نعم، وحين كانت هذه نعوتها أتحفنا المقام النبوي الإمامي المولوي، بشرح شيء من تلك الصفات، وذكر طرفٍ من هاتيك السمات، لما نعرفه من تطلعه - أبقاه الله - إلى مثل ذلك، وإن لم نستطع استقصاء ما هنالك، والمأمول من طوله - أيَّده الله تعالى - القبول والاحتمال، /19/ وتستر(1) ما تقف عليه من الاختلال، تفضُّلاً وتكرماً وتطولاً، والسلام والدعاء مسؤول، وصلى الله على سيدنا محمد وآله). انتهى ما كتبه - رحمه الله - وله نظم في آداب الأكل، سائرٌ في الفقهاء، وهو مصنِّف (السلوك)، وهو كتاب عظيم نافع، ومن شعره في الإمام عزِّ الدين بن الحسن - عليهما السلام -:
يا أيها المولى الَّذي شأوه ... في المجدِ أسما من مدار الفلك
أنت الذي من يمتثل أمره ... يهدى ومن لم يمتثله هلك
فأغنني إني مقل فقد ... أعطاك من للأمر ذا أهَّلك
وأولني منك الذي أرتجي ... فإنما جملني جمّلك
واقض ديوني يا ملاذي وقل ... أبشر سنقضي عنك ما أثقلك
ولا تدعني معدِماً مقتراً ... وقل سنعلي في الورى منزلك
فإن يكن ذاك ولي لائق ... أو لا فإن الأمر والرأي لك
وقبره بمدينة (ثلا) في صرح مدرسة الإمام، وعنده - أيضاً - (ولده خطيب)(2) الإمام شرف الدين - عليه السلام -.
عبد الكريم بن أحمد الحميري [ - 1045 ه‍ ]
العلامة عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن مسعود الحميري الحوالي - رحمه الله -. كان متولياً للقضاء، مرضي الفضل، كان له ثبت في الفتيا، وبأن أثنى عليه عبد الله بن المهدي - رحمه الله -.
وتوفي في شهر ربيع الآخر(3) سنة خمس وأربعين وألف سنة.
__________
(1) في (ب): وستر.
(2) فراغ في (ب).
(3) في (ب): ربيع الأول.

عبد الكريم بن صلاح الحيمي
العلامة عبد الكريم بن صلاح الحيمي - رضي الله عنه - كان فاضلاً عابداً صالحاً، طلب العلم بـ(صعدة) المحروسة، وبها توفي، وقبر بجوار الكينعي، وهو مزور مشهور، ولا أعرف ما مقدار(1) ما حصله من العلم، غير أني رأيت إليه قصائد، ورأيت تعلق الفضلاء بزيارة قبره، فمما كتب إليه من الشعر ما كتبه القاضي العلامة علي بن محمد بن سلامة:
أيا عبد الكريم حماك ربي ... وسلّمك المهيمن كل حربِ
وحقك أن لي شوقاً عظيماً ... أذاب جوانحي وأذاب قلبي
ترجيت اللقاء والقرب يوماً ... فلم أسعد بإسعافٍ وقربِ
فيا ليت الزمان يجود صدقاً ... بقرب أحبَّتي ويزيل كربي
أعاني ما أعاني من نواكم ... وأضنى والنوى يضني ويسبي
فرفقاً بي ولا تصلوا التنائي ... وحسْبي مدَّة الهجران حسبي
متى شمس الهدى يروي ضمائي ... بإقبالٍ وأبيات وكتبِ
جفا وأطال قطع الكتب دهراً ... بلا سبب لذلك غير عتبِ
عليكم ما سرى برق سلام ... يحاكي الوبل في مسكٍ(2) وصبِ
ولا برحت تحيَّات عظام ... تخصكمُ على بُعدٍ وقربِ
قلت: وأراد بشمس الهدى: الوالد العلامة أحمد بن علي بن أبي الرجال، وأجاب الوالد شمس الدين بهذه الأبيات:
أتى المسطور من تلقاء ندبِ ... يخبر عن براعته وينبي
جمال الدين دام مدى الليالي ... معافى في صفا عيش وخصب
إلى آخر الأبيات، وعلي بن سلامة المذكور من فضلاء الوقت، عارف، له (شرح الفصُول اللؤلؤيَّة)، و(شرح الهداية)، وله سَمَاعات عدَّة، وهو الآن في الوجود - أطال الله بقاه - ولمَّا توفي عبد الكريم /20/ المذكور كتب شيخنا(3) العلامة محمد بن الهادي بن جحّاف، إلى الوالد شمس الدين أبياتاً منها:
الموت لا والداً أبقى ولا ولدا ... والمرء إن لم يمت في اليوم مات غدا
الموت حوض وكل الناس وارده ... فهات شخصاً لحوض الموت لن يردا
مات النبي أجل الناس مرتبة ... وكان أعظمهم عند الإله يدا
ومنها:
__________
(1) في (أ): ما مقدار.
