ومن المراسلة بينه وبين أخيه مولانا الحافظ(1) العلامة محمد بن إبراهيم ما كتبه مولانا شمس الدين يستنجزه تمام قراءة (المنتهى) سنة إحدى وستين وألف.
أُنْهي حديث (المنتَهى) ... إليك فهو مُعضل
فأوضحوا لي متنَه ... فإنه مُعَلَّلُ
فأجابه المولى العزي أدام الله فوائده:
يا عالماً عاد به ... لنا الطراز الأوَّلُ
أمَّا حديث (المنتَهى) ... فالوقف عنه أجملُ
قال السيد شمس الدين - رحمه الله -: وكتب إليَّ يستدعِيني في بلد (شبام) - حرسها الله -:
يا شمس هذا الأوان ... وعين أهل الزمان
ومن له في المعاني(2) ... بيت رفيع المباني
إن تسعدوا بحضورٍ ... ففيه كل الأماني
ونحن إن غبت عنَّا ... لفظ بغير معاني
قال فأجبته:
يا فائق الارجَاني(3) ... بالنظم والهمذاني
ومن إذا قال شعراً ... أزرى بشعر ابن هاني
أمرتني بتدَانٍ ... والحظ لي في التداني
قد قلت للقلب بشرى ... بالقرب بل بشرَيان
قال: واستصحبت هذه الأبيات ولبست الثياب، وكنت قبل الجواب جواب، كما قال سيدنا وجيه الإسلام، وقد استدعاه بعض الأدباء فكتب إليه:
كتبت إليَّ ترغب في حُضوري ... وربَّ الفضل دعوته تجابُ
فقبَّلت الكتاب وقلت سمعاً ... لأمرك مالكي وأنا الجواب
ومن مراسَلة السيد شمس الدين(4) قدَّس الله روحه وأستاذه عبد الرحمن ما كتبه عبد الرحمن إليه من صنعاء إلى كوكبان سنة ستين وألف عقيب فراقه لحضرته حين سماعه للكشَّاف /102/:
سارَ دمعي مني إليك رسولاً ... حين أخليت ربعهُ المأهولا
وفؤادي استقرَّ إذا أنت فيه ... يتراءاك بكرة وأصيلا
ونسيم الصَّبا تحمل من وصف اشـ ... ـتياقي فيه حديثاً طويلا
حبَّذَا قربك الذي كان أندى ... في فؤادي من النَّسيم بليلا
قرب الله عهدكم من ليالٍ ... لم أكن لاقترابهنَّ مَلُولا
__________
(1) في (ب): العلامة الحافظ.
(2) في (ب): المعالي.
(3) لعلها: الجرجاني، فهو شيخ البلاغيين.
(4) في (ب): ومن مراسلة السيد الشمسي.
أتلظَّى جَوًى وفرطَ حنينٍ ... إن تذَكَّرت ظلَّهن الظليلا
وإذا ما احترقت شوقاً فقولي ... ليت لم أتخذ فلاناً خليلاً
كنت أجني ثمار أنسك فيهنَّ ... فبدَّلت بالنَّوَى تبديلا
فأجابه السيد قال: والقلم يعثر في البطاقة، وولجت من الجسارة باباً ليس له من طاقة:-
طلب الشوق من فؤادي كفيلاً ... مذ تَرَاءى وجه الرَّبيع صقيلاً
ومشَى الغصنُ في المطارف لمَّا ... عقد الطَّل فوقه إكليلا
صاحبي صاح بي لواعج شوقٍ ... يا أخا الصَّبوة الرَّحيل الرحيلا
آه والشَّوق ما تأوَّهت منه ... لزمانٍ ذكرت منه الجميلا
أي دهرٍ أسدَى إليَّ جميلاً ... مُذ أرآني ذاك الكريم الجليلا
وخليلاً ما قلتُ لمَّا افترقنا ... ليت لم أتَّخذ فلاناً خليلا
كان يومي به كلمحَة طرفٍ ... فغدا للفِرَاق حَولاً كميلا
لإمامٍ حازَ العلوم فروعاً ... باسِقاتٍ قد أينعت وأصُولا
