وممن شهد بإمامته والتزم أحكامها الفقيهان الفاضلان العالمان العاملان محيي الدين يحيى بن محمد، وتقي الدين علي بن سلامة الصريميان، وعلى الجملة فإنه لم يبق عالم مشهور ولا فاضل مذكور حتى بايعه وأظهر اعتقاد إمامته قولاً واحداً، وذلك مما لاخلاف فيه إلا نحو شخصين أو ثلاثة منهم الشريف السليماني إدريس بن محمد فإنه روي عنه كلام لا ندري بصحته، وربما أنه صور له صوت على بعد داره وقلة خبرته، فإن صح قوله فهو محجوج بإجماع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك رجلان ممن اتبع هواه وإن كانا ممن لا يعتد بهما ولا يقتدى بقولهما.
فأما سائر الزيدية في ديار اليمن فأجمعوا على صحة إمامته، وتولى أكثرهم التصرف والقضاء {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}(1).
وممن شهد بإمامته وبايع الشريف العالم الفاضل المطهر بن يحيى بن المرتضى، والفقهاء الأطهار العلماء الأبرار بهجرة ذيبين حرسها الله منهم الفقيهان العالمان الورعان الفقيه العالم إمام الشرع محمد بن أبي الرجال، وتولى القضاء منه، والفقيه العالم عمدة المتكلمين سليمان بن أحمد بن أبي الرجال وتولى القضاء منه، والفقيه العالم الزاهد بقية الأخيار عبد الله وغيرهم من أهل الهجرة.
وممن شهد بإمامته وبايع وشايع وقاتل في سبيل الله الفقيه التقي العالم اللوذعي الحسن بن أبي الفتح بن أبي القاسم بن أبي عمرو، وابن عمه إبراهيم بن أبي المحاسن بن إبراهيم.
وممن شهد بالإمامة والتزم أحكامها الفقيهان العالمان يحيى بن علي الفتوحي، والفقيه العلاّمة أحمد بن محمد بن سليمان بن ناصر.
وممن التزم أحكام الإمامة وبايع وشايع وتابع وتصرف فقهاء الجهات المقرانية واليمانية منهم أولاً: القاضي جعفر وإن كان آخر من نكص على عقبيه، والفقيه العلاّمة الورع العفيف بن يحيى، والقاضي الأجل منصور الريعاني، والقاضي الأجل علي بن منصور بن سيف، ووالده الحسن، وعمران بن علي بن منصور بن سيف.

وفي بلاد خولان وغيرها القاضي يحيى بن علي بن عبيد، وأخوه، والقضاة الفضلاء زيد بن علي وإخوته في هجرة كل.
وممن شهد وبايع القاضي الطاهر عواض بن محمد الطامي، وتولى القضاء، ومنهم القاضي اللسان العالم يوسف بن علي اليامي.
ومن صنعاء ونواحيها الفقيه الفاضل العالم الكامل عماد الدين حواري أمير المؤمنين يحيى بن مسعود النداف.
وممن شهد بالإمامة من بلاد بني حشيش السيد العالم محمد بن الحسن الحسني، ومن مخلاف علي بن سعد معوضة الضميمي، وحميد بن قائد وإخوته ووالده، والقضاة الفضلاء بنو سواد منهم: الفقيه أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم وإخوته بهجرة يسنم وأولاد عمه أولاد جعفر الشريف بن جعفر وأحمد بن جعفر، ومنهم الفقيه محمد بن أسعد صاحب هجرة المعينة في فرغان، والفقهاء الأجلاء أولاد أبي القاسم [26ب-أ]في هجرة أجرعة.
ومن بلاد يحصب الفقهاء الأجلاء العلماء أولاد سليمان بن ناصر، والحسن بن علي بن ناصر، والفقيه محمد بن علي بن حراب وأخوه بهجرة المعزمة في بلاد بني مسلم.
ومن جهات (مقرا) ونواحيها في بلاد عبيدة الفقهاء الفضلاء: يزيد ويحيى وغيرهم في مخلاف الحجبة.
وفي عاثين ونواحيها الفقيه علي بن أسعد وإخوته، والفقهاء أهل هجرة شوحط وهم كثير عددهم ظاهر فضلهم.
ومن مخلاف هداد إلى جبل الشرق الفقيه العالم محمد بن سعيد الشظفي والفقيه الفاضل عيسى بن أسعد بن عمر.

