من سنة السبع عقيب الألفِ ... من هجرة المختار فاسمع وصفي
وهذا الكتاب لم ينقله من المسوّدة ولم يهذِّبه ولم يطلع عليه أحد، وكأنه رأى تركه أولى ووضع (حاشيه على الثلاثين مسألة) جعلها في هوامش نسخةٍ بخطه لبعض المبتدئين فنقلها الناس نقل الشروح فتصرفوا فيها وغيَّروها عن وضعها، فهذا سبب ما قد ترى فيها من الخلل(1)، وعلَّق (حاشية على الأزهار) وشرحه لم ينقلها أيضاً من المسوَّدة، ولم يرتِّبها حقّ ترتيبها، ولا أعاد فيها نظر، ولا قرئت عليه وتناقلها الناس بعده، فقدَّموا وأخَّروا، وكثيراً ما صحَّف النسَّاخ فيها، والله المرجو أن يقيّض لها من يداوي عللها، ويسدُّ خللها(2)، وله السؤالات إلى الإمام القاسم - عليه السلام - المعروفة (بالسؤالات الصنعانية)(3)، وآخر مؤلفاته - قدَّس الله روحه - (الطراز الْمُذهب في إسناد المذهب) (4)
__________
(1) الدر المنظوم في معرفة الحي القيوم خ، وهو نفسه شرح مصباح العلوم (الثلاثين المسألة) مخطوط منه نسخ في مكتبة الجامع الغربية برقم 94 ، 150 علم كلام، ورقم 62 نحو، ورقم 63، 167 مجاميع، وفي المتحف البريطاني نسخة رقم 3989 وأخرى بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي، وانظر كتابنا مصادر التراث في المكتاب الخاصة.
(2) حاشية السحولي على الأزهار وتعرف باسم القدر المختار من نفحات الأزهار، منه خمس نسخ في الجامع الكبير المكتبة الغربية من رقم 114 إلى 118، ورقم 99 فقه، وثلاث نسخ في المتحف البريطاني، إحداها باسم هداية الأفكار، وأخرى مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي، ونسخة خطت 1074ه في مكتبة السيد محمد بن عبد الملك المروني بصنعاء وأخرى خطت في سنة 1178ه في مكتبة آل الهاشمي بصعدة، وأخرى بمكتبة السيد عبد الرحمن شائم هجرة فللة صعدة، وأخرى بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي بصنعاء خطت سنة 1065ه.
(3) انظرها في مؤلفات الإمام.
(4) الطراز المذهب في معرفة أسناد المذهب، منه أربع نسخ خطية ضمن مجاميع (17، 71، 68، 118) المكتبة الغربية الجامع الكبير، ونسختان في المتحف البريطاني ضمن مجموعين رقم 2076 ، 3908، وفي الأمبروزيانا برقم 2567، والفاتيكان رقم 1198 - 2، وفي جامعة الرياض رقم 1272، وعلى هذا الكتاب شرح بعنوان (التثبت والجواز عن مزالق الاعتراض على الطراز) ليحيى صالح السحولي خ، الأمبروزيانا، ونسخة مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي.
وأمَّا صفاته الشريفة فلا نطوِّل ذكرها(1)، وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً، وفضلاء عصره مجمعون على زهده وورعه، ووقاره وخشوعه، وجلالة قدره، وشفقته بالمسلمين، وبرَّه بالأقربين والأبعدين، وكثرة عبادته، وغير ذلك من الأوصاف الجميلة. من مواظبته على العبادة أنه ما طلع الفجر فيما أعلم وهو نائم، وأمَّ الناس في الجامع منذ ملكت اليَدُ الإماميَّة صنعاء سنة تسع وثلاثين إلا مدَّة قليلة في آخر عمرة، عَسُرت عليه الموَاظبَة لعوائق /75/ عديدة، وما سجد للسَّهو في هذه المدَّة كلِّها إلا مرَّة [واحدة](2) في وفاة صنوه الحسن - رحمه الله - سلم في صلاة العشاء على ركعتين وسلم معه أكثر الناس، فأعاد الصلاة وأعادوا جميعاً، وقرأ ?أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ? (الماعون: 1).
