عبد الله بن المهدي بن إبراهيم الحوالي
سيبويه زمانه، وخليل العلوم في أوانه، إمام الآداب، الفاضل المحقق، الحافظ البليغ، عبد الله بن المهدي بن إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوالي - رحمه الله تعالى - كان - أعاد الله من بركته - عَلَماً في العلوم، أديباً لبيباً، مطلعاً على أفراد اللغة وعلم تراكيبها، حافظاً لأيام الناس في الجاهلية والإسلام، واشتهر باللغة، وكان برز فيها، واستدرك على المحققين من أهلها، كصاحب (الصحاح) و(القاموس)(1) وأضرابهما، وكان بعض مشائخنا يسميه بالبحر، ورأيت استدراكات منه على أئمة اللغة فقلت: فكم ترك الأول للآخر، وكان من لين العريكة، وسهولة الناحية، وعذوبة الحاشية، بمحل يكاد يسيل لديه طباعه سيلاناً، ويتوحد للإهيات، ويهتز للأدبيات، ولم تطمح نفسه - مع أهليته - إلى شيء من المراتب، ولقيته بوطنه (الظهرين) بحجه، ورأيت(2) فوق ما سمعت، وعلمت أن الله لم يعطل الزمان، وكان له شعر في الذروة، وله القصيدة الطنانة الطائرة في الآفاق، يمدح بها الإمام المؤيد بالله وإخوته الحسنين وأحمد أيام الجهاد، وأجاد ما شاء وكان يقول: إنها ليست من جيد شعري، وهي طويلة مطلعها:
عن سعاد وحاجر حدثاني ... ودعاني من الملام دعاني
واذكرا بُرْهَةً من الدهر مَرَّتْ ... كنت أُدْعَى بها صريع الغواني
/61/ وأعيدا حديث بان المصلَّى ... والربوع الرحاب من نعمانِ
أنا لا أكتفي بنأي رخيمٍ ... عن سعاد ولا بعود مثاني
قد سقتني بكأسها من مدامٍ ... هيم القلب لونها الأرجواني
عتقت في الدنان من عهد كسرى ... فهي تنمى إلى أنو شروانِ
بهرت في الصفاء(3) حمراء صفرا ... ء سرور القلوب والأبدانِ
[قد] صفى وقتها فلم يبلغ الهم ... بساحاتها ولا الأحزانِ
يا عذولي ولست للعذل أصغي ... غير قلبي يهم بالسلوانِ
أنا خريج عروة بن حزام ... منهج الوالهين فني وشأني
__________
(1) زيادة في (ب): ونحوها.
(2) في (ب): فرأيت.
(3) في (ب): الصفان.
ولو أني رزقت حظاً لما صر ... ت أعاني من الهوى ما أعاني
ولأبرزتُ حاجة في فؤادي ... صُنْتُهَا عن فلانة وفلانِ
وسأقضي لبانتي عن قريب ... بنجيب شمردل(1) غير آني
ومنها في المديح(2):
صال هذا المصال يبغي رضا اللّـ ... ـه ونلنا به المنى والأماني
وانقضت دولة العلوج وزالت ... ساسةُ الملك من بني عثمانِ
وتولى ديارَهم عبقريٌّ ... ليس يفري فريَّة الثقلانِ
ركن ذو فراسة يتقيها ... صادق الظن كامل العرفانِ
ومنها(3):
قسماً بالإمام غوث البرايا ... وهو عندي من أعظم الأيمانِ
لقد اقتاد عنوةً كل صعبٍ ... ولقد عم صولةً كل جاني
أيها الناس هل علمتم بذا الفتـ ... ـح وذا الفتك في قديم الزمانِ
يا لفخر سما له الحسنان ... فُسِحَ الظنُّ بعده بالعيانِ
نهضا بالهدى أدَارَا رحا الحرب ... وقاما ببكرها والعوانِ
ومنها:
فسقوا من دم الأعادي صبوحاً ... كل عضب مهند وسنانِ
أقحموا خيلهم غمار المنايا ... وأبادوا الجيوش بالهندوانِ