ومن هجرة مقشع والفقيه العالم محمد بن علي الساح في بلد آنس وأهل الهجرة في (خاو) وهم مشهورون ظهر منهم التزام الأحكام واعتقاد إمامة الإمام عليه السلام، وبلغ العلم في سنة خمس وخمسين وستمائة ومكاتبات وصلت من العراق الأقصى من جهات الجيل والديلم أن علماء أهل تلك النواحي من الزيدية مع شدة بحثهم وشكوكهم دخلوا في إمامته عليه السلام مع بصيرة ثاقبة، وكذلك علماء الحجاز من الزيدية بمكة حرسها الله تعالى والصفراء وينبع ونواحي الأشراف السادة، وكذلك علماء الزيدية بحلي وغيرها ما علم من أحد منهم خلاف الدخول في الإمامة، وليس كل من عيّناه باسمه دلالة على نفي من عداه، بل كل جهة من جهات من ذكرها لما دخل علماؤها دخل بسببهم خلق لا ينحصرون عدداً ولا يحاط بهم وصفاً من الحجاز إلى أقصى اليمن، وفي بلاد الأعاجم فقد صار بحمد الله سبحانه طريق إمامته بالإجماع الذي لم يقابل بدفاع ولا تمجه الأ سماع، فمن زعم غير ذلك فقد ضل عن سواء السبيل وأعلن بمكابرة الدليل.
(فصل)
ومما قال بعض العلماء لما استقرت قواعد إمامته عليه السلام:
يا أيها الملك الخليفة والرضى
إن الخلافة وطأت أكتافها
واستوسقت لك طائعاً مغتاصها
فانزل على قمم الملوك أو ارتفق
أنت ابن من بلغ السماء وطافها
وابن الذي أخذ الكتاب منزلاً
وابن الذي شهد الزبور بفضله
أنت ابن خيرهم ونفسك خيرهم
أنت الذي ختم الأئمة آخراً ... من آل حيدرة الفتى المأمولا
وألت لديك مخيماً ومقيلا
وكستك من شرف العلا إكليلا
فوق السماء فقد وجدت سبيلا
وابن الذي ركب البراق ذلولا
ذكراً وساير في السماء جبريلا
واستشهد التوراة والإنجيلا
وكفى الفروع على الأصول دليلا
وأبوك بعد الأنبياء رسولا

وهؤلاء الذين عرض عند التعليق تعيينهم من العلماء والأخيار، وربما أن من لم نذكره لنسيان طرأ في الدرجة العليا والمنزلة الرفيعة القصوى في العلم ممن شهد بإمامته وبايع وشايع، فأما سائر الناس ممن تابعه وشايعه وشاهد بين يديه فهم السواد الأعظم، ولقد كان يصلي خلفه في بعض من الزمان قريباً من العشرة الآلاف، ولقد عددت في جبانة ثلاء يوماً من الأيام وقد اصطف الناس لصلاة الجمعة نيفاً وثلاثين صفاً فعددت صفاً أو صفين وهم يزيدون على المائة من صفوف شتى، ولعل في الميمنة إلى الميسرة أكثر من ذلك.
(فصل )
ولنرجع إلى تمام قصة السبب الداعي إلى القيام، فلما بلغ ما ذكرناه من الخصال الشريفة ودعته الأمة إلى نصرة الدين في مجاهدة الظالمين، وكان ممن بذل له النصرة والجد السيد المخلص شجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم الحسني العلوي، والشيخ الكبير فخر العرب منصور بن محمد الحميري، وبذل كل واحد منهما ما في يده من الحصون والأموال تعين عليه القيام والإجابة إلى نصرة الإسلام وإحياء دين آبائه الكرام.
(فصل)

