ومن محاسن ابن أبي الفوارس أنه كان بالحائط من بلاد حاشد عبد لبعض أهلها، وكان العبد من الصلحاء فائت الجد منقطع القرين في الصلاح والرغبة في العبادة وطلب العلم مع شغله بخدمة مولاه، فكان يحرث نهاره ومعه لوح قد كتب فيه شيئاً يدرسه ويعلقه بين ثوريه أمام عينيه وينظر فيه ويقرأه كلما استمر سير الثورين في الجربة، فلا يزال كذلك يومه حتى يفرغ من الحرث ثم يصلي، فإذا كان الليل توجه إلى محل ابن أبي الفوارس فيتحدث مع أهل العلم هنالك ويأخذ عنهم ما ينفعه لدينه /149/ ويكتب في لوحة ذلك ما يتحفظه ثم يصبح عند مولاه لخدمته فرحمه ابن أبي الفوارس ورثا لكلاله وتعبه، فلم يزل - رحمه الله - يعمل الحيلة في خلاصه فاشتراه وأعتقه، وكان هذا العبد من كبار العلماء وخيارهم.
علي بن قاسم بن صلاح
السيد الكبير الأمير علي بن قاسم بن صلاح بن الهادي بن أمير المؤمنين إبراهيم بن تاج الدين - عليهم السلام - كان من عيون أهله فضلاً وعلماً ورئاسة، ويشهد بذلك قوله - رحمه الله تعالى -:
شغفي بكسب مكارم الأخلاق ... يفني الذي يأتي من الأرزاق(1)
وبجمع شيء سائر لذوي العلا ... في جملة البلدان والآفاق
كم لي حب لم يمسك يدي ما ... لاً وما الإمساك من أخلاق
إني امرء تاب اكتساب المال لي ... نفس إليه قليلة الإشراق(2)
علي بن قاسم بن الحسين
السيد الأمير الكبير علي بن قاسم بن الحسين - رحمه الله تعالى - كان في السبعمائة ، وكان عالماً، له مقام شهير، وله شعر وهو الذي عناه القاضي ركن الدين مسعود بن عمرو بقوله:
يا تحفة الدهر من زانت محاسنه ... الأيام يا علم القلب المراجيح
ويا سفينة نوح حين يحملها الطوفان ... والعالم اللاجي إلى نوح
وعصمة المهتدي والمستميح له ... إن أخلف الغيث والغر المساميح
وواسع الصدر والإحسان والخلق ... المزري بروض الربا والحلم والسوح
__________
(1) في (ب): الأوراق.
(2) في (ب): الأشواق.

ويا بقية من آي الكتاب لهم (بالعز)(1) ... بلَّغن عن مادح أوصاف ممدوح
أرواح أجسام أهل الفضل كلهم ... ومن يقايس بين الجسم والروح
علي بن قاسم السنحاني
علامة الزيدية القائم بالقسط القاضي الهمام الأورع جمال الإسلام علي بن قاسم السنحاني - رحمه الله -(2)، هو الحافظ لعلوم العترة والمحيي لآثارهم في الفترة، قرأ عليه كبارهم، وصغارهم، وتخرج عليه فضلائهم، ونهج تلامذته منهاجه في التحقيق والزهد والعزائم لله، ورأوا ذلك سجية لا يتخلفون عنه لما نشأوا في حجر هذا العالم وأصله من الحورة من بلاد /150/ سنحان، ولكنه ظهر صيته أيام الأروام بصنعاء في مسجد داود، فاجتمع العلماء لديه من الآفاق وبذل له الزيدية الأموال ليصرفها، فكانت توضع نفائس الثياب ونقود الدراهم في كوى مسجد داود، ومن طلبه من طلبة العلم شيئاً مما يحتاج إما كسوة أو نحو ذلك، قال: خذ حاجتك من الكوة الفلانية، فيذهب لها وكانوا صلحاء لا يأخذون إلا القليل الذي به استقامتهم ونبلوا وفصّلوا ولقد نشأ له من التلامذة ما يلحق بالأبدال وبالغ بعض الأروام أن يلقاه بعض تلامذته للسلام وبذلوا له مالاً من الذهب فأبى ذلك، فقصده التركي إلى المسجد فهرب، وكان هذا التركي هو القائم مقام مقالتهم؛ لأنهم يتركون رجلاً منهم عند إقبال باشا وإحفال باشا ليسكن في منزل الإمارة ويحفظ الأمور حتَّى يصل المتسلم من قبل الآخر، وكان أحد تلامذته - رضي الله عنه - شيخ الزيدية وسيدهم يوسف الحماطي، وكان يجله ويعظمه، فلما كثر أجلاله ليوسف وجد بعض العلماء في نفسه شيئاً لأنه كان القاضي علي يزيد على ما يظن في إكرام يوسف، ففهم القاضي على ما وجده مما ذكرناه من أعيان الحلقة، ففاتح القاضي يوسف وجاراه في المشكلات فأتى بالعجائب وبما يعرف كل الحاضرين مرتبته فصرحوا بأن القاضي خليق بتلك المنزلة وكان القاضي علي بن قاسم مفزع الزيدية في الفتيا،
__________
(1) زيادة في (أ).
(2) في (ب): - رحمه الله تعالى -.

