(قلت)(1): هو راوي (الأمالي) عنه - رحمه الله - قال: وسمع بـ(همذان) من أبي طاهر بن (سلمة)(2)، وبـ(أصفهان) عن أبي نعيم، و(نجران) عن أبي القاسم الزيدي وطائفة. قال السمعاني: كان أحد الفضلاء المقدمين، جمع التفسير الكبير الذي لم يُرَ في التفاسير أكبر منه، ولا أجمع للفوائد. قال محمد بن عبد الملك: ملك من الكتب ما لم يملكه أحد، قيل: ابتاعها من مصر بالخبز وقت القحط، وحدثني(3) عبد المحسن بن محمد أنه ابتاعها(4) بالأثمان الغالية، كان يبتاع من كتب (السيرافي)، وكانت أزيد من أربعين ألف مجلد، فكان أبو يوسف يشتري في كل أسبوع بمائة دينار، ويقول: قد بعت رحلي وما في يدي، وكان الرؤساء يصلونه، وقيل: قدم (بغداد) بعشرة أحمال كتب، وأكثرها بخطوط منسوبة، وعنه(5) قال: ملكت ستين تفسيراً، قال ابن عبد الملك: وأهدَى للنظام (غريب الحديث) لإبراهيم الحربي في عشر مجلدات، وشعر الكميت في ثلاث عشرة مجلدة، و(عهد القاضي عبد الجبار) بخط الصاحب إسماعيل بن عباد، كل سطر في ورقة، وله علاق من أبنوس في غلظ الأسطوانة، وأهدى له مصحفاً بخط منسوب بين سطوره القراءات بأحمر، واللغة بأخضر، والإعراب بأزرق، وهو مُذهَّب، فأعطاه النّظام ثلاثمائة دينار، وما أنصفه، لكنَّه اعتذر، قال: ما عندي مال حلال سواها. قال محمد بن عبد الملك: وكان فصيحاً، حلو الإشارة، يحفظ غرائب الحكايات والأخبار، زيدي المذهب فسر (القرآن)(6) في سبعمائة مجلد كبار.
__________
(1) في (ب): فراغ.
(2) في (ب): فراغ.
(3) في (ب): فحدثني.
(4) ليس في (ب).
(5) ليس في (ب): عنه.
(6) فراغ في (أ).
قيل: دخل الغزالي إليه وجلس بين يديه، فقال: من أنت؟ قال: من الدرسة(1) بـ(بغداد)، قال الغزالي: لو قلت: إني من (طوس) لذكر تغفيل أهل (طوس) من أنهم سألوا(2) المأمون، وتوسَّلوا(3) بقرابته عندهم، وطلبوا أن يحولَ الكعبة إلى بلدهم، وأنه جاء عن بعضهم أنه سئل عن نجمه فقال: التيس. فقيل له، فقال: كان من سنين يعرف بالجدي، والساعة قد كبر. قال أبو علي بن سكرة: أبو يوسف كان معتزلياً، داعية يقول: لم يبقَ من ينصر هذا المذهب غيري، وقد كانَ أسنَّ(4)، ويكاد أن يخفى في مجلسه، وله لسان (شاب)، ذكر (لي)(5) أن تفسيره ثلاثمائة مجلدة فيها سبعة في سورة /15/ الفاتحة، وكان عنده جزءًا من حديث أبي حاتم الرازي عن الأنصاري، فقرأت عليه بعضه عن القاضي عبد الجبار، عن رجل ، عنه، قرأته لولدَي شيخنا ابن سوار المقري، وقرأت لهما جزءاً من حديث المحاملي، وسمعه في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة (وهو ابن أربع سنين أو نحوها، وقيل: ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة)(6)، قال ابن ناصر: مات في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة(7). انتهى
عبد السلام بن ميمون البجلي
العلامة السيف المجاهد في الله تعالى، عبد السلام بن ميمون البجلي، أحد رجال الزيدية وفضلائهم، وهو من تلامذة الإمام زيد بن علي، وشهد معه الواقعة، ذكره البغدادي - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): المدرسة.
(2) في (ب): أتوا.
(3) في (ب): وتوسَّلوا الله.
(4) في (ب): وكان قد أسَنَّ.
(5) ما بين القوسين فراغ في (أ).
(6) ما بين القوسين ليس في (ب).
(7) في (أ): ثمان وأربعمائة، وهو غلط؛ لأن المشهور أنه ولد سنة ثلاث بعد تسعين وثلاثمائة.
