علي بن عبد الله بن الحسن
الأمير السيد الناصر الجمالي عضد الإسلام علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة بن سليمان بن علي بن حمزة - رحمه الله تعالى - هو الأمير الكبير صاحب حصن المنقاع والد السيد إدريس صاحب (الكنز)، كان هذا الأمير من وجوه أهله وعيونهم وكبرائهم، وله وقعات بينة وبين سلاطين اليمن وغيره، وكانت أحواله تختلف باعتبار الزمان تارة يهادن السلاطين وتارة يخالفهم، وكان في مقام عظيم، ولما كان من داود بن المنصور من الصلح بينه وبين السلاطين ما كان، وخرج داود(1) الإمام المطهر بن يحيى بقي هذا الأمير حافظاً لحصون كثيرة /123/ من حصون الزيدية، وبقي يتردد بنفسه من كوكبان إلى ردمان إلى القاهرة وإلى(2) عزان، ثُمَّ أن سحر(3) في سنة ست وسبعين حاصر القاهرة وعزان من حصون حضور، فاستمد الأمير بالأشراف(4)، فلم يمده أحد منهم إلا الإمام المطهر بن يحيى - عليه السلام - فإنه جمع جمعاً عظيماً وقصد الشعبي إلى محطته، فلم يحصل المقصود من التنفيس على الحصنين فرجح الأمير على الصلح بينه وبين السلطان وأخذ مالاً في تسليم الحصون وتوجه الأمير إلى الظاهر والإمام المطهر إلى المغارب وناصر الوابق - عليه السلام - وهو الذي أخرج الحسن بن وهاس من السجن لتجتمع كلمة الأشراف لقتال أعدائهم، وكان باسلاً شجاعاً كريماً عالماً، وهو صاحب القصيدة الناجزة في إمامة علي بن أبي طالب التي أولها:
موت النبي ولاية لوصية ... سبقت عقودهم ومن أختاروا
وأجابها السيد العلامة الصدر محمد بن جعفر بن أبي هاشم الحمزي بقصيدة تؤكد معنى شعر الأمير (ويبرزه) (5) ويثني عليه أولها:
هذا مقالة أهل بيت محمد ... حقاً وإنك بحرها (النيار)(6)
العالم الصدر النبيه ومن غدا ... في كفه الإيراد والإصدار
__________
(1) في (ب): إلى الإمام.
(2) في (ب): إلى.
(3) كذا.
(4) في (ب): الأمير علي بالإشراف.
(5) في (أ): ويقرره.
(6) في (أ): التيار (ولعلها الصواب).
وهَّاب جرد الخيل كل مطهم ... لم يثنه عن جوده الإقتار
وهي طويلة شرحها الإمام الأعظم المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى بشرح نفيس سماه (الكواكب الدرية في شرح الأبيات البدرية)، قال في اللآلي: إنه تكلم في إعرابها ورد من أقوال النحاة ما يشهد له بالتبريز في هذا الفن، ثم خاض في شيء من الكلام ومسائل الإمامة، توفي في جمادي الآخرة سنة تسع وتسعين وست مائة، وفيه تمثل أخوه بقول زياد الأعجم:
مات المغيرة بعد طُول تعرض ... للموت بين أسنه ورماح
وقال الجندي: وكان فارساً شجاعاً كريماً، صحب الملك المظفر ولاذ به فأحبه ورفع له (طبلخانه) ولقبه نجم الدين وذلك عاشر المحرم سنة ست وثمانين وست مائة، ولم يزل على الإعزاز حتى توفي المظفر، ثم لما صار /124/ (الملك) (1) إلى الملك الأشرف ونازعه فيه أخوه المؤيد استنجد بهذا علي فأنجده بجيش حميد، ونزل إلى لحج فانكسر عسكر المؤيد وقبض فأنعم الأشرف على هذا الشريف بنعم كثيرة منها حصنان في بلدة يعرفان بالعظيمة والمنقاع، فطلع من اليمن وقبضهما وعتب الناس على الأشراف بذلك، فلما صار الملك إلى المؤيد بعد وفات الأشرف لم يكن له مخرج إلا في طلبهما، فخرج في سنة سبع وتسعين وست مائة، وحاصره فيها أربعة أشهر، ثم تركا عدالة على يد ولده إدريس، (ثم نزل الشريف صحبت السلطان اليمن)(2)، ثم نزل معه تهامة، ثم عاد إلى تعز، ثم طلع إلى بلده فتوفي بها سنة ثماني وسبعين(3) وستمائة، ثم إن ولده إدريس نزل إلى السلطان المؤيد وسلم له الحصنين فرفع له السلطان طبلخانة كما كان لأبيه وأقطعه تهامة إقطاعاً حاملاً(4) ولم يزل على الإعزاز، والإكرام، وكان فاضلاً تفقه بمذهب الزيدية، وكان عارفاً بأصولهم وعارفاً بالنحو معرفة شافية، وله شعر جيد ودرية بالتاريخ، وله فيه تصنيف شاف جمعه بإشارة الملك المؤيد، وكان شجاعاً جواداً لا يكنز درهماً سمعت كثيراً يفضلونه على أبيه بالشجاعة والكرم، وأما العلم فأهل مذهبهم يقولون لو كانت أمه شريفة لاستحق الإمامة، وكانت وفاته بتعز ليلة السبت العشرين من ربيع الآخر سنة أربع عشرة وسبعمائة، انتهى كلام الجندي، وقوله: لو كانت أمه شريفة (لاستحق الإمامة)(5) عند الزيدية جهلٌ بما عليه الزيدية فإنهم لا يشترطون ذلك، فإن الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - أمه أمة وأم إسماعيل
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): ثم نزل، صحبه الشريف السلطان اليمني.
