربعاء من ذي القعدة سنة ست وأربعين وستمائة /181/ عن نعم صفا الله بالإقبال مشارعها، وقرن بالسعود مطالعها، وروض بنيل الأماني مكارعها ومرابعها، وحقق من آمال المخلصين دانيها وشاسعها، وأرى قرَّة العين شاريها وبايعه(1)، وفتح عن أجفان السرى وأضمحها أبصارها ومسامعها.
__________
(1) لعلها: وبائعها.

فحمداً لله(1) سبحانه يدر بالمدرار المزيد غمائمه، ويفوح بنهج القبول لطائمة. أسعدت فوائد الزمن، بقيام قائمنا باليمن، فصاح طائر آل زيد على فَنَنٍ(2).
فليهنكم ما سناه الله وأدناه، وحبانا وإياكم من هذه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، التي قضى الإيمان ديانها(3)، ووصل بعز السعادة أسبابها، وضرب على العز قبابها، ومدَّ بالتمكين وشدَّ - وله الحمد - أطنابها. ولا بد من إيداع هذه المكاتبة طرفاً من تعريف نعوته وسماته التي حاكت ضياء الغزال، وأعشب لوردي الهالة حدودها، قطرة من مطرة، ومجَّة من لُجَّة، وهاؤم اقرأوا كتابيه، ثم استقرئوه تجدوه علانية، فليس الخبر كالعيان، وما أفلح من (مان). هو الإمام المهدي لدين الله أمير المؤمنين أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن أبي البركات، وهو إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
__________
(1) في (ب): له سبحانه.
(2) الفَنَن: الغصن.
(3) ذبابها: الحرف الأول والثاني غير معجمين في الأصل.

نشأ - عليه السلام - بين التنزيل والتأويل، ودرج بين التحريم والتحليل، بين آباءٍ بررة، وأجداد طهرة، ما بعد هؤلاء الذين سميناهم إلا من ينفحُ عرف الصلاح من ثيابه، ويشد(1) حبائل التقوى بأهدابه. فنسبه كله سلسلة الذهب الصريح غير المؤتشب، بين إمام سابق، ومقتصد لاحق، وغصن (سامر) (2)، عن أصل في ذروة المجد باسِق. ولمَّا ترعرع غصناً سَرَعْرَعاً(3)، سلك من وراية آبائه الأكرمين طريقاً متبعاً، وسبلاً مهيعاً(4). فلم يتوقل(5) في درج العلم حتَّى تسنَّم ذراها. وتفيَّأ في ظليل ذراها، ثُمَّ لان له من الغوامض جامحها، فأسلس قيادها، ووطئ شدادها، وأعلى نجادها، وأسال وهادها، وجاش خلالها، وخاض أعدادها وأوسالها. فهذا علم الكلام وأصول الدين قد قرأ فيه فصّل وحصّل، ودقّق وحلّل حتَّى وقف منه على المكنون، وجمع أبكاره والعون. ثُمَّ أصول الفقه وهو النمط الأوسط بين التصرف العقلي والتحكم الشرعي، فلقد جلَّى جوَاده في مضماره، وتغلغل في أنجاده وأغواره، وتكشف له دقائق غرائبه وأسراره. وأمَّا في الفروع فلَه اليد الطولى والقدم الرَّاسخة. وأمَّا الفرضيات فله فيها أوفر الحظ والنصيب، وقد رمَى في أغراضها بالقدح القامر(6) والسهم المصيب، وله فيها غوص الماهر الألمعي، ومحض الناظر اللوذعي. وأمَّا علوم الأدب فقد مَتَّ(7) فيها بحبل متين، ونسب من مبادئ اللغة ومعرفة مفرداتها، ثم معرفة حركاتها وأوزانها إلى حد الكفاية وزيادة. ثم علوم /180/ القرآن الكريم، فقد اندرجَت تحت هذه وازداد من وراء ذلك قراءة ما وضعه
__________
(1) في (ب): وتشد.
(2) لعلها: سامق بمعنى طويل.
(3) السرسرع: الطويل، والثياب الناعم اللدْن، والسرعرع كالسرع، أيضاً، وهو قضيب الكرم الغض ليَستَثنيه، أو كل قضيب رطب (انظر القاموس المحيط ص: 940).
(4) المهيع: الطريق الواسع البين.
(5) وقَلَ في الجبل بَقِلُ: صعد (القاموس المحيط ص: 1381).
(6) أي الغالب.
(7) المتُّ: المدُّ.