ومن خشوعه وخشيته أنه كثيراً ما سمع منه البكاء، فمن ذلك ما سمعته ورأيته أنا وغيري، كنا نقرأ عليه (شرح القلائد) للنجري، فبلغنا مسألة إنطاق الجوارح، فوضع الكتاب، وما زال يبكي بأعلى صوته(3) حتى سمعه من مرَّ على الباب، والقراءة كانت في البيت بصنعاء، وكلما فتح الكتاب غلبه البكاء، فقام وتركنا القراءة ذلك اليوم، ما رأيت، ولا سمعتُ في أهل عصرنا بمثل هذا، ولها نظائر.
ومن تقليله للطعام ما قد ذكرته، بل ما قد علمت منه، ترك الطعام أياماً متوالية، وفي شهر رمضان يفطر بلحوح ولبن، ثم يقوم للصلاة فلا يفرغ الناس من العشاء إلا وقد أكمل صلاة التسبيح، ثم يقوم الليل فلا يتسحَّر إلا بالقهوة. ومن إكثاره للذكر أنه كان يقرأ في شهر رمضان في المدَّة السَّابقة خمسة وأربعين ختمة، وسمعت منه في معرض الزجر عن الاشتغال بما لا يحتاج إليه من كثرة الكلام مع الناس لا سيما في الطريق، قال: الإنسان يقرأ من الجامع إلى البيت حين يخرج من صلاة العشاء سورة يس ثلاث مرَّات، وكم بين الجامع والبيت.
__________
(1) في (ب): بذكرها.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): بأعلى الصوت.
ومن إيثاره للزهد تأخيره التأهّل إلى سن الكهولة مع وفارة المقتضيات وكثرة المرغبات رغب كثيراً في بعض قرابته، فاشتغل عنها بما هو بصدده، فتزوجت بعد أن أذن، وولدت وبلغت ابنتها سنّ الزواج فتزوجها، ولم يعرف غيرها مدَّة حياته. ومن زهده أنه لم يمدَّ عينه إلى شيء عرض عليه، وكثر عليه في قَبوله من زهرة الدُّنيا من الدُّور والعقار وغيرها، مع أن يده العليا في ذلك، وكان يقول: أعظم مفسَدة في طلب العلم الخروج من صنعاء للخريف. ومن حسن خلقه الكريم مخاطبته للكبير(1) والصغير بيا أخي، وكان للطلبة في الغاية من اللطافة وهم له في غايَة المهَابَة، وكان إذا سأل المبتدئ سؤالاً ركيكاً وجهه [له](2) بأحسن(3) توجيه، وقال: مراد أخي فلان كذا وكذا. وأمَّا ذكاؤه وحفظه فمِمَّا لا يختلف فيه اثنان. وأمَّا بلاغته فقد عُرِفَتْ في خطبه ورسائله وفتاويه ومحاورته أشعاره. ومن جملة شعره تبرّكاً بذكره نقلته من خطه قاله في آخر مدَّته:
يا ربّ إني ضعيف ... لا ذخر عندي ولا زاد
وقد قصَدتك ضيفاً ... فاصنع معي صنع الاجوَاد
ومنه:
رَفعَ الله المصطفى جنَّة الخلد ... وأبقَى لنا ذوي الفضل آله
فهم الإِنس بل هم الإنس كل الإنس لا أوحشوا على كلِّ حاله
/76/ ومنه:
يا سَادَتي لي عليكم ... في كشف ضرِّي مُعوَّلْ
وقد علمتم منَ الحال ... (المختصَر) و(المطوَّلْ)
ومنه:
يا سيدي لي إليك حاجة ... وعندكم تكره اللَّجاجة
فأنجزوني بما وعدتم ... ولا يكن وعدكم (إزاجة)
ومنه:
صُرِفْتُ عن بابك يا سيدي ... ظلماً وإبراهيمُ لا ينصَرفْ
يا عجباً للدَّهر في حكمه ... هل من مَجير منه أو منتصفْ
يمنع منعاً طالبٌ(4) للهُدى ... منكم ويحظى بكم المنحرف
ما سمِعَت أذناي(5) ببحرٍ غدا ... يمنع منه من أتَى يغترِف
__________
(1) في (ب): للصغير والكبير.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): أحسن.
