ومالت(1) به الأهوا شمالاً وإنَّها ... لعارٌ عليه والذَّوائبُ سودُ
فكيف بشيخ قد حنى الدهر قدحه ... كفى ذائداً بعد المشيب يذودُ
وما انفك يقتاد الجنودَ لقائمٍ ... كريمٍ له أهلُ السماءِ جنودُ
إمامٌ دعا بالحق لمَّا تنكرت ... رسومُ الهُدى وانهدَّ منه مشيدُ
إذا سار سار النصرُ أو صال صولةً ... غدت عدنٌ مرعوبةٌ وزبيدُ
فساد الورى طُرّاً غلاماً ومثلُه ... إمامٌ لأولاد البتول يسودُ
وأضحى زمامُ الملكِ بين أناملٍٍ ... له كغوادي المزن حين يجودُ
ودانت له الأملاكُ قسراً فمنهم ... شقيٌّ ومن شاء الهُدى فسعيدُ
وطرَّد شمس الدين كل مُطرّدٍ ... فأمسى بأطرافِ البلاد يرودُ
وأصبح يرجي(2) الأرحبيات وافداً ... خميلاً كما يزجي الركاب وفودُ
يحن إلى سوح المظفر مُولَعاً ... بتقريضه حتَّى يقال لبيدُ
وحفَّت به غلفُ العلوجُ وحولُه ... دنانٌ وأوتارٌ تَرُنُّ (وغيدُ)(3)
فمن مبلغاً عنِّي الأميرَ وحزبَه ... لقد مرَّ نهجاً ما اقتفاه رشيدُ
وكاثرَ ما قد شاءَه لوليِّه ... مليكٌ له كلُّ الملوكِ عبيدُ
(وأعْوا) (4) رجالاً من قريش كأنهم ... إذا شجَّرت سُمر الرِّماح أسودُ
بها ليل من آلِ النبيء عليهم ... سرابيلُ من نسج الحديد سرُودُ
وقد كان يرجو من بنيه مشيعاً ... فأدَّى القضا ما كان عنه يجيدُ
فيا ليت شمس الدين أمسى محلُّه ... ببلقَعَةٍ يحوي عليهِ لُحودُ
ألم يأنَ أن تخشى القلوبُ وتتقي ... سعيراً له صُمُّ الصخورِ وقودُ
وأن ينتهي أهلُ النهى عن جرائرٍ ... عليها رقيبٌ لا يضلُّ عتيدُ
ويكفي بني الزَّهراءِ أنَّ نحوسَهم ... لقائمهم لو يعلمون سعودُ(5)
وأن قتيلَ الظالمين معَذَّبٌ ... وأن قتيلَ المؤمنين شَهيدُ
/90/
وأنَّ لهم فيه سموّاً وعزَّةً ... يدين لها نافي الإله جحودُ
إمامكمُ المهديُّ حقًّا وإنه ... لأكرَمُ من تهفو عليه بنودُ
__________
(1) في (ب): ومرَّت.
(2) لعلها: يزجي.
(3) في (ب): وعود.
(4) في (ب): وأغوى.
(5) في (أ): سعيد.