ولقد حاق بالعدا يوم روع ... وسقوا أحمراً من الدم قاني
يا لها صولة شفت غلة القلـ ... ـب وأهدت من المنى ما كفاني
/62/ حين شدت (لريم بنت حميد) ... كل (جرداء) ضمرةٍ وحصانِ
طار فيه النزال والطعن والضر ... ب وأعمال عامل وتماني
واذكر السيد الهزبر المحامي ... من أدار الرحا على (عمران)
أحمد بن الإمام غيظ المعادي ... ناصر الدين قاهر الأقرانِ
أعجز المفسدين أن يطمعوا فيـ ... ـه وأخنى على ذوي الشنآنِ
يا بني القاسم الإمام حماكم ... ربنا بالزبور والفرقانِ
فبإقدامكم حيى(4) ميت المجد ... وقمتم بنصرة الأديانِ
إلى أن قال:
فكفى الله كل ضيرٍ وهولٍ ... بإمام الهدى كمالِ الزمانِ
فكمالاته(5) غدت خارقات ... وهو لا غرو مظهر البرهانِ
ومنها:
فليفز بالنجاة قوم تولو ... وقاموا بطاعة الرحمن
__________
(1) الشَّمَرْدَلُ: الفَتِيُّ السريع من الإبل وغيره.
(2) في (ب): الصفان.
(3) في (أ): منها.
(4) في (ب): حيا.
(5) في (ب): فكراماته.
ولولا اشتهارها، لذكرناها(1) بطولها، وله مقاطيع في كل(2) معنى حسن، وله ذو بيت:
يا جود حيًّا على الجناب الغربي ... قد أنعمه بواكفات السحب
أحببت الأرض في رباه فمتى ... يحيا بالوصل من حبيبي قلبي
توفي بوطنه - رحمه الله - في تاريخ ( ..فراغ..) (3)
عبد الله بن المهلا بن سعيد الشرفي [950هـ - 1028 ه ]
الشيخ العلامة، الفقيه، النحوي، اللغوي، الأصولي، المحدث، المفسر، ثابت اللب، عبد الله بن سعيد بن علي النيساي، ثم الشرفي - رحمه الله - هو العلامة المحقق المدقق، الحافظ لعلوم المعقول والمنقول، شيخ شيوخ زمانه، رحل إليه الطلبة، وانتفعوا به، واستقر (بباب الأهجر) زماناً، ووفد إليه الطلبة، وكان نظيراً للسّعد التفتازاني في علوم العربية والتفسير، وله أجوبة مسائل تدل على علم واسع، ومن تلامذته الإمام القاسم - عليه السلام - وأكثر الفضلاء في زمانه عيال عليه، وتشوق للقائه الباشا جعفر عند إقامته بصنعاء فلم يتيسر له لقاؤه، حتى نكب الفقيه بنكبة من الولاة بمطالبته، أو مطالبة شركائه في المال بخراج، فتمنع، ورحل إلى الباشا بعدها، فعدها الباشا من سعادات الأيام، فأجله وأعظم محله، وساق إليه من النفقات ما يجل خطره، واستمر على ذلك، ورسم له بإعفاء شركائه من المطلوب منهم، وكان يعده الباشا عين أهل الحضرة مع كثرة العلماء فيهم، واتفق أن الباشا أراد امتحان أهل حضرته بحديث اختلقه من عند نفسه، نمق ألفاظه، فلما أملاه ابتدر الحاضرون من الفقهاء إلى(4) كتابته، وأثنوا على الباشا بروايته، وقالوا: نتشرف بعلو إسناده، فلم يتحرك المهلا بشيء(5) من ذلك، فسأله الباشا لم لا تكتب كالأصحاب؟ قال: يا مولانا قد أفدتم، والجماعة كتبوا، ونحن حفظنا، فقال الباشا: هذا والله هو العالم، وأثنى عليه. /63/ وذكر لهم
__________
(1) في (أ): ذكرناها.
(2) في (ب): وكل معنى.
(3) فراغ في الأصل.
(4) في (ب): لكتابته.
(5) سقط من (ب): بشيء.
