إبراهيم بن يحيى بن الهدى الجحافي [991 - 1065 ه ] (1)
السيد العلامة، الناسك، صارم الدين، إبراهيم بن يحيى بن الهدَى بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد الحجافي - رحمه الله تعالى -. كان هذا السيِّد الجليل من أهل الملكة لنفسه والرِّياضَة الكليَّة بحيث لا يُروَى عنه رواية في الغالب لكثرة حفظه للسانه، وإنما يجري مع الأصحاب بالتبسّم والاستماع لمقالهم وإظهاره التعجب والاستغراب لما يُروَى كأنه لا يعرف شيئاً.
/70/
فتراهُ يُصغي للحديث بسمعه ... وبقلبه ولعلَّه أدرَى بهِ
__________
(1) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (40) شعراء اليمن من اسمه إبراهيم ترجمة (18) ص 81 ، 82، طيب السمر خ، طبقات الزيدية القسم الثالث تحت الطبع، الجواهر المضيئة خ، خلاصة الأثر 1/404، مصادر العمري 271، مصادر الجبشي 27، 226، 494، ملحق البدر الطالع 13، وغيرها وكلها عن هذا الباب.
وكان مع ذلك متقناً(1) لأمور دينه ودنياه، عاكفاً على كتب الطريقة، مواظباً على الجماعة في المسجد الجامع (بحبور)؛ حتَّى [إنه](2) لا يروي أحد أنه تخلَّف عن المسجد في وقت صلاة إلا لعذرٍ عظيم، وذلك مشهور من حاله، وكان متوليّاً للقضاء، راضية عنه قلوب الناس، لما يعلمون من صدقه وإنزاله الناس(3) منازلهم، ووقوفهم عند صميم الشرع، وله (شرح على المفتاح في الفرائض)(4)، أجاد فيه، وقرأت عليه الناس، وانتفعوا به، وأتى فيه باصطلاحاتٍ غير اصطلاحات الأصحاب، ثم جعل لذلك مقدَّمة ليعرف الناس منها مقاصده، وله (شرح لأبيات الجعبري في التلاوة لآي الفاتحة)(5) ومخارج حروفها، وله أشعار فائقة رائقة وخمَّس قصيدة الصَّفي الحلّي النبويَّة التي طالعها:
فيروزج الصبح أم ياقوتة الشفق ... بدت فهيجت الورقاء في الورق
وأحسن في ذلك كل الإحسان، وهي دائرة بأيدي الأدباء بصعدة وبلادها، وممَّا نقل ولده العلامة إسماعيل بن إبراهيم من خطه قال: وأظنه من شعره:
وإذا أسبَل الظلام رِوَاقاً(6) ... وهدا معشر به فاستراحوا
فأنا رافع الأكف إلى من ... خطرة القلب عنده إيضاح
قائلاً: رب أنت تعلم بالحال ... ففيم السّؤال والإلحاح
وإذا اليأس رام هدم رجائي ... قال حسن الرَّجا له: لا براح
ولعمري ما يهزم اليأس ظنِّيَ ... والإله المؤمَّل المستماح
لو تكون السماء والأرض رتقاً ... أو تحول السيوف والأرماح
هذه نيّة الكرام لعمري ... وبها طال ما استراحوا وراحوا
كلما جاءهم من اليأس كأس ... فلهم من رجائهم أقداح
__________
(1) في شعراء اليمن نقلاً عن مطلع البدور: متقياً.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): للناس.
(4) فتح الفتاح الفائض في شرح مفتاح الفرائض خ، منه نسخة في المتحف البريطاني رقم 3995 وأخرى في الفاتيكان فهرس ثالث برقم (1134/2).
(5) لم أجد له نسخة خطية.
(6) الرِواق بالكسر: ستر يمدَّ دون السقف (مُختار الصحاح).
