ومن لطائف سيدنا - أبقاه الله تعالى -: أن بعض العلماء عاد من صنعاء بعد قراءة علوم الأدب، فذكر للقاضي ما ناله من التحقيق، والقاضي - أيَّده الله تعالى- في المهمَّات /120/ التي وصفنا، ثم قال للقاضي: ومن جملة ما حققنا مسألة أشياء هل هي لفعاً أو فعلاً، ثم وجَّه السؤال إلى سيدنا عن هذا البحث فقال له عافاه الله سريعاً: لا تسألوا عن أشياء، وأنا أسأل الله العظيم البر الرؤوف الرحيم أن يصلي ويسلم على سيدنا محمد، وعلى آل محمَّد وأن يمتع الإسلام بوجوده، وأن يشمله وإياي ببِّره الهامل(1) وجوده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
[قال المصنَّف - رحمه الله - بخط يده الكريمة بعد موت القاضي - رحمه الله - ما لفظه](2): يقول المكلوم قلبه، المثلوم لبّه، الجزع لفراق الحبيب، المتجرع من كأس الأسى بما كان يرجو أنه ليس للكرام فيه نصيب، أحمد بن صالح بن أبي الرجال، كاتب هذه كنت حرَّرت هذه السطور، والقاضي عادت بركاته صدر الصدور ونور هالات المحافل والبدور، قبل أن تمد إليه المنية يدا، ولا سمع من تلقاء ربه للرحيل نداء، وذلك في عصور شهر شوال من سنة ثماني وسبعين وألف، وكان - رضي الله عنه - كتب إليَّ في شعبان من هذه السنة ما هذا حاصله: (وصلت كتب سيِّدي الكريمة، الحديثة والقديمة، واقتضى الحال التسامح عن الجواب، لعوَارضٍ وأسباب، وعجز فيما تحت الثياب، وأسأل الله لي ولكم ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الثبات، والمغفرة لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، وهذه الثانية والسَّبعون من السنين أشرف طلوعها مع ثاني شعبان، أدخله الله على الجميع بالرضوان، وغفر لنا ورحمنا وكتبنا في الأبرار، الذين كتبت لهم رحمته التي وسعت كل شيء، وقد قال الناصر بن الهادي -صلوات الله عليهما -:
أبعد الأربعين رجوت خلداً ... وشيبك في المفارق قد علاكا
__________
(1) في (ب): الكامل.
(2) العبارة التي بين المعقوفين ليست للمصنف ولعلها لأحد النساخ.
كأنك بالذي لا بدَّ منه ... من امر الله ويحك قد أتاكا
وأحسن طلائع (ابن رزيك) حيث قال:
أبعد خمسٍ وأربعين لقد ... ما طلت إلا أن الغريم كريم
فكيف وكيف) هذه ألفاظه - رحمه الله تعالى - إلا لفظة الثبات فأظنها سقطت فعوضتها والمسلمين والمسلمات بدل على المؤمنين والمؤمنات، فأثار لوعظه هذا كميناً، وأظهر من العبرة والإدكار داءً دفينا وبعد هذا عرض له ألمٌ في الحضرة المتوكليَّة لم تستقرَّ الأغذية في معدَته فدخل إلى (شهارة) المحروسة، وجاءنا كتابه يذكر ذلك العارض ووهن القوى، فلم تزل قلوب المسلمين به مشتغلة، ونيران الوجد منهم مشتعلة، حتى لم نشعر إلا بكتب الأصحاب الجلَّة الخيار بمعمور شهارة يخبرون بانتقال روحه الكريمة من هذه الدار إلى الآخرة التي هي دار القرار، وأنه توفي - رضي الله عنه - يوم الثلاثاء سادس عشر شهر محرم غرَّة سنة تسع وسبعين وألف، وقبره في جوار المنصور بالله والمؤيَّد بالله - سلام الله عليهما - وعليه، وأخرجت المصاحف للتلاوَة /121/ في الجامع، واجتمع الخلق يقرأون القرآن ووجهه الكريم مقابل القبلة وبقي على هذا ساعات طويلة حتى يصلح التجهيز؛ لأن الوقت لم يكن وقته - أعاد الله من بركته ورضي عنه -.