له شرفٌ يعلو الورَى وجدُودُه ... لكم حين تعداد الجدود جدودُ
تقيٌّ نقيُّ العرضِ قد تعلمونه ... بكسب المعالي مبدئٌ ومعيدُ
لأهل التُّقى منكم شفاءٌ ورحمةٌ ... وللضِّد منكم علقمٌ وصديدُ
مَلِيكٌ تحامته الملوكُ مهَابةً ... وكادت له شمُّ الجبالِ تميدُ
ودانت له الأقدارُ عفواً فلم يعش ... له بين قطر الخافقين نديدُ(1)
وأشبه ذي وَجهٍٍ بوجه محمدٍ ... وفيه علاماتٌ عليه شهودُ
مُطهرَةٌ أخلاقهُ وطباعهُ ... وعلمٌ على علم الأنام يزيدُ
فضائلُه سارت بها الركبُ في الورَى ... ومنكم عليها حاضرٌ وشهيدُ
دعاكم إلى نفي المعاصي فمنكمُ ... وليُّ حما عن دينه ومريدُ
وهامت بكم آراؤكم فكأنكم ... عن الرُّشدِ أغلالٌ لكم وقيودُ
وسامحتم في دينكم كلَّ ملحدٍ ... وما الناس إلاَّ ملحدٌ وعنيدُ
وكانت لكم في الاحتساب زخارفٌ ... من القول لم تُنظم لهنَّ عقودُ
أبحتم بها الأرواحَ والمالَ بُرهةً ... عليها رجالٌ راكعونَ سجودُ
فلمَّا دعا من أكملَ الله أمرَه ... نأى منكمُ مستنصرٌ وعنودُ
أذب عن المهدي ديناً وإنني ... إلى الله بالود الصحيح أهودُ
وإن حال من دون الإمام مخاوفٌ ... عسيرٌ علينا جوَبهنَّ وبيدُ
لعمرك ما قد قلتُ فيه مقلِّداً ... ولي بصرٌ لولا الخطوبِ حديدُ
وصاحبتُه عشرين عاماً وإنّه ... ليُقبسُ من أنوارِه ويُفيدُ
أتوقُ إلى نفي المناكيرِ شيِّقاً ... ولكن حظِّي في الأمورِ زهيدُ
عند(2) بني الزهراء من دون دينهم ... طعانٌ ومني خطبةٌ وقصيدُ
على آل طه رحمَة الله إنّهُ ... حميدٌ لطيفٌ بالعبادِ مجيدُ
قلتُ: وهاتان قصيدتان فائقتان، وقد كان أخبرني شيخي الذي نسبت إليه الرواية أن القصيدة التي أرسل بها إلى العراق وهي هذه القصيدة للعلامة البليغ الحجَّة القاسم بن أحمد الشاكري - أعاد الله من بركته - وهي على هذه الزنة والقافية(3)/91/:
__________
(1) في (ب): ضديد.
(2) غير موزون بسبب هذه الكلمة.
(3) في (ب): والتقفية.
أحبابنا إن الهوى لجديد ... وإن مكاني منكما لبعيدُ
وإنَّ رُبا صنعاء وهي محلتي ... وداركم وهي اللَّوى وزرودُ
وكم رمتُ لقياكم وقد حال بيننا ... أساودُ تلقى دونكم وأسودُ
وزورا يغواها القطا ليلَ وردِه ... ويعيا بها الخرِّيتُ(1) وهو جليدُ
ولم ينسني شحطي(2) هوى (مي) نازحاً ... ولا نبذت منها لديَّ عهودُ
ولم أنسها يوم النوى ودموعُها ... عقيقٌ على لبَّاتها وفريدُ
وغيضت من دمعي أكفُكفُ دمعها ... ومن لي بكفٍّ السحبِ وهي تجودُ
وقد جعلت تسري يديها على يدي ... دلالاً ويمناها عليَّ برود
وأدنيتها شماً وضمًّا فساعفت ... وحالت برودٌ بيننا ونهودُ
لها عقدات الرملِ ردفٌ وملدهُا ... قوامُ ونوَّار الشقيقِ خدودُ
وقافيَةٌ غرَّاء ما حاك نسجَها ... عبيدٌ ولا ألقى عليه هبيدُ
سهرت لها ليلَ التمامِ فلم أنم ... غراراً وأصحابي لدَي هجودُ
يبيت فؤادي يجمع الفكر شملها ... ويضحي بنظم الشعر وهيَ عقودُ
قريضاً أعارته المحاسن حسنها ... وقامت بإحساني عليه شهودُ
وألحمته بالليل نسجاً ونُشِّرتْ ... صباحاً على المهدي منه برودُ
ملابسُ أبلغن العنايةَ حقَّها ... قشائبُ لا يبنى لهنَّ جديدُ
عقائلُ أبكارٍ المعاني كأنَّها ... من الحورِ لم تُهصر لهنَّ قدودُ
وكم طلبت أكفاءها قبل وقته ... فأكدت واض الزند وهو صلودُ
فحلَّت على كفؤٍ كريمٍ فخيَّمت ... وحان لها بعد الهيام ورودُ
بأفصحَ من يرقى المنابرَ خاطباً ... وأهيبَ من رفَّت عليه بنودُ
فتىً لا يهابُ الجيشَ يطفو حبابُه ... حديداً ولا يثني خطاهُ وعيدُ
وقد جمع اللهُ المحامدَ كلَّها ... له وله كل الأنام عبيدُ
وملَّكُه الدُّنيا مع الدين فاغتدى ... يُحَكّمُ فيما يشتهي ويزيد
وأضحى له في الفضلِ والبأسِ والنَّدَى ... مكارمُ لا يُحصى لهنَّ عديدُ
أقام على صنعاءَ يومَ قيامِه ... بجيشٍ تكاد الأرضُ منه تميدُ
/91/
__________
(1) الخريت: الدليل الحاذق.
