/86/ وإذا(1) قد ذكرت هذا طرفاً من شعره مما لم يعرف نظم منثور، ومما فيه دلالة على فضله وحكمته وزهده، نسخت له من كتاب(2) ابن دانه الصعدي - رحمه الله - قال:
ليس بحر ولا كريم ... من غيرت وده الدهور
الحر حرٌّ وإن جفاه(3) ... دهر وحالت(4) به الأمور
ليس الفتى من إذا ألمت ... أزمة دهر به يجور
ولا الذي إن به تراخت ... حال رآى أنه الخطير
وإنما(5) الحر عند هذا ... مصطبر أوفتى شكور
وقال - أيضاً، وأحسبها من أبيات -:
فمن رآى ما لم يراه طغى ... وصار يمشي كالمجانين
كأنه قارون في سكره ... بخبطة(6) من الشياطين
فهو على ما نال من أمره ... كبعض أعوان الفراعين
يديره(7) الدهر بتصريفه ... فليس ذا دنيا ولا دين
قوله: ما لم يراه، يصلح فيه الهمز؛ لأنه قد جاء راء يرآء، ورأى يرى، وراء يرى.
ألا إنما الأيام يوم وليله ... ومن يحيى في الأيام يرأى ويخبرا
موضع قوله يخبر بياض يحتمل أنه يخبر أو يبصر، أو يعلم ………… وقال عبد يغوث:
وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانياً
وقال - أيضاً رحمه الله تعالى -:
أيها الساخر مما قد ترى ... نوّب الدهر على مثلي تمر
ويروى أيها العاجب وهو مستنكر:
كم لئيم سب مثلي بانحا(8) ... لم يشنه أو تعاطى فعقر
ورماه بالذي فيه لكي ... ما يقال المرء بر ذو خطر
[و] إذا ينبح كلبٌ ماجداً ... ينبح(9) الماجد ماذا في الأثر
وقال - أيضاً -:
رضيت لنفسي بعين الرضا ... كأنيَ امرؤ حاله لا أموت
فما أنا في الدين من أهله ... ولا ليَ ذنباً فماذا هويت
فأقسم بالله لو أنني ... تملكت هذا الورى ما حظيت
__________
(1) في (ب): وإذا فذ.
(2) زيادة في (ب): بخط.
(3) في (ب): شناه.
(4) في (ب): جالت.
(5) في (ب): فإنما.
(6) في (ب): تخبطه.
(7) في (أ): يدييره..
(8) في (أ): ناحبا، وفي (ب): نائحاً.
…قانحاً: قال في القاموس المحيط 208: بَنَحَ اللحم: قَطَعَه وقسَّمَه.
(9) في (ب): نبح.
إلى الله أشكو فنعم النصير ... فمني غويت ومنه هديت
وقال - أيضاً -:
قد كنت أفرح بالشباب وريعه ... حتى اكتسيت وقار شيب لايحِ
وتبسمت بهجاته في مفرقي ... بجلالة ومهابة ومصائحِ
أجري إذا حدق(1) الصبا طوعاً له ... حلف الهوى لا أرعوي للناصحِ
/87 فالآن ما سمت الهدى وسبيله ... وفرغت من يقق(2) المشيب الأسبحِ
أوفوت رشدي في زمان فايتٍ ... وذهاب حظ في الشبيبة صائحِ
علي بن أحمد الحملاني
الفقيه العلامة علي بن أحمد بن أسعد الحملاني - رحمه الله تعالى - من بيتٍ بالفضل معمور، ومنصب مشهور، غير مغمور، كان مألفاً للفضلاء، وزينة للكملاء، وهو الذي وجه إليه محمد بن أحمد بن عقبة الأبيات الآتي ذكرها في ترجمته - إن شاء الله - لما أهدى له نسخة (الكشاف) ستة أجزاء، فكتب إليه ابن عقبة القصيدة، وهي هنالك في ترجمته، طالعها:
برق سرى فرمى الأحشاء بالألمِ ... وضعضع الجسم بالتبريح والسقمِ
علي بن أحمد بن ذئب
الشيخ العالم الفاضل علي بن أحمد بن ذئب - رحمه الله تعالى - عالم كبير، فصيح بليغ، كان من أعيان أصحاب الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - ولم يحضرني الآن شيء من شعره ولا أخباره.
