أيها المسلمون تأملوا لما جعله الله لكم هدى ونوراً: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم، وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً} استنصرهم حسن بن وهاس بزعمه على المسلمين وأغراهم بحربهم بيقين، وطلب بذلك استظهاره على المسلمين، واستعلاه على الموحدين، ونفاذ أمره على المهتدين كأنه لم يسمع قول رب العالمين: { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً}.
والآن فقد وضح الصبح لذي عينين أن يشك في حسن بن وهاس وأتباعه مثل هذا الحال شاك أروني ما حول من المظالم، وغير من المآثم، وشيد من أساس التقوى والمعالم أليس هو في هذا الزمان إذا وقع ظهور لأعداء الله الكافرين كتب بزعمه إلى أتباعه: نصر من الله وفتح قريب، مبشراً بظهورهم على هذه الديار، مفتخراً بقوة الأشرار، كيف يفرح بعلوا أهل الفجور، وشربة الخمور، وركبة الذكور الذين يحملون النساء الفاجرات اللواتي على البغاء عاكفات على الطهر ويبذ لون لهن الوافر من الأجر، ويتلذذون بالطنابر والربابات، ويفاضلون بين الألحان [175-أ]والنغمات، فأصبحوا لهم مظاهرين بما يقع عليهم من العلو مسرورين: {كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم، وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}.

ومن عجائب ابن وهاس أنه يفتخر في محاضره ومجالسه بأن يقول: لولا أنا ما طلع هذا السلطان، ولا تمكن من هذا الشأن، وأتاه جماعة من مشائخ البلاد وتألموا من طلوع هذا الطاغية الملعون فأجابهم بأني درجته لذلك كما تدرج السفرجلة على البساط اطرحوا حكم الكتاب، وفارقوا نصوص الأئمة أولي الألباب، ورهنوا أنفسهم عند أولي الإرتياب في تافه من المال سريع الذهاب: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} قال الله تعالى: {وما الله بغافل عما تعملون}.

هذه مقدمة فاحفظوها، وقاعدة فلا تطرحوها، وفيها ما ينفع الجواد، ويبطل أهل الفساد، ثم إن الله تعالى قد أمركم بجهاد الكافرين والظالمين، فقال تعالى: {واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحذروهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} وقال عز قائلاً: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين} وقال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذين بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التآئبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} قال تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة} قوله تعالى: {من تحتها الأنهار} أي تحت أشجارها وأبنيتها الأنهار {خالدين} دائمين، {ومساكن طيبة} يريد قصور الزبرجد والدر والياقوت يفوح طيبها من مسير خمسمائة عام مثل قصر من لؤلؤة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء في كل بيت سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون علىكل فراش زوجة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام في كل بيت سبعون وصيفة، ويعطى المؤمن في كل غداة ما يأتي على جميع ذلك.

أيها الناس إن الجهاد بقصد الكافرين إلى ديارهم وإن خالف فيه مخالف فإن علماء العترة الكرام وجماهير سائر غيرهم من علماء الإسلام قد فغر فاه وأباح ديار المسلمين وأخرب معاقل المسلمين فادفعوا عن بلاد الإسلام، وبادروا إلى ما ألزمكم الله تعالى من القيام وعاجل التشمير والاهتمام، قال الله ذو الجلال والإكرام: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين[175-أ] واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل} وقال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} والفتنة هي الكفر فاعرفوه ولا تجهلوه، والظلم حاصل منهم فأزيلوه إن الله تعالى لم يترك الأمر للعباد لما ألزم، وفرض من الجهاد ليظهر معلومه من جهاد المجاهدين ...... على جهادهم، وترك المعرضين والمدهنين للجهاد فيعاقبهم على فسادهم، فإذا علم المجاهد مجاهداً، والتارك له تاركاً كافأهم بما يستحقون، قال الله تعالى: { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما يعملون}.

