على القاضي العلامة بقيَّة المتكلمين عبد الهادي بن أحمد الحسوسَة - رحمه الله - وأثنى عليه بعبارة تفيد أنه من أجلَّ من قرأ عليه في هذا العلم، روَاها سيّدنا العلامة علي بن سعيد الشريحي المقري - رحمهم الله جميعاً - وتولى القضاء بأمر إمامه المؤيَّد بالله - عليه السلام - بجهات عديدة منها حَيْس(1) من نواحي تهامة، وصلح بواسطته خلائق؛ لأنه كان حسن الأخلاق كامل الصنعة في جذب القلوب إلى الحق، ومن عجيب ما اتفق أن بعض تلامذته من الشافعيَّة أحب أهل البيت - عليهم السلام - وتمسَّك بولائهم، فاتفق أن حضر ذلك الشافعي في حضرة بعض ساداتنا الأعلام بمدينة تعز، وحضر يومئذٍ بعض الناصبيَّة فقرأ الناصبي: ?مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ..? (الأحزاب:40) الآية، ومقصوده معروف بهذا، فقرأ الفقيه المتخرج بالقاضي شمس الدين على الفور عقيب قراءته: ?فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ? (آل عمران:61) وهذه ملحة حسنة استفدتها من سيدي أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين المنصور بالله - سلام الله عليهم -. وله أشعار حسنة، منها جوابه على السيد الناصر بن محمد صبح الغرباني الخارج أيام الإمام القاسم /155/ - عليه السلام - وادَّعى أنه الإمام المنتظر، ورام من والد القاضي المذكور المناصرة، فخذل عنه لوجوب ذلك شرعاً عليه وعلى السيد أيضاً، فإنه كان قد التزم أحكام
__________
(1) حَيْس بفتح الحاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت، ثم سين مهملة، مدينة بالجنوب من زبيد بمسافة 35 كيلومتر، نسبت إلى بانيها الحيس بن يريم بن ذي رُعين بن كريب بن نعامة بن شرحبيل الحميري، وهي بلدة اشتهرت بالصناعات الفخارية خاصة آنية (الحيس) وكذا اشتهرت بزراعة القطن (المصدر السابق ص: 203).
الإمام القاسم - عليه السلام - ولكنَّها غرَّته الأماني، ولمَّا لم يطاوعه القاضي كتب إليه:
قل لعلاَّمة هلمَّ إلينا ... نحن ساداتكم عيال الرسولِ
عندنا العلم لا تطولوا علينا ... تصبحوا في الهوان يوم القفولِ
قال ربي بأننا طاهرينا ... فعل ربي وهل له من مثيلِ
نحن لحم الرسول بحور علوم(1) ... وارثون(2) الرسول خير الكهولِ
إن تميلوا عن الدلالة يوماً ... عن إمام الزمان زاكي الأصولِ
سوف تأتونه وعما قريبٍ ... تطلبون الوصال عند الوصولِ
نصرنا كائن بأمر عزيز ... قاهر قادر كثير الفصولِ
ليس أمثالكم لنا من نصير ... حسبنا ربنا مزيل الطلولِ
كيف حال امرئٍ يقول مقالاً ... باهتاً خائناً لآل الخليلِ
نحن في هذه أئمة حق ... رغم أنف البغيض شبه الهبولِ
نحن في الحشر شاهدون عليكم ... عند ربي وعند جدي الرسولِ
وتركت بيتين لركتهما، فأجابه القاضي شمس الدين - رحمه الله تعالى - بأمر إمامه المؤيد بالله؛ لأن السيد ناصراً استمر على استمرار الخلاف مدة خلافة الإمام القاسم، وصدر من خلافة ولده فأمره الإمام بالجواب، وقد كان اقتصر على البعض من هذا الجواب، ولم يذكر مآثر سلفه وسابقتهم، فأمره الإمام بزيادة قوله:
وسمعنا مقالة منك تنبي ... بمفاهيمها عن التغفيلِ
قولكم ما لمثلنا النصر فيما ... رمت من ارتكاب خطب جليلِ
إلى آخر القصيدة وهي هذه:
عترة المصطفى الكرام دليلي ... وهُداتي إلى سواء السَّبيلِ
اتبع السَّابقين منهم مطيعاً ... عادلاً عن مسالك التعطيلِ
وإذا كان منهم ذا اقتصادٍ ... كنت ممَّن يراه بالتبجيلِ
وأناوي سواهم لا أبالي ... لكثير تقوله أم قليلِ
وإذا طلت كان طولي بحقٍ ... عد عن قولك العريض الطويلِ
/156/
لست في ابتداع قال وقيلٍ ... من فريق يخوض في التطويلِ
كن من الآخرين إن شئت إمَّا ... رتبة لا تنال بالتبجيلِ
__________
(1) لعلها: أبحر علمٍ ليستقيم الوزن.
