قال: فأشفق من حضر على علي بن محمد - رضي الله عنه - وظنوا أن بادرة ستبدر إليه على سكره، قال: فوالله لقد بكى بكاءً طويلاً حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضر، وأمر برفع الشراب، ثم قال: يا أبا الحسن، لقد لينت منَّا قلوباً قاسية، وذكَّرتنا ما أنساناه النعيم، فأقسم بالله عليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر له بها ورُد إلى منزله من ساعته مكرماً.
وتوفي أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى المذكور - عليهم السلام - في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين بسامراء.
أحمد بن عيسى بن عبد الله(1) [ - ]
السيد الكبير حافظ الزيدية ومسندهم أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - قال الشريف ابن عنبة ما معناه: وكان شريفاً جليلاً، زاهداً، نسَّابة، عالماً يلقب بالفنفنة، قال أبو عبد الله بن طباطبا: الفنفنة لذي قد تفنن في العلوم.
قال شيخ الشرف: فما رأيت في صفَة عيسى عليه الصلاة والسلام ابن(2) الخصال الفنفنة حينئذٍ سكنت إلى اللقب - يعني هذا - ومن عقب هذا الشريف الشريف أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عيسى المعروف برغوث، كان له قدر .
أحمد بن عيسى الملقب(3) بجار الله [ - ق 8 ه‍ ]
القاضي العلامة الجليل أحمد بن عيسى الملقب بجار الله - رحمه الله -.
قال السيد عماد الدين يحيى بن المهدي الحسيني: كان جامعاً للعلوم حاز من الكمال والإفضال ما لم يسبقه إليه أحد، مشمّر في الجهاد والقيام في حرب الباطنية، ونصر الإمام(4) علي بن محمد مع فضل ظاهر مشتهر. انتهى
__________
(2) لعلها: من.
(3) الجواهر المضيئة، ترجمة (81)، صلة الإخوان - خ - طبقات الزيدية الكبرى القاسم 1/ 176 - 177 ترجمة رقم: 78.
(4) سقط من (أ): المهدي وهي في (ب).

وذكره السيد الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - وذكر أيضاً السيد يحيى بن المهدي في الصِّلة أحمد بن عيسى الشجري، وأفرده بذكر فقال في سياق لا بالاستقلال: وكان متولياً حافظاً للأموال والواجبات، ولعله هذا - رحمه الله تعالى - ويحتمل أنه غيره، والله أعلم.
أحمد بن عيسى(1) بن محمد [ - ]
العلامة الصالح الفقيه أحمد بن عيسى بن محمد المدحجي(2)، كان هو وصنوه محمد بن عيسى من العلماء الصَّالحين وهما الروائيان(3) لكرامة الإمام يحيى بن حمزة المشهورة، وذلك أنهما شهدا على شهادة جماعة ثقات يشهدون أنَّ رجلاً وصل لزيارة قبر الإمام - عليه السلام - وبيده قطعة حديد، فوضعها على قبر الإمام، ثم خرج بها إلى الحداد ليصنعها له شيئاً، فأوقد عليها الحداد فلم تعمل فيها النار شيئاً.
أحمد بن الفهد(4) [ - ]
الفقيه العامل العالم(5) أحمد بن الفهد - رحمه الله تعالى - كان هو وصنوه (محمد)(6) عالمين فاضلين، وهما من (كحلان) تاج الدين، وصحبا الإمام عز الدين بن الحسن، واستشهد أحمد - رحمه الله - في يوم (نسرين) (7)، وقبره مشهور مزور.
أحمد بن القاسم بن يوسف(8)
السيد الجليل العلامة شمس الدين أحمد بن القاسم بن يوسف بن المرتضى بن المفضل. كان سيداً عالماً بليغاً منطيقاً، له همَّة ساميَة ومعرفة بالعلوم، ولمَّا قتل بنو الروية أباه القاسم كما يأتي - إن شاء الله تعالى - ذكره، وجَّه الإمام الناصر - عليه السلام -/161/ هذه الكلمة البليغة أثار بها حفيظته أوَّلها:
لا تؤثرن على النهوض مقاماً ... إن اللَّيالي منك والأيَّاما
ولك الزَّمان فما أبحت محلل ... منه وما حرَّمت كان حراما
ولك النجوم فسعدها لك لاحقٌ ... إن سرت سار وإن أقمت أقاما
__________
(2) لعلها: المذحجي.