كم أرتنا فصوله اللُّؤلؤيّات ... إلى منتهى الأصول وصولاً
حجَّة صيَّر المفاخر أوضا ... حاً على طرف عزمه وحجولا
راسخ في العقول لو فاخر السيـ ... ـف(1) لأغضى في جفنه مفلولا
جمع الله شملنا وأرانا ... من أسارير وجههِ المأمُولا
وللفقيه عبدالرحمن إلى السيِّد مقاطيع، وحقَّ لهما فلقد كان مقامهما رحلة للطالبين ونزهة للناظرين، وأمَّا مراسلته هو والعلامة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى السحولي، فهي أشهى من السُّلاف المروَّق، أشجى من سجع المطوق، وقد كتبت هذه القصيدة الأصل للسيِّد والتخميس للقاضي:
ألممت بالرَّوض حيَّاهُ وحيَّاكا
فقابل الشمس بدر كان إياكا
فكان منك وإن لم تدر حيَّاكا(2)
/105/
في النرجس الغضِّ إلمام بريَّاكا ... وفي الغزَالة شبْهٌ من مُحيَّاكا
ما ماس قدُّك في برديك وانعطفا
ولا انثنى منك خصرٌ خلته اختطفا
إلاَّ وكاد القنا يحكيك لو لطفا
وكاد يحكيك غصن البان منعطفا ... هيهات ذلك ما حاكاك من حاكا
__________
(1) حاشية في (ب): السيف يعني الآمدي.
(2) حاشية في (ب): حياكا أي قبيلتاك.
يا تَائهاً ليس يدري من يلاحظه
يا من يُغالظ رقّاً لا يُغالِظه
يا غائظاً قاتلاً من أنت غائظه
يا شادناً فتكت فينا لواحظه ... ظلماً ومدَّت لأهل الظلم أشراكا
أظلنا لحظك الساجي وأذهلنا
لكنَّه بعظيم السِّحر أخبلنا
وطال مطل فأبلانا وبلبلنا
رفقاً ولا تتعالى في المطال لنا ... يكفيك ما صنعت في الناس عيناكا
قولوا لطرفٍ حماني رقدتي ورقد
وسدَّدَ السهم ينوي قتل كل أسد
وقدَّ قلباً شجياً في هواه وقد
يا طرفة قد تجاوزت الحدود وقد ... أسرت في الناس سفاحاً وسفاكا
أنهي الدِّماء فكم فتكاً وسفك دما
ولا تراعي ذماماً أو ضعيف ذما
ولا ليالي مرّت في منيع حما
مرَّت لياليك بالأثل الخصيب فما ... أمرَّها حين ما مرَّت وأحلاكا
أيام تسرع إسعافاً بمطلبنا
أيام تسعدنا الدنيا بمأرَبِنا
أيام يمرح مشجينا بمطربنا
أيام يأمرك الحسن البديع بنا ... والتيه يا ساحر الألفاظ ينهاكا
ظلمت بالهجر فالأرجاء مظلمة
وملت من مللٍ والنفس مؤلمة
نسخت آيات ود وهي محكمة
/104/
يا ليت شعري وبعض الظنّ مأثمة ... من بالمتيم في ذا الهجر أغراكا
قبلت ما قاله ذاك الحسود وذا
وقول باغضني الباغي كذا وكذا
فالقلب والطرف مني في أذى وقذا
أهملت دارك أعني القلب وهو إذا ... عمرته كان فيما مرَّ مرعاكا
ياشُهد يامسك في ذوقٍ وطيب شذا
يامن رضاب ثناياه ألَذّ غذا
يا حبَّذا منك ثغراً لا يقول بذا
شش
يا ضيعة العمر للصب المشوق إذا ... ما اعتاض نور الأقاحي من ثناياكا
ياحسرة القلب إن لم أشف طول ألم
وزلَّت النّعل إن جار الهوى وظلم
وخيبة السَّعي إن عصر المشيب ألم
وصفقة الغبن إن مر الزمان ولم ... أبلغ رسيس فؤادي مرَّة فاكا
واشتفي من جَوَى وجدٍ قد اشتعلا