أن الحديث حديث، وإنما المراد به الاختبار(1). وكان له أولاد علماء نبلاء، وله أحفاد فيهم الفضيلة والعلم المتبوع(2).
وقال سيدنا العلامة أحمد بن يحيى بن حنش - رحمه الله -: سألت الفقيه العلامة بدر الدين محمد بن عبد الله المهلا عن أحوال والده ومشائخه ووفاته، فأجاب بما لفظه: والدي الفقيه العلامة عبد الله بن المهلا بن سعيد بن علي النيساي، ثم الشرفي، ولد في شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة في بلد (الوعيلة) من (الشرف الأعلى)، طلب العلم في حداثته، وأخذ عن جماعة من كبراء العلماء، وأدرك السيد عبد الله بن قاسم العلوي - رحمه الله - ولم يتأتَّ له الأخذ عنه، وارتحل للعلم إلى الأقطار، فأول قراءة على والده، المهلا بن سعيد في الفرائض، وفي أصول الدين؛ ثم ارتحل إلى (الظفير)، صحبه والده وقرره في المشهد المقدس، وأقام سبع سنين، فأخذ النحو عن الفقيه عبد الله الراغب، وصنوه إبراهيم الراغب، ثم قرأ على السيد هادي الوشلي (المطول) و(العضد) و(الكشاف)؛ ثم ارتحل إلى (الشرف)، وارتحل لقراءة الفقه إلى (عرفة عفار)(3)، وقرأ على القاضي علي بن عطف الله، ثم ارتحل إلى (الظفير)، وقرأ (البحر) على السيد أحمد بن المنتصر الغرباني، ثم تزامل هو والإمام الحسن بن علي في قراءة (العضد) مرة أخرى، وكذلك (الكشاف) على السيد الهادي الوشلي - رحمه الله - وكانت قراءتهما في (الوعيلة)، ثم ارتحل لطلب الحديث، فقرأ كتب أهل البيت - عليهم السلام - على والده، وعلى القاضي علي بن عطف الله، وسافر إلى القرى(4) من (جبل تيس)، وقرأ (البخاري) و(مسلماً) و(تجريد الأصول) على الفقيه عبد الرحمن النزيلي، وأجاز له، ثم رجع إلى (الشرف)، وأخذ عنه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليه السلام - والسيد أمير الدين في أصول الفقه ، وطلع إلى (صنعاء)
__________
(1) في (أ): الاختبار، وكتبت اسم والده محمد بالظن.
(2) في (أ): والعلم المتبوع.
(3) في (ب): ظفار.
(4) فراغ في (ب).
سنة خمس وتسعين وتسعمائة، وأقام(1) أياماً، وأخذ عنه جماعة، ثم انتقل بأولاده إلى (الأهجر) من بلاد (كوكبان)، وأقام فيه تسع سنين، وارتحل إليه الطلبة من (صنعاء)، و(الأهنوم)، وبلاد (آنس)، و(الحيمة)، و(الشرف)، و(شبام)، و(كوكبان)، واستفاد عليه خلق كثير، وفي خلال ذلك قرأ (الرسالة الشمسية) على الشيخ نجم الدين البصري الواصل إلى (اليمن) سنة ألف، ثم رجع(2) إلى وطنه بنية الإمام القاسم بن محمد - عليه السلام - وأقام بقية عمره بـ(قرى) حتى توفي في ذي الحجة سنة ثماني وعشرين بعد الألف في (الشجعة) (3)، وقبره بها، وكان عمره ثماني وسبعين سنة، انتهى.
قلت: وولده عاقد هذه الترجمة، كان(4) عالماً لساناً بليغاً، له خط عجيب، وله في الأدب مع جودة العلم أوفر نصيب، وكان كثير الْمِلَح واللطايف، نزهة من النزه، تعلق به الأدباء، ويروي عنه الفضلاء، وكانت كلماته تهز أعطاف الأدباء، ومن شعره فيما أحسب:
وأغيد معسول الشنائب واللمى ... يُسائِلُني عن شرح جمع الجوامع
فقلت له والعين تسكب عبرة ... نعم يا خليلي شرح جمع الجوا معي
وهذه رأيتها بخطه، ولم ينسبها إلى أحد، ومن شعره:
شريف تهامي أتاني وقال لي ... أريد من المولى نوالاً وناموساً
فقلت له ما الاسم قال(5) أنا موسى ... فقلت لقد أوتيت سؤلك يا موسى
/64/ وهو من مشائخ إمامنا المتوكل على الله - عليه السلام - وأوصى إلى الإمام أنه كلما ذكره، دعا له بالرحمة، ففعل ذلك أمير المؤمنين - جزاه الله خيراً -.