(2) هكذا: مع أن الإضافة تتطلب حذف النون.
فاطوٍ عمَّا تريد من تلك كشحاً ... قد سبقتم وقنتم بالفحولِ
سَبق علمٍ ودرية واختبارِ ... حسبما قد علمت بالتفصيلِ
ومع السبق لا سباق(1) وإلاَّ ... فهوَىً والهوَى من التضليلِ
وسمعنا مقالةً منك تنبي ... بمفاهيمها عن التغفيلِ
قولكم ما لمثلنا النصر فيما ... رمت من ارتكاب خطب جليلِ
نحنُ أنصار قائم الحق لا من ... ليس في وقتنا لها بأهيلِ
وبنا تنصر الخلائف قدماً ... وسوانا يُعاب بالتخذيلِ
سل تخبرك عن مواقف صدقٍ ... عزَمات لنا بحدّ الصقيلِ
هِزمٌ(2) كان فيه هزم الأعادي ... وكشهران(3) والرجو(4) والنقيلِ(5)
وسواها وكم أعدُ حروباً ... كم أسيرٍ بها وكم من قتيلِ
كم جرت من وقائع نحن فيها ... رُؤساء لحاشد وبكيلِ
تحت رايات من بهم ظهر الدين ... واستوى عدلهم على كل جيلِ
نحن ممن يشن غارات قوم ... ويقود الرعيل بعد الرعيلِ
وبهذا وذاك نبغي رضا الله ... وما قد قضاه في التنزيلِ
لا لدنيا كما زعمت لدينا ... أي دنيا رأيت تقضى بميلِ
وسلام الإله كل غداةٍ ... تبلغ المصطفى وكل أصيلِ
وكانت وفاته - رحمه الله - في صنعاء المحروسة، ودفن عند العلامة النحوي، وكتب عليه سيدنا العلامة وجيه الإسلام عبد العزيز بن محمد النعمان الضمدي أبياتاً وهي:
__________
(1) في (ب): شقاق.
(2) هِزَمٌ: بكسر ففتح. قرية كبيرة في أرحب شمال مدينة صنعاء بمسافة 38 كيلو مترا. (معجم المقحفي ص:1821).
(3) شَهران: قرية في جبل عيال يزيد. (المرجع السابق ص 882).
(4) الرَّجو: قرية في أرحب شمال صنعاء بجوار قرية (مُدَر) الأثرية. والرَّجو: من قرى الأشراف في مأرب. (المرجع السابق 675).
(5) النَّقِيْل: بفتح فكسر. قرية في بلاد الروس من أعمال محافظة صنعاء. (المرجع السابق ص 1760).
يا قبرُ حلَّ بك الأديب اللَّوذعي(1) ... وثوَى بلحدك ذو المقام الأرفعِ
وعلا بتربتك اليفاع مهذب ... كانت محاسنه تعز على النعي
أضحى لك الفخر العليُّ بأحمدٍ ... وبما أنيل من المفاخر أجمع
حمداً لوجهِ الله إذ أمضى لنا(2) ... ما يرتضيه وإن علا في المفجع
مولده - رحمه الله - في عشيَّة الجمعة حادي شهر شعبان سنة ثلاث وألف، ووفاته ليلة الجمعة سادس شهر ربيع الآخر سنة أربعين وألف سنة.