علي بن أحمد بن الحسن
العلامة(3) أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن(4) أبي حنجرة، عالم فاضل من كبار أهل الفقه والعرفان، ولعله عراقي، والله أعلم.
__________
(1) سقط من (أ): أجري إذا حدق.
(2) في (ب): مرتفق.
(3) في (ب): بن أبي الحسين بن عثمان بن أبي حنجرة.
(4) في (ب): بن أبي الحسين بن عثمان بن أبي حنجرة.
علي بن أحمد بن عليان
العلامة الشيخ المقري، الزاهد الكبير الفاضل(1)، جمال الإسلام علي بن أحمد بن عليان، أحد وجوه العلماء، ومرجع المحققين سيما للقراءة بـ(صعدة) المحمية، ومن تلامذته العلامة محمد بن صلاح مداعس مصنف (المختصر في علم القراءة)، وينقل عن شيخه(2) هذا من جملة ما نقله عنه التكبير أواخر القرآن، فينقل من ترجمة ابن مداعس - إن شاء الله - ولعل القضية المتناقلة هي له، وهو صاحبها، وذلك أنه قرأ عليه في إحدى القراءات السبع، أو كلها جماعة من الإنس، وكان يحضرهم رجل من الجن يقرأ قراءة حسنة بصوت دقيق، ولما كان الختم، قال الجني المذكور للفقيه: تفضلوا انتظروا بالختم إلى(3) غدٍ - إن شاء الله - إلى ضحوة النهار، فانتظروا جميع(4) الناس، ثم وصل الجني بعود رطب أخضر، وبعد ذلك سأله الفقيه أن يريه صورته، فاستعفاه، فلم يعفه، فبرز له على صورة كريهة - رحمه الله -.
__________
(1) زيادة في (ب): الشهير.
(2) في (ب): نسخه.
(3) في (ب): إلى ضحوة النهار.
(4) في (ب): واجتمع الناس.
علي بن أحمد بن إبراهيم [ - 1051 ه ]ت
القاضي العلامة المحقق، جمال الدين علي بن أحمد بن إبراهيم بن أبي الرجال -رحمه(1) الله - كان فقيهاً عالماً بالفروع الفقهية، وحقق فيها وبرز، ويقال: إنه حفظ (شرح الأزهار) غيباً، وكنا نمليه عليه(2)، ومما شاع في ألسن الفقهاء أنه لولا الجهاد، كان القاضي علي بن أحمد بمنزلة الفقيه علي بن يحيى الوشلي صاحب (الزهرة)، ولقد تعجب منه كثيرٌ من المحققين في مسائل وتحصيلات أملاها في المغصوب(3) والرهن، ومع ذلك فقد قرأ في الفنون الأخرى، قرأ (مستقصى)(4) الغزالي في الأصول على السيد العلامة علي بن صلاح العياني - رحمه الله - وهما في صف الحرب، كان إذا سكن عنهم العدو، قرؤوا، فإذا كر عليهم العدو، أقبلوا عليه، ولما أمر الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - السيد العلامة علي بن إبراهيم الحيداني الماضي ذكره بولاية (حاشد) و(بكيل)، أمر القاضي - رحمه الله - أن يقرأ عليه (البحر)، فكانت من أعجب القراءات، كانوا(5) يلبثون في البحث من عقيب صلاة الفجر إلى ظهيرة النهار، واتفق /88/ أنه وفد إلى حضرة الإمام إلى (شهارة) بعض العلماء الكبار من أهل الأقاليم، وخفي على الإمام - عليه السلام - ما يستحقه ذلك العالم من التعظيم مع حرص الإمام على إنزال الناس منازلهم، فبادر بإرسال السيد العلامة صلاح بن عبد الخالق الجحافي وهذا القاضي إلى ذلك العالم ليعرفوا فضيلته، فوجدوه لما يستقر وخدمه في أثناء التنظيف للمحل، فحيّوه، ورحبوا به، وتعرفا له، فقال القاضي لذلك الرجل: هذا السيد صلاح بن عبد الخالق من كبار العلماء ونسب(6) الإمام ونحو هذا، ثم قال السيد(7): وهذا قاضي الإمام أحد العلماء، ووصف بما ينبغي، فأجاب ذلك الرجل: إنكما لستما ممن يعرف الأدب، ولا يستحق
__________
(1) في (ب): زيادة في (ب): تعالى.