عباد الله هل تنظرون إلى عساكر آل وهاس وخرجوهم لنصرة هؤلاء الناس فلم لا تجاهدون، وفي دينكم تشددون، وعن بلاد المسلمين تحمون، أفبدعوة حسن بن وهاس تغترون بعد قتله للمهدي كما تعلمون ونصره لأهل الكفر كما لا تجهلون: {أو كالذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل الذين كفروا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} إن الله يجعل لعالم السوء علماً وشعاراً فجعله كمثل الحمار يحمل أسفاراً استظهره نقلها، ولم ينتفع بحملها، لا يهولنكم موافقة الكتاب في الحكم على أهل الضلالة والارتياب فليس في دين الله تعالى محاباة ولا هوادة ولا ميل {يريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} لن ينتفع حسن بن وهاس بما يتلو من القرآن، وما ينتحله من الإتيان بقوانين الإيمان تصديقاً لما نزل به القرآن في قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يستكبرون في الأرض بغير الحق} {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً} لأنه أبصر إلى الدنيا وزينتها فران حبها على قلبه فطمس الله لأجل ذلك أنوار لبه فصار يفتخر بأنه أطلع السلطان لحرب المسلمين، ولولا هو لم يقدر على الطلوع هكذا رواه لنا من سمعه من الثقات، وهذا هو المجارة بما لا يجوز. فالله المستعان.
أيها المسلمون إنا ندعوكم إلى الجهاد، وإرغام أنوف أهل الفساد: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}.

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسها النار، ثلاث أعين لا تمسها النار: عين فقئت في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين باتت[175-ب] تحرس في سبيل الله، لمقام أحدكم في الصف ساعة أفضل من عبادة ستين سنة)).
أيها المسلمون لا تشتغلوا بالنظر في شهوات الزوجات والأبناء، ولا تحفلوا بالإقبال على أرحامكم والأقرباء، ولا بإصلاح أموالكم المفترقة، ولا ببيع تجارتكم المختلفة لما تخشون من كسادها وبوارها إن لم تبادروا ببيعها من طلابها فلا تنظروا إلى مساكنكم المرضية، ومنازلكم المبنية، واسمعوا قول الله حيث يقول: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((الجهاد سنام الدين)) وسنام الجزور أعلاها بيقين، {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} فرساناً ورجالاً.
{ياأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم الله عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير}.
عباد الله إنهم يخشونكم كما تخشونهم، ويخافونكم كما تخافونهم، فلا يجتمعوا في باطلهم وتفترقوا في حقكم، {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيماً}.

أيها المسلمون إني أدعوكم إلى التجارة الرابحة، والبيعة الصالحة: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} فانظروا كيف وعدنا الله في آي كثيرة من القرآن بأنه يغفر لنا ذنوبنا إذا فعلنا سائر الطاعات فلما جبنا هذه الطاعة التي هي الجهاد ووعدنا ووعده حتم لا خلف فيه وصدق لا كذب يعتريه بأنه يغفر ذنوبنا في مقابلة الجهاد فبادروا رحمكم الله إلى ما يغفر الله فيه جميع الذنوب، ويشرح به الصدور، وينور به القلوب، ولا تنظروا إلى الدنيا وزينتها ونضارتها وبهجتها فإن حلالها حساب وحرامها عقاب، وهي إلى نفاذ وذهاب، قال الله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الله الآيات لقوم يتفكرون} من نظر إلى الدنيا أعمته، ومن أبصر بها بصرته، ومن ركن إليها صرعته، فلا تغتروا بإقبال هذا السلطان وترجون عنده الحظوة والمكان، فإن الله سيدمره وأعوانه كما فعل[176-أ] بثمود، وعاد، وفرعون ذي الأوتاد، وغيرهم من أرباب الجبروتية والفساد، ثم إن الله بجمعهم بالمرصاد، ولم تمنعهم حصونهم من رب العباد، ولم تدفع منهم الجيوش والأجناد قال الله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد}ولا تنظروا إلى من والاهم ممن يدعي الثبات والسداد، والولاية علىجميع العباد، لا تختلفوا فقد وضح الأمر لمرتاد الرشاد، وزال الشك عنه في الإصدار والإيراد، ولا تنقسموا فريقين وقد نصب الله على البيان دليلاً

{فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً ودو لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً} وقد علمتم أنهم ما هاجروا بل والوا الكفار ونصروهم وأعانوهم على المسلمين وظاهروهم وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون هأنتم هؤلاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور} فاتقوالله حق تقاته، وبادروا إلى مرضاته، ولا تفرقوا في دينكم بعد وضوح بيانه، فإن الله تعالى يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}.