(3) لعلها: الراويان.
(4) مكنون السر.
(5) في (ب): الفقيه العالم العامل أحمد.
(6) سقط من (أ).
(7) نسرين: موضع شمالي صعدة (معجم المقحفي ص: 658).

أولست من شهب السماء تعلقت ... فذّا سوالف مجده وتواما
وهوت(1) من فرقٍ خلافتك التي ... هويت لقربك إذ أتتك غلاما
فأصبت منها ما سليمان بن دا ... ود أصاب وما بلغت فطاما
لا تنس ثأراً منك عند رُؤية ... جهلت به وأضاعت الأحلاما
وأرت رؤية قاسماً من غيِّها ... بمناصل غادرنه أقساما
طمأنه(2) هجر النجيع متونها ... أفطرن من دمه وكنَّ صياما
خفروا ذمام الله إذ فتكوا به ... والله أو قالوا أراد ذماما
ما ضرَّ(3) من لاقَى الحمام وشكره ... باقٍ فلو دام الزمان لداما
فبنوا الرويَّة في المظالم قد غدت ... غوغاً قياماً يبتغون قياما
وبغت على آل الرسول سفاهة ... منها وعدَّتها له إكراما
يا من أقام قناة دين محمدٍ ... ما زلت ملكاً تعمر الإسلاما
مِل مَيلَةً تدع النواصب سُجَّداً ... طوعاً لأمرك والفسوح قياما
حتى كأنَّ بني الروية بعدها ... مرُّوا بمقَلة نائم أحلاما
استنجد الثقلين عن كَثَبٍ إلى ... ظفرٍ فما رضيَا سواك إماما
حصن على كل الحصون معظم ... تذري ثبيراً في العلا وشماما
والأرض ترجف والعيون سواهر ... والأرض نار والنهار ظلاما
ما نال ابني قاسم بأبيهما ... لقيَا هواناً في الملا وملاما
وتأمَّلا وعداً منيت(4) به فما ... وجدا له نقضاً ولا إبراما
كن حيث حلَّ بك الرجاء فإنه ... يحيي النفوس ويشفي الأسقاما
فالله يا مهدي الكتائب بعدها ... يُهَدى إليك تحيَّة وسلاما
__________
(1) لعلها: وهويت، ليسقيم الوزن.
(2) لعلها: ظمآنة.
(3) في (ب): من ضر.
(4) في (ب): مننت.

وبعد هذه الإثارة نهض الإمام ونكاهم، وقتل منهم سبعين رجلاً، وحمَّلهم سبعين ديَة لاستخفافهم بالشريعة وبابن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عقوبة لهم، وكان قتلهم له - عليه السلام - في موضع يسمَّى (ظلامة) من بني قشيب بجهة آنس، وهو جدّ الأشراف بني المنتصر السَّاكنين في الدروع(1) والعزِّ، وجدّ السيد محمد بن عبد الله جدّ السادة الساكنين بهجرة(2) بني جرموز.
/161/ أحمد بن القاسم بن محمد
السيد الإمام الكبير العالم الشهيد أحمد بن القاسم بن محمد بن جعفر الصَّادق (- عليهم السلام -)(3)، ترجم له المنصور بالله، وقد رَسَم على نفسِه أن لا يذكر إلاَّ فاضلاً وشهيراً، قال: قتل على ثلاث مراحل من الرَّي، وكان متوجهاً إلى (نساولورود) (4)، وكان صالحاً فاضلاً كاملاً، وقتله أيَّام المقتدر العبَّاسي.