قال المصنف - رحمه الله -: وكتبت أنا هذه القصيدة على عادة الفضلاء وهي:
رُوَيدكما فالصَّبر لا أستطيعه ... تمنع عن قلبي وكان يطيعُهُ
وقد كنت جلداً يألفُ الصبر خاطري ... يقولون لي رحب الجنان وسيعهُ
فها أنا يرثى لي عدوي من الأسى ... فؤادي تُشوَّى بالجحيم طلوعهُ
وذاب فؤادي فالدموع نجيعة ... فهذا فؤادي في دموعي(1) جميعُهُ
يحق لمثلي ما لَقيت وإنَّه ... ليخفَى على غيري فلست أُذيعهُ
فلَولا دُموع العين أبدَت سرائري ... كتَمت ولكن ضرَّ سري دمُوعُهُ
وهل ينبغي لي أن أرى متبسماً ... وقد هُدَّ من حصن الكمال منيعُهُ
__________
(1) في (ب): في عيوني.
ومال شمام العلم وهو شمارخ(1) ... وما كان ظَنِّي أن يميل رفيعهُ
وغاض خضم البحر(2) وهو (عطامط)(3) ... وغاب عن الأفق اليماني ربيعهُ
وغيب شمس الدين شيخ شيوخنا ... وأقوت من العلم الشريف ربوعهُ
وقد كان بحراً لا يجف عبابُه ... وقد كان بَدراً لا يزال سُطوعهُ
يترجم عن آي الكتاب بمنطقٍ ... يزيد على نظم البديع بَدِيِعهُ
فيظهر من سرِّ الكتاب عجائباً ... إذا ما رآها الألمعي تروعهُ
يراها لعجز الناس حجراً ممنعاً ... عليها من السَّتر الغليظ منيعهُ
إلى أن تجلى فانجلت مثل غيَهب ... تحلت به للناظرين شموعهُ
وكم معجزٍ أبداه كالشمس واضحاً ... أضاء الفضا لمَّا استبان طلوعُهُ
ودعا كل معنًى للكتاب ... (4)
أهاب بمعنى الذكر يأتي فجاءه ... البطيء كما قد جاء طوعاً سريعُهُ
فبخ لمن معنى الكتاب يطيعه ... ألا إنه فرد الزمان فزيعهُ
ووالله ما أغرقت في وصف حاله ... وذلك أدنى الوصف كيف رفيعُهُ
وإن أنس لا أنس الأصول فإنه ... حسام ومن ضلَّ الرشاد صريعُهُ
هو الليث والتوحيد والعدل غيله ... إذا صال في غيٍّ يفر قطيعُهُ
وهيهات لا يبقى من السرج طالعٌ ... وقد جاء من بطن العرين ضليعُهُ
ومن عجب أقلامه حين تنبري ... بميدانها والخير فيها جميعُهُ
من الصمّ إذ تدعو الصواب يجيبها ... فذاك أصم والصواب سميعُهُ
/122/
فكم رايةٍ تلوَى بميمون رايه ... وحسن قضاء الله جل مطيعُهُ
برأي يشق الشعر شقاً وإن مضى ... على صم صفوان يكاد يميعُهُ
وتوفيق رب لم يفارقه ساعة ... إذا نام فالتوفيق ذاك ضجيعُهُ
وكيف يرى التوفيق يترك سوحَه ... كبيراً وفي منشاه كان(5) رضيعُهُ
وحب بني المختار كان غذاؤه ... إذا ضيَّعته الناس ليس يضيعُهُ
__________
(1) شمارخ: الشمراخ: رأس الجبل، وأعالي السحب. (القاموس المحيط ص 245).
(2) في (ب): الجود.
(3) عطامط: لم أجدها في القاموس.
(4) الشطر الثاني من هذا البيت بياض في الأصل.
(5) في (ب): وفي منشأة وهو رضيعه.