(3) في (ب): تسعين.
(4) في (ب): حافلاً.
(5) في (ب): لصلح للإمامة.
نبي الله، فهذه عادة القوم لا يعرفون شيئاً من مذهب أهل البيت - عليهم السلام - وأم السيد إدريس المذكور ليلى الشريحية الصانعة(1) وأم والده الأمير /124/ على أم الدرر(2)، ومنه اسمها خاتون.
علي بن عبد الله بن أحمد
علامة الأصول والفروع وحجة المنقول والمسموع سيد أرباب الشريعة وإمام أهل الحقيقة على الحقيقة علي بن عبد الله بن أحمد بن أبي الخير الصايدي - رحمه الله -(3)، لم يبلغ أحد في وقته ما بلغ، ولا انتهى إلى ما انتهى، جمع الفضائل عن يد وحاز الكمال وانفرد لم يبلغ الحلم حتى صار عالماً محلقاً مصنفاً، نقل شرح الأصول غيباً وقرأه شرفاً ونصف شرف، وبلغ الحلم هكذا، روى لي ولم يبلغ عشرين سنة إلا وقد صار مجتهداً في العلوم في أصولها وفروعها وجليها وغامضها، وله في كل فن تصنيف وموضوع في الأصولين والفروع، والرد على المجبرة والفرق الإسلامية والملاحدة وعلوم المعاملة والزهد وحكايات الصوفية المحمودة منها والمذمومة، (إلى) (4) زهى خمسة وأربعين موضوعاً(5) ومن طلبها وجدها واستضاء بنورها واستصبح في ديجور جهله بضيائها إن شاء الله، فلما بلغ من العلوم المنتهى وفاز فيها بالقدح المعلا جاءه مخاطب التوفيق والارتقاء إلى سنام التحقيق العلم يهتف بالعمل إن أجابه وإلا ارتحل، عكف على كتب التقوى واليقين وواضب عليها مدة من السنين وراض نفسه رياضة يعجز عنها من عرفها وسمع بها دقق فيها وحقق، وفيها ما راق وأشرق، فهو إمام أهل الشريعة وشيخ أهل الطريقة، روى إبراهيم الكينعي قال: إن عبد الجبار قاضي القضاة أبلغ الناس في علم الكلام وعندي أن علي بن عبد الله أبلغ منه وأغزر علماً وأعظم فهماً، لكنه في زمانٍ أهله عفواً أو ما معناه هذا، وسمع علي بن عبد الله
__________
(1) في (ب): الصاغية.
(2) في (ب): الدر.
(3) في (ب): قال السيد العماد في الصلة هو سلطان العلماء الأبرار، وملاذ علماء الأمصار (زيادة).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): موضعاً.