(2) في (أ): وكنا نسمعه عليه مما.
(3) في (ب): الغصوب.
(4) في (ب): مستصفى.
(5) في (أ): كان.
(6) في (أ): ونحو.
(7) زيادة في (ب): - رحمه الله -.
هذه الصفات، فكيف(1) تكون منزلتكما هذه المنزلة، وتفدان عليّ وأنا مدهوش لم أستقر في رحلي، ولا يتم لي مجازاتكم بالأنس، فاستحيا السيد والقاضي، ثم عزم القاضي إلى (ذيبين)، وأخذوا في قراءة (البحر) هذه المذكورة، وكان فيها البقية من شيعة الطاهر يومئذ، كالقاضي العلامة محمد بن صالح بن حنش، والقاضي العلامة الحسن بن محمد(2) سلامة وغيرهم، فوفد إلى المسجد الجامع، وهم يخوضون بحار التحقيق، ويأتي كل منهم بالإشكال، ويحله الآخر، وذلك العالم يتفكر فيهم، فلما أتموا القراءة، أنزله السيد منزلاً يليق به، فإنه عظيم الشأن، وأنسه القاضي لسابق تلك المعرفة، فقال ذلك العالم: يا قاضي، أنتم معاشر اليمنيين لا تنزلون العلم منزلته، فقال(3): ما استنكرت من طريقتنا؟ قال: رأيت اليوم مجلسكم للقراءة، فرأيت ما لم أره من الاطلاع على الفقه والتحقيق بحيث أن كل إنسان من الحاضرين لو برز بإقليم، لعلا صيته، وقل نظيره، ومع هذا فأنتم لا تعتمون إلا بعمائم سود، ولا تلبسون الجيد من الثياب، فلم يبد له القاضي حقيقة العذر في ذلك، وكان المقتضي لمرور هذا العالم (ذيبين) أن (السودة) يومئذ في أيدي الأتراك و(صنعاء)، فمر (ذيبين) مجتازاً، وكان عنده من ضربة الإمام دراهم جعلها في (ذيبين) سبائك، وكانت قراءة القاضي - رحمه الله - على عبد القادر التهامي التنهي (4) رحل إليه إلى (عاشر)، وقرأ على الشكايذي الكبير بـ(ذمار)، وأحسن الشكايذي رعايته، وحين أراد الإنصراف خرج ولده العلامة الشهيد لتجهيز القاضي، وأعطاه زاداً، ثم قرأ على العلامة علي بن قاسم السنحاني، ومن جملة ما قرأه (مقامات الحريري)، وفي بالي أنه قرأ (مفتاح السكاكي) عن أمر شيخه السنحاني على بعض الأفاقيين(5)، ولم يكن له في العربية ذوق، وقد كان اشتغل بشرح (الأزهار)، بلغ فيه
__________
(1) في (ب): وكيف.
(2) زيادة في (ب): بن.
(3) زيادة في (ب): له.
(4) التنهي فراغ في (أ).
(5) في (ب): الأفاقين.