أحمد بن القاسم
الشريف الهمام، الأمير الأجل الشمسي أحمد بن القاسم بن عم الإمام أحمد بن الحسين - سلام الله عليهم- أحد أعضاد الحق، استقام له بعد ابن عمِّه الإمام المهدي مقام عظيم بحجَّة وما والاها، وبعد قتل الإمام قصده الأمير المبارز ابن طاس(5)، ثم رجع عنه وتعقبه الأمير علي بن يحيى العنسي من قرَابة القاضي عبد الله بن زيد، كان من أعيان السلطان المظفر، أقطعه صنعاء، وأقطعه مواضع عدِّة، ولمَّا وصل الأمير علي بن يحيى إلى وادٍ يقرب من بلاد حجَّة كتب إلى الأمير الشمسي بيتاً واحداً وهو:
__________
(1) الدُرْوَع: بضم الدال وسكون الراء وفتح الواو ثم عين مهملة: حصن من مخلاف بني قشيب في آنس (معجم المقحفي ص: 234).
(2) هجرة بني جُرْمُوز: مركز إداري من مديرية بني الحارث، وأعمال محافظة صنعاء. يبتعد عن صنعاء شمالاً بنحو 25 كيلو متراً. (المرجع السابق ص 319).
(3) سقط من (أ).
(4) نسا ولورود: لم أجد لها ترجمة في معجم المقحفي.
(5) في (ب): بن برطاس.

أبا حسن ما جئت طالباً بمقترف ... لكن غير مقترف أطلب(1)
فأجابه العلامة نظام الدين قاسم بن أحمد الشاكري على لسان الشمس - رحمهما الله تعالى -:
أبا حسن قد يجلب اليوم ما ترى ... وقد ربّما احتكت بالأفعى عقرب(2)
ثم رجع الأمير علي بن يحيى ولم يصر كبيرة.
أحمد بن القاسم بن وهاس [ - ]
السيد الإمام اللغوي الأديب أحمد بن القاسم بن وهاس بن أبي هاشم، كان عالماً أديباً، قرأ على عمِّه الأمير الحسن بن وهَّاس، وقرأ عليه في العربية برهان الدين بن الربيعي - رحمه الله -.
أحمد [بن القاسم] بن عبد الله بن إسماعيل [ - ]
السيد الأمير الخطير شمس الدين، أحمد الطاهر الحسيب النجيب بن القاسم، قدوة أهل عصره بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن إسماعيل أبي البركات (بن أحمد بن القاسم المجاهد بن محمد بن القاسم بن إبراهيم - عليه السلام - قال السيد يحيى بن القاسم الحمزي)(3) - رحمه الله - كان من أعيان أهل الزمان وأهل الفضل والإحسان.
أحمد بن القاسم المنصور بالله(4)[1007 - 1076 ه‍ ]
__________
(1) يستقيم الوزن إذا صار: أبا حسنٍ ما جئت أطلب مقترفاً ولكن جئت غير مقترفٍ أطلبُ
(2) في (أ): أبا حسن قد يجلب اليوم ما ترى. وفي (ب): أبا حسن قد يجلب النوم ما ترى. ولعل (بالأفعى): بالأفاعي ليستقيم الوزن.
(3) سقط من (أ) وهو في (ب).
(4) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 178 - 179 ترجمة رقم (80) ومن هامشه: بهجة الزمن - خ - اللطائف السنية - خ - الجامع الوجيز - خ - ملحق البدر الطالع (42)، سيرة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم - خ - الجواهر المضيئة، ترجمة رقم (84)، إجازات الأئمة - خ - .