المفسّرون من أهل البيت - عليهم السلام - وأشياعهم من علماء الإسلام، فاطلع ذلك الفجاج، وأخذ يعرى تلك الأدراج، حتَّى أضحى مجاله فيها رحيباً، وجواد حلبته لعوباً. ثم الآيات النبويّة، والأحاديث الصحابية، والسير المقتضية، فقد أخذها أخذ مثله، وعلقت بخاطره إلى حد أعوز الطوف بمثله وشكله.
هذه - رحمكم الله، وأعز بكم دينه - أودية العلم وغيطانه وحدائق الحكم و(مصلاته)، قد ملك رباها وحمى حماها، ورعَى كلاها، وملاك ذلك جودة الاستنباط وحضور البال ويقظة الخاطر وانتباه الذهن، وحسن الفحص عن لطائف المغمضات، واستثارة دقائق العوص المهمَّات(1)، ولقد رأينا منه عجائباً في كتاب (بغية المرتاد)، وهو جواب عن مسائل فقهيَّة وهي عديمة النص في الأغلب، سأله عنها الشيخ الصدر العالم محي الدين عطية بن محمد بن أحمد النجراني، فحلَّل عقدها، وفتح سددها، وقوم بالإيضاح أودها، وأفاض عليها خليجاً من بحر علمه الزخَّار، وفيض مدده التيَّار، وينبوع علمه الفوَّار، حتى حسرت عن لثامها للاختبار، وكشفت برقعها للنضار(2)، قد نظم في سلكها اللؤلؤ والنضار، وكاد برقها يذهب بالأبصار، ثم فاتحَه الكلام من فاتحه (من)(3) علماء اليمن، فرأى منه ما يبهر العقول نوراً، ويرُد الطرف دونه حسيراً.
__________
(1) لعلها: المبهمات.
(2) لعلها: للنظار.
(3) في (أ): سقطت (من).

وأمَّا ورعه وعفافه، وزهادته وعبادته، وسلامَة السريرة وصفاء الطويَّة، والخشية الدخيلة لبارئ البريَّة، فشيء ظهر ظهور النهار، واشتهر اشتهار دجلة في الأنهار. متقنّع بالحياء، تلمع من جبينه أشعَّة التقوى. ذو سمتٍ قويم، وهدي مستقيم. لم يعرف المجون، ولا شِيْنَ بالمتحفات ولا اقتحمته العيون. نور النبوَّة في أثناء قسماته، وماء الخلافة مطرد على صفحاته. ما زال منذ نشأ يفعة(1) تلحظه العيون بالجلالة، وتهيب إليه القلوب بالزعامة، وتهشُّ نحوه النفوس للإمامة، وتشير إليه الأصابع الخاصَّة والعامة. ولقد تمخضت به الليالي شمساً في أفق العلياء، وسراجاً من مشكاة الضياء، وأصلاً مغرسه سرة البطحاء، وغصن شجرة طيِّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. ولقد عاشرناه من لدن الحداثة حتَّى الغاية المعاشرة وألطفها، فما رأيناه ضاحكاً بصوتٍ عال، إنما ضحكه(2) التبسم، ولا واعلا في ود المزاح، ولا مكاثراً في الكلام، ولا أزرابه الباءة(3) والحال، أنصع الناس خلقاً، وأثقلهم طبعاً، وأكرمهم نفساً، وأنداهم كفاً، وأحفصهم(4) طاشراً، وأهداهم مجلساً، وألينهم عريكة، وأوطاهم جناباً، وله من تعظيم جلال الله وهيبة أمر الله، والجنوح لسلطان حقه، والطوع لحقه، والمسارعة إلى رضاه، والكلف بإحياء دينه ونصرته على حرب الباطل وشياطينه، والإعراض عمَّا سوى ذلك من القبيح وكثير من المباح والمكروه في الأقوال والأفعال والأحوال، مالا ينادي(5) المعرفة /183/ بالصفة، ولا يقوم فيه الكتاب بالخطاب. وهذه نعوته وسماته قبل تصديه للزعامة، واضطلاعه بأعباء الإمامة،
__________
(1) يفع الغلام إذا راهق العشرين (وانظر القاموس المحيط).
(2) لعلها: واغلاً.
(3) لعلها: الحاجة، من قولهم: حاجة مبيئة أي شديدة.
(4) ينظر وقوله وأحفصهم لعله من حفصه يحفصه: جمعه الاسم الحفاصة بالضم، وحفص الشيء من يده ألقاه.، وقوله: ظاهراً: لم اهتد لمعناها فتراجع المخطوطات.
(5) في (ب): منه المعرفة.

33 / 182
ع
En
A+
A-