ولما كانت الإمامة الغرض بها تنفيذ الأحكام المنوطة بالإمام، وكان من شروط صحتها اجتماع خصال معروفة عند أهل الإسلام ثم الاستقامة على تلك الخصال ليحرز الفضل على الكمال قال الله تعالى ذو الجلال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فلا بد مع الإيمان[171-ب] من الاستقامة وإلا كان حظ غير المستقيم من الله تعالى يوم القيامة العذاب الدائم والندامة، فإن الإيمان في عشرة أشياء: المعرفة، والطاعة، والعلم، والعمل، والورع، والاجتهاد، والصبر، واليقين، والرضا، والتسليم فأيها فقده صاحبه بطل نظامه، وإذا ثبت ما ذكرناه فاعلموا أنه يجب معرفة حال الداعي إلى الإمامة، والمنتصب للزعامة، ولا يجوز في ذلك لأحد بالتقليد عند من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية))، وذلك أن يعرفه كاملاً فيعينه وينصره، ويواليه ويوازره، أو يعرفه ناقصاً فيخذله، ويدحض ما ادعاه ويبطله، وقد هدى الله تعالى جميع خلقه قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فقد هداهم بما أوضحه من البيان والدلالات وأظهره من الحجج والبيانات، ونصبه من الأعلام المبصرات، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ثم أيها المسلمون ندعوكم إلى ما تعرفون، وننهاكم عما تنكرون، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما استحسنه المسلمون فهو عندالله حسن)) فهذا أصل يعملون عليه، وأساس يرجعون إليه، ثم إن عليكم أن تعلموا أن هذا الزمان قد ظهرت فيه البدع، وطمست فيه السنن، وادعى أهل البدعة كونها فرض وسنة، قتل حسن بن وهاس وأشياعه وخواصه من العلماء وأتباعه تلك النفس المحرمة بغير حق معلوم ولا دليل مفهوم، وقد دلت الدلائل الظاهرة والحجج الباهرة أن من قتل نفساً بغير حق فهو من

أهل الضلالة والفسق؛ إذ قد حكم الله تعالى عليه بالخلود في النار كما لا ينكره أولوا الأبصار، قال سبحانه: {وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}.
وقال تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} ومن قتل الناس جميعاً كان كافراً، وعند جميع المسلمين فاجراً؛ لأن من جملة الناس الأنبياء عليهم السلام بل هم خيارهم، والمعلوم أن من آذى نبياً كفر فكيف بمن قتله فاعتبروا يا أهل الفكر، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من لقي الله بدم حرام لقى الله يوم القيامة وبين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله تعالى)) فكيف بمن قتل مؤمناً وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً}، {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ} وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لو اجتمع جميع أمتي على قتل رجل من المؤمنين بغير حق لكبهم الله في نار جهنم[172-أ] ولو أن رجلاً بالمشرق رضي بظلم رجل في المغرب لكان شريكه فيه))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من ظلم مسلماً أو لطمه بدد الله عظامه وحشره مغلولاً حتى يدخله جهنم)).

قال تعالى:{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} فكيف بمن قتل عالماً وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((العلماء ورثة الأنبياء وفي الآخرة من الشهداء)) وقال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} فجمع في قوله تعالى: {وَأُوْلُوا الْعِلْمِ} بين الأنبياء وغيرهم من أهل العلم، فدل على فضلهم وعلو منزلتهم ونبلهم، وقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} فكيف بمن قتل عالماً متعمداً من أهل بيت النبوة وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي أوآذاني في عترتي)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اشتد غضب الله وغضب رسوله على من أهرق دم ذريتي أو آذاني في عترتي)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم والمعين عليهم ومن سبهم أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) فكيف بمن قتل إماماً قد شهد له بالإمامة وعادى فيه الخاصة والعامة، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً} معناه أن من قتل إمام حق، فتأملوا يا أولي البصائر والصدق، وهذا حسن بن وهاس قد قتل المهدي لدين الله عليه السلام وهو من قد عرفتم بايعه وناصره، وأعانه وظاهره، وجاهد معه ووازره، ثم قاتله وا عتل في جواز قتله بأنه أفسد في الأرض في بعض كلامه، وفي بعضه أنه بغى عليهم ووصل إلى بلادهم وأطيانهم فقتلوه دفعاً لبغيه وردعاً لشره حتى قال حسن بن وهاس لما سأله لما ضايقه في السؤال ورد عليه ركيك الاستدلال أن طائفة من المسلمين إذا قصدوا النزول في جهة أو ناحية تكره