(2) في (ب): سبك.
(3) زيادة في (ب): السيد.

فحين ذاق النبي الموت كان لنا ... أقوى دَليل على ألاَّ يَدع أحدا
فعزِّ نفسك عن إِلْفٍٍ تودَّعه ... وقم لتحصيْل زادٍ بَعد مجتهدا
فأنت في إثره - وَاللهِ - مرتحِل ... فهيئ الزَّاد إن حاديْ الرحيل حدا
فأجابه الوالد شمس الدين - رحمهما الله تعالى -:
أفاض دمعي وأوهى منيَ الجلدا ... علم أتاني فصبري عنده نفدا
من صعدةٍ جاءني رقٌّ فأرقني ... وندَّ نوميَ عن عينيَّ وابتعَدا
رفعت يا كاتباً ما كنت أحذره ... من فرقة الإلْف والحوض الذي وردا
وفاة من كان في الأيام غرَّتها ... وكوكباً لضياء العالمَين بدَا
شام الأنام بروقاً فيه صادقة ... فأقصَرته المنايا عن بلوغ مدى
مالي أرَى الموت لم تظهر فتاكته ... إلاَّ بِمَن كانَ نورًا للورى وهُدى
يا ليت علمك يا عبد الكريم طُوِي ... عني لأسلم حزناً فتت الكبدا
والحمد لله قد أمْضَى قضاه وما ... يلقى العباد من المقدور ملتَحدا
عبد الملك بن عبد الرحمن الأنباري [ - 206 ه‍ ]
عبد الملك بن عبد الرحمن الأنباري الذماري، العالم الكبير المحدث، بقية أهل الإسناد صاحب المسند، ترجم له السيِّد الصَّارم، وصاحب (المقصد)، قالا: هو صاحب المسند، قاضي إبراهيم بن موسى بن جعفر - عليه السلام - بـ(صنعاء)، داعي الإمام محمد بن إبراهيم بـ(اليمن)، قتله ابن ماهان، وكان إبراهيم بن موسى قد قضَّاه على (صنعاء)، ولمَّا قدم ابن ماهان من قبل المأمون نقل إليه أن عبد الملك يكرهه، ويميل إلى إبراهيم بن موسى الطالبي، فقتله يوم الجمعة في شهر رمضان سنة ستَّ ومأتين، وأقام مطروحاً على وجه الأرض ثلاثة أيام، ثم قبر - رحمه الله - أخذ عنه أحمد، وسأله عن بلد (طاووس)، فقال: الجند، روى عنه النسائي، وأبو داود. انتهى

عبد الملك بن الغطريف
العلامة عبد الملك بن الغطريف الصَّائدي، فقيه (همدان)، وأحد علمائها، من عيُون زمانه، وأعيان أوانه، له مقاوَلاَت ومقالات، وهو الذي اعترض الإمامَ القاسم بن علي - عليهما السلام - بمخالفة الهادي في شيء من الاجتهاديَّات، وأجابه القاسم عن ذلك، واعترض - أيضاً - ولدَه الحسين بن القاسم، وطالما كتب إليه الحسين بالتبري من المخالفة، ثم من بعد ذلك تكلم في الشيخ عبد الملك بكلام فيه شراسة، وظني أنه ابن الغطريف الصَائدي الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى-.