قرَا ودرَى واستخلص الزبد وانتقى ... وشتَّان شهد المجتني وضريعُهُ
تنوح عليه الصَّالحات جميعها ... نواح ذليلٍ هدَّ منه منيعُهُ
وتبكي عليه المكرمات لأنها ... صنيعته فليبك فيه صنيعُهُ
وتبكي محاريب بها كان باكياً ... وكان بها جنح الظلام ركوعُهُ
وتبكيه أعواد المنابر كلِّها ... فما منبر إلا بكته فرُوعُهُ
لعمري لم أسمع خطابة خاطبٍ ... يشابهه ألفاظه وخشوعُهُ
دعوني وشأني فالبكا بعض حقه ... ولم يقض حقّاً من يفيض دموعُهُ
وما أنا والسلوان لو كان مسعدي ... وأملكه ملكاً لكنت أبيعُهُ
ولكنَّ لي عند الحوَادث أسوة ... إذا ذكرت في الخطب هانَ فضيعُهُ
ممات صفيِّ اللَّه والآل بعده ... ولي أمل أنَّ النبيَّ شفيعُهُ
وإن له في جنَّة الخلد منزلاً ... يروق جميع العالمين رفيعُهُ
وكان لدينا كالهلال وديعة ... فرد بكره ذا الهلال وديعُهُ
وصار إلى أهلٍ وسهلٍ ومرحبٍ ... وروض يروق الناظرين مريعُهُ
عليه سلام الله ما عقب الضحى ... ظلاماً وما وافى بليلٍ هزيعُهُ
أحمد بن سعيد بن صلاح [ - 1061 ه ] (1)
__________
(1) من مصادر ترجمته: سيرة الإمام القاسم بن محمد النبذة المنيرة خ، سيرة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم الجوهرة المنيرة خ، بغية المريد خ، بهجة الزمن خ، الجامع الوجيز خ، طبقات الزيدية خ، ملحق البدر الطالع 23، وغيرها.
القاضي العارف شمس الدين، أحمد بن سعيد بن صلاح الهبَل، كان من العلماء الكبار والنحارير الخيار، حافظاً لقواعد المذهب غاية الحفظ، وله تقريرات على والده - عادت بركاته - ثم أعاد القراءة على السيِّد العلامة محمد بن عزِّ الدين المفتي - رحمه الله تعالى - وكان السيِّد يعدُّه أجل تلامذته ويعدُّه لتهذيب مسائله(1)، وكان له في أصول الفقه قدم ثابتة ومشاركة في سائر العلوم.
توفي - رحمه الله - بصنعاء المحميَّة في [جمادى الآخرة عام واحدٍ وستين وألف](2)، وقبر بجوار السيِّد عبد الله بن إبراهيم الديلمي الفتحي رحمهما الله تعالى بتربته التي بجوار مسجد الأبهر على يمين الداخل، ورأى بعض الفضلاء قبل موته انهدام الجامع الكبير من الجهة التي كان يدرس فيها - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن سليمان الأوزري [ - 810ه تقريباً](3)
__________
(1) كما قرأ على القاضي إبراهيم بن يحيى السحولي، ومن تلاميذه المؤلف، والسيد محمد بن الحسين الكبسي، والسيد أحمد بن القاسم، والسيد صالح السراجي، والأمير محمد بن الحسن، وعبد الله الصعيتري وغيرهم.
(2) بياض في المخطوطتين، وأثبت تاريخ وفاته من طبقات الزيدية.
(3) من مصادر ترجمة الأوزري: طبقات الزيدية الكبرى خ، المستطاب خ، الجواهر المضيئة خ، الجامع الوجيز خ، تحفة الزمن خ، لوامع الأنوار 2/71، مجموع بلدان اليمن وقبائلها 1/930 وأخذ علم الحديث على الشيخ إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير الحكمي، والشيخ محمد بن خير الجبرتي، وأجازه الإمام يحيى بن حمزة في كتابه الانتصار، ومن تلاميذه المطهر بن محمد بن سليمان، والقاضي يوسف بن أحمد، قال في الطبقات: ولعله توفي في العشر بعد الثمان والمائة.