تلقين الشهادة وكيفية الطريق إلى الله على المقري العلامة شمس الدين بركة أهل المذاهب من المسلمين أحمد بن النساخ /126/ بسنده إلى جعفر الصادق وزين العابدين إلى علي - عليه السلام - إلى نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وسمع إبراهيم الكينعي ما ذكر على الفقيه الإمام علي بن عبد الله وأخذ عنه التلقين وكيفية الطريق إلى الله عز وجل وإخلاص الذكر، فهو شيخ إبراهيم في زهده وورعه، وقدوته في أفعاله وأقواله، وكان لا يفارقه الفينة بعد الفينة لما يرد عليه من مسائل الشريعة وطرائق أهل العبادة والذكر وما يرد عليه من أحوال المريدين وما يطرق عليهم من الشبه فيحلها بعلم وبحرية وكيفية التلقين موجود في خزانة إبراهيم الكينعي وأنا أذكر طرفاً من ذلك من إملائه على إخوانه وسماه (المقدمة)، و(الوضائف في طريق المريد والطائف): ((بسم الله الرحمن الرحيم (الحمد(1) لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وصل الله على محمد وأله)(2)، اعلم أرشدك الله وإيانا أن من نظر في عاجل أمره وعاقبة حاله لم يقربه قرار، ولا تؤيه دار، وإنه ليطمئن إلى الفرار، ويأوي إلى الفيافي والقفار، ويأنس بالسباع، وينفر عما تتوق إليه الطباع، إذ العاقل إذا شاهد الموت والفوت، وما بعد ذلك من الأهوال لا بد له من أن يبني نفسه ويوطنها على أحد ثلاثة أقسام:
الأول إما أن ينكر ذلك وهذا هو الهلاك الأكبر مع أن العقلاء لا تقبله وهيهات ما أبعده.
الثاني: أن يقر به ولا يتحرك فيه ولا يعد له عدته، فهذا أقرب.
الثالث: أن يتحرز ويعد له فهذا هو السعيد.
__________
(1) في (أ): والحمد لله.
(2) في (ب): والحمد لله وصلى الله على محمد وآله.
فإن قيل: كيف لا يختار العقلاء مع كمال عقلهم(1) طول السعادة؟ قلت: منعهم بل أعماهم حب الهوى وطول الأمل كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - (حقيقة(2) الأمر المهلك إنه حب الدنيا كما قال حب الدنيا رأس كل خطيئة)، ولقد تكلم العلماء في ذلك كلاماً وعرفوا فيه أن الخطايا من حب الدنيا، فإن قلت /127/ وما الدنيا؟ قلت: قد قيل فيه معاني كثيرة، لكن الذي يليق بالحال أن يقول الدنيا ما بعدك عن مراد الله وعن الأفضل مما يريده. فإن قيل: فما مراد الله والأفضل؟ قلت: الطاعة كلها، لكنها (كلها)(3) بعضها أفضل من بعض والأفضل يختلف بالأزمان والأشخاص والأحوال والأفعال وغير ذلك من القرائن التي لا حصر فيها والبعد عن الأفضل نقص، فإن قيل: فبما أخرج حب الدنيا عن قلبي؟ قلت: بمعرفة آفاتها ووخم عواقبها مع أن التكليف لم يرد بإزالة الشهوة والشيء عن القلب، لكن بالصبر عنه والكف وسياسة النفس حتى ترجع المشتهى مكروهاً ويكون الرغبة والشهوة في الأمور النافعة لا الضارة بعون الله. فإن قلت: فبما أصل إلى ذلك؟ قلت: تصل إن شاء الله بقطع ثلاث عقبات، نذكرها على سبيل الجملة، الأولى: عقبة الصبر، وهي الصبر عن(4) القيام بالواجبات واجتناب المقبحات، وعلى ما أتاك من الامتحانات من قبل الله أو من الخلق، ومجاهدة النفس على ذلك أولى، فإنه يعود بعد ذلك رضاً خالصاً بعون الله. العقبة الثانية: عقبة الزهد، فتزهد أولاً في الشبهات، ثُمَّ في الحلال، ثُمَّ في كل شيء إلا الله، فإذا لم يبق في القلب إلا الله فذلك غاية السعادة، لكن بثلاثة شروط: الأول، التزام الطاعة والشريعة، والثاني أن لا يكره الدنيا ولا يحبها، فإن ذلك شغل وغرور، الثالث: أن لا تعلق قلبك بذات الله على الحقيقة بمعنى التصور والتكييف، فإن من نظر في الذات ألحد، ومن نظر إلى المخلوقات وحد، لكن على سبيل التعظيم
__________
(1) في (ب): عقولهم.
(2) في (ب): وحقيقة.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): على.