(2) شَحْطي: بُعْدِي. (القاموس المحيط ص620).
وزلزلها بالحربِِ من كل جانب ... وفيها جيوشٌ جمَّةٌ وجنودُ
وأنزل أربابَ الحصونِ أذِلَّةً ... أسيرٌ ومغفورٌ له وطريدُ
وقاد إلى الأعداء جيشاً كأنه ... خِضَمٌّ له من حافتيه مدودُ
وما كان غير ابن الحسين بعزمه ... بشيرٌ ولا تلك الجياد يقودُ
فأدركتهم عن سبع عشرة ليلة ... صوارمَ لم تنقض لهنَّ لبودُ
ولم يشعروا حتى مدت جنباتهُا ... وثارَ لها نقعٌ ولاح حدِيدُ
بدت والمعادي يَقرعُ السِّنَّ نادماً ... وقد جاءهُ ما كان منه يحيدُ
ولاذوا(1) بعفو الله ليلاً وأصبحوا ... يخبُّ بهم قب الأباطل قودُ
ولولا نجو أصبَّت عليهم سيوفُه ... ونال شفاها سيدٌ ومسودُ
وكانوا لها في الناس ذكرى وعبرة ... كما ذكرت في الهالكين ثمود
قلت: وهذه القصيدة لا يناسب إرسالها إلى العراق كما ترى، ولعلَّه وقع اللَّبس والله أعلم.
أحمد بن أبي السعد العصيفري [ - ق7 ه ]
الشيخ الطاهر العالم، أحمد بن أبي السَّعد العُصَيفري - رحمه الله تعالى -. من أعلام المائة السابعة، كثير العلم، أظنه صنو الشيخ الفضل بن أبي السعد بن عزوي بن أحمد - رحمهم الله تعالى -.
أحمد بن أسعد المفسر [ - ق9 ه ](2)
الفقيه العلامة الأصولي أحمد بن أسعد المفسر - رحمه الله - كان من أعيان المائة التاسعة، وهو الذي لخص عنه الفقيه العلامة مَعُوضة بن صالح الشيعي كتاب (مراقي الأصول إلى كشف أسرار جوهر الأصول)(3) تأليف العلامة ابن أبي الخير - رحمه الله تعالى - قال الفقيه معوضة: إنه قرأ الكتاب الملخَّص المذكور على العلامة أحمد بن أسعد سنة ثماني وثمانين وثمانمائة.
أحمد بن جعفر [ - ق 7 ه ] (4)
__________
(1) في (ب): فلاذوا.
(2) أعلام المؤلفين الزيدية ص 86 ترجمة 52، تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 4/15، مؤلفات الزيدية ج 1/324، ج 2/255.
(3) سقط من (أ).
(4) السيرة المهدية، خطية.
السيد الفاضل العلامة أحمد بن جعفر، من عيون المائة السابعة، ذكره السيد العلامة يحيى بن القاسم الحمزي - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن جناح الضمدي [واستطرد في علماء ضمد]
السيد(1) الفاضل شهاب الدين، أحمد بن جناح الضمدي - رحمه الله -. هو من بيتٍ ثابت العماد في التشيّع والولاء لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي أهل بيته الجلة الكبار والخيرة الخيار، وسيأتي ذكر قوم منهم، وهذه الهجرة الضمديّة(2) - عمرها الله بالتقوى - مطالع لشموس العلم والآداب، حتى اشتهر أنه لا يخلو عن مجتهدٍ وشاعر، وهو كذلك لم يعرف ولم يسمع أنه قد خلي، هذا زماننا فيه العلامة الصَّدر وجيه الإسلام عبد العزيز بن أحمد النعمان:
[عبد العزيز أحمد النعمان الضمدي المتوفي سنة 1078 ه ] (3)
__________
(1) في (أ): السيد، وفي (أ): الفقيه.
