ثمنها، ثم صارت إلى صاحبها ومن هذا الجنس شيء كثير فوا عجباً كل العجب من هذا المبتدع وحزبه أي بكاء الرصاص وامتحانه وإسبال طيلسانه وتأوهه إلى ابن الأعور الجزار وتباكيه لابن الأبره النجار فلقد رأيته ذات يوم متكئاً على نمرقة بطانتها من النسيج الرومي الأصفر وقد قابل سريراً في غرفة وهو من الخيلان كالذي عصفت به حميا المدام، ولقد رأيت الحسن بن وهاس يقوم في حفدته على رأسه متوشحين بمطارف الحرير لابسين أسورة الفضه لا ينكر شيئاً من ذلك فما أحقه بقول القائل:
لى وصام لأمر كان يأمله
?
?
لما حواه فما صلى ولا صام
قال الراوي: ووصل الأمراء الكبراء عبد الله ومحمد وإخوتهما آل سليمان بن موسى بن داود إلى ظفار إلى بني عمهم، وكان الأمير عبد الله ممن أوضع في سبب قتل الإمام وأثار الفتنة، وخدع أخاه محمد بن سليمان حتى سلك سبيله، فلما وصلا لم يلبثا أن اجتمعا بالأمير الكبير عز الدين محمد بن الأمير المتوكل على الله شمس الدين وجرى بينهم وبين الأمراء آل يحيى بن حمزة بن أبي هاشم موافقة واجتماع وظهر ذلك، وبلغ الحسن بن وهاس فرأى ابن عمه أن يكون الأمراء بني حمزة قسمين:
أحدهما: يكون فيه الأمير صارم الدين داود بن أمير المؤمنين وصنوه الأمير علم الدين علي بن وهاس ومن يتبعهما.
والقسم الثاني: يكون فيه الأمير عز الدين، والأمير فخر الدين عبدالله بن سليمان وأخوه، والأمراء آل يحيى بن حمزة ومن تبعهم، وكتب كتاباً سخر منه السامع قسم البلاد ابن عمه من سود البون إلى الأسلاف مطلاً على نقيل صيد مع أنه في تلك الحال ما استصلح منها بلداً ولا حصناً، فلما قرئ الكتاب على منبر المسجد بظفار يوم الجمعة اختلف الأمراء الحمزيون عند ذلك، وجرت محاورة أفضت إلى مشاجرة ثم بعد ذلك تقدم الأمير عز الدين إلى جهة زبيد وتعز إلى سلطان اليمن الملك المظفر واستصحب من الأمرء آل يحيى بن حمزة بذيبين جماعة يريد بذلك أن يستخرج أخاه وكان رهينة عند هذا السلطان في مقابلة أشياء كان عقدها الأمير المتوكل، فلما تقدم إليه[169أ-أ] حشد الحسن بن وهاس العساكر إلى ذيبين فدخلها بعد عقد ذمة منه على أهلها على أيدي العدول والأطهار فما رعى الذمام ولا استمسك بعصمة الإسلام، وهذا من جملة سقطاته وعظائمه، فكشف الحرايم، وجرى من الأفعال القبيحة ما قد شاهده من حضر، وخرب شيئاً من الدور، وانتهب الأبواب، ومنع من الخراب الأمير علي بن وهاس، وكان الأمير داود بن أمير المؤمنين غير كاره على ما يقع لغرض وهو أن تباعد القلوب من آل يحيى بن حمزة وآل الحسين بن حمزة لأمر يرجع إليه، ثم إنه جرى موادعة وصلح أيام، ونهضوا على ذلك إلى ظفار ولم تمض إلا أيام قرائب حتى وصل الأمير الكبير محمد بن سليمان بن موسى من عند سلطان اليمن بمال كثير وآثار الخرب من حصنهم المعروف باللجام وجمع جمعاً وتقدم إلى الجوف فاستولى على درب الزاهر وكان فيه والٍ للأمراء بظفار فطرده وقبض على ما كان هنالك من الطعام وكان فيه طعام كثيراً فأجابه الأكثر من أهل الجوف الأعلى إلا أهل درب ظالم فكانوا متربصين به، ثم إن الحسن بن وهاس جهز الأمير الكبير داود بن أمير المؤمنين وأخاه الأمير علي بن وهاس في عسكر من الخيل والرجل وكتب إلى آل جحاف بن حميدان وكبيرهم يومئذ الحص بن محمد