عبد الله بن الناصر
عبد الله بن الناصر، ختن الإمام علي بن صلاح - رحمه الله - ذكره في (التحفة) للأهدل في علماء الزيدية، وهو … (بياض)
__________
(1) في (ب): وأقام فيها أياماً.
(2) في (ب): ثم رحل.
(3) الشِّجْعَة: قرية غربي مدينة المحابشة من بلاد الشرف الأعلى. وهي محل سكن بني الشرفي، وبني الْمُهَلاَّ. معجم المقحفي 850.
(4) في (ب): كانا.
(5) في (ب): فقال.
عبد الله بن الهادي الوزير
السيد العلامة، عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن الوزير - رحمه الله - العالم ابن العالم، وأبو العالم(1)، إنسان زمانه، وواحد أوانه.
قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن محمد: كان ممن كمله الله في خَلقه، وخلُقه، وكرم طبايعه، وحسن طرائقه، وآدابه، له مهابة في القلوب، وجلالة في النفوس، وشارة(2) حسنه، وخلق جميل، وأدب وبراعة، وقلم وإحسان، وفراسة وثبات، على ظهور المقربات، وكذلك لولده وسائر أولاده، ولد بـ(صعدة)، ونشأ بها، وتزوج، وأولد فيها، وقرأ على علمائها، فقرأ على خاله القاضي أحمد بن عبد الله بن حسن في الفقه، وكان القاضي فقيهاً مجوداً، وهو جامع كتاب (التلفيق بين اللمع والتعليق)، و[قرأ] على غيره، وقرأ على القاضي أحمد بن حابس في الفرائض، وكان حي القاضي أحمد في ذلك مجوداً، وإليه(3) سند الناس في ذلك الوقت في فن الفرائض، وقرأ على السيد صلاح بن الجلال في علم الحديث، وكان بعنايته زيادة السيد صلاح كتاب الرضاع في كتاب (شفاء الأوام)؛ لأنه لما قرأه عليه وكان متروكاً في (الشفاء)، سعى سيدي عبد الله في أنه يزيد ذلك الباب فزاده، وأسمعه سيدي تلك الزيادة، وأجازها له من جملة الكتاب، وقرأ - أيضاً - على الفقيه بدر الدين محمد بن عبد الله النجاري مفتي (صعدة) في زمانه، وقرأ في تفسير السيد جمال الدين على السيد - رحمه الله - وقرأ الأصولين، وقرأ الختمة الشريفة، وفي علوم القرآن على حي المقري الشاودي، وكان حسن الصوت في تلاوة القرآن، فإذا قرأ في محراب، أو بعد صلاة، هدأت الأصوات له، وكان إماماً في علم اللغة وله في علوم العربية جميعها بسطة، وله على أبيه وعمه سماع في الكتب، وليس بالكثير، وليس في غاية الجودة، وفيه الحسن، (وله شعر، ولكنه لا يبلغ ولا يقارب شعر أبيه وعمه، ولا شعر ولده وولد ولده) (4)، ومن شعره
__________
(1) في (ب): ابن العالم.
(2) شارة: هيئة.
(3) في (ب): شد الناس. ظن.
(4) ما بين القوسين ليس في (ب).