فلما عزم على القيام أمر الشريف الأجل أحمد بن محمد بن حاتم والشيخ المذكور جماعة من أصحابهما، وانتهز الفرصة ونهض من منزله من ذيبين على خفية من أكثر الناس إلى وقت النهوض، فسار معه من الشرفاء الأجلاء الأنصار آل يحيى بن حمزة بن أبي هاشم، والأمراء آل سليمان بن موسى آل علي بن حمزة بن أبي هاشم عدة من وجوههم وفتيانهم، وكان عدة من سار معه من الشرفاء الأجلاء آل يحيى بن حمزة والأمراء الكبراء آل سليمان بن موسى من عيال علي بن حمزة بن أبي هاشم في نيف وخمسين رجلاً من جيرانهم وأخدامهم، وكان هؤلاء الشرفاء ممن عظم شأنه أولاً وجاوره من سنة خمس وثلاثين وستمائة فاختص بهم من دون أهله وحل بينهم، وأنكح أخته الشريف يحيى بن القاسم، ونكح ابنتي الشريف الأمير الكبير الحسين بن القاسم الحمزي واحدة فماتت عنده، ونكح الأخرى وماتت عنده، وأقام عندهم إلى وقت قيامه إحدى عشر سنة أو نحو ذلك، وكانوا بطانته وخاصته وأحب الناس إليه، وهو أحب الناس إليهم، وقبل قيامه بسنة أو نحو ذلك أيضاً استدعاه الشرفاء الأجلاء آل أحمد بن جعفر ببراقش، فسار إليهم في جماعة من شيعته فتلقوه بالإنصاف والتعظيم، ونكح فيهم ابنة الشريف الأجل محمد بن فلسة بن سناء القاسمي وهو من عيونهم ووجوههم ووعده بالنصرة بأنفسهم وأموالهم، وكذلك من كان لهم حليفاً من نهم وغيرها، وكانت له فضائل عندهم تبهر من سمع بها، وتعيين من تقدم من الشرفاء الأمراء الكبراء محمد بن سليمان بن موسى بن داود بن علي بن حمزة، وأخوه علي بن سليمان بن موسى، والشريف الأجل جعفر بن تورات بن القاسم بن محمد بن القاسم بن يحيى بن حمزة، وعلي بن القاسم بن محمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن يحيى بن حمزة، ومحمد بن القاسم بن يحيى بن القاسم بن يحيى بن حمزة، ويحيى بن علي بن حمزة، وأحمد بن محمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن يحيى بن حمزة، ولم يكن معه من أهله وأقاربه إلا الشريف الأمير أحمد بن القاسم بن