طائفة أخرى نزولهم فيها جاز لهم دفعهم عن تلك الجهة وإن لم يندفعوا لهم إلا بالقتل جاز لهم قتلهم، فانظروا إلى هذه الحجة الداحضة فقد كان يكره المهدي عليه السلام وأتباعه نزولهم بحصنهم ذروة بل في جميع الظاهر عموماً، وقد احتج علىكون المهدي مفسداً بأمور:
منها أنه ولى ولاة سوء وهم كلاب عاوية وسباع ضارية لا يرحمون مقتراً ولا ينظرون معسراً، وأنه فرق المعول على غير تقدير معلوم ولا أمر مفهوم ولا مشارف بتيقن.
ومنها أنه أعطى الزكاة بني هاشم وهي محرمة عليهم.
ومنها أنه باع الوصايا حتى آذنت بالنجاح.
ومنها ما أهمل من المصالح العامة كالسبل وغيره، وترك اللصوص المتغلبين يتخطفون على طريقة مستمرة، فهذه الأمور عابها حسن بن وهاس[172ب] على المهدي وأنكرها ثم ركبها وما غيرها ولا تركها ولا هجرها إلى غير ذلك.
فهذه الأمور عددها في كتاب دعوته التي وجه إلى الشام وعابها على ذلك الإمام، فلما ولي الأمر فعلها وأعظم منها حتى أنه ضيع حصون المسلمين وأهلها كالكميم وهداد وما فرط فيه من حصون المغرب حتى قيل: إنه أهمل مقدار ثمانية عشر حصناً ورعاياها وكانت قوة لأهل الإسلام ثم صارت عليهم، فإن كان ما أنكره على المهدي عليه السلام من هذه الأفعال حقاً فلم أنكرها على الماضي؟ وما الدلالة حينئذ على جواز قتله؟ وإن كانت باطلاً ومبيحة لقتل المهدي عليه السلام وقد فعلها حسن بن وهاس فوجب القضاء بجواز قتله وأن يرد الحوب إلى أهله: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين}.

ومن أعجب العجائب أنه سأل سائل: هل تقطع أن أفعال المهدي خطأ؟ فأجاب من غير استحياء: أخاف أن أقول أخطأ فأخطئ إلى ما خطى، وأخاف أن أقول أصاب فلم أدر هل خطى إلى ذلك وفعله بنظر أم لا، فانظروا يا أولي الألباب فيما يفيده هذا الجواب، وهل عرف صاحبه التمييز بين الخطأ والصواب، وهل يتجاسر على إطلاق ذلك من يلتزم حكم الكتاب: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون} وإذا صح ما ذكرنا بطل ما ادعاه من كون المهدي عليه السلام مفسداً.
فإن قيل: فإنكم قد أنكرتم على المهدي شيئاً في سيرته وصنفتم عليه في ذلك ما يقتضي بتخطئته.
قلنا: أجل فد أنكرنا عليه ما لم نكتمه عنه، ووجهنا به إليه في رسالة ليجيبنا فلم يجبنا فأتيناه للسؤال وطلبنا إقامة واضح الاستدلال والرجوع عن هذه الحال فكان من أمره وجهان:
أحدهما: أنه قال: لم أجد ولاة خير، وطفقت أنظر بين أحد أمرين إما القيام بجمهور الدين وإن دخل في السيرة ما ذكرتم، وما عليّ أنكرتم، ولما تركت القيام رأساً سقط الدين كله.