ولوعةٍ تركتني في الهوى مثلا
أحيَى وأيسر ما لاقيت ما قتلا
لولاك ما سفحت عيني العقيق ولا ... لثمت ثغر عذولي حين سمَّاكا
أرسلتَ طيْفك والأجفان قد رقدت
يهديه نار جوًى في أضلع وقدَت
فدتك نفسي يا طيف الحبيب فدت
يا طيف من أنا أهوَاه لقد حسدَت ... شهب الدَّياجي جنح اللَّيل مسراكا
أذكيت نار غرامي كي تحرقني
أبكيت عيني مريداً أن تغرقني
من الفراق ابتغاءً أن تعرقني
خُضْتَ المفاوز نحوي كي تؤرِّقني ... أهلاً وسَهلاً لقد أبعدتَ مرماكا
يا طيف من بثنيَّات العراق ثوى(1)
إذكرتني حلو عيش مرَّ قبل نوى
ياطيف ما حال رملي (مكثب)(2) ولوى
/106/
يا طيف شرَّفتني جدَّدت عهد لوى ... حيَّا الحيا عهده الماضي وحيَّاكا
فديت مرسل ذاك الطيف ما فعلت
ألحاظه سلسلت دمعي وما سألت
فديت غرَّة بدر مهجتي نزلت
يا بدر أفق سما قلبي لقد جعلت ... لك الجوارح أبراجاً وأفلاكا
انتهى ما نقلته من شعرهما، وبالجملة فهما للبلاغة عينان نضَّاختان، ومراسلتهما جنتان ذواتا أفنان، فيهما من كلِّ فاكهةٍ زوجان، ما شدا على أغصانهما إلا قمري فضل وعندليب، بدائعهما معجزات للمتنبي، ناسخات لذكرى حبيب.
وأمَّا ما كتبه إلى السيِّد الأديب شمس الدين أحمد بن محمد الآنسي فمن ذلك جواب قصيدة أرسلها السيِّد شمس الدين أحمد بن محمد الآنسي إلى شبام مبنيَّة على التلميح مطلعُها:
غرام ألَمَّت بي طلائعها شمسا ... ووجد على الجودي من مهجتي أرْسا
وشوق تجلَّى للقلوب لو انَّه ... أصاب جبال الطور قد بسَّها بسَّا
ومن لي وطوفانُ الصَّبابة قد طغى ... وفار به التنّور مستملكا حسّا
ومنها في المديح:
وما الحمدُ إلاَّ للذي وقف الهوَى ... على أحمدٍ من أفقه أطلع الشمسا
وهي طويلة والميل إلى الاختصار وجواب السيد شمس الدين أحمد بن الحسن - رحمه الله تعالى -:
أبدر سماء أطلع الطرس(3) أم شمسا ... أم الزهر قد ألمستها راحتي حتَّى لمسا
أم السحر فاجاني على غير عوده ... فأذهلني عقلاً وأفقد لي حسا
ومنها في المديح:
__________
(1) في (ب): نوى.
(2) الكثب: الجمع ومنه الحديث (جئت علياً قرنفل مكثوب). تاج العروس ج2، باب الباء.
(3) الطرس بالكسر: الصحيفة. (القاموس المحيط ص512).
ولم لا وقد قاسى فراق أخي الِّذي ... فِرَاق له جرح بطيب اللِّقاء يؤسى
أخو فطنةٍ ما نالها هرمسٌ ولا ... إياسٌ ولا النظَّام حزراً ولا حدسا(1)
وهذا القدر كافٍ إذا المقصد التنبيه، وبينهما قصائد، هي للمعاني البديعة شباك ومصائد. وأمّا الأديب محمد بن لطف الله الخواجا - رحمه الله تعالى - فممَّا كتبه إلى السيد من صنعاء إلى كوكبان قصيدة يلغز فيها بذكر الغيل الذي خرج إلى الجراف من قريب سور صنعاء المحميَّة على يد مولانا العلامة عزّ الدين محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين - سلام الله عليهم أجمعين -.
