الشريف الخطير، شهاب الدين، أبو الحسن(1)، أحمد بن الناصر الكبير الحسن بن علي بن الأشرف(2) - عليه السلام - كان عالماً كبيراً، طُلب للإمامة بعد أبيه فامتنع، وله أخ أديب بليغ لكنَّه جنح إلى مذهب الاثني عشريّة، ووضع لسانه حيث شاء من أعراض الناس، ولهما أخ وهو أبو القاسم، كان بليغاً، ذكره صاحب (اليتيمة)، وذكر مكاتبته للقاضي علي بن عبد العزيز، ولعلنا نذكره - إن شاء الله تعالى -.
أحمد بن الحسن بن أحمد [ - 1080 ه ] (3)
__________
(1) لعل الصحيح أبو الحسن؛ لأن المكنَّى بأبي الحسن من أولاد الناصر الأطروش هو علي الشاعر.
(2) في النسخ: الأشرف، ولعل ما أثبتناه الصحيح.
(3) ومن مصادر ترجمته: البدر الطالع 1/45، ونفحة الريحانة 3/331، وطيب السمر - خ - ومعجم المؤلفين 1/189، ومصادر الحبشي 335، وإيضاح المكنون 1/284، والأدب اليمني في عصر خروج الأتراك 259 - 265 وتأريخ أبي طالب ص 74، وانظر بقية المصادر في أعلام المؤلفين الزيدية ص 88 ترجمة 55.
السيد، العلامة، شمس الدين، أحمد بن الحسن بن أحمد بن حميد الدين بن مطهر بن أمير المؤمنين يحيى شرف الدين - عليه السلام -(1). كان هذا السيد زينة الأوان، وفريد الزمان في آدابه حفظاً وإنشاء، مع تقوى وصلاح وخيريَّة كاملة، لا يحب إلا شعار العلم مع تمكنه من المقامات الملوكيَّة، لاقتعاده على صهوَة(2) الملك من جهات عديدة، فهو من الزهاد على علم - جزاه الله خيراً - وكان له معرفة بالأدوات، محافظاً على قوانين العلم، وما أحقَّه بقول أخيه وابن عمِّه مولانا بهجة الزمان حافظ العلوم محمد بن إبراهيم بن المفضَّل - أدام الله حياته- في مساق تقريض كتابه المسمَّى (بترويح المشوق في تلويح البروق) (3) بعد كلام باهر، وسحر ساحر: واحد الزمان علماً ونظراً، وحامل لواء المعارف النقليَّة حديثاً وأثراً، ومحقق دقائق العلوم العقليَّة، فكأنه المراد بالحادي عشر، وجامع العلوم الأدبيّة الذي أقام قناتها، ونشر أعلامها وبثَّ في البلاد دعاتها، فهو إمام الاثني عشر(4). وساق من هذا السلاف إلى أن قال: ذلك الماجد العلامة ذو الفطنة المشتعلة، والهمَّة التي للنجوم منتعلة:
أحمد نجل الحسن المرتضى ... بدر كمال الآل شمس العلا
من فاق علماً ورقا مرتقى ... على سماوات المعالي علا
كم سائل هل أنجبت ماجداً ... أمّ الليالي مثله؟ قلت: لا
__________
(1) في (ب): - عليهم السلام -.
(2) أي مقعده، استعارة من صهوة الفرس، وهو مقعد الفاسر منه (انظر القاموس المحيط ص 1682).
(3) ترويح المشوق في تلويح البروق، ذكر فيه ما دار بينه وبين أدباء عصره من مساجلات، منه نسختان في المكتبة الغريبة رقم 10 أدب، وفي مجموع (25) ص 56 - 129، وثانية خطت سنة 1066ه بقلم المؤلف في دار الكتب المصرية رقم (136) أدب، وله أيضاً شرح قصيدة له اسمها أرج الفرج التالية، منهج المهج خ المكتبة الغربية برقم 112.
(4) حاشية في (ب): وأراد بالاثنى عشر علوم الأدب فإنها اثني عشر.