والامتثال لأمره والاستعانة به والحاجة إليه في كل حال. العقبة الثالثة: عقبة المواضبة، وهي أن تواضب على عشر خصال: الأولى: الندم على كل قبيح لقبحه وعلى كل إخلال بواجب لوجوبه. الثانية /128/ العزم على (أنه) (1) لا يعود إلى شيء من ذلك. الثالثة: الملجأ(2) إلى الله في كل حال، والتعويل عليه في كل أمر. الرابعة: الرجاء له ولكرمه وإحسانه في كل شيء إلا عند الذنب وذكره في الأولى(3) الخوف. الخامسة: الشكر، وهي أن تشكر الله على (السراء والضراء)(4) والشدة والرخاء وعلى كل حال من الأحوال. السادسة: الذكر، وهو بالقلب واللسان والأفعال جهدك. والسابعة أن ينوي كل ما زال عنك من مالك من غير اختيار منك ونية حاضرة فيه أنه من أوجب حق كان أو يكون للأخذ وإلا فمن حقوق الله إن لم يكن في معلومة أن يعود أو عوضه. الثامنة: أن تقصد أن كلما فعلته أو تركته فإنه لكل وجه حسن يريده الله على الوجه الذي يريده، الواجب لوجوبه، والمندوب لندبه، واجتناب القبيح لقبحه، والمباح لما يقترن به من القرائن التي تصيره مندوباً قربة. التاسعة: أن تقدم الأهم فالأهم مما يعنيك. العاشرة: أن تعرض عما نهيت عنه وما لا يعنيك(5)، فإذا فعلت هذا فأنت إما متشرع أو متصوف، وهذا التقسيم إنما هو في الطريقة، وأما(6) الحقيقة فهما لا يختلفان قط أعني الشريعة والتصوف(7)، فإذا كنت متشرعاً فخذ بالأفضل، فالأفضل في حقك من الشريعة تبلغ خصال المتصوف إن شاء الله تعالى، وإن كنت متصوفاً فحبذا لكن تجنب مقالاتهم المخالفة للشريعة، وقد أشرنا إليها في بعض
__________
(1) في (ب): أنه.
(2) في (ب): اللجأ.
(3) في (ب): فإن الأولى الخوف.
(4) في (ب): الضراء والسراء.
(5) زيادة في (ب): وبعد إذا فعلت هذه العشر لا يزال خادماً عارفاً لاجياً راجياً شاكراً ذاكراً ناوياً قاصداً مقدماً للأهم فالأهم مما يعنيك، معرضاً عن القبيح وما لا يعنيك.
(6) في (ب): وأما في.
(7) في (أ): والمتصوف.
المواضع تكن من الواصلين إن شاء الله تعالى، ونشير إليها هاهنا ونأخذ(1) من ذلك فتقول: اجتنب مذهب بعضهم في أن الإنسان قد يبلغ إلى درجة يكون فيها قريباً من النبوءة أو مثلها في بعض الأمور وأن التكليف قد يسقط عن بعض فضلائهم فلا يصلون ولا يأتون بواجب، وعن اللوامة الذين يفعلون الذنوب /129/ حتى يلوموا أنفسهم، وعن من يصوم إلى آخر النهار ثم يفسده لدفع العجب وعن من يعلق العظام برقبته في الأسواق لدفع الكبر، وعن المذاهب الفاسدة من التشبيه والجبر والإرجاء، وعن تمثيل(2) الوسواس والخواطر الفاسدة بالإلهام والوحي والمكاشفة والحضرة، وعن امتناعهم من(3) الجهاد مع أهل البيت وإجابة دعاتهم المحقين، وعن السماع والرقص والوجد ومشاهدة الجنة والنار، وعن أفعال (الحلولية) الذين يقولون إن الله (سبحانه)(4) عرض يحل في الصورة الحسنة تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
وبعد، فإن حدثتك(5) نفسك بأنك قد بلغت المراد بعد الجهد في قطع هذه العقبات فأعرض عليها أموراً، فإن وجدتها منقادة سلسة فقد بلغت، وهي: أن تختار الفقر على الغنى، والشدة على الرخاء، والجوع على الشبع، والألم على الصحة، والذل على العز، والغربة على الأهل، وغير ذلك من المشاق في طاعة الله، وقتل النفس فإنه (من أدين) (6) القوم، ويُرجَالك أن تكون من الواصلين(7) إن شاء الله تعالى، فإنك تبلغ، ثم (تصل ثم تحقق) (8) إن شاء الله.
__________
(1) في (أ): وتأخذ.
(2) في (ب): تمثل.
(3) في (ب): عن.
(4) سقط من (ب).
(5) في (أ): حدثت.
(6) في (ب): فإنه في دين الله.