أوُّلها:
فؤاد له في الظاعنين مسير ... وجسم بصنعا موثقٌ وأسيرُ
أأحبابنا إن فرَّق(2) الدَّهرُ بيننا ... وعاد صفاء العيش وهو كديرُ
/107/
وذبت اشتياقاً للقا وصبابة ... وهاجَ بقلبي لوعةٌ وزفيرُ
فكم رُمت أن أمضي إليكم مع الصّبا ... فيمنعني دهري وتلك تسيرُ
ومنها:
وقالوا أتبكي في أزال من الأسى ... وعنها جيوش النائبات تسيرُ
فنحت وأسرابٌ من الطير عُكَّفٌ ... وعبرت والريح السحاب تثيرُ
وهل نافعي أن الرياض تدبجت ... وطال بها للسَّاجعات هديرُ
وألبسها فصل الرَّبيع برودُه ... وفاح شذَاها صنْدَل(3) وعبيرُ
وغنَّت على رقص الغصون حمامُها
... وصفَّق فيها جُدوَلٌ وغديرُ
وللبُعدِ في الأحشاء ما لو أقَلَّه ... الرَّواسي لنادَى بالثبور ثَبِيرُ
وفارَقت مخدوماً رَعَى الله عهده ... وداناه سعدٌ مقبلَ وسرورُ
ومنها في المديح:
إذا زار روضاً ذاوياً حنَّ جذعه ... كما اهتزَّ تيهاً منبرٌ وسريرُ
فنعماه عن أحمد مالك النّدى ... يسلسل أخبار الندى ويدَيرُ
ألا يا بني يحيى الكرام علوتم ... على رتبٍ ما طالهنَّ (ثبيرُ)(4)
ومنها في صفة النَّهر:
__________
(1) هرمس: لم أجدها في القاموس. إياس: لم أجدها في القاموس. النظّام: شيخ الجاحظ.
(2) في (ب): باعد.
(3) وفي (ب): مندل. والصندل: نوع من البخور العطرة.
(4) الثبير: الجبل.
جواد على الجيران لكنَّ فيضه ... إذا جاءت السحب الغزار غزيرُ
بسيطٌ مديدٌ وافرٌ متداركٌ ... طَويلٌ ومن جاراه فهوَ قصيرُ
فأجابه السيد شمس الدين بقصيدة طالعِها:
ألاطفُ فيك الرّيح حين تسيرُ ... وأفهمُ رَمْزَ البَرق حينَ يشيرُ
(وألتاح) نحوَ الشرق إن عبر الصبا ... وعبَّر عنها في العبور عبيرُ
وأطوى بها نشر السلام وإنما ... لِمَيِّتِ صبري عند ذاك نشورُ
إلى أن قال في حلِّ لغزه في النَّهر:
وإن شئت حلاً للذي قد عقدته ... لظنك بي أني بذاك جديرُ
فذلك صبٌّ في سواقيه هائمٌ ... يمرُّ على ساحاتِها ويَمُورُ
إلى هنا ما أردت نقله للترويح من (الترويح)، وفي ذلك التصريح، بذكر(1) هذا الفاضل يستفاد من (التلويح).
قال هذا الفاضل - رحمه الله -: وسميته بترويح المشوق انتظاراً لرَوح الله وفرجه الَّذي أنا فيهما طامع، وفي (تلويح البروق) تشبيه لأذهان الأذكياء بالبروق لظهور الجامع. قال - رحمه الله -: ولو قيل (تلويح البروق في ترويح المشوق) لاستقام، ومن لطائف هذه التسميَة أن(2) جاء التأريخ فيها لتمام الكتاب عفواً، انتهى.