(4) في النسخ: طالباً، والصحيح طالبٌ، نائب فاعل.
(5) لعل الصواب: أذني لئلا يختل الوزن.
ومن شعره:
إليك علوم العقل منظومة على ... مراتبها فاتبع بها الرسم بالقلمْ
فعِلمٌ بحالِ النفس ثُمَّ مشاهدٌ ... بَديهتُها والحصرُ في سائر القسمْ
تَعلُّقُ فعلٍ فهمُ قصدِ مخاطبٍ ... جليٌّ أمُورٍٍ فاستَمع نظمَ من نظمْ
وثامنُها علمُ اختيارٍ وتاسعٌ ... به ميّز الإحسان عن ظلم من ظلَم
وآخرُها علمُ التواترِ رُتبةً ... بها كملَ المقصودُ من حصرها وتمْ
[استطراد ذكر عيسى بن لطف الله]
قلت: نظم علوم العقل ما كان من نظم السيد بديع الزمان عيسى بن لطف الله مؤلف (روح الروح)(1) في التأريخ، وهو تأريخ بديع ألَّفه للوزير محمَّد، لكنه جعله لدَولة الأروام صورة، وهو لأهل بيته آل الإمام شرف الدين حقيقة، ونحا فيه نحو (قلائد العقيان) من التسجيع، وكان هذا السيِّد آية من آيات الله في آدَابه وحفظه ومفاكهاته، كل من أدرك عصره من الفقهاء والنبهاء يُروي عنه غرائب وعجائب، وكان من أحفظ الناس للتواريخ (والماجريات)، وطال عمره، وكان في آخر عمره مع المولى شرف الإسلام الحسن بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد، وكان سلوة الهموم وجلوة الغموم، ازدادت أيام المولى الحسن حسناً، وارتفعت صفاتها الحسنَى بحسن الأداب(2)، وكان لا يجر على أحد ضرراً مع تمكنه، وكان علمه حقيقة التنجيم والاصطرلاب، والذي جرَّ إلى ذكره أنه كان يلبس لباس الأمراء والكبراء من أصحاب الدَّولة من الجوخ وغيره، فمرَّ ببعض الطلبة بشهارة، فتكلموا في شأنه فقال بعض الطلبة: كأني به ما يعرف علوم العقل فنظمها أرجوزة، فقال:
وضعتُ شيئاً للثقاة البررة ... نظم علوم العقل تلك العشرة
/77/
أوّلها يا جعفر بن عيسى ... لقيت خيراً ووُقيت بُؤساً
__________
(1) كتاب روح الروح فيما حدث بعد المائة التاسعة من الفتن والفتوح، وهو كتاب في تاريخ اليمن من سنة (965ه)، (انظر عنه كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ج (739 - 740).
(2) في (ب): الأدب.
علمي بنفسي في الطوى وفي الشبَعْ ... كذاك في الصحَّة أو وقت الوجَعْ
بَديهَةٌ: فخمسَةٌ في العددِِ ... أقل من عدَّة عشر فاقتدي
وخبرةٌ: كسر الزجاج بالحجر ... فاعلم بهذَا نلت غاياتِ الوطر
مُشَاهدٌ: هذا(1) السماء فوقنا ... والأرض ذات الصَّدع صارت تحتنا
دائرةٌ: زيد غدا في الدَّارِ ... أم خارجُ الدَّار فلا تمار
والقصدُ: في معرفة الخطاب ... في الابتدا منه وفي الجوابِ
تواترٌ: كمكة(2) في الأرض ... وقصْدُها من لازمات الفرض
جَليُّ أمرٍٍ: علمُه بما أكَل ... وقت الغداء والعشا وما فعل
الحسنُ: الصِّدقُ من الإنسان ... كذا القبيحُ: الكذبُ باللسّان
ولمَّا مات رثاه مولانا العلاَّمة محمد بن إبراهيم بن المفضل بن علي بن الإمام شرف الدين وأحد علماء المعقول والمنقول وبقيَّة الزمان - أدام الله إسعاده - فقال:
ورْقَاء بانات اللوى والأجرعِ ... لفِراق خيرَ بني الْهُدَى نُوحِي معي
نجمٌ ثوى ما كنت أحسب قَبله ... أن النجومَ تغيبُ تحت اليرمِع(3)
ما كان يقصر عن بلاغة لفظه ... (قُسٌّ) (4) ويعني في الرواة (الأصمعي) (5)
وإذا تكلَّم ناظماً أو ناثراً ... فالْمُوسَويّ(6) لديه عيُّ مُدَّعي
عيسى بن لُطف الله زينة وقته ... وحفيد من أزرَى بنحب وتبع
وهي طويلة توفي في [سنة1084ه ومولده سنة 986 ه ] (7).