السيد السامي النبراس شمس الدين، أحمد بن القاسم المنصور بالله بن محمد بن علي اليوسفي - رحمه الله - كان رئيساً جليلاً سامياً مهيباً، من أعضاد الدين، وأعمدة المسلمين من أهل الحميَّة على الإسلام، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وتولَّى الأعمال الكبيرة في صعدة لوالده - رحمه الله - ولأخيه، وكمل، وسارت بذكره الركبان، وقد كان تولَّى (الشرف)، ثم تولَّى صعدة المحروسة، وكانت أيام الشدَّة وهو أميرها وسلطانها، فأحفل(1) إليه القريب والبعيد وآوى إليه أرباب البيوت، فأنزل الجميع منازلهم، وأطعم الطعام، وكان وجوده من رحمة الله بخلقه في تلك الشدَّة، وكان يأمر باصطناع الطعام الواسع، ثم يأمر بتفريقه بالليل على أيدي أهل الفضل، وممّن أحب أن يتولى ذلك القاضي الرئيس الحسن بن علي الأكوع، والفقيه الفاضل صالح (بن صلاح)(2) العفاري، واستمرَّ على ذلك الإحسان حتَّى عطف الله بعواطفه، ومع ذلك فهو يجيز الشعراء بالمنح والرَّغائب إلى صنعاء وغيرها، ولذلك مدحه الكثير من الفضلاء. وادَّخر عدَّة للحرب كاملة، ولمَّا كان الفتح على أعداء الله الّذي /163/ تعقبه الفتح المبين، كان من حسن تدبير الله ما ألهم إليه الإمام المؤيَّد بالله الذي هو خرِّيت(3) البهم الماهر، فجعل إخوته الثلاثة قلباً وجناحين، فجعل هذا الشمسي في أوساط الجهة في السمت ما بين صعدة وصنعاء، وجعل الحسن - رضي الله عنه - الآتي ذكره في الجانب الشرقي، والحسين - أعاد الله من بركته - في الجانب الغربي، وأوقعوا بأعداء الله الوقائع، وأنزلوا بهم الرَّوائع حتى استقامت القناة العلوية، والحمد لله رب العالمين، ثم استقرت ولايته على بلاد حاشد وبكيل والمغرب إلى ما يصاقب (كحلان) من (ثلا) وبلادها (وقارن)(4)
__________
(1) في (ب): فأجفل.
(2) سقط من (أ).
(3) الخرِّيت: الدليل الحاذق.
(4) قارن: قرية في البون الأعلى، تتبع إدارياً ناحية جبل عيال يزيد، بالشمال الغربي من عمران (معجم المقحفي ص: 501).

وغير ذلك، وكان أيام إقامته بصعدة قرأ على شيوخ قرنَه بهم والده، ثم أخوه - عليهم السلام - من أجلاء العلماء كالقاضي علي المسوري وصنوه سعد الدِّين فإنهما كانا من أهل العهدة الدينيَّة والدنياوية، والقاضي سعيد الهبل، وكان محفوفاً بعلماء أكابر كالسيد داود بن الهادي، والسيد علي بن إبراهيم الحيداني، وكان عنده من أهل الرَّأي والحرب من ذكرنا، والحاجَّان الكاملان أحمد بن عواض الأسدي، وأحمد بن علي بن دغيش الصريمي العبشمي(1)، وكان إليهما النهاية في الحزم والكمال، فأما الحاج أحمد بن عواض فما أشبهه بأبي السرايا - رحمه الله تعالى - وله مع ذلك تفقه وعرفان على قواعد الأئمَّة، وأمَّا الحاج أحمد بن علي فكان صاحب رأي يشبه الحباب بن المنذر كما قال بعض أعيان وقته جهلت من هو، وهو أحد رجلين القاضي عامر بن محمد أو الحاج أحمد ما لفظه أو معناه: الرَّأي عند الحاج أحمد بن علي بن دغيش أو كما قال. وكان متورعاً، ولا يأكل من ذبائح العامَّة المحكمين للطواغيت كبلاد بني جماعة وبني خولي(2)، وصبر على ذلك، وكان لا يتوضأ من آنية الأدم التي من ذبائحهم، وكان الإمام القاسم - عليه السلام - يتوضأ منها، ويتعمّد أن يفعل ذلك، والحاج - رحمه الله - يرى عند أن يقوم الخطيب إلى المنبر، وكانت الجن يقرأون على الحاج المذكور - رحمه الله - وهذا عارض لكنه مقارب لما نحن فيه، فلمَّا سكن السيد شمس الدين أحمد بن الإمام بعد وضع الحرب أوزارها بصنعاء قرأ على القاضي العلامة إبراهيم بن يحيى السحولي والقاضي العلامة أحمد بن سعيد الهبل، وكان يحضر مقامهم الفضلاء، وعمر الجامع المقدس في الروضة وهو من عجائب الدنيا، أمَّا في الإقليم اليماني فما له نظير وإن كانت البلاد اليمنيّة المباركة معمور فيها المساجد الكبار، فهذا فيه كيفيّات،
__________
(1) في (ب): الغشمي.