الوجه الثاني: أنه قال لنا قبل مقتله بثلاثة أيام أو أقل: إن سلمني الله من هذه الوقعة بدلت الولاة واستكفيت الكفاة ثبت من الأمر ما ثبت واختل ما اختل، وتاب على أيدينا وأناب من غير استحياء عن التوبة ولا ارتباب، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) فقلنا هذه توبة، وفرضاً اختبارها، فإن ثبت فلك تمامها واستمرارها أعناك ونصرناك ........... ولا خذلناك، ثم إنا نقول: إن المهدي عليه السلام كان ضليعاً بأمور الإسلام، ساداً للثغور، قائماً بمصالح الجمهور، حافظاً لحصون المسلمين، كافحاً لأعداء الدين، غير وان ولا مقصر بيقين، ولو فعل فاعل ما فعله المهدي عليه السلام من مباشرته بخصائص الإمامة مع كونه غير إمام معتقداً[173-أ] في نفسه ثبوت الإمامة فلم يقطع المؤيد بالله قدس الله روحه على فسق من هذا حاله من أهل البيت عليهم السلام، وعلى أنه إذا كان بعض فعله منكراً أو قدم عليه لشبهة عرضت له في ذلك لم يستحق القتل على ذلك؛ لأنه لا يستحق القتل على كل منكر ولا القتل لكل يد وهذه أحكام شرعية فرق بينها الشرع النبوي، ومن حكم فيها بغير حكم الله سبحانه كان هالكاً قال الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} وفي آية: {فأولئك هم الظالمون}.
وأما ما احتج به حسن بن وهاس من أن المهدي عليه السلام بغى عليهم ووصل إلى أطيانهم ومزارعهم فدفعوه عنها بزعمهم فعن ذلك جوابان:

أحدهما: أن هذه الأطيان مما جمعها الأمراء بنو حمزة من جملتها ما كان يختص بالأمير وهاس بن أبي هاشم أب حسن بن وهاس، فالمعلوم أنه كان في أيام تزهده وتورعه بزعمه لا يقرب شيئاً منها ولا يذوقها ولا يستحلها ويحرمها، ويقضي بأنها حراماً وما لبس منها ثوباً، ولا أكل منها طعاماً فيما علمنا ذلك أيام كان إذا أتاه رجل بنذر درهم أو درهمين قال: ومن أين أصله قم، ثم ويرخي فضل كمه على كفه فيتناول النذر بكمه ولا يمسه بشره، وأيام كان لا يطأ لبني عمه فراشاً، ولا يأكل لهم معاشاً، ولا يلبس لهم رياشاً، ولا يستحل لهم ذبيحة، فلما أراد الله أن يظهر سره ويكشف أمره ظهرت منه البدع التي من جملتها قتل المهدي عليه السلام. فالله المستعان.
قال الشاعر:
ن تزيا بغير ما هو فيه
?
?
فضحته شواهد الامتحان
O??
الآن حصحص الحق وبان، وظهر من الفعل ما كان في الجنان، فإذا ثبتت هذه القاعدة في هذه الأطيان التي تركها وهاس فهي مظالم وأمرها إلى الأئمة السابقين لا إلى حسن بن وهاس فكونه دافعاً عنها الإمامة الذي قد شهد له ما لإمامه، وبايعه في محضر الخاصة والعامة من جملة البغي والظلم الذي لا شك فيه عند أرباب الورع والعلم كما أبرز ذلك وأوضحه ببغيه عليه في طلوعه ذروة {وإن فريقاً ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين}.

ومن عجائب حسن بن وهاس أنه بغى على المهدي عليه السلام بطلوعه حصن ذروة وأجناده فنهبوا ما فيه وانتهى فسادهم إلى سلب الحريم، ومن جملتهن امرأة شريفة حمزية زوجة لحي أخ المهدي عليه السلام ومعها ابنة لها صغيرة فسلبوها من غير محاشمة، فلما سألناه عن جواز ذلك قال: إني سألت أصحابي عند طلوعهم النصيرة فقالوا: طلعناها نحفظ أنفسنا، فقبل جوابهم واستحسنه وجعله بزعمه حجة متقنة، وهذا جواب من لم يضرب في الإسلام بنصيب، ولم يرم في العلم بسهم مصيب يبين ذلك ويوضحه أنه كان يمكنهم حفظ أنفسهم في ظفار، وظفر، ثم لو لم تجدوا غير هذا الحصن لما ساغ لهم سلب النسوان، وروعة الوالدان، وليت شعري[173ب-أ] ما الذي خافوا أن يحول بينهم، وبين صيرورتهم إلى أماكنهم التي فيها يأمنون، وبها يتحصنون، ولم يكن في وجوههم فيه محاربة، ولا جماعة مغلوبة ولا غالبة إنما كان المهدي عليه السلام في بلاد حمير وهم في ذروة، وبينهما ما يعلمه العالمون، فتأملوا أيها المسلمون، وأحسنوا النظر أيها المتفكرون فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