عبد المنصور الجيلاني
العلامة(1) عبد المنصور الجيْلاني من العلماء(2) الكبار، وصل مع الشيخ محمود بن علي الديلمي، إلى الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وكانا فاضلين عالمين(3) - رضي الله عنهما -.
__________
(1) ليس في (ب): العلامة.
(2) ليس في (ب): من العلماء.
(3) في (ب): عاملين.

عبد الوهاب بن سعيد [الحميري الحوالي] [ - 1018 ه‍ ]
العلاَّمة عبد الوهَّاب بن سعيْد بن عبد الله بن مسعود الحميري الحوَالي - رحمه الله - كان عالماً مجتهداً، من بيتٍ شهير بالعلم، معمور بالفضل، نسبهم إلى ذي حوَال، فهم وآل يعفر والفقهاء آل الأكوع في نسب واحد، وكان عبد الوهَّاب من فضلاء وقته، وتسمّى الصنعاني نِسبَة إلى أمِّه، وكان متعلقاً بالسياحة، وكان دمث الأخلاق سهل(1) السجايا /21/، وله مكارم وآداب، وكان يأتي إلى (ذيبين) للتنزه أيَّام الخريف، فيجتمع به الفضلاء، ويتم لهم به الأنس، وكان جميل الثياب، حسن الهيبة، ويقال: إنه يعرف (السيميا)، ولمَّا اعتقل بـ(كوكبان) ظهر هذا منه، فإنه كان يخرج من المنصورة، ويضع ثيابه عند أرباب السجن، ويغفل اليوم واليومين، ثُمَّ يرجع ويفارقهم من محل وعر لا يمكن النفوذ منه، وله صناعة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ممَّا يدل على ذلك ما اشتهر عنه أنه طلع إلى بعض جبال (ذيبين)، فوجد في بعض الكهوف امرأة تبكي، وعندها رجل رقيب عليها، فسألها عن شأنها، وما سبب بكائها؟ فأخبرته أنها امرأة محتشمة ليست من ذوات الريب، وأنه اتفق بها نحو ثمانية نفر من العتاة العصاة، فاغتصبوها نفسها، وأمروا ذلك الرجل رقيباً بحفظها، وعزموا ليأتوا بما يليق بمعصيتهم من لحم يسرقونه ونحو ذلك، فلما أطال معها الحديث، جاء ذلك الرقيب، واستنكر الخطاب، فقال القاضي المذكور له: يا مسكين، ترضى لنفسك بهذه الحال الدنيَّة، والحال العليَّة تمكنك، قال: وما هي؟ قال: أزوجك هذه المرأة تكون(2) لك خاصَّة، قال الرجل: وهذا يتم، قال: نعم، فعقد له بغير شهود، فلمَّا وصل أصحاب ذلك الرجل، لقيهم، وقال لهم: هذه صارت زوجَتي بحكم القاضي، فلا يقربها أحد، فمنعهم، ثم نزل القاضي، وعقد له عقداً جديداً، وكان يزورها كل سنة - رحمه الله - مع هذا الحلم الكبير(3) بينه وبين العلامة إبراهيم بن
__________
(1) في (أ): شجج.
(2) في (ب): وتكون.
(3) في (ب): وكان مع هذا الحلم الكبير.

مسعود الماضي ذكره وحشة، وذلك من العجائب، وقد روي أنه صلح أمرهما وتراضيا - رحمه الله -.