(2) بنو خولي: - بفتح الخاء – قبيلة من قبائل مُنَبِّه، شمال غرب مدينة صعدة. (معجم المقحفي ص 588).

وما ترك وجهاً محسناً إلا فعله، فهو في الغاية، ووقف له أوقافاً واسعة - أعاد الله من بركته- وتولَّى قبله(1) ذلك الجامع الفضلاء، وهو الآن نقطة البيكار ودرة التقصار، وكما يقال: روضة في الروضة، بلغنا أن الأعاجم/164/ يكتبون في نقوشهم صُورته. وبعد موت الإمام المؤَّيد بالله دعا دعوة، اختلفت ساحَاتها بالإجابة، وخطب له على المنابر جميعها إلا ما كان بالمدن الوسطى من اليمن وضوران، ثم كانت أمور عادت إلى السلامة واستقرت هذه الدعوة المتوكلية المسعودة عمر الله بها الإسلام وأهله، وتولَّى المولى شمس الدين صعدة وبلادها عن أخيه، ثم انتقل إلى جوار الله بها، وعمرت عليه قبَّة فائقة الشكل بحيث إنها زينة(2)، وقد ذكرنا أنها قيلت فيه المدائح فلنذكر من ذلك ما تيسر - إن شاء الله تعالى - من ذلك ما مدحه به السيِّد العلامة صلاح بن عبد الخالق الحجافي(3) - رحمه الله تعالى -:
ما أصبح الجود يدعى أشرف الرتبِ ... إلا وفي نيله الأقصى من التعبِ
ولو حوى كل مجدٍ غيره ملك ... من السياسة والإقدام والأدبِ
__________
(1) لعلها: قبلة.
(2) حاشية في (ب): ومن كراماته ما روي عن السيد العلامة إبراهيم بن محمد الملقب (ابن حورية) وذلك أنه كان بينه وبين الوالد أحمد بن القاسم - رحمهم الله - في الحياة شيئاً، وكان السيد إبراهيم بعد موت الوالد أحمد إذا دخل صعدة لا يزوره، ويتعمد ترك دخول قبته، فرأى في بعض لياليه في منامه كأنه مارٌّ من تحت قصر من عقيق أحمر لم ير مثل ذلك العقيق، فعجب في نفسه ثُمَّ رفع نظره فإذا أحمد بن القاسم - رحمه الله - في كوةٍ مشرفة، فسأله لمن ذلك القصر؟ فقال: لي، أكرمني به بسبب إطعامي الطعام في سنة المجاعة، وما عَدَّ لي الله على عمارة جامع الروضة فوق ذلك، فدخل السيد إبراهيم - رحمه الله - صبح تلك الليلة قاصداً زيارته وداره، فلما خرج منها سأله بعض من كان عنده فأخبره السبب، ولله الحمد كثيراً.
(3) لعلها: الجحافي.