فالدهر إذ جاء به آخراً ... يودّ لو صدرَه أوَّلا
جدَّد مجداً لبني المصطفى ... أقام فخر السابقين الألى
روَى أحاديث عُلاهم وقد ... صحَّحها أسندَها سَلسَلا
وجملة المدح لهم والثنا ... ذيَّلها تمَّمها كمَّلا
/97/
يا شايد البيت الرفيع الذي ... علا على هام السهى منزلا
جادَ بك الدهر على بخله ... وحقَّ في مثلك أن يبخلا
أنت خضم العلم تيَّاره ... وأنت بدر الأدب المجتلا
لا فقدت بدرك دار العلا ... وبيت آل المصطفى لا خلا
قلت: وهذا الكتاب آية تنبه على جلالة قدر هذا الشريف، فقد جمع غرائب عجاب، وغرائب كعاب، ومغزاه فيه يظهر من قوله في خطبته بعد الحمد والثناء ومِمَّا ينبغي في الخطبَة: فإني ممَّن منحه الله وله المنَّة الرَّغبة في نيل الآداب، والتقاضي لأسباب النظم على شرائط أربابه، ولا بدَّ للنظم من أسباب، وما زلت أروض جامح الطبع في الصبا، وأتدرب في صناعة الشعر، واتخذ سبيلي في بحر أعاريضه سرَباً، تارَة ألتقط درة النحر، وتارة استخرج حصاً وجزعاً من تيَّار ذلك البحر، حتى شهد لي بالإجادة والوجادة أهل الحل في هذا الفن والعقد، وكل نقاب ألمعي يميز معيار فكره مبهرج الألفاظ ومغشوش المعاني بالوزن والنقد، فانخرطت في سلك الأدباء، وتأخرت عن مزاحمة أكابرهم إجلالاً وأدباً، وحين ربَّيت (بنات)(1) فكري في حجر القريحة، وجلوت منها للسَّامعين دُمَى تترك كل قريحة بحبرتها قريحة، تخوّفت عليها من الضياع بعد بروزها إن لم يضمها ديوان المجلَّد، وتبوأ من الطروس جناب(2) ليبقَى في أعقاب الباقين ذكرها المخلد؛ لأني لست بأبي تمام فيُشرح شعري المنسي بذكري(3) حبيب، ولا أبي الطيب المتنبي فيشرح بمعجز أحمد.
وكم من سمي ليس مثل سميّه ... وإن كان يُدعى باسمه فيجيب
__________
(1) سقط من (أ).
(2) في (ب): جنات.
(3) لعلها: بذكرى.
فما زلت أستخير الله دهراً، وكلما قدَّمت في هذا العزم رجلاً أخَّرت أخرى، لعجزي عن ترصيف أسطار البلاغة، وقصور فهمي عن إدراك فضيلتي الصناعة والصيَاغة، فأزمعت على إتمام(1) هذا الخاطر، وأقدمت على ما لستُ من أهله إقدام المخاطر، وأنشدت بيتاً أشجِّع (به)(2) جبان(3) عزيمتي الذي نكص، وانتهزتُ الفُرصَة من هذا الخاطر المنبه، والحازم من افترص الفرص.
وكن ماضياً كالسَّيف فالمقت في عسى ... ودع عنك عسى فهيَ أعظم علَّة
فاجتهدت في جمع ما شذَّ من أشعاري، واقتديت بأبي العلاء في (سقط زنده)، وإن كان زندي لا يُسمَّى واري، فوقع اختياري على أن أفتح باب ترتيبه، وأبذل الطاقة في أسلوبه المنظور بعين القبُول -إن شاء الله - وتبويبه، بتقديم المدح النبَوي، والبداية بذكر ذلك الجناب المصطفوي، لعَليِّ أكون في عداد خدَّام هذه /98/ الحضرة لتجذبني كفُّ العنَايَة المحمَّدية، ويلحظني مقلة الحظ بنظرة:
هاك شعراً لولاك ما كان يسوى ... دانقاً لو أسام فيه الشراء
غير أنّي لكونه فيك أسمو ... وأسامي بفضلك النظراء
__________
(1) في (ب): على تمام.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): جنان.
ثم ما دار بيني وبين أساطين هذا الفنّ من المبَادي والمراجع، وما تحلَّى به عاطل هذا الدَّهر من سموط(1) المبادي والمراجع، فإن ذكر الفتى عمره الثاني، ومنازل الدَّفاتر تحفظ أخبار الأمم من الباقي والفاني، فابتدأت بمن هو لكتاب النبلاء عنوان، ولعين أعيان الفضلاء في عالم الإنسان إنسان، من تبلَّجت من سماء معارفه مطالع البدور في منازل(2) الكمال، وتنزهتا(3) الألباب من آدابه في منازل السرور التي طاب نشرها، وطال، ناظم اللآلئ المتسقات في نظم الورقات(4).
إمام المعارف نقَّادها ... وناهيك في نقدها من إمام
إمام اطلع ذهنه شمس العلوم على كل أفق، وسلسل أحاديث الدراية والرواية عن أوثق نقله(5) وأكرم طرق.