وكان سريع الجواب، فكتب القاضي يوسف في رقعة لطيفة ما لفظه: أجراكم أجراكم، ووضعها في بهرت الحلقة مجهلاً لكاتبها، فلما استقر القاضي علي في صدره للتدريس وجدها فقال: هذه من يوسف حفظ(1) الله يوسف فعل الله ليوسف يجزيه خيراً، ثُمَّ قال: يا ولدي يخاطبه وهو في الحلقة، لو سألك رجل كم هذه الأصابع هل يقول خمس أو يحتاج لعدها مرة أخرى؟! قال: بل أقول خمس. قال: قد علم الله ما أجبت في مسالة إلا وهي في الجلاء عندي بهذه المثابة، وكان القاضي علي مع تقشفه وخوفه من الله يخوض غمرات الصدق بالصدق ويسلك مسالك تعجز عنها قلوب الفقهاء /151/ إنما تقوى عليها الأئمة من ذلك ما أخبرني به شيخي محمد الوجيه قال: أخبره بعض مشائخه أنه كان في أيام الدولة رجل له ولدان أمردان جميلان ففتح لهما حانوتاً وجعل لهما مهنة لا أعرف الآن ما هي، وكانت الحانوت من أحسن الحوانيت قريب سوق الملح بصنعاء، فكان كبراء الدولة وعظمائهم ينزلون عندهم والولدان عندهم(2) يضربون بآلات الملاهي وفشى ذلك وظهر، فطلب القاضي - رحمه الله - رجلاً من أهل السوق الراغبين في الخير، فقال: يا فلان ما يمكنك (أن)(3) تدعي الحانوت الفلانية (لك) (4) وأنا أهبها لك وأحكم لك بها؟ فقال: يا سيدي ليس لي فيها شبهة. قال: نعم، لكن الشرع يقبل هذا، ففعل له إحضار للولدين ووالدهما، فحضروا فطال بين الرجلين وبينهم الشجار ساعة، ثم قال القاضي للرجل المدعي الحانوت حانوتك وهذا خط إن هذا الرجل وأولاده لا يدخلونها بعد، ثم قام وعزر الولدين وعظم على كبراء الترك منعهم من الحانوت ولم يستطيعوا مخالفته - رحمه الله تعالى - والفقيه البحت لا يعرف أن للمحتسب التأديب وأن الدار يومئذ تقبل ذلك.
__________
(1) في (ب): حفظه الله.
(2) في (ب): بينهم.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): أنها لك.