/108/ قلت: توفي - رحمه الله - بداره بروضة حاتم(3) وحُمِل إلى روَضه خزيمة(4) لهذا اتفقت اللطيفة للفقيه بديع الزَّمان حسن بن علي بن جابر الهبل، حيث قال: بيتين مرثياً بهما هما أفضل من قصائد للَّه درّه:
يا قبر أحمد كم حويت ... مكارماً ومحامداً
شهدت بذاك خزيمة ... وكفى خزيمة شاهدا
__________
(1) في (ب): بفضل.
(2) في (ب): أنه.
(3) روضة حاتم وتسمى روضة أحمد، شمال صنعاء بمسافة خمسة كيلو متراً في الطريق إلى مطار الحربة، واسمها القديم (المنظر)، وعرفت بروضة حاتم نسبة إلى ما فيها السلطان حاتم بن أحمد اليامي (السلطان الثالث من سلاطين آل الصليحي)، (انظر معجم المقحفي ص: 276).
(4) خزيمة بضم الخاء وفتح الزاي: اسم المقبرة صنعاء الغربية، ما زالت إلى اليوم تحمل هذا الاسم، (المصدر السابق ص: 214 - 215).
ووفاته - رحمه الله - في [بياض في المخطوطة والمعروف أنه توفي سنة 1080 ه ].
ورثاه العلامة محمد بن إبراهيم السحولي - رحمه الله - بقصيدة بليغة فقال:
جزعي عليك مدى الحياة معي معي ... حتى أوارَى في الضريح البلقع
ويقل أن تجري عليك حشاشتي ... ونَفيض(1) بعدك مهجتي في أدمعي
ويقل فيك إذا هجرت مشاربي ... ومطاعمي وهجرت بعدك مضجعي
ويقل أني لا يمرُّ بخاطري ... أحدٌ سواك ولا يمرُّ بمسمعي
لو أنني وفِّيت حقك كان في ... ميعاد مصرعك المروع مصرعي
ليت المنون تريد منَّا فِدية ... حتَّى بمثنى أو ثلاث ومربَع
أوْلَيتُها(2) طوعي فكنت أمرتُها ... لبقاك تنزع مهجتي من أضلعي
فجع على فجع ولا مثل الَّذي ... ألقى لفقدك من فضيع تفجُّعِ
لولا التيقن أنني بك لا حق ... وكربعك الخالي سيخلو مربعي
لقتلت نفسي أو أرحت مع الوحو ... ش العصم في شم الشوامخ أربعي
سحقاً ليوم جا بأشأم طالع ... ولليلة طلعت بأنحس مطلع
صُمَّتْ عليك جميع آذان الورى ... تنعي وأتقى من نُعي
ما مثل يومك مرَّ يوم في وجيع الر ... زء حقّاً أو فضيع الموقع
صدع القلوب ومادت الدنيا به ... وله الشوامخ أوشكت بتصدع
والشمس كاسفة وقد طلعت على ... الآفاق وهي كأنها لم تطلع
ما مثل يوم رحلْت نحو خزيمةٍ ... وعلى سريرك رحت خير مشيَّع
قد شيعتك صواهلٌ وذوابلٌ ... ومناصلٌ مثل البروق اللُّمع
وأئمَّة من آل أحمد سلسلوا ... لحديث يومك مُرْسَلات الأدمع
فارقْتَنا كرهاً برغم أنوفنا ... وبرغم كم من أصيَدٍ سميدع(3)
ما كنت أخشى أن أودع مالكي ... هذا الوداع ولا أراه مودع
هذا وداع لا تلاقيَ بعده ... إلا إذا ما حان يوم المفزع
يا خيرة الأطهار يا ابن مُطهَّرٍ ... وابن الإمام الحبر يحيى الأورع
/109/
يا أحمد المسعود وقت حياته ... ومماته حقاً وزاكي المنبع
ما قبل لحدك ملحد شمس الضحى ... هبطت إليه من المحل الأرفع
__________
(1) لعلها: وتفيض.