التيمم حتى مر عليه السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي إلى (سوات) من بلاد الصيد(1)، فأعلمه بعنايته بشرح الأزهار(2) مع كمال أهليّة السيد، فأضرب عن ذلك، وكانت عند القاضي عدة كبيرة من الكتب من خزانة السلف، وكانت له همة في الجهاد، وشجاعة مع قوة في بدنه، وهو أول من يسارع إلى الجهاد قبل ابن عمه القاضي الشهيد الهادي بن عبد الله - رحمهما الله - فإنه نهض في سنة ست وهي سنة الدعوة (بخارف)، وأعيان قبائل (بكيل) نحو ألف رجل، ودخل هزم(3)، وانضاف إليه /89/ الأعيان لا على جهة الاستقلال منهم، بل على جهة الغارة كالسيد الأعضب من (حوث)، استدرجه القاضي حتى أدخله (هزم)، وأما الحاج الكامل أحمد بن عواض (فوصل بعد أمن لهم)(4) ووقف خارج البلاد على رأس الأكمة المشرفة على القرية وغير هؤلاء من الرؤساء، وكانت الحروب المشهورة نحو أربعة أشهر، والقاضي أبو عذرها - رحمه الله - واتفق في هذه النهضة قضية تعد في كرامات الإمام الشهيد(5) - عليه السلام - وذلك أن القاضي(6) وصل إلى (ناعط) (7) من بلاد (حاشد)، وحطط الناس، فتفقدوا رجلاً يسمى التهامي من أهل (ظفار) وكان له خبير يعرف بجوال، فبحثوا، عنه فلم يجدوا له أثر، فاتفق عند مجيء الناس من الحطاط أن بعض الناس سمع صوتاً في شعب، فأخبر القاضي، فأمر القاضي - رحمه الله - من يذهب إلى هنالك، فوجد التهامي المذكور في محل، وعرف، أتى به إلى القاضي، فأخبر القاضي بقصته، وهو أنه خرج من مسجد (ناعط)، فأحسَّ بحال غير معتادة، فلم يفقد نفسه إلاَّ في عالم آخر غير هذا العالم، وفيهم رئيس كبير بين يديه خلق قيام، فاشتكى رجل من أولئك أن هذا التهامي رجمه، فأنكر التهامي ذلك، فقال له: بلى، أنت رجمت(8)
__________
(1) الصيد غير موجود في (ع).
(2) سقط من (أ): الأزهار.
(3) في (أ): هو.
(4) في (ب): فوصل بغير أمرهم.
(5) زيادة في (ب): أحمد بن الحسن.
(6) زيادة في (ب): - رحمه الله -.
(7) سقط من (ب).
(8) في (أ): رجمته.
خشبة حطب في القنة - بالقاف والنون- وهو جبل هنالك، وعندك من عبيد المشهد فلان بن فلان، قال التهامي: نعم هذا اتفق، لكني غير عارف بمحلك، فقال ذلك الرئيس: يا معشر الجن، نزهوا أنفسكم هؤلاء المساكين لا يرونكم، ثم التفت إلى التهامي، فقال له: من أنت، قال: مسكني (ذيبين)، والأصل من (ظفار)، إلا أني مقيم بمشهد الإمام أحمد بن الحسين(1)، قال: فلأي شيء وصلت إلى (ناعط)؟ قال: صحبت القاضي علي بن أحمد مغيرين مع الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد(2)، فقال ذلك الرجل الكبير: قد التزمت ما(3) لزم هذا من الأرش رعاية لحق الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وأبلغ القاضي علي السلام الكثير(4)، وهذه قضية مشهورة تناقلها الفقهاء وغيرهم، ويسمعها(5) من غير واحد من الفضلاء، منهم من شهد المقام، والله أعلم.
__________
(1) سقط من (ب): أحمد بن الحسين.
(2) سقط من (ب): المنصور بالله القاسم بن محمد.
(3) في (ب): بما.
(4) في (ب): وأبلغ عني القاضي علي السلام الكثير.
(5) في (ب): وسمعتها عن.