دار الثناء على القطب الَّذي اتفقت ... فيه العقولُ فما قولُ لمختلف
قد قدَّمته على السَّادات همَّتُه ... في الفضل تقديم بسم الله في الصحف
ما ارتدى إلا بثوب علا، ولا ترددت مناسبه الكريمة إلا بين بيوت مفاخر هي أشرف كل قبيل وملأ.
قوم لذكراهم على صحف العلا ... أصل الفخار وكل ذكر ملحقُ
حافظ مآثر آبائه، ومعيد على وجه المعارف نَظْرَة نعيمه وبهائه، أمَّا الآدات فقد وقف على(6) نقطة بيكارها، واختصَّ من مقصورات حور الأفكار (بعون الله)(7) بعونها وأبكارها.
إمام إذا هزَّ اليراع مفاخراً ... بيمناه قال: الرمح لست هناكا
وقالت له العليا: فداك ذوو العلا ... وإن قلَّ شيء أن يكون فداكا
علوت فأدركت النجوم فصغتها ... كلاماً ففقت العالمين بذاكا
وحزت معاني القول من كل وجهةٍ ... فألق علينا نبذة لثناكا
__________
(1) سموط: مفردها: سِمْط: قلادة أطول من المِخْنَقَة. (القاموس المحيط ص619).
(2) في (ب): في منازه السرور.
(3) لعلها: تنزهت.
(4) حاشية في (ب): ناظم اللالئ فيه التورية لأن للسيد عز الإسلام كتاب اللالئ المتسقات في نظم الورقات.
(5) لعلها: نقلة.
(6) في (ب): في.
(7) زيادة في (ب).
عزُّ الإسلام، واسطة عقد بني الإمام، محمد بن إبراهيم بن المفضَّل بن علي بن أمير المؤمنين، - حرس الله خلقه - الذي تشتاق إلى وجهه الأرواح، ويثني عليه بنو الدنيا والآخرة، ولسان الإمساء والإصباح، وأدام شخصه الكريم، فبه عرفت الفاعل والمفعول، وفرقت بين الفاضل من هذا الناس والمفضول./99/
آمين آمين لا أرْضى بواحدة ... حتَّى أضيف إليها ألف آمينَ
ثم ذكر حال التَّالي، المقدَّم في مفاخره ومن غرائب كراماته اجتماع المقدم فيه والتالي، إمام ألسنة النقال النقاد، عالي الإسناد المقصر عنه صاحب (فتح الباري) و(فتح الجواد)، ما فاهت بمثل ذكره أفواه المحابر، ولا كسرت على مثل مديحه صفحات الدفاتر.
بحر علم وإن نشأ(1) فابن(2) بحر ... في ضروب البيان والتبيين
سابق في ميدان الاجتهاد لا يجارَى في ميدانه، ولا يُروَى (بدايع البداية) إلا عن زهره وحسانه، إن حلَّق قصر عنه أهل الطول والطُّول، وأفاد في دروسه العامرَة بأهل الفضائل (جامع الأصول)، و(منتهى السؤل)، يملك الأدب بلا إملال، وينثر من كلماته الجامعَة للبلاغة جواهر عوالي عوال(3)، إن كتب كبت خيل(4) العبدين(5) خلفه، وأغضَى (ابن مقلَة) على قذائه(6) وشجى قلبه من الحيرة (طرفة)، من رام لحاقه في ذلك رأى إعناته(7)، وسلم لما قاله في مشابهه، واستغفر الله (جمال الدين ابن نباتة).
يا كاتباً تبَّ مسعى من يناضله ... فراح يحمل من أقلامه حطبا
حلفت أنك أذكى من حوى قلماً ... ينشي البديع وأزكا من نحا أدبا
__________
(1) في (ب): تشأ.
(2) ابن بحر: يقصد الجاحظ و(البيان والتبيين) أحد مؤلفاته.
(3) في (ب): غوال.
(4) في (ب): جيل.
(5) يقصد با العبدين: عبد الحميد الكاتب وابن أبي الحديد.
(6) يقصد: طرفة بن العبد، الشاعر الجاهلي.
(7) العنت: لقاء الشدة أو الفساد، ومنه: عنت فلان فلاناً إعناتاً أي أدخل عليه مشقة. تاج العروس ج3/93، باب التاء.
وعلى الجملة فما رأى مثل نفسه، ولا رأيت نظيره، فما أشبه يومه في الفضل بأمسه، وإلى الله المشتكى من دهرٍ أبعَدني عنه، فما ذكرت قُطر سكناه إلا وجفوني تقطر، ولا تفكَّرت في مجالس أنسه إلا وعليها سحاب شوقي تمطر.
