والثاني: تكثير المصلين والذاكرين والتالين، والمفيدين والمستفيدين في علوم الملة المحمدية، والمعارف الدينية، حتى تكون المدارس مشهودة، وحلق الذكر محشودة، ورياض الفقه موفورة، وأندية العلم معمورة، وعليه أن يشتد غضبه على الفسقة وأرباب الجرايم، وأن يرى أثر ذلك عليه في أحواله وأفعاله وأقواله حتى يشتد ركن المؤمن، ويرغم أنف الفاسق، ويضمن الحق ويزهق الباطل، وحتى لا ييأس الضعيف اللهيف من برد الحق والعدل، ولا يطمع العادي في سورة الظلم، فبذلك يقوم رسم الدين، وتخمد نار الباطل، وعلى الإمام القائم منا أن لا يزال يحاسب نفسه ليلاً ونهاراً، وصباحاً ومساءاً ويتهمها فإن النفس دأبها أن تأمر بالسوء إلا من رحم ربي، وعليه أن يأخذ للإمامة أهبتها، وليستعد عدتها، وليعلم الناس أنه لا يرى الإمامة طعمة أطعمه الله إياها بل هي إمامته تقليد قلدها، فإما أن يتحكم فيهم وفي أموالهم بما شاء خبطاً وجزافاً، ويرسل عليهم من لا يرحم صغيرهم ويوقر ولا كبيرهم، ولا ينظر معسرهم، ولا يبر مقترهم، بل ينهش اللحم والعظم، ويتركهم مهضومين، وهم على عين منه ومسمع فلا ليس له ذلك يأبى الله ودينه قيم، وكتابه باق لايمحوه الماء {إن الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون }.
أيها الناس، إنا نعلمكم أنا ما قمنا هذا المقام أشراً ولا بطراً، ولا رغبة في الدنيا، ولا نسياناً للآخرة، ولكنا رأينا دين الله قد درست[166أ-أ] رسومه، وامتحت وسومه، [.....بياض في المخطوط.......] وأنكر المعروف فيما يعرف، وعرف المنكر فيما ينكر وغير ذلك ما كان من سوء الاختيار، والإخلاد إلى الإصرار من هذا الظالم بالأمس الذي أشرقه الحدثان بريقه، ولبس عليه وجه الطريقة، ولقد علم الله أنا كنا نمحضه النصيحة، ونحذره عن لزوم وعر الطريقة فلم يرعنا في ذلك طرفاً، ولما أنكرنا عليه وأنكر عليه الراسخون في العلم الذين أبصارهم موهوبة من الله، وباقية في دين الله حين يقول: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} قال سبحانه: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} وقال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيينه للناس...}الآية،فلا صده، ونفخ الشيطان في منخره وأخذته العزة بالإثم، وأجلب بخيله ورجله، واستعر الشيطان معه بصوته، ودعوناه إلى المحاكمة إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتهدد وأوعد، وأبرق وأرعد، وقال لبث قليلاً يلحق .......... ونسي قول الشاعر:
قبى الوعيد على عقبى الوغى ندم
?
?