وللقاضي في مقامات الجهاد مساعي مشهورة، تولى بلاد (حاشد) و(بكيل)، وتولى بلاد (خولان الطيال)، وافتتح (حصن جبل اللوز) وغنم منه غنيمة، وكان السيد العلامة أحمد بن علي الشامي شريكه في حصار الحصن، غير أن أصحاب القاضي (بنو جبر) وأصحاب السيد غيرهم، فكانت اليد للقاضي، وجعل سلب الأمير وسلب الشاوش للسيد - رحمهم الله تعالى - وكان الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد يفضله بالشجاعة على غيره، بل نقل السيد الأمجد عبد الله بن عامر بن علي - رحمه الله - أنه سمع الإمام يحكي أن القاضي أشجع من رآه الإمام، وحكى له قضية، واجتمعت بالقاضي في منزل السيد عبد الله بن عامر بـ(الجراف) من مخارف (صنعاء)، فسأله(1) السيد عن القضية، فأخبره وأنا أسمع، قال: توجهت العساكر من جهة الترك على السيد المجاهد محمد بن عامر إلى محل بجهة (وادعة) سماه، وفاتني اسمه، فأغار الإمام، وأغرنا معه، فوجدنا(2) في الطريق قصبة معمورة على رأسها كالصفيف قد دخلها نحو سبعة /90/ نفر رماه الذي في ذهني من الرواية أنهم سبعة، وذكر مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله حفظه الله أن القاضي ذكر أنهما رجلان فقط، لكنهما قد قتلا سبعة نفر، فلعل الذي في ذهني ذكر السبعة، فمنعوا جيش الإمام من الغارة، فتخوّف الإمام على السيد محمد بن عامر الاستئصال، فقال - عليه السلام -: من يحب الله ورسوله حمل على هؤلاء، فسمعها القاضي، وأعلنها في الناس لعل راغباً يرغب، فلم ينهض أحد، فوضع شملة سوداء على عمامته، وحمل منفرداً، ولحق به رجل من (ظفار)، فرموه من القصبة، فسلمه الله، ثم نفذ إلى تحت القصبة، وقال لصاحب (ظفار): أعطني ظهرك أصعد عليه، فارتقى حتى عَلاَ، ووضع عمامته تحت الصفيف، ونطحه حتى انتشر البناء، وهو من البناء المعروف بجهة البادية، فألقى الله الرعب في صدور أولئك، فانهزموا منه، ووثب إلى داخل القصبة، ثم دعا بأصحاب الإمام،
__________
(1) في (أ): فسألت.
(2) في (ب): فوجدناه.
فأقبلوا، وظفر ببعض أولئك، وقتل بعضهم صبراً بين يدي الإمام، قتله مولانا السيد الجليل الحسين بن أمير المؤمنين - عليهما السلام - وحج القاضي المذكور مع الإمام القاسم، واتفق له أن بعض المفسدين عاث في الحجاج، وآذاهم، ونهب من نهب، فتجرد له القاضي، وارتبطه ارتباطاً وفي آخر أمره تولى القضاء(1) بجهة (وصاب) بعد أن شهد المشاهد الإمامية جميعها، وتوفي - رحمه الله - (بالدن) وقبر بـ(الروضة) هنالك في شهر ربيع سنة إحدى وخمسين وألف سنة، ورثاه سيدنا(2) العلامة علي بن محمد(3) سلامة - أبقاه الله - بقصيدة مستجادة، ورثاه سيدنا المقري الفاضل الصالح، صلاح بن محمد السودي الصعدي - رحمه الله - وجعلها على قصيدة القاضي علي بن سلامة فقال:
هو الصبر ما كافاه ملجا ولا كهفُ ... إذا لم يطق منعاً وقد وقع الصرفُ
ألم به عند الملمات واحتسب ... به لامة من دونها البيض والزعفُ
أخي ألو(4) أعباء الأسى لا مجهلاً ... وخذ في الأسى نهجاً فمثلك لا يهفو
فما جزع يغني فتيلاً لجازعٍ ... ولا عبرة تجدي ولو جادها الوكفُ
وأما الفتى الماضي لوجه سبيله ... فما رِزْؤُهُ في الدين إلا البلا الصرفُ
لئن غاب نور الدين وانهدَّ طوله ... فهذا الكسوف الحق عمرك والخسفُ
وما الموت إلا للأكارم واصلٌ ... ولكنه عن وصل غيرهم يجفو
فلله ما أحلى الثرى من صفاته ... صفات علاً فوق الثريا لها وصفُ
فتى قد نمته من عدي غطارف(5) ... ضراغم(6) غلاّبون شم الذرا أنفُ
مفاخرهم كالشمس نوراً ورفعة ... وفيهم بحسن الذكر أنعمت الصحفُ
فتى إن دجا في العلم والمحل مشكلٌ ... فمن عنده للحالتين لها كشفُ
فينحل معقود ويرتاح منكد ... وينهل مطرود ومنهله يصفو
__________
(1) في (أ): وافى آخر أمره تولى القضاء.