(8) هذه الترجمة ليست في (ب).
عبدالرزاق الصنعاني(8): [126هـ - 211 ه ]
أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني، مولى حمير، قال أبو سعد السمعاني: ((قيل ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مثل ما رحلوا إليه، كانت ولادته في سنة ست وعشرين ومائة، وتوفي في شوَّال سنة إحدى عشرة ومائتين، والصنعاني - بفتح الصاد المهملة، وسكون النون، وفتح العين المهملة، بعد الألف نون - هذه النسبة إلى مدينة (صنعاء)، وهي أشهر مدن (اليمن)، وزادوا النون في النسبة إليها، وهي نسبة شاذة، كما قالوا في بهر: بهراني)). انتهى
عبد العزيز بن إسحاق
العلامة الحافظ المحدث، عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - والد الشيخ القاسم الآتي ذكره - إن شاء الله - هو شيخ العلامة أحمد بن محمد البغدادي الآبنوسي، الذي قرأ عليه الإمام أبو طالب الحسني، والبغدادي الآبنوسي المذكور شيخ أبي العباس الحسني - رحمهم الله تعالى -.
عبد العزيز بن أبي عثمان
العلامة عبد العزيز بن أبي عثمان الزيدي المعروف بالبارقي، أحد تلامذة الإمام الأعظم [زيد بن علي]، حكاه البغدادي - رحمه الله تعالى - ووصفه في ضمن وصف غيره بالعلم - رضي الله عنه -.
عبد العزيز بن محمد التميمي [ - 1016 ه ]
القاضي العلامة، صدر الحكام، عبد العزيز بن محمد بن يحيى بن بهران التميمي البصري، ثم الصعدي، العالم الكبير، كان متضلِّعاً من كل العلوم، قال شيخنا العلامة أحمد بن يحيى حابس: إنه كان يعرف جميع علوم الاجتهاد علم إتقان، لكنه لا يستنبط الأحكام، وهو شيخ الشيوخ في الحديث والتفسير، وكان من كراماته أنه في آخر عمره لا يستضيء إلا العلم، حكى تلميذه السيد داود بن الهادي - رحمه الله - أنه كان يقرأ عليه في (الذويد بصعدة)، فكان يومئذٍ ينظر في حواشي الكتاب لا يميزها إلاَّ حاد البصر، وأدرك ذلك، ثم خرجا، فأصابا جملاً يحمل فحماً أو حطباً، فقال له في ذلك، فقال مُقْسماً: ما مَيَّزْتُهُ.
وله في الفقه قدم راسخة، وهو الذي أجرى القوانين في آبار (صعدة) في المساني، وقدَّر الأجباب(1) المعروفة من الماء، وجعل المغارم تابعة للعروقين - أيضاً - مسألة (……)(2) الشارح مقالتهم على نظم محكم، وذلك أنه عرف جميع الضياع تحقيقاً، وذرع الماء على الطين، والشارح كذلك. وجرت بينه وبين السيد الناصري مناظرة في (الصحابة)(3)، فأحصره السيد؛ لأنه كان لبقاً محجاجاً، ثم إن العلامة عبد العزيز كتب شيئاً من الحجج، ومدحه ابن عمر الضمدي بقوله:
لله درك يا عبد العزيز لقد ... وضعت هذا الدوا في موضع الوجعِ
الأبيات. بعد أن كان ابن عمر منعه من المناظرة.
ومما يروَى عنه أنه تشاجر إليه بعض العتاة أهل السطوة، فلما أراد الحكم على ذلك الطاغي أشار إليه أنه سيغيَّر عليه عنبه(4) إذا حكم، فقال القاضي: أخروا الحكم، ثم طلب بعض الناس، وباع منه العنب جميعه، وطلب الخصم /16/ وحكم عليه، وقال له: العنب قد بعناه من فلان، لا تغلط - أعاد الله من بركته - توفي يوم الأربعاء ثامن رجب عام ستة عشر وألف(5) بمدينة (صعدة).
__________
(1) في (ب): الأجناب. والأجباب: جمع جُبّ: البئر. القاموس المحيط 74.
(2) بياض في (ب)، وهو مهمل في (أ).
(3) فراغ في (ب).
(4) سقط من (أ) عليه، ومعنى ذلك يحدث فساداً في في بستان عنب له.
(5) في (ب): ثامن رجب سنة عشر وألف.