جعفر بن الحسين بن أبي البركات بن الحسين بن أبي البركات بن الحسين بن يحيى بن علي بن القاسم بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله، فأخذوا ليلتهم وهي ليلة السبت الثاني عشر من شهر صفر سنة ست وأربعين وستمائة فأصبحوا في موضع في أعلى البون يقال له (صليت)، ثم تقدموا فلقيهم المشائخ الأجلاء بنو وهيب إلى نجر، تقدمهم الشيخ المكين عمرو بن علي الوهيبي في إخوته وأولاده، فرحب بهم وأكرمهم وأحسن ضيافتهم، ولم يلبثوا أن دخلوا وادي يعود فتلقاهم أهل ثلاء أرسالاً، وكل من لقيه قبل كفه وحمد الله على قدومه، ودعوه باسم الإمامة من ساعته قبل أن ينشر دعوته، ولم تزل العصب من ثلاء عصبة بعد أخرى حتى اجتمع إليه عسكر، ودخل ثلاء في موكب فتلقاهم الشيخ الكبير سيف الدين منصور بن محمد الحميري وأولاده وبنو عمه، ونزلوا في الدار المشهور بمدينة ثلاء، وأحسن كرامته وكرامة أصحابه، وبلغ في إنصافهم الغاية، ووصل أهل تلك النواحي القريبة، فلما كان اليوم الثاني وهو يوم الأحد الثالث عشر من صفر اجتمع إليه المشائخ الأجلاء آل منصور بن جعفر وعرضوا عليه نفوسهم وحصونهم وبذلوا النصرة من نفوسهم، والقيام والجهاد في سبيل الله، فحينئذ تعين عليه القيام بأمر أهل الإسلام لتكامل الخصال ووجود الناصر ووجوب الحجة، فدعاهم من ساعته بعد صلاة الظهر إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والأمر بالمعروف الأكبر والنهي عن المنكر، ومنابذة الظالمين وجهاد الكافرين والإنتصاف للمظلومين من الظالمين، فلبوا دعوته وأطاعوا أمره، وبذلوا له الأموال والأرواح، وسابقوا إلى بيعته بعد أن علموا بأقوال عيون العلماء وشهادتهم بتكامل الخصال فيه.
(فصل في بيعته)

قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: قد ذكرنا تأريخ الدعوة والسبب الموجب للقيام إلى وقت الدعوة، فلما دعا إلى ماذكرنا أجاب من حضر دعوته وسمعوا كلمته وامتثلوا أمره، وأمرهم بالبيعة اقتداء بسلفه الطاهرين وآبائه الأكرمين؛ إذ كان طريق الإمامة عندهم ليس إلا الدعوة، وربما يقولون أن العقد والاختيار بدعة، فأول من بايعه الشيخ الكبير منصور بن محمد بن منصور الحميري، ثم الفقيه الزاهد المعلى بن عبدالله الضميمي ثم القيسي رحمة الله عليه، ثم أقارب الشيخ الكبير على مراتبهم وأولاده، ثم الشرفاء الأمراء الكرام الذين نهضوا معه من ذيبين، ثم من كان معهم من شيعتهم وأخدامهم، ثم أهل مدينة ثلاء، ثم أهل النواحي القريبة، ثم كتب الدعوة وأمر، وامتدت البيعة إلى الأقطار.
وهذه صورة بيعته يقول لمن بايعه: هذه ذمة الله ورسوله وعهد الله وميثاقه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله معنا، وموالاة ولينا ومعاداة عدونا، والنصيحه لنا في السر والعلانيه، فإذا قال الذي بايعه نعم قال: الله على ما نقول وكيل، أو كما كان يقول الشريف السيد شرف الدين رضي الله عنه: لقد رأيت قوماً ممن يبايعه من أهل النخوة والسلطان عند أن يضع يده المباركة على أيديهم يرتعدون حتى نظن أن بهم علة من الرعد، وذلك من جلال هيبته صلوات الله عليه.
ولما سمع الناس بالدعوة انثالوا عليه من كل جانب، ولقد رأيت في تلك الأيام كتاباً له إلى بعض أصحابه يحكي له ما رأى من تهادر الناس عليه وهو يقول متمثلاً بقول أبيه على عليه السلام: ينثالون من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي.
(فصل )
وهذه نسخة دعوته العامة التي نشرها إلى الأقطار أولها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