__________
(1) لعلها: هذي.
(2) في النسخ مكة، والصحيح ما أثبتناه لأجل الوزن.
(3) اليرمع:
(4) قس بن ساعدة الأيادي، المتوفى نحو سنة 23 قبل الهجرة، من حكماء العرب وكبار خطبائهم في الجاهلية (الأعلام 5/196).
(5) عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي [122 - 216 ه ] أحد أئمة اللغة والأدب (الأعلام 4/162).
(6) لعله الشريف الرضي.
(7) ما بين المعقوفين بياض في النسخ، وهو زيادة من كتابنا (أعلام المؤلفين الزيدية).
ولنعد إلى تمام الترجمة الشريفة للقاضي العلاَّمة صارم الدين، قال وَلده: من كرامَاته أنه حفظ القرآن غيباً في شهر في سنِّ الكهولة، كان يُسْمِعُ له أخوه أحمد كل يوم جزءاً، فلمَّا ختم أضاف الأصحاب فقال له والده: ما هذه الضيافة يا إبراهيم؟ فقال: قل للوالد يا أخي أحمد، فقال: ختم أخي غيب القرآن فبكى - قدس الله روحه - من السرور.
يا عين صار الدمع عندك عادة ... تبكين في فرحي وفي أحزاني
هذا وابتلي قدّس الله روحه في آخر مدَّة بولاية القضاء بمدينة صنعاء في أواخر خلافة مولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله وأوائل خلافة مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم - عادت بركاتهم - واستمرَّ عليها إلى وفاته قدر عشر سنين، فأوَّل دخوله في ذلك أصابه من الاهتمام والاغتمام، ما حرمه الهجوع ونفى عنه المنام، /78/ وترك لأجله أياماً وليالي الشراب والطعام، وكان إذا دخل المنزل لا يغلق بابه لاشتداد الغمِّ، وحين علم الله حسن نيته وصلاح طويته أفرغ عليه الصَّبر، وشرح منه الصَّدر، ويسَّر له الأمرَ، فنهض بذلك العناء نهوضاً أنبأ عن علم غزير، وورع كثير، وكمال كبير(1).
__________
(1) في (ب): وورع كبير وكمال كثير.
وكان يقول: (القضاء صناعة العلم جزء منها)، وكثيراً ما كان يطيل مجلس الحكم حتى إنَّه ربما جلس مجلساً واحداً من بُعِيْدِ الشروق إلى قُبِيْلِ الغروب، ومع اشتغاله بهذا التكليف قلباً وقالباً ما ترك التدريس، بل كان لا يخلو عن ثلاثة أربعة دروس، وأمَّا في أيامه الخالية التي أسلف فيها أعمَاله الزاكية، فقد كان يجمع فوق العشرة الدُّروس درساً وتدريساً، وحين مرض مرَضَ الوفاة وعليه قراءات إحداها في (منهاج القرشي)(1).
هذا ما سنح من أحواله رحمه /79/ الله تعالى على وجه الاختصار، ولفظ (السحولي) ليس كما يظنّ إلى الجهة المعروفة، وإنما سببه أنه وَلِد والده يحيى بن محمد في يوم وصول قافلة من السحول فأطلق عليه هذا اللفظ لهذا السبب، ثم غلبت حتَّى كادت تنسِي النسبَة الحقيقيَّة، وهي (الشَجَرِي) - بالمعجمة والجيم مفتوحتين والمهملة - نسبة إلى (بني شجرة)(2) بطن من (عنس)(3) الحي المعروف باليمن من مشارق ذمار.
قلت: وفي علماء مقري من يتسمَّى بالشجري وهوَ (……)(4).