من لي بقيلة ذاك الباب تأدية ... فاغتدى ساجد الأمداح مقتربا
عبد الرحمن بن محمد الحيمي أعاد الله عليَّ أيام أفراحي بقربه، وعمرَ فؤادي الخافق بجناح الشوق لفراقه بحبِّه، فلا أنسى جميل أياديه، وما استفدته من عوارف المعارف في سدته العليَّة وباديه:
إذا تذكرتها ناديت من حرق ... ودمع عيني على الخدِّين في سبق
يا جنَّة فارقتها النفس مكرهة ... لولا الترجِّي لأفنت لوعتي رمقي
ثم اذكر الثالث الوارث مجد آبائه لا عن كلالة، فأكرم بفخري الموروث والوارث، روضة العلم المتفتقة أكمامها عن أفانين الكلام، وربوة الأدب ذات القرار العاليَة على شامخ يذبل وشمام، بدر المنير الطالع في أشرف الدَّرج، وبحر البلاغة الَّذي صدق من قال حدث عن البحر ولا حرج، فاضل يطير قلبي عند ذكره، وأسلسل أحاديث المعالي عن حسي نظمه ونثره، جمال الإسلام الذي أحيا مأثري أسلافه، وحوى فصول البدائع الجامعَة لأنواع البيان وأصنافه.
إنّي إذا صغت في قاضي القضاة حُلا ... مدحيَ يظهر فكر بارع وفم
رام الأقاصيَ حتَّى حاز غايتها ... تبارك الله ماذا تصنع الهمم
/100/ محمد بن إبراهيم بن يحيى(1)، نشر(2) الله ببقائه موات العلم والآداب وأحيا، وذكره الله فيمن عنده، فكم ذكرني على البعد بمكتوب، وأهدَى إليَّ سطور بلاغةٍ آراءه بجميع المحاسن واللَّطائف مصحوب، وكم أنزل عليَّ من (سماء)(3) عارضته الفيَّاضة مع عبور الأوراق.
أكرر ذكراه فيحلو ويغتدي ... له دمع عيني مُرسَلاً يخجل القطر
فكيف تزول عن ذكرى مجالسه المعمورة بالعلوم والآداب، ومفاكهته الشهيَّة التي تبيّن مجمل السنَّة ومخصوص الكتاب، فهو الذي اختصَّني من بين أقرانه بأخوَّته، وآثرني في حالتَي البعد والقرب بفتاويه وفتوِّته، جمع الله به ثانياً كما بدأ، وثبت فؤادي على حبِّه دائماً أبداً.
ثم السيد المفوَّه، الآخذ كتاب البراعة بحذاقةٍ وقوَّة، الفطن الأحوَذي(4) الأديب، الرامي عرض البلاغة بقوس فكرته المصيب، روض الأدب الذي هو بالفصاحة مكتسٍ، صديقي ومؤنسي، أحمد بن محمد الآنسي، ذو معانٍ ألفاظها ينفث السحر على بُعدها من التعقيد، وأمَّا مجالس أنسه ومحاضرته، ومواطن آدابه الغضِّ، وبديع مذاكرته، فقد اجتنيت من زهرها زهراً، سقى الله صنعاء والأخلاء والدَّهرا.
__________
(1) السيد محمد بن يحيى بن إبراهيم صاحب العارضة، سيد جليل فاضل، لا يختلف فيه اثنان، كانت وفاته رحمة الله عليه في أبي عريش أمام الإمام الناصر محمد بن المهدي، وكان ملازماً له رحمة الله عليه (هامش في ب).
(2) في (أ): نشر، وفي (ب): نعش.
(3) سقط من (أ).
(4) الأحوذي: الخفيف الحاذق، والشمر للأمور القاهر لها، لا يشذ عليه شيء. (القاموس المحيط ص314).
ثم أذكر حال الصَّاحب الكافي، والصَّديق الَّذي هو على مرِّ البُعد في كلِّ حالٍ مصافٍ، من تخرج في الآداب فأبدع، ووضح بدره في المعارف فأشرق في آفاقها وترفع، فكم شاهدت له مسطور، ومهرق بلاغته إن لم يكن سورة النور، فإنه صورة النور، من بمجالسته فرغت هضاب السرور، ورباه محمد بن لطف(1) الله للَّه أيامه في (الجراف)، وتناولي من رياض مفاكهته غصناً بلا خلاف، وقد شد الروض على فضل السحب المنسكب، وتلا قارئ الأطيار على قدَّ القضيب الذابل (اسجد واقترب)، وقد أسكن تلك الجنات ممّا كتبه حوراً عين، واسند فرائد قلائده إلى (السبكي) تارة وأخرَى إلى (زين الدين).