ومما يدل على جهله وقلة تمييزه رجوعه إلى أتباعه في طلب البصيرة في طلوع ذروة بينما هو المتبوع فصار تابعاً، وقايداً فأصبح مقوداً، وحاكماً فرضي أن يكون محكوماً عليه، وكيف يكون إماماً ثم يصبح مأموماً، ويكون متورعاً بزعمه فيصير مأثوماً، ويكون محموداً عند نفسه فيصبح مذموماً ملوماً، ثم احتمل من الأمر غير محتمله وادعى كونه محقوقاً لمحل ليس بمحله، وبادر إلى ما كان له عنه مندوحة، وعجل إلى أمر كان له فيه أناة، ثم ولى ولاة السوء وأعطى الزكاة بني هاشم، وكل ذلك أنكره على المهدي عليه السلام: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة تردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} وقال تعالى: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء...} الآية، ثم أخذ المعاون على غير تقدير معلوم ولا قانون مفهوم ولا مشارف موثوق به كما عتبه على المهدي عليه السلام، فأثمر ذلك اتصاله بالمعونة إلى كحلان ونكاحه هناك ورد المسلمين بعد أن أخذ أزوادهم، وقد أخذ المعونة من أصحابهم وأخذ المعاون مرة أخرى، وأخذ بها درب آل الدعام وفيهم قوم زيدية فسلبوا الحرايم، وخالفوا كتاب الله الكريم حتى لم يبق على كثير منهم جرد هذا حكم الله أم بهذا عهد إليهم رسول الله، ثم خربوا الديار، وأخذوا الأموال، وهذا معلوم بلا إنكار.
قال حسن بن وهاس: إنما استحللت ما فعلت لأنهم خالفوا فكفروا فأجريت عليهم أحكام دار الحرب.
قلنا عن هذا جوابان:
أحدهما: أنكم فعلتم ما لا يجوز فعله في دار الحرب من سلب النسوان بحيث لم يبق على بعضهن خيط واحد، وهذا لا يجوز في دار الحرب.
الثاني: أنكم خالفتم السلطان فلزمكم من الإثم ما لزمهم، ولحقكم من الحكم ما لحقهم، وصارت دياركم كديارهم بالأمس ولا سواء؛ لأن السلطان طلع لحرب المسلمين فاغتنموه وناصرتموه، وأولئك حاربوا بأنفسهم فيا بعد ما بين الأمرين، وشتان ما بين الفعلين.

فإن قلتم: إنا أهل الحق ولسنا مثلهم بل نحن أهل إمامة وزعامة عامة.
قلنا: قد خرج إمامكم قبل المهدي، وسيرتكم القبيحة وأعمالكم الخاسرة وأولئك يعتقدون بطلان إما متكم، واعتقاد علماء الإسلام كافة فيهم اليوم إلا من شرك معكم في دم المهدي عليه السلام بأمر أو تصويب أو تقوية أو تقليد فحكمهم كحكمكم واسمهم كاسمكم أليس إمامكم[174أ-أ] في انتهاء آخر أمره حالف أولي الزيغ والارتياب، وخالف حكم السنة والكتاب، ورهن أخاه في لعاعة من المال، وأغرى هؤلاء العجم بالمسلمين، فهاهم اليوم ضربوا عليهم الرواق، وشدوا عليهم في الخناق، ومد سلطانهم أطنابه، ونصب حبايله، وجمع جحافله، ليس لها من دون الله كاشفة قال الله تعالى: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} وبنو وهاس للكفار ناصرون وعاضدون، والعساكر إليهم حاشدون، قال الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} قال الله عز قائلاً: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون} وقال تعالى:{ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً} ونهى عن المجادلة عنهم باللسان فكيف إذا اجتمع مع المجادلة باللسان البروز في ميدان الفرسان، والمجادلة عنهم بالحسام واللسان، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم شرك في عملهم)) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحب عمل قوم خيراً كان أو شراً كان كمن عمله)) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء)) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من مشى مع ظالم أجرم)).

54 / 56
ع
En
A+
A-