بن جحاف وإلى جميع المخالف بالأقيال إلى الأميرين، ثم هبطوا إلى الجوف، فلما بلغوا إلى قريب من حصن نعمان أقاموا ليلتين أو ثلاثاً حتى اجتمع المخلف وتقدموا، وقد رتب الأمير محمد بن سليمان ولد أخيه أحمد بن سليمان في الزاهر، فلما أقبل الأمراء ومن معهم فتح لهم أهل الدرب الباب وقاتل الأمير وهو محمد بن أحمد بن سليمان حتى غلب ثم استولوا عليه وأهل البدو والقرار وساقوا الظعن والأمير محمد بن سليمان مقيماً في درب السوق في عصابة وافرة من الخيل والرجل والسلاطين آل دعام والشرفاء الأجلاء أهل براقش فبلغني أن الأمير داود بن أمير المؤمنين أمر إليه سراً أن الزم حذرك فإنا قاصدون لك وأنه لا طاقه لك بمن معنا فلم يقبل فعزز إليه مرة أو مرتين ثم قال له ما هذا معناه، فإذا قد سمحت بنفسك فمر إلينا بأولادك فإنا نخشى عليهم من عد ذلك لا يمكنا دفعه يعني آل جحاف؛ لأن الأمير علم الدين سليمان بن موسى بن داود كان قتل منهم محمد بن جحاف في عصابة من أولاده وأهله ثلاثه عشر، أو نحو ذلك لأمور كانت جرت وذلك في دولة الأمير الكبير الناصر للدين محمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله في سنة تسع عشرة وستمائة.
رجع الحديث
فلما لم يساعد أقبلت العساكر إلى درب السوق فأحاطوا به من كل جانب فلم يلبثوا أن دخلوا عليهم فأول من قتل الشريف الكبير حيدرة بن علي بن عيسى بن سبأ من أهل براقش من الشرفاء آل أحمد بن جعفر بن القاسم بن علي بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم ترجمان الدين، ثم عمد العسكر ومن فيه وعاثوا، فعمد كل من الناس إلى من يطلب عنده الوبر، فعمد الحص بن محمد بن جحاف إلى دار قد انحاز فيها الأمير الكبير محمد بن سليمان بن موسى وولداه سليمان، وأحمد، والشريف الأمير حمزة بن علي بن حمزة من آل يحيى بن حمزة بذيبين، وجماعة فتسلقوا عليهم الجدران والحيطان وأقبلوا يهدمون عليهم السقوف، فبلغني أن الأمير محمد بن سليمان أقبل يكرر الشهادة وتضرع إلى الله بالتوبة وجميع من معه، ثم فتح الباب فخرج ولده الصغير وهو في سن البلوغ فقتله الحص وأصحابه، ثم خرج محمد بن سليمان فوثب على الحص واعتقله فصرخ الحص فضربه رجل من خدم الأمراء آل وهاس فيما بلغني ضربة بدبوس حديد فصرعه، ثم إن الحص اتكأ عليه وذبحه ذبحاً، ثم ضارب الشريف الأمير حمزة بن علي بسيفه فكبره القوم واختلفوه فقتل وحمل الأمير سليمان بن محمد بن سليمان بن موسى على خفية من القوم مضرجاً بالدم وظنوا أنه مقتول فسلم من القتل، ثم رمي الشريف الأجل محمد بن عمرو بن علي بن إبراهيم من آل يحيى بن حمزة بذيبين بسهم فقتل، وقتل جماعة من السلاطين آل دعام أهل السوق صبراً، وقتل رجلان أو ثلاثة من آل عمران، وقتل جماعة من الموالي، وعاث العسكر في الدرب فهدموه وأحرقوا قوماً بالنار، وقتل من النسوان، وفعل من الأفاعيل القبيحة والمثلة بالناس ما لم ير مثله في ذلك الأوان.
بلغني أن نساء أخوات القاضي الأجل الصالح العالم إبراهيم بن فليح وكانت محلته في ذلك الدرب جردن عن ثيابهن وعبث بهن وغيرهن، وكان هذا القاضي ممن خدعه القوم في حق الإمام فكان فعلهم داعية له إلى النظر والرجوع إلى الله تعالى والتوبة فيما جرى على الإمام وأظهر البراءة من القوم، واعتزل حتى أتاه الموت بعد أن نظم الشعر بما يقضي توبته ورجوعه، فنسأل الله تعالى أن يتجاوز عنه.