أحمد بن علي الوعلاني(3) [ - ]
الفقيه العلامة شمس الدين أحمد بن علي الوعلاني - رحمه الله - ذكر لي بعض مشائخي شيئاً من محاسنه /157/ ثم وجدت أبياته، وقد كان أفادني بعضها شيخي المذكور، وقد اقتصرت من ذكره على هذه الأبيات الموجهة إلى السيد محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم - رحمهم الله تعالى -:
أهدِي إلى نجران بسراً ومن ... نجران في الأيام يُهدَى الرُّطَبْ
رثاث طرحها قد وجب وأقصد الهندِ بأخلاق أثوابْ
لكنَّه من لم يكن واجداً ... وعارض المُهدين أهدَى الحطبْ
أيا ابن عبد الله نجم العلا ... منزه العرض كريم النسبْ
يا بن النجوم الزهر من هاشمٍ ... أشرف من في عجمها والعربْ
محبكم يرغب في مدحكم ... يذكركم في نظمه والخطبْ
وما له في غيركم حاجةٌ ... لو كان يعطيه كنوز الذهبْ
لم تسمح النفس بمدحي الذي ... لا يعرف الحق لأهل الأدبْ
ولا بإعطاء الدر من لم يكن ... يعرف قدر اللؤلؤ المنتخبْ
ودهرنا صار عظيم الجفا ... لم يبق في أبنائه من يهبْ
ولم أكن ممَّن له حيلة ... في مهنَة الكسب وسُوء الطلبْ
فقمت للحرث بلا طاقةٍ ... والحرث يا مولاي فيه النصبْ
فما الذي تنظر في شأننا ... لا عظَّك الدهر بناب النوبْ
انتهى الموجود، ولعله من آل المكين وهم من ولد فروة بن مسيك الصحابي - رضي الله عنه -.
__________
(1) اللّوذعي: الخفيف الذكي، الظريف الذهن، الحديد الفؤاد، واللسن الفصيح، كأنه يلذع بالنار من ذكائه. (القاموس المحيط ص 703).
(2) في (ب): بنا.
أحمد بن علي بن سلامة(1) [ - ]
القاضي العلامة المفيد شمس الدين أحمد بن علي بن سلامة القيسي - رحمه الله تعالى - من أعيان أعلام المائة الثامنة، وكان حاكماً بشظب، ذكر ذلك السيد العلامة الهادي بن إبراهيم في (رياض الأبصار)(2) هو والقاضي العلامة أحمد بن علي بن حرمل، كما سنذكره (إن شاء الله)(3) عند ذكره قريباً.
أحمد بن علي بن حرمل(4) [ - ق 8 ه ]
الفقيه الجليل النبيل أحمد بن علي بن حرمل - رحمه الله - وهو أيضاً من أعلام المائة الثامنة كما ذكره السيد جمال الدين حيث قال:
وفي شظب بالحبر نجل سلامةٍ ... وبابن السعود المحتبى(5) وابن حرمل
وهذا ممن ذكره (من)(6) أهل وقته، وهو من أعلام المائة الثامنة، وكان ابن حرمل حاكماً أيضاً.
أحمد بن علي بن محمد(7) [ - ق 9 ه ]
__________
(2) رياض الأبصار في ذكر الأئمة الأقمار والعلماء الأبرار وشيعتهم الأخيار (أرجوزة) للسيد العلامة الهادي بن إبراهيم الوزير المتوفى سنة 822ه، ورياض الأبصار، خطي منه نسخة خطت سنة 1055ه ق 217ـ 231 رقم (3154)، مكتبة الأوقاف، أخرى (197 مجاميع، ثالثة 255 مجاميع غربية، رابعة امبروزيانا 119، أخرى بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي خطت سنة 1139ه ضمن مجموع، أخرى ضمن مجموع بمكتبة السيد عبدالرحمن شايم خطت سنة 1173، أخرى مصورة بمكتبة الهادي.
(3) زيادة في (أ).
(5) لعلها: المجتبى.
(6) كذا في (ب)، وفي (أ): ممن ذكره أهل وقته.
(7) مؤلفات الزيدية 2/309، نشر العرف 3/316 (طبع مركز الدراسات) استطراداً في ترجمة يحيى بن حسن الآنسي، صلة الإخوان - خ - أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (126).
الفقيه الفاضل العالم أحمد بن علي بن محمد بن علي الأعقم (- رحمه الله -)(1) من قَريَة مسطح(2) من بلاد (آنس)، كان عالماً عابداً، له تفسير مفيد مشهور عند الزيدية -كَثَّرهم الله - يكتبونه في هوامش المصاحف. وأخبرني بعض من ينتمي إليه وهو الأخ الفقيه العلامة محمد بن عبد الله الآنسي - رضي الله عنه - أنه من عقبه، وأن قبره بصنعاء عند قبر السيد المهدي وابن حجاج، وأنَّ له ابناً عالماً فاضلاً قتل بمعبر(3) مع جماعة الإمام المهدي /158/ - عليه السلام - ووالده علي المذكور له إجازة من العلامة أحمد بن سليمان الأوزري في السير(4) والرياض للفقيه يوسف - رحمه الله - وذكره بعض المنتمين إليه أن اسمه ونسبه كما ذكر هنا.