وكان بينه وبين السيدين السبطين الكريمين الحسن والحسين ابني الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - سلام الله عليه - غاية التحابِّ والتصادق والمفاكهات الأدبيَّة، وكان بينه وبين الفاضل العارف عبد الحميد بن أحمد المعافا مراسلة تشتاقها أعناق الغيد أطواقاً، وتنافس فيها الحور أنطاقاً، ومولده - رحمه الله تعالى - في رمضان عام واحدٍ وتسعين وتسعمائة، وتوفي وقت الظهر يوم الخميس رابع عشر شهر شعبان سنة خمس وستين وألف في مدينة حبور المحروس، وله أولاد نجباء قد أحرزوا قصب السبق في الفضائل بلا مدافعة، منهم مولانا السيِّد ضياء الدين(1) حواري أمير المؤمنين المتوكل على الله:
[إسماعيل بن إبراهيم جحاف]
إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى(2) المذكور، علامَة محقق في الأصول والفروع والعربيَّة والطب مع آداب وحافظة، يقلُّ نظيره في ذلك، أطال الله للإسلام عمُره، وقد تولى القضاء بالحضرة المتوكليَّة /71/ وله شعر جيد الصنعة، فمن ذلك قوله:
لقد آن أن تُعصى النفوسُ الطوامحُ ... وتُرْدعَ بالتقوى القلوبُ الجوامحُ
فقد أنذَر الشيبُ الملمُّ وصرَّحت ... زواجره والشيبُ لا شك ناصحُ
أُعاتِبُ نفساً لا أعاتبُ غيرَها ... على اللَّهو حتَّى طوَّحتها الطوائحُ
وأزجر قلبي عن هوَاه بوعظه ... وهل ريض ياللناس بالسوط فارح(3)
إلى كم أُرجِّي عزمةً أنتهي بها ... إلى الخير والآمال غادٍ ورائحُ
ويمنعني من ذاك أمرٌ كتمته ... ودهرٌ عن الأحرار ناءٍٍ وجانحُ
فوا أسفا أن لا حياة لذيذةً ... ولا عملٌ يرضى به الله صالحُ
وله في هذا المعنى:
يا فارجَ الهمّ بتيسيره ... وكاشف الشدَّة والبأسِ
خذ بيدي يارب وانظر إلى ... ضعفي وإخباتي وإبلاسي
ولا تكلني يا إلهي إلى ... نفسي وتدبيري وإحساسي
__________
(1) في (ب): ضياء الإسلام.
(2) حاشية في (أ): السيدان الإمامان إسماعيل بن يحيى بن إبراهيم بن الهدى، ولم يترجم لهما القاضي ترجمة مفردة لتأخر وفاتهما.
(3) في (ب): قارح.
فالعجز والظلم معاً شيمتي ... نتيجتا جهلٍ وإلباس؟
وله في الرقائق(1) والإخوانيات ما يفوق، ويروق، مع أنها بداية على طرق التمام(2)، وأرسلت إليه مفاكهاً على يد فتىً اسمه عنبر بقليل من العود الرطب فأجاب مع الرسول بديهياً:
يا واحد العصر بلا مِرية
ٍ ... ومعدن الجود بلا منكر
أحسنت إذا أرسلت يا ذا العُلا ... هَديَّة العود مع عنبرِ
ولم تزل بيننا المفاكهة - أدام الله حياته - فهو حياة الأرواح.
[استطراد في ذكر أخي المترجم له، واسمه يحيى بن إبراهيم جحاف]
__________
(1) قلت: ترجمه زبارة في ملحق البدر الطالع ص55، فقال: مولده سنة 1024ه، وأخذ عن والده والحسين بن علي جحاف والسيد عبد الرحمن بن حسين جحاف وغيرهم، وأورد بعض أشعاره وقال: ومات المترجم له بحبور في شعبان سنة 1097ه.
(2) في (ب): الثمام.
وله أخ اسمه يحيى سيد أبناء وقته علماً وعملاً، يذكر بالأوائل من سلَفهِ الكرام في كل طرائقه، وهو المتولي للقضاء بقرية حبُور في هذه الأعصار، بعد أن كان عزف نفسه عن الخلطة، وأراد السكون في شواهق الجبال فلزمه تكليف الإمام، فعاد إلى وطنه، ونشر العلم، وأحيا المعالم، وهو في النحو الغايَة، وله (شرح على الحاجبيَّة)، عظيم الشأن، لُبَاب نجم الدين وخلاصه، وهو الآن في الفقه المجلّي في رهانه، وله ما يجري مجرى (الشرح لنهج البلاغة)، وله خط عجيب قد كتب به غرائب وعجائب(1)، وله شعر في الذَّروة ينهج فيه منهج العرب الأولى، والله يديم حياته للإسلام(2)، ولهما أخ [محمد](3) ثالث من الفضلاء النبلاء، وهذا البيت معمور بالفضلاء في كل عصر، والله يؤتي فضله من يشاء.
__________
(1) في (ب): عجائب وغرائب.
(2) السيد يحيى بن إبراهيم بن يحيى جحاف، قال زبارة في ملحق البدر الطالع ص 226، مات في حدود سنة 1103ه، وانظر ترجمته في أعلام المؤلفين الزيدية رقم 1162وكتابه في شرح نهج البلاغة هو باسم (إرشاد المؤمنين إلى معرفة نهج البلاغة المبين) خ، سنة 1093ه، موجود بالأمبرزيانا، وأخرى بمكتبة الجامع الكبير في ثلاثة مجلدات، ومن مصادر ترجمته مصادر الحبشي 131، 337 وطبقات الزيدية الكبرى خ تحت الطبع، ونشر العرف 2/814، 3/ 298 - 300، زهر الكمائم خ، النفحات المسكية خ، بغية المريد خ، الجواهر المضيئة خ، معجم المؤلفين 13/182، الأعلام 8/134.
(3) زيادة في (ب).
إبراهيم بن يحيى الشجري السحولي(1) [987 - 1060 ه ]
القاضي، الفاضل، صارم الدين، إبراهيم بن يحيى بن محمد بن صلاح الشجري، السحولي، - رضي الله عنه - كان من السَّابقين في الفضائل، العلماء العاملين الأفاضل، قال ولده العلامة الخطيب، زينة الوقت محمد بن إبراهيم أسعده الله في ترجمته ما لفظه: مولده - قدس الله روحه - ليلة الجمعة ثالث /72/ وعشرين من جمادى الأولى عام سبعة وثمانين وتسعمائة بمدينة ذمار، وسَمعت منه، ووجدته بخطه، وأظنُّه له:
مسقط الرأس ذمار ... وهي من خير الديار
وفاته ضحوة يوم السبت لعشرين خلت من جمادي الأولى سنة ستين وألف، ودفن بعد صلاة الظهر بالمقبرة المعروفة بجربة الروض بباب اليمن، عدني مدينة صنعاء، ونقل إلى مشهده المزور بجنب مسجده المبارك (بمحروس السَّعدي) ليلة سابع عشر من شوال من تلك السنة، ووجد على حاله التي وضع عليها لم يتغيَّر شيء من جسده المكرَّم ولا من كفنه المبارك، تصديقاً لما ورد في العلماء سيما علماء العدل والتوحيد أن الأرض لا تأكل أجسادهم.
__________
(1) إبراهيم السحولي من مصادر ترجمته: شعراء اليمن من اسمه إبراهيم ترجم (17) مصادر العمري ص 262 البدر الطالع 1/197، مساجد طيب 53، 57، الإعلام 1/80، بغية المريد خ، المستطاب خ، طبقات الزيدية الكبرى خ، مصادر الحبشي 218، 127، معجم المؤلفين 1/127، معجم المصنفين 4/48، الجواهر المضيئة خ، تاريخ اليمن، طبق الحلوى ص 123، وهامش ص 66، تاريخ اليمن لأبي طالب ص 26، بغية الأماني والأصل خ، وانظر بقية مصادره ومؤلفاته في كتاب أعلام المؤلفين الزيدية ترجمه رقم 39 ص 75 - 76.
قلت: ورثاه ولده محمد أبقاه الله جامع الترجمة بقصيدتين طويلتين، وابن أخيه حسنة الزمان الأديب المنشئ أحمد بن الحسن بن يحيى - رحمه الله - وكلاهما مجيدان، والسيد البليغ أحمد بن محمد الآنسي - رحمه الله تعالى - وغير هؤلاء من الفضلاء. قال ولده محمد أيده الله: منشؤه مدينة ذمار، وقرأ بها القرآن قراءة مجوَّدة، وقرأ الفقه والفرائض والكلام وطرفاً من العربيَّة، ونظم الشعر الكثير، إلا أنه غرَّقه حين غرَّق ما اجتمع عنده من الأوراق مخافة عثور الظلمة فيها على ما يوجب عندهم القتل، وحصَّل شطراً صالحاً من علم الفلك، ومن الغرائب أنَّه عرَّفه المنازل رجل مكفوف البصر.
شيوخه بذمار: والده، والقاضي محمد بن علي الشكايذي، والقاضي المعافا بن سعيد، والقاضي محمد بن ناصر الدين الفلَكي وغيرهم.
أخبرني أن من جملة ما قرأ على الفلكي (اللامع)(1) في الفرائض للعصيفري، وكان القاضي صلاح بن محمد يحضر مستمعاً بلا نسخَةٍ، وكان يسبق إلى فهم بعض الدَّقائق فينشد:
تبارك الله ربي في تصرّفه ... هذا يصيد وهذا يأكل السَّمكة
واشتهر من تجرُّده للطلب وهمته العاليَة مدَّة إقامته في ذمار مالم يشاركه فيه أحد، حتى إنه كان قليلاً ما يطفئ السِّراج، وكان والده إذا احتاجه لحاجة مهمَّة خرج يطلبه في المسجد على وجهٍ لا يشعر به فيجده مكبّاً على الكتاب، فيرجع قبل أن يراه يقضي الحاجة بنفسه على جلالة قدره.
قالوا: مثلاً يذهب إلى الوادي لقضب البقرة؛ لأنهم - قدَّس الله أرواحهم - كانوا أهل الزهد، كما جاء في عيسى - عليه السلام -: (خادمه يداه، ودابَّته رجلاه) وكان يُعيد ستين شرفاً، وكان يُعيد في الخميس والجمعة قراءة الأسبوع، وأعاد أظنَّه في ثلاثة أيَّام انقطعت القراءة فيها من أوَّل الكتاب إلى كتاب الحج.
__________
(1) كتاب اللامع شرح مفتاح الفرائض، ويسمى أيضاً: شرح المفتاح في الفرائض - خ - منه نسخة رقم (16)، مجاميع بالمكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء.
ومن كراماته في طفولته ما سمعت منه: أنَّ والده قال: إنه أخرجه معه أول خروج إلى المدرسة الشمسَّية بذمار، فلمَّا وضعه بباب المسجد جرى إلى المحراب وسجد فيه سجدة طويلة، قال: قال والده: فحصل معي من السرور ما لا مزيد عليه، وكان ما كان، أَلِفَ النُّسك والعبادة والخلوة طفلاً، وهكذا النجباء. أقول: وعند هذه الكرامة التي ذكرها ولده أبقاه الله تعالى /73/ أذكر كرامة له أخبرني بها بعض السَّادة، قال: إنه كان هذا السيِّد عاملاً ببلاد (سنحان)(1)، فحصل شجار بين أهل قريتين في مراعي، فجاء كتاب من الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - أن القاضي يخرج لافتقاد ذلك بنفسه، فخرج - رحمه الله - وبات ببعض القرى، ثم توجَّه إلى محل الشجار، فوصله ضحوة فمرّ ببعض الشعاب، وقضى الحاجة، ثم أحسن وضوءه وصلَّى ما تيسَّر له، فذهب السيد المذكور من محلٍ ينظر ما يصنع، فرآه بعد الصلاة يدعو مستقبل القبلة ويبكي بدموع غزيرة، فلمَّا تمَّ له ذلك أشرف على الموضع المتشاجر فيه، فخرجت ظبية من تحت حجر بالقرب منهم وتوسطت محل الشجار، فقال القاضي والناس ينظرونها: ما اسم المحل الذي هي فيه؟ قالوا: كذا، قال للكاتب: اكتب اسم المحل، ثُمَّ أخذت في المحل فسألهم فقالوا: اسمه كذَا، فأمر الكاتب فلم تزل الظبية حتَّى قطعت محل الشجار، فقال لهم: ما ترون هل هذا يصلح فقد يسّر الله هذه الظبية بفضله، فقالوا وقال الحاضرون: هذا أحسن حكم وأعدله لأمور عديدة، فعاد من ذلك المحل.
__________
(1) سنحان، بفتح السين وسكون النون وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون، اسم مشترك بين عدد من البلدان والقبائل اليمنية، أشهرها قبيلة سنحان في الجنوب الشرقي من مدينة صنعاء (انظر معجم المقحفي ج 327 - 328).
رجعنا إلى ما قال ولده حفظه الله، قال: وما زالت تسمو حاله في العلم والعمل وجميع الكمالات حتَّى انتقل والده(1) إلى صنعاء بأهله في عام عشرة بعد الألف، واستكمل(2) فيها العلوم، وما زال في درس وتدريس إلى أن استوفى ما وهبه الله له من العمر النفيس.
مشائخه في صنعاء والده، والمفتي، والقاضي أحمد بن معوضة الحربي، والفقيه إبراهيم بن يحيى حميد، والفقيه أحمد الضمدي، والسيد الحسن بن شمس الدين بن جحاف، والسيد صلاح المضواحي، والسيّد محمد بن الناصر، والسيد صلاح بن الوزير، والفقيه عبد الرحمن بن محمد الحيمي الآخر، وأمَّا الفقيه عبد الرحمن بن عبد الله الكبير فلم يدركه؛ لأن وفاته سنة ثلاث بعد الألف وغير هؤلاء المذكورين، وخاتمة شيوخه القاضي عبد الهادي بن أحمد الحسوسة، قرأ في صنعاء النحو، والصَّرف، والمعاني، والعروض، واللغة، والتفسير، والحديث، والأصولين، والمنطق، وكان له في كل فنٍّ من هذه الفنون اليد الطولى، فأمَّا الفقه والأصولان فلا يشق فيهما غباره، سمعت(3) أنه قرأ (الكافية) على الضمدي، وكان يطالع ثلاثة عشر شرحاً، ومن جملة ما قرأ على المفتي (الكشاف)، ورأيت بخطه المبارك أنه قرأه في أربعة أشهر، قال: وكان والده يحضر هذه القراءة بلا نسخة ولا درس، وكثيراً ما يذكرهم أشياء قد مرَّت في مواضعها المعينة فيعجبون من حفظه.
__________
(1) والده: زيادة في (أ).
(2) في (ب): فاستكمل.
(3) في (ب): سمعت منه أنه.
قلت: وعلى ذكر قراءته - رحمه الله تعالى - (الكشاف)، بلغني أنه رأى قبل فتحها بيويمات(1) أن الزمخشري - رحمه الله - درس في (الكشاف) بالجامع، لعلَّه في الموضع الذي قرأوا فيه ولم أتحققه، رجعنا إلى كلام ولده: ولمَّا ظفر بالقاضي عبد الهادي الحسوسة أيام إقامته بصنعاء حاكماً، وهو الرحلة في علم الكلام، أعاد عليه سماع كتب الكلام من (الخلاصة) إلى (تذكرة /74/ ابن متويه)، وجملة ما قرأ عليه ثلاثة عشر كتاباً من الكبار، وكان القاضي عبد الهادي يقول: ما رأيتُ ممَّن قرأ عليَّ على كثرتهم مثل القاضي إبراهيم، وكان له أحوال في الدَّرس والتدريس يختصّ به، كان يقوم إلى الجامع من آخر الليل، فإذا صلَّى الفجر وضعت له الإزار مطويَّة على نحو ثوب حتى تكون كالوسادة الصَّغيرة، فيقعد عليها قِعدة واحدة من عقيب الفجر إلى أن يتعالى النهار، يقرأ عليه في (الأزهار) طلبَة يزيدون على المائة في أكثر الأحوال، يملي عليهم املاءً في غاية الحسن والسعة (والسهولة)(2) وجميع الفوائد، يسمع من مؤخر الجامع إلى المقدَّم على جهة التفصيل، وكثيراً ما يقوم بعد تمام القراءة إلى القراءة على القاضي عبد الهادي في نحو (الغايات) إلى قريب الظهر، وكثيراً ما يخرج من هذه القراءة لصلاة الظهر ويدرس عقيبها في نحو (البيان) و(الفصول) فلا يتناول في هذه الحال طعاماً إلا بعد العصر، ولا يخلو في غالب الوقت عن مذاكرة بعد العصر وبعد العشاء الآخرة في البيت، وأمَّا بين العشائين فلا يخليه عن صلاة التسبيح وغيرها من النوافل، وأكثر هذه القراءات لا تخلو عن تعليق، هذه أحواله فيما يتعلق بالدَّرس والتدريس على وجه الاختصار، وأمَّا التصنيف فاشتغاله به قليل، ألَّف (الدُّر المنظوم في معرفة الحيّ القيّوم) في سنّ الصغر؛ لأنه قال فيه:
نظمتُه نظمُ اللآلئ والدُرر ... قصْداً لعفو الله في شهر صفر
__________
(1) تصغير الأيام.
(2) سقط من (أ).