وأخبرني السيد العلامة علي بن إبراهيم الحيداني المتقدم ذكره وسيدنا الوجيه المتقدم ذكره بألفاظ متقاربة، والحكاية مني للحاصل غير قاصد لألفاظ أحد منهما والمعنى متحد أنه كان القاضي - رضي الله عنه - في مجلس القراءة فدخل بعض(1) إليه أخبره وقال في باب المسجد: أعني مسجد داود على الدكة بجنب العقد رجل تركي قد أمسك أمرأة محتشمة وأراد الفاحشة بها في الباب، فخرج القاضي - رحمه الله تعالى - فوجد الأمر كما قال الرجل والتركي من عظماء الدولة، فأقدم فيه القاضي واقدم(2) الطلبة وافتلتوا(3) المرأة، فذهبت حيث شاءت(4) والتركي توجه إلى القصر فشكى إلى الباشا وعظم مشكاه والأمر كما قال عظيم لولا عظم سيئته فتغيض الباشا وأمر للقاضي بعنف فجاء الرسول له إلى مجلس القراءة، فقام القاضي سريعاً وقال: يا إخوان، عليكم بالقرآن، فأخذ الأصحاب بالتلاوة وطلع القاضي فوجد الباشا قد نزل على منبر فكلمه وقال: تقدم /152/ يا فقيه في الطائفة ونحو هذا، فقال: نعم، فعلنا هذا لظننا أننا أمة واحدة نتبع لنبي واحد جاء من عند رب واحد لشرع واحد وظننت أن الذي فعلت غير مستنكر، قال الباشا: وكيف القضية؟ فوصفها له فرضي الباشا عنه ووصاه بمثل ذلك وخرج من عنده فأخبرني(5) سيدي علي بن إبراهيم قال: جاء إلى القاضي ولد شريف فسارره مسارره لطيفة وأخبره أنه كان في المطهار فلم يشعر إلا بتركي قد دخل عليه وأراد به الفاحشة فطعنه بسكين سالت بها نفسه فسر القاضي بما فعل الشريف، ثُمَّ طلب الساني الذي يسني للمسجد فسأله كم السواني؟ فقال: كيت وكيت، فقال: الآن يجب منك أن تسني بجميعها ويكثر لنا(6) لغرض، ثُمَّ أمر بتغليق الأبواب وانصب الماء دافقاً حتَّى ملأ ساحات المطاهر فائضاً وأمر بتقطيع التركي قطعاً صغاراً
__________
(1) في (ب): بعض الناس.
(2) في (ب): وأقدم فيه الطلبة.
(3) في (ب): وافلتوا.
(4) في (ب): جاءت.
(5) في (ب): وأخبرني.
(6) في (ب): لنا الماء لغرض.

وأخرج إلى محل بعيد وكانت هذه طريقته - رحمه الله تعالى - وكان لباسه من أضعف الثياب قيمة وجمالاً صغير الكمين صغير العمامة، وقد اتفق له من الأروام بعض أذية وصانه الله عن عداوتهم وذلك أن الزيدية (لا تطمئن نفوسهم) (1) إلا بحكمه وعقود الأنكحة لا تكون إلا في مجلسه وواجبهم لا يكون إلا إلى يده، فكان(2) يصل من الروم أفندي كبير وله في عقود الأنكحة دراهم يسلمها الزوج أو المتعاقدان لا أعرف طريقتهم، فنم إليه حي السيد العلامة عز الدين محمد بن عز الدين المفتي بأن في مسجد داود عالم الزيدية يعقدون عنده ويفصل خصوماتهم، فنزل الأفندي بين العصرين، فوجد المسجد حافلاً بمن فيه من طلبة ومستفتيين ومتحاكمين ونحو ذلك، فتكلم مع القاضي وذكر له أن هذه وضيفة لنا وعلينا فيها غرامة، ولا يتم لنا الخلوص(3) مما علينا مع توليك لهذه الأمور، فإن تعرض وإلا وصلك ما تكره وأغلظ بعض الإغلاظ فقال القاضي: نحن ما نتعرض لشيء وإنما هؤلاء مساكين إخوان في الله يستنفعون بنا فننفعهم ثم عزم من عنده فلبث القاضي يومان في بيته فلم يعذره المسلمون ولا رأى ترك التدريس فخرج إلى المسجد /153/ فعادت الحال كما كانت، فبلغ الفندى فجاء إليه في مثل ذلك الوقت فوجد الناس على تلك الصفة فجذب(4) القاضي وجر برجله وحصل مع الحاضرين أمر عظيم، ثم أن القاضي دخل بيته وسكن يومان ولم يعذره الناس، فخرج ووقاه الله الشر وكان لا يحضر جمعة الظلمة واعتذر لنفسه عن الحضور بعمل في الجراف، فأخذ له فيه جربة، وفتح فيها مقطع خيس كبير لا يتم إلا بعد عمر طويل، وكان يخرج كل جمعة يعمل فيه، فبلغ الباشا هذا وأنه إنما جعل ذلك لئلا يحضر الجمعة فعاتبه فقال: أنا رجل مسكين مشغول سائر الأسبوع بالقراءة، وهذا اليوم أفرغ من القراءة وأعمل هذا العمل ليعود على أهلي بنفع، فعذره الباشا
__________
(1) في (ب): كانت أنفسهم لا تطمئن.
(2) في (ب): وقد كان.
(3) في (ب): الخوض.
(4) في (ب): فحدث.