عبد العزيز بن محمد النعمان الضمدي
العلامة عبد العزيز بن محمد النعمان الضمدي، قاضي القضاه عين الأوان، المتضلِّع من العلوم، شيخ المعقول والمنقول، كان من أفراد وقته، ولي القضاء بـ(تهامة) في المخلاف السليماني، ودخل (زبيد) مراراً، وولي بها القضاء، ثم تركها لأمرٍ استنكره، واستمر على القضاء ببندر (المخا) المحروس، وحمدت طريقته وعفته، فإنه كان من ذلك بمحل، وكان حليف القرآن، يؤدي تأدية تسهي الراكب(1)، وله مشايخ، وأكثر قراءته بـ(صعدة)، وكان حسن الخط، ولمَّا ضربت يده اليمنى من بعض المردة في الطريق عند العنق(2) وهو متوجِّه إلى (صعدة) للقراءة تعذرت عليه الكتابة بيمينه، فكتب بيساره، فأجاد وأحسن، وله شرح على (الخبيصي)، شرح (الكافية)، سماه (البغية)، وله (السلم) على (معيَار الأصول) للإمام المهدي، وتخريج أحاديث (الشفاء) وأجاد فيه، وأراد شرحه - أيضاً - وله عدَّة رسائل ومقاولات، وقد سبق ذكر له عند ذكر ابن جناح - رحمه الله -.
العلامة عبد العزيز بن المطلب المخزومي
العلامة عبد العزيز بن المطلب المخزومي - رحمه الله - من كبار الزيدية، ولي قضاء (المدينة)، من قبل إمام الحق المهدي لدين الله النفس الزكية محمد بن عبد الله - سلام الله عليهما -.
__________
(1) في (ب): الركب.
(2) في (ب): المعنق.
عبد القادر بن حمزة التهامي [ - 1014 ه ]
العلامة الفقيه وجيه الدين عبد القادر بن حمزة التهامي البيهي - بالياء باثنتين من أسفل بعد باء تحتية موحدة بعدها هاء - نسبة إلى (بيه) من قرى (حلي)(1)، يمر بها الحاج اليماني - كان عالماً زاهداً محققاً في الفروع، صاحب عدَّة من الكتب، انقطع إلى (اليمن)، وتزوّج، ثم انقطع إلى (البجلي)، وأقام (بعاشر) من مخلاف خولان العالية، وقرأ عليه الناس وحققوا عنه(2)، وله تلامذة أجلاء من جملتهم - فيما أحسبه - القاضي عامر، ولا أثبت ذلك يقيناً، ومنهم يقيناً والدنا القاضي العلامة علي بن أحمد بن أبي الرجال - رحمه الله - وخلق كثير، ومن شيوخه ابن راوع، وله حاشية على (الأزهار) مفيدة، وفتاوى مبوَّبة على أبواب الفقه، وكانَ من عباد الله الصَّالحين، ولمَّا دخل سنان باشا إلى بلاد (خولان العالية) مرَّ به وهو متوجّه إلى القبلة للعبادة، وقد كان أُلقِيَ إلى سنان أنه يتناول الزكوات، ويصرفها، وأنه يثبط عن الأروام، وقد كان مثل ذلك موجباً لفرار الفقيه - رحمه الله - لكنَّه لجأ إلى الله سبحانه، فلمَّا مرَّ به سنان أرسَل إليه، ثم دعا بالرسل، وقال: اتركوه، فتركوه(3).
توفي - رحمه الله - في (عاشر)، وقبر بالقبَّة التي قبر فيها القاضي عامر - رحمه الله - وأصاب التهامي آخر أيَّامه طرش قوي، وعُمِّر حتى أدرك دعوة الإمام القاسم بن محمد، وكان يقول: احملوني على قعادة أو نعش مع من تجهز للقتال حول (صنعاء) من أصحاب الإمام، (وكان من عجائبه كثرة التسعّط بالسمن(4)، يروى أنه كان يتسعط بنحو ربع رطل صنعاني، أعاد الله من بركته، وفاته في ربيع الأوَّل سنة أربع عشرة وألف)(5).
__________
(1) في (ب): اليبهي - بالباء باثنتين من أسفل عدها باء تحتية موحدة بعدها هاء - نسبة إلى بيه من قرى (حلي).
(2) سقط من (ب): عنه.
(3) سقط من (ب): فتركوه.
(4) التسعط بالسمن استنشاقه.
(5) ما بين القوسين ليس في (ب).