من عبد الله المهدي لدين الله أمير المؤمنين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كتابي هذا إلى من بلغه من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
أما بعد:
فإني أحمد الله اليكم الذي لا إله إلاهو على درور نعمه، ووفور قسمه، وسبوغ كرمه، أحمده والحمد من عطاياه الوافرة، وأومن به والإيمان من أياديه الغامرة، التي فاتت التعداد، وطبقت الأغوار والأنجاد، فليس يشكره شاكر إلا بإيزاعه، ولا يذكره ذاكر إلا باصطناعه، ولا يمنعه كفر من أن يجود عليه، ولا تؤثر مسألة السائل في سعة ما لديه.
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة يسعد تاليها، ولا يخيب راجيها، يعدها ليوم معاده، ويصيب بها سنن رشاده.
وأشهد أن محمداً نبيه الذي اجتباه من أشرف المناصب، وصفيه الذي اصطفاه من خلاصة الشرف الثاقب، صلى الله عليه وآله وسلم صلاة تصحب الدوام، ولا تخلق على مر الأيام، وعلى آله حماة سرح الدين وأعضاد الحق المبين، حبل الله المتين وعدل الكتاب المستبين، الذي قال فيهم رب العالمين: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}(1) وقال وهو أصدق القائلين: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}(2) وقال فيهم جدهم الصادق الأمين: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)) (3)وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).
أيها الناس إني أذكركم بالله وأحذركم الدنيا التي غرت آباءكم الماضيين، وتزينت بهجتها في عيون المغترين، أنسوا بها فغرتهم، وركنوا إليها فخدعتهم، ووثقوا بها فصرعتهم، فكأنهم لم يكونوا للدنيا عماراً، وكأن الآخرة لم تكن لهم داراً.

أيها الناس، اعلموا أنه لا بد من سؤالكم عن أعماركم فيم أبليتموها، وعن أموالكم فيم أنفقتموها، فلا تغركم الأهواء الكاذبة، ولا تصدقنكم الظنون الخائنة، واحذروا أن يلهيكم ترادف النعم عن تذكر النقم، وطمأنينة السلامة عن بغتة يوم القيامة، أخذ الله بأيديكم إلى مراشد الأمور، ورزقنا وإياكم التحري ليوم النشور.
عباد الله اعلموا أني لما رأيت الدين قد تنكرت رسومه، وجهل معلومه، وعدم ناصره وقل مؤازه، وأهل الدين الحنيف استضعفوا في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، وأموال الله تؤخذ من غير وجهها، وتصرف في غير أهلها، وعطلت الحدود، ونقضت العهود، ورأيت سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أنكرت وغيرت، وآثار الماضي قد جددت وعمرت، وقل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وأهل البيت عليهما السلام مقهورون عن إرثهم، قد حالوا عن مساربهم، ومنعوا عن بلوغ مآربهم من إحياء السنة وإماتة البدعة، واشتدت أركان الظلم، وقويت أسباب الباطل بتغلب الظلمة، واستيلاء الأئمة الذين لايرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وأولئك هم المعتدون، وسفك الدماء، واستباحة الحمى، ونقص الأفاضل، وأكل أموال الناس بالباطل {إن الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا}(1) لا يردعهم عن اقتراف الفواحش الحياء، ولا يزعهم عن فعل المعصية التقوى، قد نسوا الوعيد عليها، ونبذوا وراء ظهورهم الزجر الوارد فيها، لم أ جد لنفسي عذراً إن قعدت، ولاحجة في الترك عن النكير إن تركت؛ لوجود من بذل النصرة ودعا إلى المعونة من سادات العترة، ووجوه الشيعة، وقمت أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين.

أيها الناس أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الرضي من آل محمد عليهم السلام، وإلى جهاد الظالمين ومنابذة المبطلين، ومعاداة أعداء الله المخلين، على أن لي ما لكم وعليّ ما عليكم إلا ما اختصني الله به من ولاية أمركم، والنظر في مصالحكم {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم(1) ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين} و{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}. {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول}.
أيها الناس بادروا إلى إجابة الدعوة، والالتزام بالنصرة فقد قال تعالى: {انفروا خفاقاً وثقالاً وجاهدوا بأمالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}(2).
ولا تخلدوا إلى الدنيا وتميلون إلى بهجتها وريق زهرتها، واتباع من أخذت بقلبه وعلقت بلبه، فإنها عما قليل يذهب مقبلها ويولي على كره من أهلها طيبها، والآخرة خير لمن اتقى أفلا تعقلون، {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}(3) {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}.

9 / 56
ع
En
A+
A-