(2) ضمد بفتح الضاد والميم ثم دال مهملة، قرية من تهامة الشام في المخلاف السليماني (انظر معجم المقحفي ص 397).
(3) هو عبد العزيز بن محمد، انظر عنه: البدر الطالع 1/357، وطبق الحلوى ص 20، 32، والجواهر المضيئة خ، والجامع الوجيز خ، وبهجة الزمن خ، وتحفة الأسماع والأبصار سيرة المتوكل إسماعيل خ، وتأريخ اليمن لمحسن أبي طالب ص 107، ومعجم المؤلفين 5/223، وفيه عبد العزيز بن أحمد، وانظر عن مؤلفاته ومصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ص 550، ترجمة (551).
من كبار العلماء وصدور الحكام، إليه قضاء (زبيد) المحروسة وبندر (المخا) - عمرها الله بالعَدل - وهو من عباد الله الصَّالحين وفضلاء الكملاء، (بليغ) (1) مجتهد(2) متظلع من العلوم، وله مؤلفات منها (شرح على الموشح) في النحو، سمَّاه (البغية)، ومنها (السلم) في أصول الفقه شرح (المعيار) /92/ كتاب الإمام المهدي - عليه السلام - ومنها تخريج أحاديث (الشفاء) في الحديث(3)، من كتب المحدِّثين وعزو كل حديثٍ إلى كتاب من كتبهم، وإن كان أئمتنا لهم روايات ورجال غير أولئك، إلا أنَّ هذا من فضل الله اتفاق المروي، وقد اعتنى أيضاً بحاشيَة على (الشفاء) وعلى ذكره أذكر رؤيا رآها أطال الله عمره؛ لأنها موعظة وهو وحيد الزمان كامل الصفات، لقيته بصعدة وهو من عيون العلماء، وأنا إذ ذاك حدَث السن، وله تلاوة وخشوع وصفات حميدة، وله عدَّة رسائل في أمور متعددة، منها: رسالة في المقامات المعروفة عند الكعبة، ومنها رسالة ينحو منها نحو الملائمة للأقوال، ورسالة أرسلها إليَّ فيما يأخذه الإمام من الرعيَّة، نعم، وهذه الرؤيا هي ما حكاه أبقاه الله، قال: نمت ليلةَ السَّبت ثاني عشر(4) من صفر سنة ثمان وثلاثين وألف، حصل معي ألم فأمسيت تلك الليلة قلقاً متكدِّر الخاطر، فرأيت بتلك الليلة من يُعطيني ثلاثة أبيات، ثُمَّ بعد مضي ثلث الليل أعطاني ثلاثة أبيات
__________
(1) سقط من (أ).
(2) في (ب): مجيد متظلع.
(3) تخريج أحاديث شفاء الأوام للأمير الحسين لعبد العزيز الضمدي، منه نسخة في مكتبة الأوقاف رقم 310، وثانية ج2، ج3 رقم 303، وفي المكتبة الغربية ج1 رقم 37 حديث، وج2 برقم 73، ومجلد رقم 157، حديث وهو نسخة كاملة من الشفاء وتخريجه، ونسختان من المجلد الأول خطتا سنة 1163ه بمكتبة آل الهاشمي بصعدة) ونسختان من المجلد الثاني إحداهما بنفس التاريخ، والأخرى مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي عن مخطوطة بمكتبة آل الجلال.
(4) في (ب): تاسع عشر.
أخرى، وهي المتأخرة في الرقم على هذا الترتيب وهي:
أرجن(1) على طاعة الرحمن واصطبر ... واذكر منازل أهل الفضل والنظر
فليس يدرك إلا من له سبقت ... عناية من ذوي الألباب والفكر
اجعل حياتك في الدُّنيا منغَّصة ... تعلو بذلك في الأخرى على البشر
يا نائماً كم قيام الليل تتركه ... وأنت في نومك الموفور(2) لم تدر
لله درُّ أناسٍ خوطبوا فلهوا ... واستيقظوا حين كان الليل بالسحر
إنَّ الزمان تقضَّى وانتهى عجباً ... والذَّنب أضحىكعدِّ الرَّمل والحجر
انتهى. ولا بدَّ من كتابة من عرفت اسمه من علماء أولئك، وقد كان القاضي فخر الدين عبد الله بن علي النعمان.