__________
(1) منهاج القرشي يسمى كتاب: منهاج التحقيق ومحاسن التلفيق، ويسمى أيضاً: المنهاج تقويم الاعوجاج، وهو من الكتب المعتمدة في أصول الدين، ومؤلفه هو القاضي العلامة يحيى بن حسن القرشي المتوفي سنة 780ه، (عن الكتاب ومؤلفه انظر كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص 1097 - 1098.
(2) بنو شجرة: بلدة في عنس شرقي ذمار، إليها ينسب بنو الشجري (معجم المقحفي ص: 345).
(3) عنس: بفتح العين ثم سين مهملة، ناحية واسعة غربي ذمار بمسافة 41 كيلو متر، تبعها الأخباريون إلى عنس بن زيد بن أدد بن زرعة بن سبأ الأصغر، وهي من المناطق الغنية بالآثار القديمة (انظر المصدر السابق ص 468).
(4) بياض في النسخ جميعها.
وأقول بعد هذه الترجمة الشريفة: من كرامات هذا القاضي - عادت بركاته - هذا الولد العلامة الفارس في علوم الاجتهاد، فإنه الآن عين الوجود بصنعاء، وهو خطيبُها، وهو ينحو بتأديتها نحو والده، ويقتفيه، والولد كما قيل سر أبيه، وهو مدرس في الأصولين والنحو والتصريف والمعاني والبيان والتفسير والفقه، وله النظم البديع والروض المريع، وله كل معنىً عجيب أينما توجَّه في معاني الشعر، ومن أراد الإشراف على شريف صنعته فعليه بتلويح المشوق، وله إليَّ - حفظه الله - جملة قصائد، ومن شعره إلى بعض إخوانه:
أعيدَا لسَمعي ما حلا لي وما مرَّا ... أحاديث حالٍ كنتُ فيه وقد مرَّا
زمان تقضَّى بالأماني والمنى ... ولم يبق لي ممَّا ذكرت سوى الذِّكرى
بسفح اللِّوى عصر الصَّبابة والصَّبا ... سقى الله ذاك السفح والناس والعصرا
مضى ومحيّا العيش أبيض مشرقٌ ... كأنِّي به قد كنت في الجنَّة الخضرا
أجرّ ذيول العجب من خفض عيشتي ... كأني في مُلكٍ وفي رفعَةٍ كَسْرَى
يُطاوعني دهري إذا ما أمرته ... ويقسم أني لستُ أعصِي له أمرا
وهي طويلة، وكم أعدُّ من فرائده - أدام الله أيامه وكثَّر أمثاله -(1).
__________
(1) حاشية في (ب): ذكر القاضي العلامة محمد بن إبراهيم السحولي عافاه الله ورحمة الله وبركاته عليه: كانت وفاته يوم …… في شهر …… من سنة 1110 ه بمحروس رداع في مقبرة العابد، وبجواره القاضي حسن الثلائي - رحمه الله - وذلك في أيام مولانا أمير المؤمنين الناصر لدين الله محمد المهدي، وكان مقيماً لديه وملازماً حضرته، حتَّى توفاه الله سبحانه قدس الله روحه.
إبراهيم بن يحيى الثائي [ - ]
الفقيه الفاضل، إبراهيم بن يحيى الثائي. كان من العلماء المبَّرزين /78/، مدَرساً، حافظاً للشريعة، تَخرَّج عليه فضلاء، منهم السيد صارم الدِّين - رحمه الله - وظني أن والده هو العلاّمة يحيى بن محمد الثائي المرادي المذحجي، شيخ الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - ولعَلَّ هذه النسبَةَ بالمثلثة بعدهَا ألف ثم هاء، وهي من بلاد العَرش(1) من أحسن البلاد وأطيبها، وهي بلاد رداع.
إبراهيم بن يحيى بن المتميز [ - 1037 ه ]
إبراهيم بن يحيى بن المتميز الصعدي، كان من عباد الله الصَّالحين وأهل التقوى والخشوع، مدرساً وقلَّ ما دخل أحد من الطلبة في أيامه إلا ودرس عليه، وكان كثير التبسُّم، ثُمَّ يبكي بعد ذلك بكاءً شديداً، وكان حليفاً للقرآن مع كثرة البكاء عند التلاوة، حتى إنه روي أنه كان في آخر عمره يقرأ كل يوم ختمة - رحمه الله - وله أولاد نجباء منهم محمد بن إبراهيم، كان على منهاج والده فاضلاً مدرّساً بسَّاماً خشوعاً - رحمه الله - توفي - رحمه الله - في شهر رجب سنة سبع وثلاثين وألف.