وتوفي بـ(الظهرين)، هجرتهم المعروفة بـ(حجَّة)، في تاسع وعشرين من رجب سنة ثماني عشرة بعد الألف، وقبره إلى جنب السيَّد الفاضل شرف الدين محمد(1) الحمزي من جهة القبلَة. ورثاه السيد العلامة علي بن صلاح العبَالي - رحمه الله تعالى - فقال:
عين جودي بدمعك الهتَّان ... واندبي ماجداً عظيم الشانِ
فاضل طلَّق الدنا وتخلَّى ... عالم عامل بكل مكانِ
لم يَدع بغية من الفضل إلاَّ ... نالها بالسباق طلق العنانِ
يا له من مبرّزٍ في علومٍ ... ما حواها سواهُ من إنسانِ
فلفقدانه ثوت بفؤادي ... لوعَة دونهَا لظى النيرانِ
آه أضحى الأنام عمياً عليهِ ... لا يرون الضيَا منَ الصنعاني
رحم الله تربة ابن سعِيدٍ ... وسقى من لديه بالأمزانِ
ويغشّى ضريحه بصلاة ... إنه كان طيب الأردَانِ
عبد الهادي بن أحمد بن صلاح [ - 1048 ه‍ ]
العلامة المتكلم شحاك الملحدين، وقرَّة عيُون الموَحِّدين، شيخ العلماء، وقدوة الراسخين، عبد الهادي بن أحمد بن صلاح بن محمَّد بن الحسن الثلاثي المعروف بالحسوسة - رحمه الله - كان منقطع القرين في علومه - حفظه الله - (2)، يُملي من صَدره ما لا تسعُه الأوراق.
قال سيدنا أحمد بن سعد الدِّين - رحمه الله -: كان هذا القاضي - رحمه الله - يحفظ مجموعات القاسم والهادي - صلوات الله عليهما - وغيرهما من الأئمة - عليهم السلام - ويمليها عن ظهر قلب غيباً بما يبهر العقول مع علوم سائر أهل الكلام، فهو أحقُ بما(3) تمثل له بما قيل في أبي الهذيل:
أطلّ أبو الهذيل على الكلامِ ... كإطلال الغمام على الأنام
__________
(1) في (ب): بن محمد.
(2) هكذا في (أ)، وفي (ب): الثلاثة ولواحقها.
(3) في (ب): من.

وكان يحفظ أحوال الناس، ولقي العلماء الفضلاء، وقرأ عليهم، ومن جملة شيوخه عبد الرحمن /22/ الحيمي، وعيسى ذعفان فيما أظنه، وعلي بن الحاج، وسيأتي ذكر عيسى ذعفان، وأما علي بن الحاج، فهو من جهة (الطويلة)، كان عارفاً، إلا أنه كان يخف في خطابه وأخلاقه، وكان بارعاً في علم الكلام، ويحمل القاضي عبد الهادي من جليل الكلام ودقيقه ما لا يشبهه فيه أحد، حتى إن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليه السلام - لمَّا اجتمع به في (ذيبين) ببيت الفقيه الفاضل محمد بن يوسف الشرعي وراجعه، وكان معه ابنه أحمد بن الهادي، وكان فاضلاً في هذا العلم، فلما افترقوا، قال الإمام: ظني أن عبد الهادي أوسع علماً من أبي الهذيل؛ لأنه اطلع على ما حصَّله أبو الهذيل وغيره، وكان مطلعاً على قواعد (البهشميَّة)، لا يند عنه منها شيء، ولا يخفى عليه شيء من أحوال أهل هذا العلم الكلامي، يحفظ قواعد أهله وأخبارهم ووفياتهم(1)، وإذا أملى(2) في ذلك، أفعم الأسماع، ومع ذلك فهو في علم آل محمد الخرِّيت الماهر عن سماع ورواية، روي أن(3) شيخنا العلامة أحمد بن سعيد بن صلاح الهبل - رحمه الله - لمَّا بلغه أن عبد الهادي - رضي الله عنه - درس في (مجموع القاسم الرسّي)، قال: هذا الكتاب ليس من كتب المعتزلة، كالمعرّض بعبد الهادي أنه لا يعرف علم الأئمَّة، فبلغ ذلك عبد الهادي، فضجر لذلك، وقال: والله إني لأعرف علم آل محمّد، وأبوه القاضي سعيد في (بدبدة)، غير متعلق بالعلم، أو كما قال. وقد كان يظن بعض الناس لكثرة حفظه لقواعد المعتزلة أنه يميل عن مذهب العترة، وهو ترجمان ذلك وحافظه.