(2) في (ب): السيد.
(3) زيادة في (ب): بن.
(4) في (ب): الق أعباء.
(5) غطارف: جمع غِطْرِيْف: وهو السيد الشريف، والسخي السَّرِيّ. القاموس المحيط 777.
(6) ضراغم: أُسُود.
يفيدك من علم وحلم معاون(1) ... إليه تسل كف فمنه تسل كفُ
/91/ شمائله تروي(2) النسيم وبأسه ... يمزق من شمل المعادين ما لفوا
ففي السلم والحرب(3) الرخا وعقيمها ... فللمهتدي لطفٌ وللمعتدي حتفُ
وأيامه في المعتدين شهيرةٌ ... يخبر عنهن المخالف والإلفُ
فللَّه من ليث الملاحم منهس ... به شرب الخصم المكاره واشتفوا
رأوا عزمه والسيف لما تكافى ... مضاء فما للأشقيا [عنه](4) ما كفوا
فتهمي له الأقلام والصحف عبرة ... إذا بكت الأشقا المزاهر والدفُ
ويبكي له الملهوف للعلم والندى ... يحق له فيها التأسّفُ واللهفُ
وتبكيه بيض الهند والسمر والشرا ... ويرتاح منه الطرف إن سحر الطرفُ
وما الموت إلا كل حي يذوقه ... وآخرُ هذا الخلق أولَه يقفو
لئن سنت الأبكار عظم مصابه ... ففيه جميع الوصف بالحق ملتفُ
عليه سلام الله ما فاه عارفٌ ... بأوصافه الحسنا وفاح(5) لها عرفُ
علي بن أحمد بن جابر الوادعي
القاضي العلامة البليغ، لسان زمانه، وإنسان أوانه، علي بن أحمد بن جابر الوادعي، أحد العلماء، وأوحد(6) البلغاء، وله قصائد غر، وفرائد در، من ذلك قصيدته التي كانت بعد قضية الغز التي في (المولدة) من أطراف بلاد (حاشد)، وكانت بينه وبين الإمام الناصر بن المنصور صدق فيها العراك وتحقق الضرب والطعن(7) الدراك، وسقط الشيخ مخلص الدين - رحمه الله - عن جواده، وحامت عليه صقور الخيول، وحامت عليه الآساد والشبول، وكان هنالك أمر يهول، وخطب شرحه يطول، فلله در أولئك، والله يجزيهم عن سعيهم زرابي الجنة والأرائك، فقال القاضي - رحمه الله - قصيدته منها(8):
حشاشة نفس ودعت يوم(9) ودعوا ... أهابت بقلب في الهوى متقلبِ
__________
(1) في (ب): معاً وإن.
(2) في (أ): يروي.
(3) في (أ): الحلم.
(4) في (ب): معنى فما للأشقيا عنه ما كفوا.
(5) في (أ): فاه.
(6) في (ب): وواحد.
(7) سقط والطعن من (أ).
(8) سقط من (أ): منها.
(9) في (ب): حين.