وأخبرني الوجيه - رحمه الله تعالى - برواية غريبة أذكرها والعهدة عليه قال لما دنت الوفاة من القاضي قال: لخاصته ستجدون من أذني هذه وأشار إلى أحد أذنيه نتناً فإذا غسلتموني تنبهتم لهذا، وذلك أني أصغيت بها خاصة لكلام خصم أكثر من خصمه ثم استغفرت الله، فقال الوجيه: فوجدوا ذلك أعاد الله من بركته ورحمه ووفقنا لمثل يومه بجاه محمد صل الله عليه وآله وسلم.
علي بن قاسم العنسي
الفقيه الورع الزاهد الناسك الصالح علي بن قاسم العنسي - رحمه الله تعالى - كان من عباد الله الصالحين ومن الفضلاء الفاضلين يخاف الله خوفاً ظهرت عليه آثاره وتورع في المعاملات جميعها ورعاً شحيحاً في المأكل والمشرب والملبس والقول والسمع وكان مشهوراً بالورع ودخل صعده في الأزمة التي وقعت في أواخر دولة محمد باشا، وكان الوالي لصعده مولانا صفي الإسلام أحمد بن أمير المؤمنين القاسم المنصور بالله رضوان الله عليه وكان علماً في الفضلاء المجتمعين مع أنهم كانوا أجلاء اليمن ووجوه الزيدية، وكان مشهوراً في تلك الشدة بالإيثار والتصدق، وهو والد القضاة العلماء (شمس الدين) (1) أحمد بن علي ومحمد بن علي، وهم على منهاجه في (العلم والفضل) (2)، ولهم الآن عقب نجباء فضلاء كثر الله أمثالهم وكانت وفاته في برط في (…… /154/ ودفن ……)(3).
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): الفضل والعلم.
(3) في (ب): سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بهجرة الرظمة عند مسجده بأوسط وادي العنان بجبل برط وقبره مشهور مزور.

علي بن محمد بن أبي القاسم
السيد العلامة المجتهد في العلوم المجلي في حلبتها المعروف بالفضائل علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن المنصور بن يحيى بن الناصر للحق بن الهادي لدين الله يحيى بن الحسين بن القاسم - سلام الله عليهم - من بيت علم شهير معمور بالفضل، وكان من المتكلمين بالعدل والتوحيد وإخوته الكرام وأولاده، وكان ملأ الصدور في زمنه يفزع إليه الناس ويحلون محله ويعظمونه تعظيم الأئمة السابقين، وكان بمحل عظيم من العلم، له مشيخة عدة وتلامذة جم غفير، وكان يسكن صنعاء وفتاواه تدل على تبحر كثير. قال السيد الهادي بن إبراهيم إنها مجلد كبير، وله التفسير المشهور (بالتجريد)، أثنى عليه الإمام عز الدين بن الحسن، وهو حري بما قال، قال الإمام لمن سأله عن أحسن التفاسير وأصحها تفسير السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم المسمى بالتجريد.
قلت: فرغ من تأليفه يوم الجمعة مستهل شهر رمضان سنة خمس وتسعين وسبعمائة(1) بمدينة صنعاء، قال بعض المؤرخين: وله تفسير آخر أخصر من التجريد قال في (كاشفة الغمة) بعد أن ذكر التفسير وذكر أن له تفسيراً حافلاً في ثمانية مجلدة قال: لم يؤلف مثله قبله ولا بعده، جمع كل غريبة ومشكلة، وله في النحو شرح على كافية ابن الحاجب موسوم (بالبرود الصافية والعقود الوافية)، اختصره ولده الإمام صلاح الدين في كتاب مفيد سماه (بالنجم الثاقب) وكلاهما بمحل عظيم من النفع اعتمدها أهل الإقليم اليماني مدة، توفي - رحمه الله تعالى - (سنة)(2) سبع وثلاثين وثمان مائة، وعمره ثماني وستون سنة، وفي بعض التواريخ: عمره ثماني وثمانون، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): وتسعمائة.
(2) سقط من (ب).