(2) لعلها: أوْ لَيْتَها.
(3) العجز غير موزون.
ما مت أنت وإنما مات التقى ... حقاً وكل تحرج وتورع
والعلم والعمل الَّذي هو صالح ... والحلم مشفوع بخلق أوسع
يا قادر الدُّنيا الدنيَّة قدرها ... يا ذاخر الدُّنيا(1) ليوم المرجع
لله درك من إمام عاملٍٍ ... علاَّمةٍ (ندسٍ) (2) ذكيٍ ألمعي
كم قد رأيت بلطف ذهنك مرَّة ... ما لا يُرى وسمعت مالم يُسمع
من للمعارف والعوارف والمعا ... لي والمعاني والبيان الأبدع
من للبلاغات التي عزباؤها ... وصلت إليك عن البطين الأنزع
من للعلوم دقيقها وجليلها ... ولحلِّ مشكلها بفهمٍ مسرع
جمت مناقبك التي لم يُؤتها ... أحد سواك ولا وعاها من يعي
طابت وطبت (ورقتما) كل الورى ... في منظر أبد الزمان ومسمع
طُوِيَ البساطُ بساط كل فضيلة ... لا يدَّعيها بعد يومك مدَّعي
بأبي من الخلائف من تراه خليفة(3) ... وتراه يأسو كل كلم موجع
ما غير صنويك اللذين هما هما ... علياهما طبع بغير تطبَّع
ما غير نجليك اللذين نراهما ... رقيا إلى أعلى محلٍ أرفع
ورثاك ما أورثته عن سيد الكونين والثقلين خير مشفع
صلى عليه الله ثم عليك يا ابن الأكرمين صلاة غير مودَّع
وعليك لا برحت عزالي رحمة ... تسقي عبير ترابك المتضوع
والله ندعوه بجبر مصابنا ... بك فهو أولى من أجاب ومن دُعي
وهو الذي نرجوه يجمع شملنا ... في جنَّة الفردوس أسنى المطمع
وإلى هنا أرثيك واعلم أنني ... جزعي عليك مدى الحياة معي معي
أحمد بن الحسن المؤيَّدي [ - 1003 ه ](4)
__________
(1) في (ب): الحسنى.
(2) الندس: الفهم الفطن الكبير. تاج العروس ص9، باب السين.
(3) الصدر غير موزون.
(4) أحمد بن الحسن بن علي بن صلاح المؤيدي الضحياني المتوفى بضحيان في ذي القعدة سنة 1003ه من مصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ص 95 ترجمة (65)، وذروة المجد الأثيل خ، سيرة الإمام الحسن بن علي بن داود خطية (مؤلفات الزيدية 2/150، تراجم آل المؤيد - خ - 103.
السيد العلامة، أحمد بن الحسن المؤيَّدي الضحياني، عرف بطالب الخير، كان من أعيان وقته وعلماء زمانه، وصحب الإمام الحسن بن علي بن داود، ثم الإمام القاسم - عليهما السلام - وهاجر إلى (العُصَيْمات)(1)، واتفق له هنالك كرامَة، وهو أنَّ بعض الناس سبَّه - رحمه الله - فجاء كلب جرَّ لسانه، أخبرنا بذلك ولده السيد الفاضل محمد بن أحمد، وكان من الفضلاء، وله معرفة، وتعمَّر كثيراً رحمهما الله جميعاً، وللسيِّد أحمد بن الحسن (شرح على الحاجبية)، وهو في التحقيق حاشية السيد محمد بن عز الدين، إلا أنه هذَّب وزيَّد /110/، ونقص وهيَ أجمع للفوائد، ولعلَّه ما فعل ذلك إلا لوصيَّة السيد محمد بن عز الدين - رحمه الله - فإنه ذكر ذلك، وفي آل المؤيَّدي من اسمه أحمد بن الحسن طالب الخير من أعيان الرؤساء، شجاع باسل، وهو غير هذا فاعرفه.