أحمد بن علي مرغم(5) [ - ]
__________
(1) سقط من (أ).
(2) مسطح: بلدة قبلي جبل الشرق آنس، كانت قديمة من هجرات العلم التي يقصدها الطلبة (معجم/ المقحفي ص: 591 - 592).
(3) معبر بفتح الميم وسكون العين وفتح الباء الموحدة بعدها راء، مدينة بالجنوب من صنعاء بمسافة 68 كيلومتر في وسط قاع جهران، عليها تشرع طريق صنعاء - تعز، وقيل: إنها سميت كذلك لأن الطريق كان يفترق عندها إلى صنعاء شمالاً، وإلى عدن جنوباً (المصدر السابق ص: 609).
(4) لعلها: السنن كما في أعلام المؤلفين الزيدية ص: 148 ترجمة رقم: 126.
(5) صلة الإخوان - خ - المستطاب خ - مكنون السر - خ - مصادر الفكر العربي والإسلامي للحبشي ص 46، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 131، مؤلفات الزيدية 1/265، 3/75، هجر الأكوع ص 23، مكتبة الأوقاف 314، فهرس المكتبة الغربية ص 62، الروض الأغر 1/64، وطبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 169 - 170 ترجمة رقم : 72.
القاضي الإمام الكبير، شيخ الشيوخ، أحمد بن علي مرغم من مراغمة صنعاء، شهير كبير، قرأ عليه الإمام علي بن محمد، والسيد محمد بن الحسن بن أبي الفتح - رحمه الله - وأجاز للسيد محمد في الثالث من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة بمسجد الخراز بصنعاء. ومن شيوخه - رحمه الله - الشيخ علي بن إبراهيم (بن)(1) عطيَّة، والشيخ علي تلميذ الإمام يحيى، والإمام يحيى - عليه السلام - قرأ على علي بن سليمان البصير، وعلي بن سليمان، قرأ على الشيخ محمد بن سليمان بن جعيد، وابن جعيد قرأ على شعلة.
أحمد بن علي المعروف بابن الفصيح(2) […ـ …]
الفقيه العلامة شهاب الدين عين زيديَّة الكوفة أحمد بن علي المعروف بابن الفصيح - رحمه الله - ذكره العفيف الصراري في أشياخ مشيخته - رحمه الله - وذكره السيد أحمد بن عبد الله في إسناد مختصر جامع آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - .
أحمد بن علي بن جعفر(3) [ - ]
الفقيه العلاَّمة العارف شمس الدين أحمد بن علي بن جعفر بن تريك الصعدي - رحمه الله - هو من فصيلة العلامة المطهَّر بن محمد بن حسين بن محمد بن يحيى بن تريك الشهير الآتي إن شاء الله ذكره، وكان لأحمد فضيلة في العلم، ورأيت لوالده علي - رحمه الله تعالى - حسباناً مني أنه والده أثراً ودلائل على مكانة في العلم والله أعلم.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 170 - 171 ترجمة رقم: 73. قلت: وترجم له خير الدين الزركلي في الأعلام 1/175 باسم أحمد بن علي بن أحمد الكوفي البغدادي، أبو طالب فخر الدين بن الفصيح، وذكر مولده سنة 680ه ووفاته سنة 755ه، وذكر أنه من فقهاء الحنفية.