[عبدالله بن علي الضمدي المتوفي نحو 1057 ه ] (3)
__________
(1) كذا في النسخ: أرجن.
(2) حاشية في (ب) وكذلك في (ب): في يومك الموفور. قال في الأصل: الموعور.
(3) عبدالله بن علي بن محمد بن علي بن سن بن النعمان الضمدي الشقيري، من أهل شقير بغرب ضمد، توفي نحو سنة 1057ه وقيل: نحو: 1050ه، وفي مجلة العربي 6/152، إنه أنجز العقيق اليماني سنة 1068ه، ومن مصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ص 605، ومعجم المؤلفين 6/93، والأعلام 4/106، والموسوعة اليمنية 2/622، ومؤلفات الزيدية 2/279.
كتب كتاباً سمَّاه (العقيق اليماني في ذكر أهل المخلاف السليماني) (1) وقفت عليه مرَّة بأبي عريش ولم يتيسَّر لي النقل منه، وهذا ابن جناح لا أعرف جناح المذكور، هل هو اسم(2) أو لقب، فقد أثبت اسمه هكذا، ومن جملة أهل بيت هذا (ابن)(3) جناح المقبور بصنعاء الذي يعتقد فيه الناس وعليه مسجد معمور، وكان عامياً لا فضيلة له، وأظنَّ القاضي أحمد بن جناح هذا في زمان(4) الإمام صلاح الدِّين - عليه السلام - والقصيدة التي إلى الإمام استنصاراً على صاحب جازان التي أوَّلها:
ببيض المواضي لا ببيض الكواعب
وهي من غرر القصائد له، وأغارت خيل الإمام معه من صعدة، ولكنَّها سبقت غارة صاحب مكة قبل غارة الإمام والقصَّة مشهورة /93/ وعلى ذكر ضمد هذه البلدة المباركة أذكر ما حضرني من شعر العلامة ابن قنبر فيها، وكان ابن قنبر من علمائها وفصحائها، له قصائد سحارة(5) إن يسَّر الله نقلت شيئاً منها، قال - رحمه الله -:
ما ضمد يا صاح إلاَّ جنة ... وهل تُساوي جنةً جهنم
نسيمها وتربها من عنبر ... وماؤها الكوثر عذبٌ شبم
إذا تغنَّى سحراً قُمرِيُّها ... أيقظ منها من نيام نَغَم
وإن تلا الأسحار في مسجدها ... تالٍ به عنك يزول السقم
ومنها:
لا يهتكون حُرمة الجار ولا ... يُعرف عيب منهم وفيهم
__________
(1) العقيق اليماني في وفيات وحوادث المخلاف السليماني تأريخ إلى سنة 1057ه منه نسخة خطت سنة 1086 بمحروس قرية شقير بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي، أخرى مصورة بمكتبي صورها الأخ وليد الربيعي من أبناء مدينة زبيد وللمؤلف أيضاً كتاب الوافي بوفيات الأعيان المكمل لغربان الزمان خ، رقم 218، 219 تأريخ المكتبة الغربية، وله كتاب جوهرة المغاص في معرفة الخواص خ بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي.
(2) في (ب) أو عالم.
(3) زيادة في (ب).
(4) في (ب): في زمن.
(5) كذا في النسخ.