(7) في (ب): الواصلين.
(8) في (ب): ثم تصل ثم تصل.
ولما كان الاجتماع من التائبين لا يخفى وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((عند ذكر الصالحين: تنزل الرحمة))، فكيف عند اجتماعهم والنبأ على وظائف يكون لهم فيه إن شاء الله أحب أضعفهم في الطريقة إلا ما رحم الله الفقير إلى الله علي بن عبد الله أن يجعل هذه كالمقدمة لتلك الوظائف التي يختارونها(1)، وذكر تلك الوضائف بعدها ليذكرهم أن يشركوه في صالح دعائهم ولسان حاله ولفظه يقول: قد استوصيت جميع المسلمين بالدعاء بما أمكن من القربات في الحياة وبعد الممات، وماأصبنا فيه فالحمد لله، وما أخطأنا فنستغفر الله، والحمد لله(2) غوثك، اللهم وصل على محمد وآله، (اللهم)(3) بلغنا رضاك واختم لنا به يا كريم وجميع المسلمين واكفف جميع الأسواء /130/ بمحمد وآله، وتلك الوظائف ثلاث، منها ما يرجع إلى الأوقات وهي التي قد ترتبت الليل للعبادة قدر الإمكان، والنهار للصوم قدر الإمكان، ومن صلاة الفجر إلى طلوع الشمس للذكر(4)، وبعده للعلم إلى وقت الضحى، وبعده لحوائج الدنيا ولإخوانه وبعده القيلولة إلى الصلاة، وبعده العلم إلى العصر، وبعد العصر للذكر ولحاجة مما يتوب له، ولغيره من المسلمين، ومنها يرجع إلى الأحوال وهي أن لا يخصَّ(5) أحد بشيء من رئاسة الدنيا ولا شيء منها جهده، وأن يكون (اللباس الصوف)(6) وشبهه والأكل أي (شيء(7) كان،) ومنها ما يرجع إلى الأشخاص، والواقفون هذا حكمهم، والزائر يكرم ويوعظ والمريد الوقوف يختبر حاله، ثم يعلم ثم يدخل في الجملة وظابط الجميع أن لا يشتغل بشيء من الدنيا، وهو يقدر على أفضل منه ولا يقارب شيئاً من الدنيا الجائرة وهو يمكنه الصبر عنه. تمت المقدمة والوظائف جزاه الله عن نفسه خيراً وعن إخوانه وعن المسلمين كافة
__________
(1) في (ب): اختارونها.
(2) في (ب): والحمد لله على.
(3) في (أ): فراغ.
(4) في (ب): لذكر أو لحاجة.
(5) في (ب): لا يختص.
(6) في (ب): اللباس من الصوف.
(7) في (أ): شيء يحضر كان.
الجزاء الأوفى وحباه بالخير كله والحسنى وله من هذا القبيل موضوع حسن يسمى (عقد اللآل في العشر الخصال في التزود للمآل(.
قلت: ونقل السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزيري الحافظ، وكان أحد تلامذته الفقيه علي - رحمه الله تعالى - انه حدثه أنه قال: نظرت مرة ما بذكره(1) من الأدلة على إثبات الصانع بما يورده الفلاسفة من الشبه، فإذا كل دليل قد عارضوه بشبهة(2) فاضطرب خاطري لذلك وإن كانت شبهتهم باطلة، وبقيت مدة أسأل ربي أن يلهمني إلى دليل لا يستطيع أهل الكفر وأهل التعطيل أن يشبهوا فيه فرأيت في ليلة شخصاً يقول لي في المنام: ?مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ?[الرحمن:19]، فعرفت في حال النوم أن هذا هو الذي سألته الله؛ لأن من طبيعته الاختلاط، فكيف لا يختلطان وأمواجهما متلاطمة وعواصف الرياح تصفق أمواجهما المتراكمة وهما بحران يلتقيان كما حكى الله: ?هَذَا /131/ عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ?[الفرقان:53]، ولا شبهة ترد على أنه لا بد من فاعل مختار منعهما من الاختلاط مع شدة الاضطراب والاصطفاق في أمواجهما، فسبحان من أظهر الأدلة على ثبوت ذاته، وله الحمد على ما عرفناه من عجائب مخلوقاته حمداً طيباً مباركاً فيه وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلم(3).
__________
(1) في (ب): فيما يذكره.
(2) زيادة في (ب): قال.
(3) في (ب) زيادة: توفي - رحمه الله - في [بياض].