ومن جملة تلامذته وجلتهم: السيد محمد بن إبراهيم صاحب (العواصم)، قرأ عليه المنتهى وغيره، ثم دار بينهما كلام وطال في هذا المجرى الخوض، وكان السيد علي بن محمد بن أبي القاسم حريصاً على صيانة مذهب آل محمد، فمنع السيد محمد عن المخالطة لكتب غيرهم وأمره بالكون في السفينة فتلقى ذلك السيد محمد بن إبراهيم بالقبول حتى بلغه أن السيد /155/ قد صرح بأنه قد انحرف عن آل محمد، فأنف لهذه المقالة وتعب ثم دار بينهما ما هو معروف في الروض والعواصم وكتب المقاولة، ومن جملة ما كان السيد علي بن محمد - رحمه الله - يحتله على السيد محمد بن إبراهيم الاجتهاد وأنه بعده غاية التبعيد، وكان الإمام يتكلم في هذه المادة بالخصوص مع السيد محمد بن إبراهيم ويقرب الاجتهاد، ثم أنه توسط بينهما الفقيه الفاضل محمد بن إسماعيل الكناني وكان من أهل العبادة والفضل والكرامة، هو الذي أخبر في بلده بفتح حصن ذي مرمر يوم فتحه وكان محباً للسيدين فذكر لهما ما يقتضيه العلوم والحلوم والقرابة والنسبة والنسابة، فرغب كل منهما وقد ذكرنا هذا في ترجمة العلامة أحمد بن علي(1) الشامي، وأمر السيد علي بن محمد ولده صلاح الدين يقرأ على السيد محمد في المعاني والبيان، ومما نقلته من خط يد السيد محمد بن إبراهيم وهو خط باهر من عجائب الصنعة، وهو لدي باق (لدي)(2)، والظاهر أن (السيد)(3) الهادي منع أخاه من المجاراة في أوائل الأمر، وهذا كتاب السيد محمد إلى أخيه الهادي:
__________
(1) في (ب): العلامة أحمد الشامي.
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).

(بسم الله الرحمن الرحيم وبه الثقة من ولده محمد بن إبرهيم المجبول طبعه على حب النصيحة المجروح قلبه من المقالة القبيحة الراجي من الله تعالى أن يعصمه من الطيش في الأمور، ويجعله من الأبرار الممنوحين بسلامة(1) الصدور، حتى يعاشر الناس بقلب سليم ?وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ?[فصلت:35] إلى والده وسيده وخلفه من سلفه جمال الدين الهادي بن إبراهيم والدي وحبيبي وتالدي وطريقي، أمتعني الله به وأبقاه ورضي عنه وأرضاه، وسلام عليه ورحمة الله وبركاته سلام متشوق إليه متحنن عليه سلام متألم لفراقه منشد لمن فارقه من رفاقه.
إذا ما بلغتم سالمين فبلغوا ... تحية من قد ظن أن لا يرى نحدا
__________
(1) في (ب): سلامة.

ويرفعها ولده حامد (الله) (1) على جزيل نعمه سائلاً له المزيد من فضله وكرمه بعد مداواة الصدر الجريح بمرهم(2) وعظه وأسامة الطرف(3) القريح في حدائق لفظه وما أشار إليه من ترك السباب وحض عليه من الصبر والاحتساب، فنعم ما أشار إليه وحبذا ما حث عليه ذلك، أمر قضى الله به حيث قال في /156/ كتابه الكريم: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ?[فصلت:34]، وقد مدح الله سبحانه الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وبشر الصابرين وأحب المحسنين، ولو لم ينزل من السماء في ذلك إلا قوله تعال: ?إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ?[البقرة:153] لكفى به قارعاً للخاشعين عن مجازاة الظالمين ومجاراة الجاهلين، وفي الحديث النبوي على صاحبه الصلاة والسلام من التوصية بهذه الخليقة الجليلة والفضيلة النبيلة ما بكل السنة الحسنة(4) وتفل أقلام الكتبة فجديران تطول بها النواصي إذ كانت من ذوائب الخير والنواصي كما قال العلامة - رحمه الله - ولأمر مَّا كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في توجهه للصلاة: اللهم اهدني (لأحسن الأخلاق)(5) فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عن سيئها إلا أنت، كما ثبت ذلك عن علي - عليه السلام - فملازمة هذا الدعاء عند كل توجه إلى الله ومع كل قيام إلى الصلاة إشعار من صاحب الشريعة - عليه السلام - بتعظيم شعائر هذه الخليقة وإعلان منه - صلى الله عليه وآله وسلم - يرفع منار هذه الطريقة جعلنا الله من المتحلين بفرائدها الفاخرة المتسلين عند الغيظ بذكر فوائدها العائدة في الدنيا والآخرة، هذا وأنه لما وصلني العلم بأن السيد العلامة جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم (أيده الله)(6)
__________
(1) في (ب): لله.
(2) في (ب): بمراهم.
(3) في (ب): الطريق.
(4) في (ب): الحسنة.
(5) في (ب): لأحسنها.
(6) في (ب): - رحمه الله -.

123 / 182
ع
En
A+
A-