ولعلها طويلة ولنعد إلى ذكر أحمد بن جناح - رحمه الله - كان مجيداً في الشعر، ومن شعره ما أفاده بعض شيوخي - رحمه الله - وقال: هي أطوَل من هذه:
ركنت إلى الدُّنيا مع العلم أنني ... سأصبح في بطن الثرى متوسدا
وجاهرت بالعُصيَان(1) للَّهِ عالماً ... عقوبته للظالمين له غدا
وخضت بحور المهلكات تعمداً ... مع العلم مني أنَّ في خوضها الردا
علمت طريق الحق ثم هجرتها ... عياناً ولم أمدُد إليها له يدَا
وكم من كبيرٍ خنته متيقّناً ... وملتبس والَيته متعمّدا
وما جئت شيئاً جاهلاً بصفاته ... ولا سرت في اثنائه مُتَرَددا
بغير حياءٍ أركب الذنب عارفاً ... مُجازات ربي ضاحكاً متمردا
إذا ما رآني من رأى قال جيِّدٌ ... ولي مخزيات لو رآها تردَّدا
أُصَلِّي صلاتي غير دارٍ بفرضها ... وما سنَّ فيها معرضاً متعمدا
صيامي وذكري لا لربي وإنما ... أُريد به كيما أُرى متعبدا
أيفعل هذا من يخاف عقوبةً ... ويأتيه من يخشى به أن يخلَّدا
وأفتي بما لا علم عندي وإنما ... أردت به فوق السماكين مقعدا
وألاَّ يقول الناس لي أنت جاهل ... فأركبُ نفسي شعثها متجردا
أقوم بجوف الليل أتلو محبة ... لرؤية أهل الفضل لي متهجّدا
وأصغي إلى الخيرات للناس مظهراً ... وباطن أمرٍ لا أفارق معبدا
وأظهر للإخوان وُداً وإن نأوا ... طعنت بهم طعناً على الناس موردا
/94/
أقول بهم قول الصداقة حاضراً ... وإن غبت عنهم كنت بالذَّم منشدا
كلامي لأرباب الوفاء خديعة ... ووعدي لهم بئس المواعيد موعدا
أُرَى أنني في الصَّالحين ولو أُرَى ... على عثراتي كنت عنهم مطردا
فظاهر أمري مؤمن وخفيَّه ... ظلوم غشوم ذا مشيب وأمردا
إذا ما ذكرت النار والحشر في غد ... وتعذيب أهل الظلم فيها مؤبدا
حزنت لذكر النار لا عن مخافة ... وقمت كئيباً مغضباً متنهدا
أطأطئ رأسي ثم أطرق خاشعاً ... كأني إذ أبصَرتني ممن اهتدى
__________
(1) لعلها: بالعِصيَان.
وبالله ما ذئب بأسرع وثبة ... على غنمٍ مني إلى الظلم إن غدا
صلاتي وتسبيحي وذكري حبائلٌ ... أصيَّد فيها الرزق زوجاً ومفردا
ومهما خلت في الدَّار منفرداً بها ... هجمت على اللَّذات غاوٍ ومرشدا
أصاغر خدِّي مُعرضا متكبراً ... على الناس(1) ......................
وإن يك لي ذنب سترت عظيمة ... وكنتُ لعَيب الغيرفي الأرض منشدا
أرىفي عيون الناس من جهلي القذا ... وأترك جذعاً بين جُفنَيّ مسَندا
قبيح على الإنسان يرفعُ نفسه ... ويُلبسُها علماً وفضلاً وسؤددا
مع العري من ثوب الفضيلة ساترٍ ... بغير إزارٍ منه فيها ولا ردا
وأقبح من هذا وأشنع أنه ... من الفضل عار لائم من تزودا
فيا رب لا طفني إذا جئت حاملاً ... كتابي بكفّي يوم حشري مسوّدا
حفيظاً محيطاً لا يغادر جامعاً ... من الفعل ما قد كان فيه مرصدا
أقلب وجهي حيث لا ذي صداقة ... بمغنٍ ولا خلّ بكفيه لي ندا
عليّ(2) لربي في القيامة رتبة ... أود بها لو كنت من عظمها سُدى
فكن لي إلهي عند ذلك راحماً ... ولا تخزني واغفر ذنوبي تمجُّدا
بحقك لا واخذتني بجريمةٍ ... ولا راعني يوم الندا منكم الندا
وقل قدّموا عبدي إلى جنة العلا ... بعفوي وغفران الذنوب مخلدا
فإذ جاءنا مستغفراً متعذراً ... تركنا له في جهله ما تعمّدا
وكل أخٍ أو صاحبٍ أو قَرابةٍ ... سمحنا لهم ماكان في الكتب مُرصدا
/96/
وحاشاك أن تبدي إلى الناس في غد ... من الشر ما بيني وبينك قد بدا
رجائي وظنيِّ فيك غفران زلَّتي ... إذا جئت في الأخرَى بها متقلِّدا
وستر عيوني المفضحات تكرماً ... وتفريج كربي راحماً متغمدا
أحمد بن الناصر الكبير [ - ق 4 ه ]
__________
(1) بياض في (أ) و (ب).
(2) غير موزون.