الفقيه الإمام المحدِّث شمس الإسلام، أحمد بن سليمان الأوزري، من علماء صعدة المحروسة /123/ وكان إمام الحديث، رحل إليه العامَّة والخاصّة وهو الذي حكى عنه في (الغيث) ما حكاه من الصبر على كلفة الركوع، وله إلى الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - سؤالات أجاب عنها الإمام - عليه السلام - وقرأ عليه الإمام صلاح الدين محمد بن علي بن محمد كتاب (البخاري) في المنصورة بصعدة، وحضر تلك القراءة أجلاء الوقت، وكانت للإمام - عليه السلام - في تلك القراءة العناية الكاملة، قال الأوزري - رحمه الله -: ما قرأ عليَّ قط أحد أبلغ من قراءة مولانا - يعني الإمام الناصر - ولا سمع عليَّ مثل سماعه، وروى الفقيه - رحمه الله - للإمام كرامَة في وقت القراءة.
ويقال: إن قبره - رحمه الله - في (حمراء علب)(1) بالقرب من صنعاء، رأيت ذلك بخط بعض الطلبة (والله أعلم بصحته)(2)، وقيل قبره في صعدة في مقبرة الفرضين، روى بعض المشائخ أنه قد شاهد ضريحه مكتوب عليه اسمه، وهو معروف مشهور مزور، كذا روى عن السيّد العلامة عبدالله بن المهدي الكبسي - رحمه الله - والله أعلم بصحَّته.
أحمد بن سليمان العلوي [ - ]
السيد الشريف، العلامة، البليغ، اللسان أحمد بن سليمان العلوي العباسي - رحمه الله -. كان من وجوه العلماء وعيون البلغاء، له القصائد الغرّ والمقام المنيف، ومن شعره في الإمام السعيد أحمد بن الحسين - عليه السلام - تهنئة:
ألذّ الهَوى ما كان أعرَى عن الهجر ... وأسلم من ليل التباريح والهجر
وما أخلَصت فيه العذَارى ودادها ... ولم تطو أسرار القلوب على غدرِ
طربت وقد ولّى الشبابُ وقلَّما ... أرَى طَرباً بعد الشباب لذي حجر
وكان زجرت النفس عن سرعة الهوى ... مراراً فلم يقصر فصمت عن الزجر
__________
(1) حمراء العَلِب بفتح العين وكسر اللام: قرية في بلاد سنحان في السفح الجنوبي من جبل نقم (معجم المقحفي ص: 191).
(2) زيادة في (ب).
فكن لي عذيراً في البكاء فإنني ... أسير هوًى أولى من العذل العذري
فلست بناسٍ عهد ليلَى وحبَّها ... ولا تاركاً تذكار من حلَّ في حجري
ولا صارفاً عن حبّ أحمد مهجتي ... إمام الهدَى المهدي ذي العزّ والفخر
مجدد رسم الحق بعد دروسه ... وكالي سرح الدين من شيع الكفر
لك الله كم أقررت من عين مسلم ... وأبكيت عيناً من غَويٍّ أخي فجر
وعطَّلت داراً من ضلالٍ فأصبحت ... بسعدك داراً للتلاوة والذكر
وكم مأتمٍ للنائحات أقمته ... على الكفر بالبيض المشطبة البتر
وثغر ضلالٍ خضته فأبحته ... كفلت به للذئب زاداً وللنّسر
/124/
وأن ابن أم خاضَ ما خضت جهرة
... لسنحان مطبُوع الفؤاد من الصَّخر
وقد حار فكري في مديحك أنه ... يقصر عنه واسع النظم والنثر
وأعوزني تعداد وصفك فانطفا ... ذكائي ولم أبلغ عشيراً من العشر
وكيف وأنت الجامع الفضل كله ... كريم المساعي وافر الصيت والقدر
مُهين نفيس المال حتى تركته ... لغَيرك راضٍ بالقليل عن الكثر