قوله:
مالي مع الناس مِنْ ناصر ... إلا النبي المصطفى الهادي
وصنوه من بعده حيدر ... ثم التزامي مذهب الهادي
قلت: ومما أنشده له ولده العلامة محمد بن عبد الله - رحمهما الله تعالى - ومن خط محمد نقلت:
أما والذي لا يعلم السرَّ غيرهُ ... ومحيي العظام البيض وهي رميمُ
ومن يجمع الشمل الشتيت بفضلهِ ... ونرعى كلا إحسانه ونسيمُ(1)
لقد صرت أهوى كل أمر مقربٍ ... إلى طاعة الرحمن وهو عليمُ
فأسأله أن يغفر الذنب كله ... فمعروفه قد عم وهو رحيمُ
ومما قاله سنة خمس وثلاثين وثمانمائة:
من كان يوقن بالغيوب وصدقها ... لم تَلْقَه أَسِفاً على ما فاتا
قدر بلوغك للذي أمَّلْتَهُ ... كمؤملٍ قد نال ذاك وماتا
/65/ سيان نيلكه(2)وموتك بعده ... وفواته قدرتها أحواتا
فأعجل إلى نيل المراضي من لدن ... رب قديرٍ يبعث الأمواتا
فلقاؤه حقٌ ووعد جزائه ... صدقٌ وعند صدورنا أشتاتا
وسل المهيمن يغفر الذنب الذي ... أذنبته ويقيلك الزلاتا
فهو الذي يهب الذنوب جميعها ... ويقدر الآجال والأقواتا
__________
(1) نُسيم: نرعى.
(2) في (أ: نيلك هو.
وكان له أشياع وأتباع كالعلامة يحيى بن جابر بن جحاف الصعدي البصري، كان زميلاً له، وكان فقيهاً مجوداً، شرح (التذكرة) النصف الأول منها، وكان ناقلاً للكتاب العزيز، وأخوه حسن بن جابر، وكان فاضلاً، ومن أهل الثروة والمال، وله الفندق المعروف بـ(صعدة)، وكان من أشياعه وأتباعه الفقهاء آل علوان بـ(صعدة)، والمشائخ بنو بدر، وأمه - رحمه الله - مهدية بنت القاضي عبد الله الدواري، وكان لها في النساء مثل ما لابنها في الرجال، وماتت بعد ولدها السيد عبد الله بمدة يسيرة في (صنعاء) بالفناء الأعظم، وكان بينه وبين الإمام علي بن المؤيد، والإمام المهدي مصافٍ ومكاتبة، وكان له - رحمه الله - فصاحة في الخطاب والخطابة بارعة، وهيبة وجلالة، رائعاً لا يشق غباره، ولا يلحق في ذلك آثاره، وكان له - رحمه الله - معرفة بالأنساب، وأحوال المتقدمين، وأيام المؤرخين، وقبر هو ووالدته بباب اليمن من (صنعاء)، وأولاده عنده بمصرع(1) النوبة، عليهم ألواح عفاها بنو طاهر أيام حطاطهم على (صنعاء)، ومما رثي به - عليه السلام -:
أما عليك فصار الدمع كالمطر(2) ... جود يجود بِمُنْهَلٍّ(3) ومنهمرِ
والحزن في كل وجه غير منكتمٍ ... والوجد في كل قلب غير مستترِ
والحال بعدك أضحت غير صالحةٍ ... لما تبدّل صفو العيش بالكدرِ
وكل طرف لفرط الحزن قد كُحِلَتْ ... أجفانه بعد طيب النوم بالسهرِ
وكل ذي حاجة يبكي لحاجته ... حزناً عليك ويبكي كل ذي وطرِ
فيا ضريح صلاح الدين لا برحت ... نهل سرح الرضا في تربك العطرِ
فإنما أنت برجٌ حله قمرٌ ... فافخر فدونك برج الشمس والقمرِ
والصبر أحسن مالاً والمصاب به ... ألا عليك فطعم الصبر كالصَّبِرِ
والحمد لله حمداً دائماً أبداً ... ثم الصلاة على المختار من مُضَرِ
__________
(1) بياض في (ب).
(2) في (ب): كالمطري.
(3) مُنْهَلٌّ: انهَلَّ المطر: اشتد انصبابه. القاموس المحيط 990.
والآل ما طلعت شمس وما غربت ... والصحب عد الحصى والرمل والحجرِ
قلت: وللسيد صلاح الدين عبد الله بن الهادي - رحمه الله - شرح على (التسهيل) أجاد فيه.