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: ((أي عرى الإسلام أوثق؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: المولاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله تعالى))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لو أن عبداً أقام ليله وصام نهاره وأنفق ماله في سبيل الله حلقاً حلقاً وعبد الله بين الركن والمقام حتى يذبح بينهما مظلوماً لما صعد منها إلى الله من علمه وزن ذرة حتى يظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعداء الله)) فانظروا أيها المسلمون هل الفرقة الوهاسية موالية لأولياء الله كما ألزمه الرسول، والعداوة لأعداء الله كما ورد به الشرع المنقول أو لا؟ كلا بل قد علمتم أنهم صاروا للكفار ناصرين، ومواليين ومظاهرين، قال الله تعالى:{والمنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون}.
فانظروا في هذه الفرقة فإنها قد نهت عن المعروف، وهو المحاربة لهؤلاء الكفار، وأمرت بالمنكر وهو الخروج إلى نصرتهم أو القيام بالإعلاء من خدمة سلطانهم، وقبضوا أيديهم عن محاربته، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً}.
وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة }.
هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب كتاباً إلى قريش ينذرهم بقدوم المسلمين إليهم فكيف بمن كتب إليهم ثم عاد الكتائب ودعى إلى ذلك كل حليف وصاحب، وكثر سواد كل عدو للمسلمين ومحارب، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كثر سواد قوم فهو منهم)).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سود علينا فقد شرك في دمائنا)).
قال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام: (التسويد هو التكثير بالنفس والمال).

واعلموا أن الذين يتخلفون عن الجهاد من غير عذر شرعي عن الإيمان خارجون، وفي سبيل الغي سالكون، وأن الله تعالى قد ذم المتخلفين في كتابه المبين كما هو معلوم، وكان أكثر من يتخلف عنه من المنافقين: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم}.
وهم: كعب بن مالك، وابن الربيع، وهلال بن أمية، كلهم من الأنصار، وكان جملة المتخلفين عنه صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الغزوة بضعاً وثمانين فأما هؤلاء الثلاثة فكان من خبرهم ما هو ظاهر لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الغزوة، وهي عزوة تبوك جاء المعذرون وهم يعتذرون بأعذار باطلة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلها منهم، ويقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله، فلما أتاه كعب سأله عن سبب تخلفه فصدقه، وأعلمه أنه وقف لغير عذر وكذلك صاحباه، فأمر المسلمين بترك الكلام مع الثلاثة فما بقي أحد يكلمهم، فلما مضى أربعون ليلة أمر كعباً باعتزال زوجته فقال: أطلقها؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا بل اعتزلها، فجاءت امرأة هلال فقالت: يا رسول الله صلى الله عليك، إن هلالاً شيخ ضعيف فهل تأذن لي أن أخدمه؟ قال: نعم، ولكن لا يقربنك قالت: يا رسول الله فإنه ما به حركة لشيء ما زال مكباً الليل يبكي مذ كان من أمره ما كان، قال كعب: فلما طال عليّ البلاء اقتحمت على ابن عمي أبي قتادة حائطه فسلمت عليه فلم يرد علي سلاماً فقلت: أنشدك الله أتعلم أني أحب الله ورسوله فسكت حتى قلت ثلاثاً فقال أبو قتاده: الله ورسوله أعلم، فلم أملك نفسي أن بكيت، ثم اقتحمت من الحايط خارجاً، وربطوا أنفسهم في سواري المسجد حتى نزلت الآية، وهي قوله تعالى: {وعلىالثلاثة الذين خلفوا...} إلىقوله تعالى: {إن الله هو التواب الرحيم}.

55 / 56
ع
En
A+
A-