إيهٍ بعيشك بدر الدين سد فلقد ... أدلجت في الفضل فينا أيَّ مدلج
هذا وليل الشباب الجون مقتبل ... فكيف حين يضيء الشيب بالسُّرج
يسر الله لنا إلى (شريف)(2) تلك المعاهد الإسعاف، وجمع لنا فيها مفترقات الأماني من سائر الأوساط والأطراف:
إذا ذكر الجراف صبت قلوب ... إلى أوطانه سُقِيَ الجرافُ
انتهى ما بلغ إليه علمي من مناقب هؤلاء الخمسة أمراء الكلام.
خمسةٌ أمجادهم ماهم ... أكرَم من يشرب صوبَ الغمام
وربَّما أذكر غير هذا على سبيل الاستطراد، ومن الله أستمدُّ التمام وعليه التوكُّل والاعتماد /101/.
قُلْتُ: وهذه الخطبَة غرَّة في الخطب وشامة، وقد أخذتها قبساً من نور ذلك الترويح لمن لفت عنقه نحو ذلك التلويح وشامه، وينبغي أن أذكر شيئاً من ملح الكتاب وهي عديدة كثيرة؛ لأنه - عادت بركته - ملأه بالفوائد من كل نوع فمن المديح النبوي:
__________
(1) حاشية في (ب): محمد بن لطف الله الخواجة، كان من الكمال الأدباء وهو ممن وفد للتجارة - أعني والده لطف الله الخواجة - إلى صنعاء اليمن، فكان له هذا الولد ممن تأدب وقرأ في صنعاء وصار معدوداً من أهل المعارف والكمال، واخترمته المنية وهو شاب في محروس الجراف وقضى نحبه في شهر …… (بياض) من سنة 1069ه.
(2) سقط من (أ).
لولا الحِما القبلي والأبرقُ ... ما بات قلبي راجفاً يخفقُ
ولا تولَّهتُ بأهل النَّقَا ... جادهم المستَرسل المغدق
ولا تمسَّكت بذَيل الصِّبا ... لعلَّني من طيْبَةٍ أنشقُ
أحبابنا هاجرتم عبدكم ... ما آن أن تحنوا وأن ترفقوا
وهبكم(1) أدبتموه فلا ... تجاوزوا فيه ولا تغرقوا
فكاتبوه إن علمتم به ... خيراً ومُنُّوا حرِّروا واعتقوا
إذا تذكرتُ زماني بكم ... كدتُ بدَمعي حسرة أشرَق
ميقات وصلٍ كادَ من ذكره ... كَلِيمُ قلبي بعده يصعَقُ
أشكوكم جداً عثوراً وكم ... يوقعه المدحض والمزْلِقُ
إن لم يساعدني وإلا فلا ... شكاية تَحدي(2) بها الأينقُ
إلى جناب العزِّ رحب الذرا ... من رَوضه بالأمن لي تورقُ
محمد المختار أزكى الورى ... فإنه بي منكم أشفقُ
أرسله الله على فترة ... فانتعش المغرب والمشرقُ
وجاء والكفر له ظلمةٌ ... أشرق فيها وجهُه المشرِقُ
وكم له من غزوة فيهمُ ... وفيلق يتبعه فيلقُ
وخصَّه الله بفرقانه ... فكلّ مقدام له يفرَقُ
وليلة الإسرا التي حاز في ... مضمارها السبق فلا يُلحقُ
وفات فيها الكل حتى أمين الوحي فهو السَّابق المطلقُ
أدناه مقداراً إلى القاب أو ... أدنا وهذا الشرف المغرقُ
مرتبةً ما نالها قبله ... شخص ولا من بعده يُخلقُ
ومنها:
يا مالكي كن شافعي في غدٍ ... إن أجحم الشافعُ والمشفقُ
فلِي ذنوب لم أطق حملها ... يعنَى بها الأشقر والأبلقُ
إن عنَّ لي في خلوة ذكرها ... رأيتني من خجلة أطرقُ
/102/
وقع على حط ذنوبي إذا ... ما أوثقتني في غدٍ تطلقُ
فإنَّ آمالي غدت جمَّة ... فيك وقطعي أنها تصْدُقُ
فجاهُك الواسع لي عدَّة ... به غِنَى الدارين استرزقُ
صلَّى عليك الله في حضرة الـ ... ـقدس صلاة نشرها يعبقُ
والآل والأصحاب ما حنَّت الـ ... ـعيس فحنَّ المغرم الشيَّقُ
__________
(1) لعلها: وَهَبْكُمُ.
(2) لعل الصواب: تُحدى أو تُحدا.