__________
(1) ووفياتهم فراغ في (ب).
(2) في (ب): ابتلى. ولعل الصواب أملى.
(3) ليس في (ب): أن.

روي أنه ذكر بعض تلامذته شيئاً من أحواله، فنسب إليه الميل عن أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - كما تميل المعتزلة، فاتّفق أن القاضي أملى في فضائل أمير المؤمنين ما لا يعرفه إلا هو، وأطال، وأتى بكل عجيب وغريب، وكان في التلامذة الفقيه علي الشارح، وكان شيعياً كما يقال جلداً، فقام وحجل على رجله، أو نحو ذلك فرحاً بما سمع، فسألهم القاضي عن سبب ذلك فأخبروه بما قَد حصَل من الظنون في اعتقاده - رحمه الله - في أمير المؤمنين، وأنَّه نسب إليه ما ينسب إلى غيره، فبكى من ذلك، وتجرَّم من القائل - رحمه الله - وهو شيخ الشيوخ، وانقطع(1) إليه العلماء، وقرؤوا عليه، كالقاضي إبراهيم بن يحيى، والقاضي أحمد بن صالح العنسي، وآل الجربي وغيرهم، وسيّدنا شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - وكان يعطِّر المجالس بذكره، ويملي عنه غرائب، وولي القضاء بـ(صنعاء) المحروسة، فتمَّ بسعيه أمور عظيمة للإسلام بحذاقه ومهارَة، وصناعة خارقة - رضي الله عنه - وله في السيَاسة ما لا يبلغه أحد، وقصصه في ذلك مشهورة، وله أولاد نجباء، منهم علامة الزمان حافظ المذهب: المهدي بن عبد الهادي، هو على منوال والده في التحقيق والحذاقة، ومنهم: علي بن عبد الهادي من العلماء الكملة، والحسين من فضلاء الوقت - أبقاهم الله تعالى- وانتقل من (صنعاء) إلى (ثلا) في أوائل مرض موته.
ثم توفى بـ(ثلا) المحروس نصف ليلة الجمعة الثاني عشر من ذي الحجَّة، عام ثماني وأربعين وألف - أعاد الله من بركته -.
__________
(1) في (أ): انقطع.