لعد عطلاً من المجد الرفيع وإن ... حوَى يسيراً فليس الرأس كالذنبِ
هي المواهب للجزل النفيس على ... حرص الملوك على الأموال والنَّسبِ
وما رأيت مدى عمري ولستُ أرى ... أهدى لمجدٍ على لطف من السببِ
ولا أقل اعتلالاً حين يسأله ... وقد توارى الملوك الصَّيد بالحجبِ
ولا أهش لبذل العرف حين غدا ... من يسأل العرف يخشى ذروة النوبِ
ولا أشد ادكاراً للصَّديق وقد ... جرَى التناسي من ابنٍ مشفق لأبِ
من أحمد بن أمير المؤمنين ومن ... سارت مناقبه في العجم والعربِ
الأشرف النسب بن الأشرف النسب بن الأشرف النسب بن الأشرف النسبِ
مؤيَّد(1) الرأي ماضي العزم إن وقفت ... سياسة العز بين العجز واللعبِ
قد جرَّبته خطوب الدهر فانفرجت ... عن فارجٍ لم يَخَفْ خطباً ولم يهبِ
وهزَّ منصلة المنصور والده ... فما مقالك في الصمصام ذي الشظبِ
ثم المؤيَّد مولانا المؤيَّد مُذ ... دعاه كشف عنه ظلمة الكربِ
وقال فيه العلامة العابد علي بن الحسين المسوري - رحمه الله تعالى -:
أنت لهذا الأنام سيدُهُ ... وأنت في ذا الزمان أوحدُه
(وأنت شمس الهدى المضيَّة إن ... ليل ظلال أظل أسودهُ)(2)
وأنت سيف الإله سلك في ... رؤوس أهل العناد يغمده
ليث على المعتدين مرتعه ... لحومهم والدماءُ مورده
سهم إله السماء رائشه ... إلى نحور العُدَى(3) يسدده
إن طال من فاسقٍ تمرُّده ... فأنت تعينه(4) ثم تنجده
/165/
جودك في العالمين ينعش من ... كانت خطوب الزمان تقعده
فطالب العرف أنت ترفده ... وخائف الجور أنت تنجده
أنت الذي فعله علا وزَكا ... كمثل ما طاب قبل محتده
صفات علياك لستُ أحصرها ... والرمل والقطر من يُعدده
ألبسك الله ثوب مفتخرٍ ... ما الدَّهر يبليه بل يجددُهُ
كفاك فخراً بأن نماك إلى الـ ... ـعلياء من ذا الزمَّان(5) أسعده
__________
(1) في (ب): مؤيدي.
(2) في (ب): تقدم البيت الثالث على الثاني.
(3) لعلها: العدا.
(4) لعلها: تغنيه.
(5) في (ب): الأنام.

إمامنا من سمت مكارمه ... أجلُّ هذا الورى وأرشده
خير بني أحمد النبي ومن ... لدينه لم يزل يشيده
القائم القاسم بهزه ... لباب أوصافه وسؤدده
واسمح الناس بالعطاء إذا ... عضَّ زمانٌ بما حوت يده
يبذل ما ليس ينتهي أمل ... إليه ممن أتاه يقصده
أيده الله من بنيه لمن ... طاب علاه وطاب مولده
فمن إذا قيل من لحاجتنا ... قلنا وحيد الزَّمان أوحده
بلّغه الله ما يؤمِله ... وشاد بنيانه وخلَّده
أحمد بن القاسم الشامي(1)
الفقيه النبيل عضد الدين أحمد بن القاسم الشامي - رحمه الله تعالى - كان من العلماء (النبلاء)(2) الكملاء البلغاء المجيدين المكثرين في الشعر، وله غيرة وحميَّة على الإسلام لا يألو في العزيمة لله جهداً وسنذكر من شعره ما يدل على علوِّ منزلته في كل ما وصفناه به، وله في الإمام المهدي علي بن محمد قصائد مستجادة، وله إلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى متاحفات، وكان من أشياعه ومحبيه، ولهما الكرامة المشهورة، وذلك أنه كان(3) الإمام يخرج هو وشيعته، ومنهم الفقيه المذكور من المسجد ليلاً والجو تضطرب رياحه، وذلك في جهة المغرب وهي من حزون البلاد(4)، وهذا الإمام مكين الجاه عند الله عظيم المنزلة أودع الله فيه(5) أسراراً كثيرة، وكفى بأمرين، أحدهما: علومه فإنها أشهر ما في أيدي أهل اليمن بل والحجاز والعراق، كما أشار إلى ذلك - عليه السلام - بقوله:
قد صار ما منعُوه في حَلي وفي البيت العتيق وينبع وعراق
__________
(2) سقط من (ب).
(3) المفروض: أنّ الإمام كان يخرج.
(4) في (ب): فيرون ضياءً يأتمون به إلى منزل الإمام.
(5) في (ب): لخلقه.

30 / 182
ع
En
A+
A-