عبد القادر بن علي المحيرسي
القاضي العلامة عبد القادر بن علي المحيرسي، العالم الفقيه، أكثر قراءته في الفقه، ولذلك كان يقال له: حنش الفقه، وتمكن منه، وشرح (الأزهار) بشرح مبسوط، تكلم فيه على (شرح الأزهار) لابن مفتاح، وأورد فيه مسائل حسنة، وكان من المجاهدين، وأهل السبق في نكاية الأعداء، وكان شجاعاً يقود عساكر من (الحيمة)، كما كان والده - رحمه الله - فإنه كان يستقل بحرب الأمراء الكبار، واستشهد في حروب كانت بينه وبين الأمير صاحب (كوكبان)، وله علم وفضل، وكان معه هيكل، لا يمسه سوء وهو معه، وكان يمارس الحرب ولا يصيبه شيء، فاحتالوا في أخذه /17/ فأصيب، وأظنه رجع إلى وَلده، وسمعته يذكر ذلك.
وقد سأله بعض الأعيان عن سلامة مكانه في الحمى(1) عن الحريق، وقد عمَّ لم يبق إلا مكانه، وقد أطاف به الحريق. وكان مطعاماً منفقاً، صادعاً بالحق، وذكر لي القاضي العلامة الحسن بن أحمد الحيمي - رحمه الله - أنه كان له صاحب من مؤمني الجن يصلي معه جماعة.
توفي - رحمه الله - ببلدة (المحيرس) في (.........)(2)
__________
(1) في (أ): الحمأ.
(2) فراغ في (أ) و(ب).
وكان له أخ من نوادر الزمان، نبيهاً، ذكياً، أحاط بعلوم جمَّة، وتمكن من قواعد المذهب، ثم قرأ كتب الحنفيَّة، وولي القضاء للأروام بـ(صنعاء)، وقضى بمذهبهم، وكان في علوم المعقول والأدوات نسيج وحده، وكان يفتي الأروام بلغتهم، والفارسيين بلغتهم(1)، والعرب بلغتهم، وكان من أعيان الزيدية، قرأ على المفتي - رحمه الله - ثم اختلط بآخره(2)، قال لي بعض شيوخ الشافعيَّة: اختلط(3) المحيرسي بجودة ذكائه، أحرقت(4) الألمعيَّة عقله، وكان يذكر أنه المهدي المنتظر، وتارة يقول: هو الدابَّة التي تَكلم وتُكلم، وله أجوبة مسكتة، وأشعار فائقة في ضبط العلوم والأجوبات، ثم دخل (مكة) فاشتغل به العلماء هنالك، وكان مكي فروح الحنفي على جلالته يخدمه بالطهور، ثم توفي بـ(مكة) في أفراد خمسين وألف سنة.
عبد القادر بن محمد الذماري
العلامة المصنف البارع المحقق عبد القادر بن محمد بن الحسين الذماري - رحمه الله - ويقال له: الهِرَّاني، وكلا النسبتين صحيح؛ لأنه من (هرَّان ذمار)، كان عالماً عاملاً بليغاً متيقظاً، نشأ مع الإمام عزَّ الدين بن الحسن، فكان في سرعة البادرة، وجودة النادرة، يشبه السادة، فإنَّ لهم في ذلك ما ليس لغيرهم، وله إلى الإمام أشعار يستنهضه (للقيام، من ذلك ما قاله في قصيدة إلى والد الإمام - عليهما السلام - وذكر فيها الإمام يستنهضه، ومنها)(5):
فيا بحر دين الله بادر بدعوةٍ ... فكل لها من نحوكم متوقع
فإنا لنرجو أن تجاب وإنها ... تكون لها من حين يظهر موقع
ولمَّا نهض الإمام كان كاتبه، ومتولي مهمَّات كثيرة للإمام، وكان ملياً بذلك، ومن ملاطفاته مع الإمام، أنه اتفق أحدهما بالآخر في (الصعيد) من أعمال (صعدة)، وهو راكب على حمار، فقال له بديهة:
__________
(1) ليس في (ب): والفارسيين بلغتهم.
(2) بآخره فراغ في (ب).
(3) في (ب): اختلط أحمد.
(4) في (ب): أحرقت.
(5) ليس في (ب).