عبد الله بن الهادي بن الإمام يحيى
السيد الكبير المحقق، الإمام فخر الدين، عبد الله بن الهادي بن الإمام يحيى، ترجم له السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد تراجم مختصرة، قال: كان يسكن (خبان)، وهو أحد العلماء الشيوخ المنتفع بهم، وقراءته بـ(صعدة) على الشيخ إسماعيل، والقاضي عبد الله، وغيرهما، ولا عقب له.
قلت: وهو الذي جمع كتاباً يشتمل على أحوال الإمام يحيى وأولاده الكرام إلى زمانه، وأجاد فيه، وترجم له بعض أولاد الإمام يحيى المتأخرين، وجعله خاتمة ذلك الكتاب، فقال ما لفظه: هو جامع هذه النبذة /66/ كان - رحمه الله - للعلم جماعاً، وفي الكلام شجاعاً، شهد له موضوعاته وتعليقاته في كل فن، وهو مصنف (الجوهر الشفاف) و(الكاشف لمعاني الكشاف)، وكفى به دليلاً على علمه، وله منتخب من شرح ابن أبي الحديد يسمى (الدر النضيد(1) من شرح ابن أبي الحديد) على نهج البلاغة، توفي - رحمه الله - بمدينة (صنعاء)، ودفن في مسجد الأحدم.
قلت: يعني به المسجد المعروف اليوم بالوشلي، وله من النسل أحمد بن عبد الله، والهادي بن عبد الله، وفاطمة، فأما أحمد، فكان له بالعلم أعظم تعلق، وله الخط البليغ، لم يوجد في خطوط آبائه مثله، وأما الهادي، فكان له إطلاع عجيب خصوصاً باللغات العربية، وأما فاطمة فكانت كاملة بليغة(2)، لها اطلاعات عظيمة، وخط عظيم(3)، وبلاغة في النظم والنثر، - رحمهم الله، وأعاد من بركتهم-.
__________
(1) في (ب): المنضد (وزاد الناسخ) النضيد (ظن).
(2) غير موجود في (ب): بليغة.
(3) غير موجود في (ب): عظيم.
قلت: ولعل قول السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد: إن عبد الله لم يعقب (1) أولاده الآن، وفاطمة المذكورة تزوجها السيد علي بن عبد الله بن محمد بن الإمام يحيى بن حمزة، وكانت كاتبة لفاطمة بنت الحسن بن علي أخي الإمام الناصر لدين الله صلاح بن علي، وكانت سيدة فاضلة كاملة راجحة لا نظير لها، ساست البلاد، وأصلحت العباد، وملكت (صنعاء) و(صعدة)، وأحوالها غنية عن البسط.
عبد الله بن الإمام يحيى بن حمزة [ - 788هـ ] ت
السيد العلامة، عبد الله بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ترجم له السيد العلامة عبد الله بن الهادي بن يحيى صاحب (الجوهر الشفاف)، فقال: كان رجلاً صالحاً عالماً فاضلاً تقياً زكياً ممن يشار إليه بالإمامة، واستكمل شرائط الزعامة، كثير الصلاة والدعوات، والشكاء في دياجير الظلمات، سكن هجرة (حوث) أكثر مدته إماماً للصلاة في الجماعات، مواظباً على لزوم أوائل الأوقات، ثم انتقل إلى مدينة (صنعاء) اليمن، فطلبٍ من حي الإمام الناصر، وقام بأحواله أحسن القيام، وأفاض عليه من العطاء والإنعام، والإتحاف والإكرام والتجليل والإعظام، ولم يزل على هذه الصفة مع إحرازه فضائل العبادات والقيام المذكور، وكان وفاته - قدس الله روحه - في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ودفن في المسجد المنسوب إلى بني الفليحي، وبنى عليه صاحب المسجد قبة عظيمة صرف عليها أموالاً جسيمة، وهو بها مشهور مزور.
قلت: ومن أولاده السيد العلامة علي بن الباقر بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الإمام يحيى بن حمزة - عليهم السلام -.
__________
(1) ما بين القوسين زيادة في (أ).