فلم يتخذ غير المعالي خبيَة ... ولم يكتسب غير المكارم من ذخر
وطبت ثناء طبَّق الأرض نشره ... وراحت(1) به الأفواه في البدو والحضر
أجلَّك رب العرش في الرتبة التي ... تقاصر عنها رتبة الأنجم الزهر
وآتاك ما لم يُؤت قبلك داعياً ... من الفضل حتَّى قيل ذا آية الدهر
وأورثك العلم العظيم ومكنت ... يمينك من نهَي الخلافة والأمر
وجاءتك طوعاً كل دارٍ منيعةٍ ... فصار ذلولاً ذو الشراسة والقَسر
وألقى هداد طوعه متقاصراً ... لبَأسك منفض الردود من الذَّعرِ
وأصبح لمَّا صار ملكك عالياً ... على الشهب مفتر البشاشة والبشر
تطأطأ فروعُ الرَّاسِيَات لفرعه ... وأقصر عن أقدامه قمَّة النَّسر
وأضحى (بَراش) دار نُسكٍ تحلّه ... نجوم الهُدى أهل الشفاعة في الحشر
وبدل بالإلحاد دين محمدٍ ... ودرس المثاني بالمزَامير والخمر
وكان من العنقاء أبعد مطلباً ... وأصعَب من نيل الكواكب والبدر
__________
(1) في (أ): وراحت، وفي (ب): ورحت.
فجاء مُطيعاً يستشيط لما مضى ... له آنِفاً في عين ملكك من عصر
وقد بذل المأمون غاية جهدهم ... لكي يملكوه وامتطوا كاهل العسر
فلم يبلغوا منه مراماً وقهقروا ... وما قصَّروا بل أعوَزت ساعة البر
وقد عرضت لي برهة لم أقم له ... بمدحٍ ولم أفرغ لتقريضه فكري
ولم أنسه لكن عرتني حيرة ... (وقوذعت) حتَّى خلتني جئت بالنكر(1)
وليس براش غاية القصد كله ... ولا هو شاد للسَّهام التي تسري
وكيف ومن دون الذي أنت طالب ... ممالك كسرَى والممالك في مصر
وقد أهلَك الله الضلال وأهله ... وأفنيتهم بالمشرفيَّة والسمر
انتهى، ووراء هذا القدر أبيات، وكان الشريف تخلَّف عن حضور وقعة براش، فعتب عليه.
أحمد بن سليمان العنسي(2) [ - ]
القاضي، الهمام، الرئيس(3)، العابد، العالم، اللسان، شمس الدين أحمد بن سليمان العنسي - رحمه الله - حاكم صنعاء وعالم الديار، كان يجمع مع العلم التيقظ والنباهة، ولذلك جعله /124/ الإمام المهدي أحمد بن الحسين حاكماً بصنعاء بعد فتحها مع ما يرقب(4) من الدوائر، كما كان ذلك، وقد كان بليغاً مجيداً منطيقاً.
ومن شعره يهنئ الإمام بفتح صنعاء وهرب أسد الدين التركماني عنها:
أرأيت كيف ترنح الأغصان ... تحت الشموس تقلها الكثبانُ
أم هل رأيت جآذراً ألحاظها ... من سحرها روت لها أجفانُ
لا تعذُلنّ أخا الصبابة في الهوى ... يغري لعذل العاذل الولهانُ
يا حبَّذا وادي الغوير فإنه ... لملاحة البيض الدمَى ميدانُ
لَم أغش أفنية الملوك زهادة ... فالربح من دنياهم خُسرانُ
حتَّى بلغت إلى زمان خليفةٍ ... أعلى وأشرف من نمت عدنانُ
الهاشمي(5) وحبَّذا من منصب ... هو للمكارم والعلا عنوانُ
نصّ النبي عليه نصاً ظاهراً ... من فضله في كفه برهانُ
__________
(1) في (أ): بالفكر.
(2) هو المذكور في مآثر الأبرار 2/872 في أخبار الإمام أحمد بن الحسين أبو طير.
(3) في (ب): الرائس.
(4) في (ب): ما يرتقب.