أحمد بن عيسى بن زيد(1) [ 158 - 240 ه ]
الإمام السيد الحجَّة، فقيه آل الرسول أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، سلام الله عليهم(2)، كان يلقب بفقيه آل محمد، ويعرف بالمختفي لأنه اختفى ستين سنة، قال الشريف ابن عنبة: وأمه عاتكة بنت الفضل بن عبد الرحمن بن العبَّاس بن الحارث هاشميَّة، وهو عالم فقيه كبير زاهد ورع، مولده سنة ثماني وخمسين ومائة، ووفاته سنة أربعين ومائتين، عمي في آخر عمره، وكان أحمد بن عيسى قد بقي في دار الخلافة منذ تسلمه الهادي بعد وفاة أبيه عيسى، ولمَّا مات الهادي كان عند الرشيد إلى أن كبر، وخرج، ثُمَّ اختفى، فقال شيخنا أبو نصر البخاري: طلبَه المتوكل فوجده في بيت ختنه بالكوفة، وهو إسماعيل بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن عبد الله بن العبَّاس بن علي بن أبي طالب وكانت تحته أمة الله بنت أحمد بن عيسى بن زيد، فوجده وقد نزل الماء في عينيه فخلى سبيله، وحكى الشيخ أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني الكبير أنه توفِّي إسحاق الموصلي المغني في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين ومائتين، نعي إلى المتوكل فغمه، وحزن عليه، وقال: ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته، ثُمَّ نعي إليه بعده أحمد بن عيسى بن زيد - عليه السلام - فقال: تكافأت الحالتان، وقام الفتح بوفاة أحمد، وما كنت من وثبته على مقام الفجيعة بإسحاق، فالحمد لله على ذلك، /169/ هذا كلامه، وأوَّل ما طالعت هذه الحكاية في
__________
(1) معجم رجال الاعتبار (طبع مؤخراً)، معجم الرواة في أمالي المؤيد بالله، رأب الصدع ج 3/118، ربيع الأبرار ج 8/399، أعيان الشيعة ج 3/56 - 59، الأعلام ج1/192، مقاتل الطالبيين 399، طبقات الزيدية - خ - لسان الميزان لابن حجر ح 1/62، مشاهد العترة الطاهرة 200، 38، عمدة الطالب 321، سر السلسلة العلوية 89، الفلك الدوار 62، التحف 45، مؤلفات الزيدية ج1/153، 195، ج 2/218.
(2) في (ب): - عليهم السلام -.
كتاب الأغاني كتبت على حاشية الكتاب بيتاً بدهني في الحال.
يرون فتحاً مصيبات الرسول ويغـ ... ـتمون إن مات في الأقوام عَوَّادُ
هذا كلام الشريف بن عنبة - رحمه الله - وكتب شيخنا وسيدنا شمس الدين أحمد بن سعد الدين بعد هذا (البيت)(1) ما لفظه: قال الفقير إلى الله تعالى أحمد بن سعد الدين بن الحسين بن محمد المسوري - ثبته الله وغفر له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات -: ولمَّا وقفت على هذا البيت تقَّربت إلى الله - عزَّ وجلَّ - وإلى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأهل بيته بإجازته بخمسة أبيات هي:
لأنهم لا يرون الدين غير هوى ... وأنهم لكتاب الله جحادُ
وأن همَّة أهل البيت شامخة ... إلى الهدى وأماني القوم إلحادُ
كم بين من شغله القرآن يدرسه ... وللورى منه تعليم وإرشادُ
وبين من بالملاهي كان مشتغلاً ... وسعيه في بلاد الله إفسادُ
شتَّان كلٌ له هم يؤرقه ... وعنده فيه أغوار وأنجاد
__________
(1) سقط من (أ).
قال سيدنا - رحمه الله -: وما أنسب هذه الأبيات بما في كنز الأخبار في الأخبار في ترجمة المتوكل العباسي المذكور، قال فيه: ولم يكن فيه أحد ممن تقدّمه من أهل بيته ظهر في مجلسه العبث والهزل والمضاحك مثله، وسعى إليه بأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم وغيرهم من شيعته، وأنه قد عزم على الخروج والوثوب بالدَّولة في دار الخلافة، فوجَّه إليه ليلةً عِدَّةٌ من الأتراك، فهجموا منزله على غفلةٍ، فوجدوه في بيتٍ منه مغلق عليه وعليه دراعة صُوف مفترش الرمل والحصى، صافّاً قدميه في الصلاة، يترنَّم بأياتٍ من الوعد والوعيد، ولم يوجد في منزله شيء مما قيل، ولا حالة يتعلق بها عليه، وحملوه إلى المتوكل على حالته تلك، فلمَّا دخلوا عليه أعظمه، وأكرمه، وأجلسه إلى جانبه، ومدَّ يده إليه بكأس خمر كان في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، والله ما خالط لحمي ودمي قط فأعفني منه فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً استحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للشعر، قال: لا بدَّ أن تنشدني فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرقاب فلم ينفعهم القللُ
واستنزلوا بعد عزٍّ من معاقلهم ... وأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا ... أين الأسرَّة والتيجان والحللُ
أين الوجوه التي كانت منعمة ... من دونها تضرب الأستار والكللُ
/160/
فأفصح القبر عنهم حين ساءله ... تلك الوجوه عليها الدود تقتتلُ
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا