عمران بن يعلى
الفقيه المتكلم عمران بن يعلى - رحمه الله تعالى - كان من علماء المائة السابعة كاملاً فاضلاً - رحمه الله تعالى - ذكره السيد العماد يحيى بن( (1) ) القاسم الحمزي - رحمه الله تعالى - شيخ شيوخ الزيدية حافظ الإسناد إمام المتكلمين شحاك الملحدين بهاء الدين عمران بن الحسن بن ناصر بن يعقوب (……)( (2) ) العذري الشتَوي (- رحمه الله -)( (3) )، رايته بخط يده بفتح التاء من (شتَوي)، والمشهور عند الناس إسكانها ولعل النسبة إلى بني شتا بطن من عذر والده الحسن، كان أحد الكتاب للإمام المنصور بالله، وقتل غيلة في (……)( (4) ) على باب صنعاء وصنوه أسعد كان من الكملة، وأما الفقيه عمران فهو من الكبار سمع بمكة برباط الزيدية وتلقف اسناداً كثيراً وأخذ عنه الإمام المنصور بالله، ومما حكى انه تكلم الإمام بكلام أو قضاء بحكم فاستنكره الفقيه فقال له الإمام - عليه السلام -: أنت رويت لي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كذا، وساق الحديث فاعتذر الفقيه، وقال: رُبّ حامل فقه إلى من هو افقه منه ودارت بينه وبين الإمام مراجعة لا يعرفها إلا المحقق المدقق في أصول الدين وأصول الفقه في الواجب المؤقت مبنياً( (5) ) على مسألة الألطاف والمصالح، فدل كلامه على إتقان وتدقيق في الفنين، (و)( (6) ) له في العربية تمكن وله مصنف يسمى (التبصرة)، وله (الرسالة الهادية للصواب في أهل القصد والاحتساب) تدل على اطلاع عجيب وتمكن وسطوة في العلم كما يفعل المجتهد الراسخ نقل فيها محاسن وفوائد، ودارت بينه وبين السيد العلامة حميدان (بن يحيى)( (7) ) - رحمه الله - المقاولة المعروفة، وقد تجهل الناس منصب عمران من العلم وهومكين ولم يؤثر عنه إلا الصالحات وهو أحد الداخلين لعقد /211/ الأمر إلى
__________
(1) في (ب): بن أبي القاسم.
(2) فراغ في (أ) و (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) فراغ في (أ) و (ب).
(5) في (ب): منهما.
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): بن الحسن.
قطابر للأمير عز الدين محمد بن المنصور وهو الذي قبل الأمير عز الدين، وله شعر ومما رأيته بخطه وهو خط في غاية الحسن، ( (1) )كثيراً من كتب المذهب وله عناية كاملة بالمذهب الشريف فرايت بخطه:
شيئان من يعذلني فيهما ... يبوء بالإثم وبالعدل
حب علي بن أبي طالب ... والدين بالتوحيد والعدل
والبيت الآخر معي وهم فيه فيحقق وهو مكتوب بخطه في سيرة المؤيد بالله الهاروني في خزائن السادة آل أبي علامة، وكان يحفظ الشعر كثيراً وله في هذا المعنى مع الإمام قصة توفي عمران - رحمه الله - في (فراغ) وعمران ابن الحسن المذكور غير عمران الزيدي الذي ذكره في بعض تواريخ مكة، وقال أنه كان يصلي بعصابة الزيدية ويدعولإمام المسلمين أجمعين المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى - عليهم السلام - وفيهم عمران ثالث أيامه أيام المنصور الوشلي كان فقيهاً محققاً مرجوعاً إليه - رحمهم الله جميعاً -.
أبو العمير بن أبي طاهر
العلامة أبو العمير بن أبي طاهر - رحمه الله تعالى - كان عالماً شهيراً حريصاً علىالخير داعية إلى البر، وهو الذي عناه السيد الهادي الوزير - رحمه الله - في قصيدته رياض الأبصار بقوله:
وبالمشتري صوت الأذان بماله ... فيا نعم مشترياً جزيل التمول
وذكر في شرح هذه القصيدة وهو شرح رأيته بصعده أيام الصغر ولم أره بعد أنه جد آل الدواري وأنه من ذرية وهب بن منبه، ثم رأيت هذا بعينه في كتاب مسلم اللحجح( (2) ) وقد رأيت نقله؛ لأنه واف بالمقصود، وإن كان فيه وهم في نسبه فسننبه عليه، قال مسلم: كان أبو العمير ينزل نجران بين آل الربيع من بني عبد المدان ونسبه في أبناء فارس وأخبرت أن آل أبي طاهر من ولد عبد الكريم بن معقل بن منبه وسمعت بعض آل عقيل بصنعاء يذكر انهم بنو عقيل بن معقل بن منبه وأن معقل بن منبه أخو وهب بن منبه أحد التابعين.
__________
(1) زيادة في (أ): كتب.
(2) في (ب): اللحجي.
قلت: هذا كلام مسلم، وفيه مخالفة أولاً لكلام الشرح الذي ذكرته أولاً فإنه نسب أبا العمير إلى وهب نفسه وكلام مسلم يخالف كلام نشوان فإن نشوان أثبت نسب وهب في حمير، وقال: هو ابن( (1) ) عبد الله وهب بن منبه الحميري هكذا حكاه عنه صاحب الكنز ولا ريب أن كلام مسلم في نسب وهب أصح من كلام /212/ نشوان فنسبه في ابناء فارس بلا مرية وممن ذكره ابن خلكان في تاريخه.
قلت: ذكر بعض النسابين (بأنه) ( (2) ) وهب بن منبه بن كامل بن سنسخ - بمهملتين بينهما نون ثُمَّ خاء معجمة - ومعناه بلغة الفرس الأسواري الأمير كالبطريق عند الروم والقيل عند المغرب( (3) )، وذكر الرازي نسبه إلى ملوك الفرس المتقدمين ومولده ومنشأه صنعاء، وقد يقال له الذماري لعرف كان جارياً في مسمى( (4) ) ذمار غير ما يتعارفه الآن، مولده سنة أربع وثلاثين وقيل سنة ثلاثين، لقي عشرة من الصحابة، توفي سنة عشرين وقيل أربع وعشرين ومائة، وكان نقش خاتمه ((أصمت تسلم وأحسن تغنم)) واستشاره رجل في رجلين خطباء ابنته أحدهم مولى ذا مال والآخر همداني فقير، فقال عليك بالهمداني فإن الأموال تذهب وتجي والأحساب لا تذهب، فالظاهر أن هذا نسبه غير أن مسلم اللحجي خلط نسب آل الدواري وآل (أبي) ( (5) ) طاهر، وهذا خلاف المشهور، قال (آل أبي) ( (6) ) طاهر بيت مشهور قد استقروا بصعده ولا ينسبون أنفسهم إلا إلى الفرس غير أنهم يقولون من( (7) ) ذرية سلمان، ولعله وهم، وأما (آل) ( (8) ) الدواري فنسبهم في بني عبد المدان شهير، وليس آل النجراني منهم كما ذكره القاضي شمس الدين احمد بن يحيى حابس - رحمه الله تعالى - فلنرجع إلى أحوال أبي العمير، قال مسلم: كان أبو العمير من قدماء هذه الطبقة وأفاضل الزيدية وذي الحب في الله والولاية على
__________
(1) في (ب): أبو.
(2) في (ب): أنه.
(3) في (ب): عند العرب.
(4) في (ب): يسمى.
(5) سقط من (ب).
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): في.
(8) سقط من (ب).
دين الله والعمل في إحيائه بما أمكنه من رأي وقول وعمل وبذل مال، وكان من أهل النعم الطائلة والأموال الضخمة، وكان بنو عبد المدان بل سائر تلحوث( (1) ) يتعصبون لولاية بني العباس ويتشددون في ذلك لوجوه منها ما كانوا يعتقدون من رأي العامة، ومنها ما كانت بنو العباس تكرم به أول أشرافهم من الولايات، وأضراب الكرامات، وقد كان من أول أسباب ذلك ولادة ريطة (بنت) ( (2) ) عبد الله بن عبد الله بن عبد المدان لأبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس، ثم ولايتهم بعد ذلك للعمل من قبلهم حتى شب على محبتهم الصغير ومات الكبير وخلف قرن بعد قرن على ذلك، ويحسب ما كان فيهم من( (3) ) عناد بني فاطمة - عليهم السلام - والبراءة منهم، فكان أبو العمير مع محبته لسكناء نجران واعتقاد مذهب الهادي - عليه السلام - شديد التشوق إلى إظهار شيء منه أو من إشعاره( (4) ) (وعلاماته)( (5) )، فكان يبذل في ذلك الأموال الرغيبة ويفعل الأفاعيل العجيبة، فأخبرني غير واحد من أهله وغيرهم والخبر في هذا إجماع لا خلاف فيه إلا ان ممن أخبرني جابر بن عبد /213/ المحمود بن أبي العمير بن أبي طاهر، وكان من أفضل من رايت بنجران من الزيدية عفة وعبادة وتفقهاً ونسكاً على سلفه، وأخبرني - أيضاً - أبو محمد اللحجي إلا أنه اجمل ولم يفصل. قال: كان التشيع بنجران لا يظهر والأذان بحي على خير العمل لا يقدر عليه بوجه ولا سبب حتى كان من ابي العمير - رحمه الله - بناء مسجد درب آل الربيع بمدينة نجران العظمى.
__________
(1) فراغ في (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب) زيادة: محبة بني العباس كان فيهم من.
(4) في (أ): شعاره.
(5) في (ب): وعلاماته بجهده.
قلت: هي قرية الفجر مسكن آل عبد المدان، وبذل الأموال في بني عبد المدان حتى كانوا يدعون( (1) ) حقه ويرون فضله، فلما رأى أن المال ينفعه في غرضه تطمع في شراء الأذان بحي على خير العمل من صومعة المسجد الذي بناه، فعمل في ذلك حتى أجيب إليه شراء بدنانير كثيرة، ذهب عني ذكر عددها، فلما أذن به في حياته جرت السنة بذلك فلم يعترض فيه أحد بعد، وقد أخبرني والدي وغيره من الناس أنه كان من بعد أبى العمير من آل أبي طاهر خلف رضى مثلهم ينوب عنه في حماية (تعز)( (2) ) الذي حلف عليهم نحو أحمد بن أبي القاسم قد تواترت اخباره عندنا بالسماحة الفائضة على الناس وسعة الرفد والقرى للوفود وحمل الأثقال المنقضة للظهور حتى كان يتسامع به الغرباء من الآفاق وينزل عليه المقلون بالعيال والأولاد فيوافق أملهم ويريح عللهم، وكان تعصبه للمذهب وتعصب أهل بيته وافياً تاماً ولشهرة أهل هذا البيت بالغضب لله وفي الله والحب لمن أطاعه والبغض لمن عصاه صنع العثماني وقال ما صنع، وقال (صنع العثماني ما صنع، وقال ما قال)( (3) ) كفراً لنعمهم واغتياضاً بهم النصارى أعداء ملته وملتهم، وكان العثماني فيما أخبرني به غير واحد منهم من أهل نجران أحمد بن عبد الله الهاشمي وأحمد بن محمد الدواري من آل أبي طاهر رجلاً شاعراً مداحاً، وكان يتسمى بالقصار( (4) ) اسمه أحمد بن محمد من ولد عثمان بن عفان فيما بلغني، وكان يقال القاضي العثماني، قالوا: فقدم اليمن من أرض العراق، وكان بالبصرة فامتدح قواد الحبشة وملوك عدن ونحوها والصليحيين، فلما قتل علي بن محمد الصليحي بالمهجم من سردود قلت المحن للإصلوح فهجاهم وهنى سعيد بن نجاح والحبشة بقتله في شعر له منه يقوله لسعيد بن نجاح.
قلت: أنه( (5) ) روي أنه قالها العثماني ارتجالاً عند دخول سعيد لزبيد ورأس الصليحي بين يديه.
__________
(1) في (أ): يرعون.
(2) في (ب): ثغره.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): بالقضاء.
(5) سقط من (ب).
قلت: وقتل الصليحي في ثاني عشر من ذي القعدة من سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة:
يا سيف دولة دين آل محمد ... لا سيف دولة خيبر ويهودها
وافيت يوم السبت تقدم فتية ... تلقا الرداء بنحورها وخدودها
/214/ ومنها:
صبراً فلم يك غير حوله مرود ... حتى انطفت جمرات ذات وقودها
ورأيت أعداء الشريعة شرعاً ... صرعى وفوق الرمح رأس عميدها
أوردتها لهب الردا وصدرت (في)( (1) ) ... طلى مطلبها( (2) ) وخفق بنودها
يا عروة لعلي بن محمد ... ما كان أشام من صدى غريدها
بكرت مطلبه عليه فلم ترح ... إلا على الملك (السعيد أجلها)( (3) )
ما كان أقبح شخصه في ظلها ... ما كان أحسن رأسه في (عودها)( (4) )
وأراد ملك الأرض قاطبة فلم ... يظفر بغير الباع من ملحودها
أضحى على خلاقها متعظماً ... جهلاً فألصق خده بصعيدها
تعساً لأيام الروافض أنها ... (رفضت) ( (5) ) مروتها لنقض عهودها
ما كان أكذب شعرنا في مدحها ... ما كان أبرز حظنا (من)( (6) ) جودها
قلت: ومن هذه القصيدة البيت المشهور:
سود الأراقم قابلت أسد الشرى ... يا رحمة( (7) ) لأ سودها من سودها
قال مسلم: أخبرني مالك بن عبد الله بن الكناس المطعمي وغيره أن علي بن محمد الصليحي كان له زاجر من رجال العامة( (8) ) يقال له العديقي، وكان يدنيه ويحسن إليه، فلما برز من قصره في سفره هذا الذي لم يرجع منه صعد على موضع مرتفع أو قيل على عمدان وزجر فقال:
إن علياً والإله اقتسما ... فاستويا القسمة ثم استهما
فلعلي الأرض ولله السماء
__________
(1) في (ب): لي.
(2) في (ب): مطلتها.
(3) في (ب): الأجل سعيدها.
(4) في (ب): صاعودها.
(5) في (ب): نقضت.
(6) في (ب): في.
(7) في (ب): يا رحمتا.
(8) في (ب): العمامة.
فلهذا أو مثله قال العثماني أضحى على خلاقها متعظماً، قالوا: وإن العثماني روى عنه إلى المكرم أحمد بن علي بن محمد الصليحي وهو الملك بعد أبيه أنه هجاهم أو بلغه شعره فخاف فهرب فلم يلفه أرض حتى استأمن له القاضي عمران بن الفضل اليامي فيما ذكر، وله إليه يسأله ذلك شعر يصف فيه خوفه وجزعه، أوله:
ماذا يرد على الركبان عدنان ... إن لم يجد بجميل الصفح قحطان
يا ليت شعري بابن الفضل مالكنا ... هل عنده لعظيم الذنب غفران
ومنها:
قوما أحفرا جدثي أني يخيل لي ... من حيث ما سرت أن الأرض نيران
وكل صادحه للطير صارخه ... وكل نابيه في الأرض مران
وإن عنت لي عين قلت عينه ... وإن بدت لي ظباء قلت فرسان
حتى كأنَّ نجوم الليل من جزع ... ولامع البرق أسياف وحرصان
ومنها:
تقول بنتي أمغن في الفرار وهل ... من ابن أسماء يغني اليوم إمعان
/215/ قالوا وإن العثماني قدم إلى نجران وعليه تواضع وهيئة تعفف، فلجأ إلى (آل طاهر)( (1) ) إذ كانوا مقصد العافي وملاذاً للاجي وأمل الراجي، فتظاهر عندهم بما أقنعهم منه فعالوه وعياله وكانوا مآله وثماله إلى أن بلغ نصرانياً بنجران، كان من الأغنياء وأهل (البطر)( (2) ) والإسراف (واللعب بالأموال)( (3) )، يقال له رشد بن عبد الواحد أنه يتظاهر بالعفة تمويهاً على رأيه وتستراً (على)( (4) ) آل أبي طاهر، وأنه يرى شرب الخمر لو اتفق له ذلك، فاخبر أحمد بن محمد الدواري وغيره أن النصراني بعث إلى العثماني غلاماً له بقارورة من شراب صافي قد خفي لونه وريحه، وقال له: يقول لك مولاي ما هذا الدهن فإنه لم يعرفه، ودفع إليه رقعة وقال له إذا تعرف ما في القارورة فادفع إليه الرقعة، فأتى العثماني الغلام بالقارورة فصب مما فيها إلى راحته وتذوقه فعرفه ودفع إليه الرقعة فإذا فيها لست أدري من رقة وصفاء، هي (في الكأس أم)( (5) ) الكأس فيها، فشرب ما في القارورة وكتب على ظهر الرقعة:
قد أتتني يا ابن الأكارم راح ... هي راح( (6) ) لإبل علت تشبيها
ثم شعشعتها فلم أتبين ... هي (في الكأس)( (7) ) أم الكأس فيها
فتمنيت إن( (8) ) غدوت جليساً ... أو أنيساً عبْداً لمستعمليها
فلما رجع الغلام بالجواب بعثوا ببغلة فركب وأتى مجلس النصراني وفيه ندماه، وكان ينادمه سلاطين بني عبد المدان نحو منصور بن المهلب ونباتة ابن منصور بن منيع، فاختلط بهم فأنسوا إليه وقال أشعاره الجهرية السيارة( (9) ) في البلاد في منادمتهم وكشف قناعه لآل أبي طاهر حين وثق بأخا المدانين والنصرانين فراح إلى منزله بينهم جهاراً سكران ثم قال قصيدة أولها:
__________
(1) في (ب): آل أبي طاهر.
(2) في (ب): النظر.
(3) في (ب): وأهل اللعب بالأموال.
(4) في (ب): عن.
(5) في (ب): في كاسها أم.
(6) في (ب): روح.
(7) في (ب): في كاسها.
(8) في (ب): لو.
(9) في (ب): السائرة.
قم فاسقنيها يا ابن عبد لسوعي( (1) ) ... صهباً صافية كلون دموعي
واخلع عذارك عالماً إن الذي ... قد فاز باللذات غير( (2) ) خليع
واشرب بنا ما دام رشد باقياً ... في عزة ونباته( (3) ) ابن منيع
ومنها في كشف عبوده وعباده:
وشربت حتى صرت ليس( (4) ) بعارف ... من أين جئت ولا إلى أين رجوعي
وظللت أنشد من لقيت بسكرتي ... أين الطريق لدرب آل ربيع
غيظا لسني يحرم شربها ... بعد الصلاة وغيظ آخر شيعي
ثم تمرد وتجرد فقال من قصيدة تعرض بهم/216/:
حرموها بعدما قبضوا ... ثمن الطابة (ما طيبا)( (5) )
وأحلوا بيعها مرهوطة ... لو أرادوا الحل باعوا عنبا
رب من يجهل منا رشده ... لا يرى الحق إذا ما وجبا
تحتسيها( (6) ) وقت ريعان الصبى ... ويخليها إذا ما اضطربا
كالتي في رمضان لم تصم ... بلهاً منها وصامت رحبا
وقال قصيدته الرائية التي أولها:
ما العيش الاَّ كاعب وعقار ... وأكارم نادمتهم أخيار
ووصف( (7) ) فيها الخمر وبالغ ومدح منصور بن المهلب المداني ونباتة بن منصور بن منيع، ومنها:
خذها فإن حلت أصبت وإن تكن ... حرمت فمحو ذنوبها استغفار
( (8) )أفبعد ما صروا على إيمانها ... عابوا لقد قلبو الحديث وجاروا
فبالغ في الصد عن الله والدعاء إلى معصيته ونصر إبليس لعنه الله والحض على ظلمته( (9) ) في هذا، ومنها:
قُوما انحرا إبلي فقد طابت لنا ... نجر أنهم ورجالها والدار
جاورتهم ضيفاً فحين ألفتهم ... طابت لنا بلد وقر قرار
__________
(1) في (ب): يسوعي.
(2) في (ب): كل.
(3) في (ب): بنانة.
(4) في (ب): لست.
(5) في (ب): ماذا طيبا.
(6) في (ب): يحتسيها.
(7) في (ب): فوصف.
(8) في (ب): ومنها.
(9) في (ب): طاعته.
فكان هذا من كفر العثماني لنعم المنعمين عليه ناطقاً بأنما ادعا حراثة السابقين إلى الإحسان إليه وأبوابه في ديارهم المتعهدين والموالين عليه صيب أمطارهم آل أبي طاهر زور باطل ومحال حائل، ولقد عرف له منه حتى قال فيه أبو منصور البصري وهو رجل يقال له محمد بن عبدون قدم نجران فلجأ إلى أحمد بن أبي القاسم بن أبي طاهر آواه وأكرمه( (1) )، وكان يكتب له، وكان بينه وبين العثماني معرفة متقدمة بالعراق معارضاً لرائيته هذه:
لعبت بلبك كاعب وعقار ... وإيباح( (2) ) ما حباك الحمَار
وسرت إليك يد الأماني إذ سرت ... فأريك أن الموبقات صغار
فصبا( (3) ) فؤادك فاستقدت لمعشر ... حثوا الكؤوس فقلت هم أخيار
وأتاك إبليس يجر رداءه ... لما راك وما عليك وقار
فلقيته نشوان مسلوب الحجى ... في حاله تزهو لها الفجار
فحياك وصف سلافة قد أحكمت ... أو قد يبقى للبلوغ نهار
يا أيها القاضي المنوه باسمه ... أقصر فحق لمثلك الإقصار
واقصد سبيل الرشد ترشد أنه ... أفضى مدى ما أنت فيه النار
لا يجمع الشيب الذي هو نازل ... بك والمعاصي إن ذا للعار
وأستحي أن تلقى إلهك قائلاً ... في البيت من نفحاتها أنوار
/217/إن كان في الجنات منها أنهر ... (قد أعديت)( (4) ) أتقول تلك عقار
ينفي العقول وتجلب الخبل الذي ... إن مس ذا لب علاه هيار
إن كنت جازيت المطي بعقرها ... ورأيت أن ثوابها الجزار
فلقد جزيت علياً بن محمد ... وبنيه لما قربوا وأماروا
بأخس ما يجزى ولم تك راعيا ... لنداه لما أن عراه عثار
ورميته بنبال شعرك لم تدع ... لك من معاد والديار( (5) ) قفار
وزعمت أنك خفت سطوة مثله ... ونفار قادك خيفة ونفار
وكذاك من عادى الملوك فيومه ... نزر وحشو فؤاده استشعار
__________
(1) في (ب): فأكرمه.
(2) في (ب): وامتاح.
(3) في (ب): وصبا.
(4) فراغ في (ب).
(5) في (ب): فالديار.