(أتركب في الصعَّيد على حمارِ ... وأنت من الحجاحجة الكَبارِ
فأجابه بديهة)(1) - أيضاً -:
ركبت على الحمار وليس عاراً ... فقد ركب النبي على حمارِ
ومما ذكر عنهما أنهما خرجا من (صعدة) راكبين على حمارين، فقال الإمام للفقيه يتأخر عنه؛ لأنه فضلة، فأجابه بأنه عمدة كالفاعل، وإن تأخر لفظاً، فهوَ مقدَّم رتبة. وكان العلماء منَ السَّادة - رحمهم الله تعالى - إذا استنكروا في كتاب غلطاً، قالوا: يكشط بمكشطة عبد القادر، يلمحون إلى ما كان يقوله، إذا لقي غلطاً عند أحد الطلبة، فإنه كان يقول: اكشط هذا الغلط بحافر بغلتي. وله عجائب حسنة، وكان سريع الإنشاء للكتابة والشعر، ومن ملح مكاتباته إلى الإمام، ما روي أن الإمام لمَّا طاف البلاد كما وصفه في القصيدة الدالية، وصل إلى (الهان) في بلاد (آنس) فتلقاه جميع أهلها بالإكرام، وأمر إليه القضاة الجلة آل عقبة السَّاكنون بـ(هجرة الأريم)، وسط جهة (بني خالد)، بضيافات سنيَّة هنيَّة، واستأذن خواص الإمام لأنفسهم أن يبقوا عند القضاة المذكورين، فأذن لهم، فأقام عندهم هذا العلامة، ويحيى بن محمد بن صالح بن حنش، والقاضي الزعيم محمد المنقدي وغيرهم، ثم كتب العلامة عبد القادر إلى الإمام هذا الكتاب /18/.
يا حبَّذا اللَّيلة مرَّت لنَا ... في هجرة الشمِّ بني عقبة
رعياً لها من بلدة ما(2) مضَى ... مِثْل لها في هذه الغربَة
وحبَّذا (الأريم) من بلدة ... صحيحَة الأهواء والتربَة
وَاهاً لهَا واهاً لها إنَّها ... من جنة الخلد لها نسبة
قصورها حفَّت بجنَّاتها ... تجري بها أنهارها العذبَة
وجوَّها منحرف واسع ... للقلب في السكنى بها رغبَة
طابت بها أنفسنا وانجلت ... عنها غمام الغم والكربة
خيَّم فيها عصبة دَأْبُهم ... أن يُكْرموا الأضياف في (اللزبة)
سقَى فروَّى مصلحاً هامِع ... من الحيا أفياءها الرحبة
__________
(1) ما بين القوسين ليس في (ب).
(2) في (ب): قد.
فيا أمير المؤمنين الذي ... له سمت فوق السُّهى رتبة
ائذن لنا في اللبث يومين في ... أوطانهم أيتها العصبة
وابسط لنا العذر وإن لم يكن ... فراقكم من مقتضى الصحبة
لا زال مَلْك العصر في نعمةٍ ... ولا رأى في دهره نكبة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه، سلام ساطع نُورُه، متضاحك نَورُه(1)، أعذب من بارد سلسبيل أمواه الأنهار، وأطيب من ترشاف سلاف أفواه الأبكار، وأعبق من شميم الزهور الندية، وألذّ من تقبيل صدور الخرائد الورديَّة، ورحمة الله المتفجرة عيُونها، المثمرة شؤونها، وبركاته الواسعة الأفياء، الكافلة ببلوغ المنى على مولانا أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق المبين، عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين، أمَّا بعد: فإنا لمَّا سرنا من المخيَّم المنصور، والمقام المحجوج المزور، وصلنا إلى هجرة لا يحصرها المقال، ولا يبلغ إلى كنهها تصوُّر الخيال، جمعت غرائب العجائب، وعجائب الغرائب، وتعرَّت عن المساوي والشوائب(2)، وحميت عن سطوات المحن والنوائب، رياضها مفترة، وغياضها مخضرَّة، وأنهارها متدفقة، وأحوالها منتظمة متسقة، طيبة المثوى والمستقر، أنيقة المرأى والمنظر، فهي تنشد بلسان حالها مطربة، متبجحة ببديع مقالها معجبة:
أنا خير الأرض مالي ... شعب بوَّان يداني
لا ولا الغوطة مثلي ... أنا من بعض الجنانِ
فعيوني جارياتٌ ... كل حين وأوانِ
وقطوفي دانياتٌ ... يجتنيها كل جانِ
جانبي أضحى منيعاً ... فحلولي في أمانِ
كل من حلَّ بربعي ... فلقد نال الأماني
__________
(1) نَوْرُه: زَهْرُهُ. القاموس المحيط 454.
(2) في (ب): المشائب.