أحمد بن الحسن الشاوري [ - 916 ه ]
الفقيه، العلاَّمة، البليغ شمس الإسلام، أحمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم الشاوري. خطيب الجامع بصنعاء صاحب اللَّسن والبلاغة، والخطب التي هي أساور مصاغة، ترجم له العلامة أحمد بن عقبة، وأنشد له قصيدته التي وجَّهها مرثية في العلامة محمد بن الحسن بن أحمد بن عقبة الآتي ذكره، وهي قصيدة تدُلُّ على كمال وبراعة أوَّلها:
سلام على الدنيا سلام وداع ... فما عيشها إلا قليل متاع
سهام المنايا في مقاتل أهلها ... صوائب قد أعيوا(2) لها بدفاع
وأيدي الرَّزايا كل يوم تنالهم ... بخطب له يرتاع كل شجاع
وما برحت أحداثها تستفزهم ... وتصرع من أمسى شديد صراع
وتفرق منهم كل شمل مفرق ... وتننزلهم في الوهد(3) بعد يَفَاع(4)
__________
(1) العُصيمات بضم العين وفتح الصادر، بطن من بطون حاشد (معجم المقحفي ص: 449).
(2) في (ب): عيَّوا.
(3) الوهد: الحفرة.
(4) اليَفَاع: المرتفع من كل شيء، يكون في الشرق من الأرض والجبل والرمل وغيرها (معجم الوسيط 2/1065).
وتقصي عن الأبناء وجه أبيهم ... وما بينهم إلا كقيد ذراع
وكم قرعت من مسمعٍ لملمَّة ... وقارعة تنسي بيوم قراع
وصالت على أهل الممالك صولة ... تقود برغم الأنف كل مطاع
وألوت بمن في الأرض شرقاً ومغرباً ... وأوَدت بمرَعيٍ ومن هوَ راعي
وما الناس نحو الموت إلا كمثلِ ما ... ترى مرَّ طير في الهواء سراع
فهل يا عباد الله معتبر بما ... يراه وبالأخبار عند سماع
وهل صارف عن هذه الدار وجهه ... وساعٍ إلى مافيه يُحمد ساعي
له من عقال العقل عنها صوارف ... ونحو الذي يبقى لديه دواعي
فما النَّاس إلا هالك وابن هالكٍ ... وما بين منعي إليه وناعي
وقد صح أن الموت قالع كل من ... أقام ولو في شامخات قلاع
وأن ليس للأعلين يعرف رتبة ... ولا للذمام الماضيات يراعي
ولو ذاده فضل عن المرء أو تُقى ... ونجَّاه مجد أو تطاول باعِ
لجانب سوح الماجد الأكرم الذي ... فضائله تُروَى بغير نزاع
إلى آخرها، وأحسن غاية الإحسان، وستأتي ترجمة محمد - رحمه الله - ووفاة محمد المذكور سنة ست عشرة وتسعمائة.
أحمد بن الحسن الفرزاذي(1)
الشيخ الأجل أحمد بن الحسن بن علي بن إسحاق الفرزاذي العراقي - رحمه الله تعالى - من أهل التحقيق، لقيه القاضي الصَّدر جعفر بن أحمد اليمني في رحلته إلى العراق، وهو شيخه في (الجواهر والدرر) وغيرها(2).
أحمد بن الحسن بن أبي القاسم [ - ]
الشيخ المحقق المسنِد أحمد بن /111/ الحسن بن أبي القاسم بابا الأزوني(3) - رحمه الله تعالى - من تلامذة الإمام المرشد بالله - عليه السلام - وهو شيخ الكني المتقدم ذكره - رحمه الله -.
أحمد بن الحسن بن عواض [ - ق7 ه ]
__________
(1) سند أمالي المرشد، طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/110 ومنه: الجواهر المضيئة، لوامع الأنوار، الأمالي الصغرى للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليه السلام -.
(2) في (أ): وغيرهما.
(3) في حاشية (أ): الأذوني.