(5) في (أ): القاسم.
هي آية من معجزي المهدي لا ... يسطاع في إعجازها جحدانُ
لولا النبوة بالنبي محمد ... ختمت، لنصَّ بأحمد القرآنُ
يكفي أمير المؤمنين بأنه ... خير الأنام اختَاره الرحمنُ
لا يستقيم لمسلمٍ إسلامه ... إلا بطاعته ولا كتمانُ
وملاحم شهدت بها البيض الضَّبا ... والصَّافِنَات الْجُرد والمرَانُ
بلغت ثلاث مئين من سطواتها ... خضع الملوك وذلَّت الأقرانُ
انظر إلى أسدٍ يحاول ثعلباً ... من بأسه تاهت به الغيظانُ
لم يحمه سهل ولا وعرٌ ولم ... يسلم له قصرٌ ولا إيوانُ
مطرت عليه سحائب بنوائب
ٍ ... من أحمدٍ فطغى به الطوفانُ
هدمت أكفَّ الحق شيد بنائه ... فتشابه الصحراء والعمرانُ
نصر من الله استتب وبعده ... فتح تدينُ لقهره البلدانُ
صنعاء مشرقة بأيمن مقدمٍ ... للحق في أثنائه سُلطانُ
لبست مطارف بهجة تطريزها ... من كل مجدٍ فخره أفنانُ
زحفت رسيس الرجس من قوم بها ... كانوا كأنَّهم بها ما كانُوا
والأرض للمهدي ختم ملكها ... فله ملائكة السما أعوانُ
واستبشرت ببقاء مملكةٍ علت ... شرفاتها وعلت بها أركانُ
لا تسمع الطارات في غرفاتها ... أبداً ولا العيدان والألحانُ
/126/
فالملك مبتهج وَآلُ محمدٍ ... والعلم والإسلام والقرآنُ
وكأنني ببراش ملك أميره ... كف الأنام يقوده الإذعانُ
هُنيتها من أوبَة ميمونة ... يدنو لأدنى مجدها (كيوانُ)
لا زلت للإسلام بدر خلافةٍ ... لا يعتري تكميله نقصانُ
أحمد بن أبي الرجال [ - ق8 ه ]
القاضي الصدر، جليل الرتبة والقدر، شمس الإسلام، أحمد بن أبي الرجال - رضي الله عنه -. كان صدراً جليلاً وبدراً جميلاً، وتسمَّى بقاضي القضاة، ووسع الله في عمره وذات يده، وجمع من الكتب مالا يجمعه إلا القليل من علماء الديار اليمنيَّة - حرسها الله تعالى - ووقف لها الأوقاف النافعة، وكان قبل ظهور الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - قائماً بوظيفة القضاء، ووقع من الإمام (- عليه السلام -)(1) معارضته في قضاء دار (الضريوة) بثلا، ثم بعد الدعوة، تولى له القضاء وعرف بقاضي القضاة، وهو فيما يحكي السَّبب المهيج لأخيه محمد بن سليمان على الرحلة للعلم إلى صعدة، ثم إلى مكة وغيرها، وله قضيّة فيها بعض الطول، وقلَّ ما حكى عنه الخلاف لاشتغاله بالقضاء، وقد نسب إليه وجوه من ذلك في الشركة وفي الزكاة وفي الأيمان فيمن قال: هو بريء من الإسلام. وله تكميلات لما لم يجب عليه الأمير علي بن الحسين في (القمر المنير)(2)، وكان الأمير علي بن الحسين قد أذن له في إصلاح (القمر المنير) خاصَّة للإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - ومقتضى ذلك أن هنالك ما يجب التنبيه له، والله سبحانه أعلم.
أحمد بن سليمان [ - ق7 ه ]
__________
(1) سقط من (أ).
(2) القمر المنير في حل عقود التحرير في الفقه (حاشية على كتاب التحرير للإمام أبي طالب الهاروني) قال الحبشي: - خ – سنة 659ه جامع 314، لعله (المنهج المنير) ج2، مكتبة جامع الإمام الهادي بصعدة.