وعلى الجملة فإنهم فعلوا من المناكير العظيمة والمثلة خلاف الحق، ثم أسروا أولاد الأمراء منهم علي وأحمد ابنا عبدالله بن سليمان بن موسى، فلما انحدروا إلى مأرب لأخذ خراجها فلت البعض من الأمراء الأسارى نجوا على ظهور الخيل، والبعض على صورة أخرى منهم من استفدى نفسه بمال، والبعض حملوه إلى ظفار فتخفروا بالأمير الكبير جمال الدين علي بن عبدالله بن الحسن بن حمزة بن سليمان دخلوا داره فأجارهم وأخرجهم من الاعتقال، ولما قتل الأمير محمد بن سليمان وأصحابه وقع في قلوب الأمراء الحمزيين من ذلك وجرت بينهم الضغائن، وترادفت الدفائن وتلاوموا، وقد كان قبل ذلك جهز الحسن بن وهاس أخاه الأمير علي بن وهاس، والأمير عز الدين محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين في عسكر إلى جهة مأرب وبيحان فوقعت بينهم وبين آل راشد من آل منيف ومن قال بقولهم وقعة أسر فيها الأمير[170أ] عز الدين وحصر وأخذت فرسه وعدته وضرب فيها الأمير علي بن وهاس على ظاهر كفه الأيمن من يده فشل بعض أصابعه، وأسر أخوه حمزة بن وهاس وأخذت فرسه وعدته، وأسر الأمير قاسم بن محمد بن إبراهيم الحمزي وأخذت فرسه وعدته، وأسر الأمير سليمان بن جعفر بن الحسين الحمزي وأخذت فرسه وعدته، وأسر الأمير محمد بن ثوارن بن القاسم بن محمد بن القاسم الحمزي من آل يحيى بن حمزه بذيبين وأخذت فرسه، وبعد ذلك نجا بنفسه من أسر القوم بغير جمع منهم، وقتل جماعة من خدام الأمراء، وسلب قوم كثير وسلاح وخيل وعدد.
رجع الحديث
ثم إن الحسن بن وهاس بعد ذلك أمر يفرق مال في جهة الشرفين على وجه المعونة بزعمه فرأيت بخط بعض نوابه ما يقتضي أنه بلغ تسعين ألفاً ونحو ذلك وأكثر ما فعل بما صار إليه من ذلك أن أنفقه في نكاح بالشريفة الفاضلة ابنة الأمير تاج الدين محمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بحصن كحلان، وأقام هنالك يختلف عليه ألوان الطعام، ثم إنه راوغ سلطان اليمن الملك المظفر وامتدح أنه درجه حتى طلع بجنود لبلاد المسلمين كما بدح السفرجلة على البساط، هكذا روى الأمير السيد الناصر للحق أبي عبدالله الحسين محمد بن الداعي إلى الله بن الهادي عليه السلام وأعطاه السلطان شيئاً من المال والثياب والطيب، ففرق ذلك في نفسه وقرابته، فلا سد به ثغراً، ولا أصلح به أمراً، ولا عاد على المسلمين بذلك منفعة، ثم إنه أحس من الأمير الكبير داود بن أمير المؤمنين ما يكره فاستوحش منه، واستدنى ابن أخيه الأمير عز الدين وسلم له براش صعدة، وقد كان قبل ذلك استولى على حصن تلمص الحصن الذي كان بيد الإمام المهدي عليه السلام، واستولى على حصن القفل بظفار وكان من جملة ما بيد الإمام الشهيد قدس الله روحه فلم يبرح به أولاد المنصور بالله حتى أخذوا القفل وما كادوا يصدقون بذلك، فلما استقر السلطان في صنعاء تقدم اليه الأمير علي بن وهاس في عسكر فأمر ولده الأشرف ومن معه من المقدمين في لعاية وأظهروا تعظيمهوجرى الحديث بينهم أن الأمير داود لا يكاتب ولا يراسل ولا يواصل فعقد لهم السلطان بذلك، فحينئذٍ استوحش الأمير وأهله وتذامروا بينهم وبين الحسن بن وهاس من الأكاليم والمخاطبات والسخط والرضا ما تباعدت لأجله القلوب وتراكمت الإحن. فالله المستعان وعليه التكلان.