عبد الله بن إبراهيم الفتحي (أبو شملة)
السيد العلامة المتأله، ذو الكرامات، عبد الله بن إبراهيم الديلمي الفتحي المعروف بأبي شملة - رحمه الله - قال السيِّد العلامة الهادي بن إبراهيم الصغير عند ذكره السيد عبد الله بن إبراهيم: العابد العالم، المشهور بالفضل والكرامات الشهيرة الواضحة، منها أنَّ حيَّ الإمام المنصور بالله علي بن محمد بن علي لمَّا حط على حصن (ذي مرمر)(1) وقام معه الزيدية - رضوان الله عليهم - بقلوبهم وأيديهم /23/ حتى إن ممَّا وقع في ذلك أنَّ حيَّ الإمام المهدي، والإمام علي بن المؤيَّد - رحمهم الله جميعاً ونفع بهم - تركوا المحاربة والإغارة بالمرَّة، وأعانوا بالرَّواتب، وكان السيَّد المذكور ممَّن أمدَّ بالقراءة والحظور، والرواتب(2) المستمرَّة، وملازمة الله سبحانه وتعالى، فمِمَّا رواه (الإسماعيلية) بعد خروجهم؛ لأنهم خرجوا من غير قلة من القوت والماء،(3) ولا العدد ولا العدة(4)، بل كان فيه(5) كل شيء فوق الحاجة، ومن العدد و(العدَّة)(6) شيء لا يوصف، ولا طالت عليه مدَّة الحصار، بل كانت تسعة أشهر وأيام، والمشقة بأهل (المحطة) (7) أكثر، لكثرتها واتساع الأجناد فيها، وكانت ألفاً وتسعمائة محرس من غير المحاط، في كل محرس اثنا عشر رجلاً، ولكن أعانه الله، وتظافر القلوب بالدعاء، فكانوا يذكرون - يعني هؤلاء الخارجين من الحصن - أنهم كانوا يشاهدون السيّد عبد الله يضرب أعينهم بأهداب شملته، فكان يقع معهم تغيّر في أبصارهم، وألم، وموت فاظع، وكان السيّد - رحمه الله - ملازماً في (المحطة) حتى فتح الله، وهذه من أوضح الكرامات، وأعلاها وأنفعها للمسلمين.
__________
(1) في (ب): ذمرمر.
(2) في (ب): الراتب.
(3) في (ب): والعدد.
(4) في (ب): ولا الماء.
(5) في (ب): العددفيه من كل شيء.
(6) في (ب): والعدد.
(7) الْمَحَطَّة: من قرى بني السيَّاغ في الحيمة الداخلية، بالغرب من مدينة صنعاء. معجم المقحفي 1430.

قلت: ومما يروى أنَّ المحشة (بوادي ظهر) سميت بذلك لأنها كانت فوقها صخرة هائلة قد أشرفت على السقوط، فصعد السيَّد العلامة المذكور إليها(1)، وكان أهل البلد أهموا بالانتقال، فأمرهم بالبقاء، وقرأ على الصخرة، فصارت كالجشيشة التي تجش من الحب، فوقع في كل بيت من البيوت(2) شيء من تلك الجشيشة. وللسيّد هذا - رحمه الله تعالى - (3) كرَامَات كثيرة، منها أن بعض الأروام اقتعد قبره الشريف لقضاء الحاجة استخفافاً بمقامه، فمات على ظهر القبر لوقته، ومن كراماته أنه لا يحدث بـ(صنعاء) حدث عظيم في الغالب إلا وسمع من القبر همهمَة، وقد ضُبطت في بعض الأوقات وحفظت، ورأيتها بخط مولانا المجتهد صلاح الدين صلاح بن أحمد بن المهدي المؤيَّدي - عادت بركاته - ومن المروي عنه في أمر (صنعاء) ما رواه الإمام علي بن صلاح في منامه، وهو بـ(ذمار)، أن حجارة سقطن من السماء على (صنعاء)، وأنَّ رجلاً يلتقي الحجارة إلى حِجْره، فلم يقع على صنعاء منها شيء، فقال: من هذا؟ فقيل له: هو السيّد عبد الله بن إبراهيم الديلمي، ولم يعرفه قبل ذلك، فكتب إلى والدته وإلى الفقيه علي بن يحيى العمراني، فسألهم هل في (صنعاء) أحد هذه سمته واسمه؟ فأجابوه: إن هذا السيَّد موجود من أهل الورع والعبادة والزهادة.
قلت: ولهذا سميّ - رحمه الله - حافظ (صنعاء). وتوفي بها، وقبر في التربة الطاهرة في (الأبهر).
__________
(1) زيادة في (ب): فقرأ عليها.
(2) سقط من (ب): من البيوت.
(3) سقط من (ب): رحمه الله تعالى.

101 / 182
ع
En
A+
A-