إبراهيم بن يحيى بن محمد [ - ]
الفقيه المحقق إبراهيم بن يحيى بن محمد بن حسن بن حميد بن مسعود المقرائي بلداً، الحارثي المذحجي نسباً، كان علامة في الفروع والفرائض مشارفاً على غيرهما، وكان محققاً لعلوم الفرائض والجبر والمقابلة، أخذ عن والده المحقق خاتم الفرضيِّين يحيى بن محمد الآتي ذكره، وقرأ عليه العلماء خاصَّة في هذا الفن الشريف، وتوفي في …… وقبر (بجربة الرَّوض) - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) العَرْش: عزلة من ناحية رداع في الجنوب منها (المصدر السابق ص ص438).
إبراهيم بن يحيى بن عبد الله [ - ]
الفقيه الفاضل إبراهيم بن يحيى بن عبد الله بن أبي النجم قاضي صعدة وحاكمها، ومفتيها وعالمها، قال بعض من ترجم له: كان بصعدة يشد(1) إليه الرحال، ويضرب أكباد الإبل إليه العيونُ من الرجال، كان في رأس سبعمائة من الهجرة النبوية، وجه صعدة وعينها، وغرَّتها الشادخة وزينها، ممدحاً بالشعر الغالي السعر، ومن جملة ما قيل فيه عند بنائه الذي أعرب عن السعادة، وجرى في مجاري اليُمن على أحسَن عادة، ما يذكر بما قيل من التهاني، إلى ابن سهل الحسن بن هاني فقال بعضهم:
يَا لهَا من مسرَّةٍٍ ونعيمٍٍ ... وسُرورٍ وطالعٍٍ مستقيمِ
فبِها صعدَةُ أنارت رُباها ... واستَطاب السرورُ طيبَ النسيمِ
وتغَنَّى الحمامُ شجواً وبشراً ... بمسرَّات ذي الفخارِ الصَّميمِ
ابن يحيى الجوادُ تربُ المعالي ... الحليمُ العليمُ نجلُ العليمِ
الحسيبُ النسيبُ عمّاً وخالاً ... الكليمُ الكريمُ سبطُ الكريمِ
أشرفُ النَّاسِ عُنصراً وفخاراً ... ومحلاًّ من حادثٍٍ وقديمِ
هوَ غيثٌ إن ظنَّ غيثٌ غياثٌ ... للحيّ وغوثُ قلبِ اليتميمِِ(2)
وحِمامُ العداةِ سُمُّ الأعادي ... ومرَامُ (العُفَاةِ) مُغْنِي العديمِ
ذو حفاظٍٍ وعفَّةٍٍ ووَقَارٍٍ ... وسخاءٍٍ ورَبٍُّ دين قويمِ
/80/ حاكمٌ حكمهُ على الناس حتمٌ ... أعدَلُ الناسِ عن يدٍٍ في الخصُومِ
ثاقبُ الفهمِ ثابتُ العزمِ ركنٌ ... كلُّ يومٍ ملابسِ التعظيمِ
ومنها:
يا مدَاوِي الكلومِ يا سِبْطَ يحيى ... يا كريمَ الأكُفِّ بحرَ العلوم
يهنك العرسُ يا كريمَ المحيَّا ... يا عزيزَ القضاة(3) يا ابن الزَّعيمِ
يا بني النجمِ قد علوتُم وطلتُم ... بالمعالي على رؤوس النجومِ
عَقُمَ الدَّهرُ ما أتى بكرامٍٍ ... مُذْ نشأتم ولم يكن بعقيم
فإليكم ألوكة(4) ذات نظمٍ ... كاللآلي من الصديقِ الحميمِ
__________
(1) في (ب): تشد.
(2) عجز البيت غير موزون.
(3) في (ب): يا زعيم القضاة.
(4) هكذا في النسختين.