قصة قيام الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي عليه السلام وذكر رسالة الأمير السيد الناصر للحق الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى
قال الراوي: ولما كان من الحسن بن وهاس ما تقدم من ذكره من الخروج على الإمام الشهيد المظلوم المهدي لدين الله أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفرت عنه قلوب أهل البصائر من علماء أهل البيت وشيعتهم، وكاتب بعضهم الأمراء السادة آل يحيى[170ب] بن يحيى لكونهم عيون سادة العترة وأهل العلم والبصيرة، وكان السيدان العالمان الإمامان الحسن والحسين ابني محمد بدري هالتهم، ودرتي تاجهم، فأجمع رأيهم على تقدم السيد العالم الناصر للحق أبي عبدالله الحسين بن محمد إلى جهات المغرب فيمن سار معه من أهله وشيعتهم بعد مكاتبات من الشيخ الكبير سيف الدين محمد بن منصور المعبور فكانت طريق الأمير السيد بما في بلاد خولان حتى اتصل إلى حصن عفّار فتلقاه الشيخ المذكور محمد بن منصور المعبور بالإنصاف والإتحاف وسلم الأموال الجليلة، ولما استقر السيد الناصر هنالك، وكان الحسن بن وهاس يومئذ في بلاد الطرف من بلاد حمير فلم يقر به قرار فكتب إلى العلماء بالظاهر بالوصول إليه فوصل منهم من وصل وجرت مكاتبات ومراسلات، وطلب الأمير السيد الحسين بن محمد المناظرة حيث يأمن على نفسه ومن معه من الجهات فتعذر ذلك لأسباب وأمور، فكتب الأمير السيد الناصر للحق الحسين بن محمد هذه الرسالة وسماها بالنصيحة لأهل الأديان الصحيحة، وهي لعمري إنها لفظ يطابق معناه، واسم يليق بمسماه، وكتب رسالة أخرى وهي هذه، ولم يلبث بعد ذلك إلا الأيام القلائل وطغت دعوة أخيه الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد من جهة رغافة، ثم بلغ العلم أنه بايعه عدة من العلماء كالفقيه العلامة حسام الدين عبدالله بن زيد العنسي، والقاضي العالم جلال الدين محمد بن معرف، وأكثر أهل الجهات، وبث دعوته في الآفاق، وأقام الجمع والولاة، ونصب الحكام، ولما بلغت دعوته عدل علماء الظاهر وغيرهم إلى التوقف لأمور ذكروها، وأشياء من جهة الإمام المهدي عليه السلام تعلقوا بها،
ولم تمض إلا المدة القريبة حتى جرى على الحسن بن وهاس من الأسر ما سنذكره إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق.
وهذه الرساله التي أنشأها السيد الإمام الناصر للحق شرف الدين أبي عبدالله الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي إلى الحق عليه السلام، وسماها النصيحة لأهل الأديان الصحيحة منقولة بلفظها ومعناها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله وسلم
قال رضي الله عنه: الحمد لله على نعمه السابغة، وقسمه البالغة، وصلواته على محمد المصطفى، وآله الأئمة النجباء، سفينة النجا، وعصمة أهل الدنيا، وعلى صحابته الأتقياء.
أما بعد ..
أيها المسلمون فإن الله تعالى ماخلق العبد ليهمله، ولا شرع الدين ليبطله، ولا بين الإيمان ليعطله، بل أكمل العقول لإقامة حججه، وأرسل الرسل لإيضاح الحق الحنيف ومنهجه لئلا يكون للناس على [الله] حجة بعد الرسل، ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وآله، ثم جعل الإمامة عوضاً منها إلى يوم القيامه، ثم ألزم الله تعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء[171أ-أ] والمنكر وإظهار معالم الإسلام، وإنفاذ الأحكام، والتمييز بين الحلال والحرام قال الله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وقال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}، وقال تعالى في صفة أهل الإيمان: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقال عز من قائل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} ثم بين تعالى من جملة ما لعنوا عليه تركهم إنكار المنكر، وموالاتهم لأهل الكفر فقال عز من قائل: {كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا قدست أمة لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر ولا تأخذ على يد ظالم، ولا تعين المحسن، ولا ترد المسيء عن إساءته)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله أشراركم على خياركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم)) وفي جزء آخر: ((فيقتلونكم فلا يبقى أحد يأمر بمعروف ولاينهى عن منكر ثم لتدعن الله فيمقتكم)) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لمقام أحدكم في الدنيا يتكلم بكلمة يرد بها باطلاً أو يحق بها حقاً أفضل من هجرة معي)) وقال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أمر بمعروف أو نهى عن منكر فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة كتابه ورسوله)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنصرف)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم (( مروا بالمعروف وإن لم تفعلوه كله، وانهوا عن المنكر وإن لم تبطلوه كله)).
فأما قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فإنه ذم على ترك العمل لا على الأمر؛ لأنه وجب عليهم واجبان أحدهما الأمر ففعلوه فلا ذم على فاعل ما أمر به من الإحسان، وثانيها العمل بموافقة ما أمروا به فلم يفعلوه فلامهم عليه الرحمن واحتج عليهم بواضح البرهان.