ماذا يزيدك في إقدامك القسم
ثم لج في إصراره، ولحح في خلع رسنه وعذراه حتى هبط بأعباء علينا بغياً وعدواناً إلى وادي شوابة، وكنا والحمد لله في كتيبة غير ناكلة، وعلماً غير أسان، فاجتمع الصبر والبصيرة، وعلم الله منا صدق السريرة، فلما تراءت الفئتان دعوناه إلى أن يبرز إلينا لنتراجع القول، ويعرض بصائر على حكم الكتاب والسنة، وقلنا: إن شئت فراداً ففراداً كل على فرسه، وإن شئت في عشرة أفراس ونحن في عشرة أفراس أو خمس خمسٍ فعلنا ذلك، فكاع عن ذلك وصد وأعرض جانباً، فلما كان من الغد نهض مناوراً مبادرا ليصطم بزعمه شأفتنا، ويجتث جرثومتنا، فحاكمناه إلى ظباة السيوف وشفار الرماح، فكبت به مطيته، وأجهز عليه فعله و..... قتله، ومضى صريعاً فلا دعدعا من عاثر ولا لعا، وها نحن ندعوكم إلى إحياء ما أحياه الكتاب، وإماتة ما أماته، واصدقوا النية من أنفسكم: {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم* ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين} بادروا رحمكم الله وجمع على الهدى شملكم. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: وهذه الدعوة مما كشف الله بها ستر منشيها، وجعلها أحدوثة بين أمة محمد إلى يوم الدين، ولو أن هذا المسلوب الرشاد أحسن المقال وروى عما يضمره من المقال وحمل الحال وقال: لم يكن قصدنا إلا لمراجعة مما أنكرنا، والجواب عما سطرنا، فأما القتال فلم نرده ولا قصدناه بل غلبه حب الرئاسة التي كان يجمح إليها، وندب إليها بالزهد، فأظهر الله مكنونه، وبين للناس أمره، فحين بلغه البشير بقتل الإمام وهو في ناحية من المعركة هبط من فرسه إلى الأرض وخر ساجداً وهذا من أبلغ الخسران، فالله المستعان لقد سلب التوفيق فأصبح ملوماً مدحوراً، وهذه الدعوى كما يرى الناظر أولها منهدم من دعوات أئمة الزيدية، وأوسطها حشو وأذية، وآخرها افتخار بقتل سيد البرية، ومن نظرها وتدبرها وجد المدعى عنها بمعزل لم يختص بوصف من صفاتها، ولا قام بشرط من شروطها، وأقسم لقد صدرت صحيفتها، وقدر كاغدها، والأيتام من ظلم هذا التائه يستغيثون، والهلكان يتصوتون، وسيوف الظلم على رقاب الأطهار مسلولة، وقواعد التقوى منقوضة مهدومة، وسبيل الحق طامسة مجهولة، ولو استقرى بعض المنصفين مفرداتها وتدبر معاني مركباتها لوجدها من أولها حججاً قاطعة لو بين مسطرها ومصنفها ومبرها، ولقد انتظمت من الأكاذيب التي لا تحتمل التأويل على مسطر ليس بالقليل ولا بالهير بل هو البهتان المحض، والزور الصرف، ومن أظهرها كذباً وأبلغها عجباً قوله: هبط علينا وادي شوابة، وهذا خلاف ما علم بضرورة العقل، بل هو وأحزابه الهابطون والباغون، والمجبرون والمتجبرون، والسافكون لدماء المسلمين، والعاملون لأمير المؤمنين في السبيل المسلوكة، والطريق المعروفة، وهو قاصد إلى موضع عنهم بعيد ليدعوهم إلى حكم العزيز الحميد، ويمنعهم من ظلم العبيد، وهبوط المبتدعة إلى أمير المؤمنين ثاني وصوله إلى وادي شوابة يعلم ذلك الجم الغفير والعدد الكثير فقس على هذه الكذبة نظايرها من الأساطير
والأكاذيب والتخرصات نعوذ بالله من الكذب والمين، وقد كنا أنشأنا رسالة وسميناها بالهادمة لمباني الدعوة الظالمة تكلمنا فيها بجمل تشهد لنا بمصداق القول، ويهتف اللسان الصدق، وقد كان بعض الأطهار الذين صفت في العلم جواهرهم، وتمحضت في نصرة الحق مقاصدهم إنشاء كتاباً و......... الكذبة يتبع فيها كلاماً لهذا المبتدع الذي فرق شمل المسلمين، وهدم قواعد التقوى إلى يوم الدين، ولم تسطر هذه الدعوة في الصحيحة.
قال الراوي: وقد كان سلطان اليمن الملك المظفر يوسف بن عمر سخر بهذا المبتدع وحزبه، وكادهم بما يروم به حماية ملكه، وأعطاهم على ذلك شيئاً من الحطام، وجعل لمؤسس هذه المكيدة الرصاص جملة من الدنانير فيما بلغني عن بعض السلاطين آل حاتم بذمرمر، وهو في تلك الحال في جنبة الإمام يسر مخادعته، ويتربص الوثبة عليه، فأما الجعل المتأخر بعد الخروج على أمير المؤمنين فكان لكل واحد عدد مذكور وعليه في كتابه باسمه ووسمه، فللرصاص شيء على انفراده، وللحسن بن وهاس شيء على انفراده، ولغيرهما من أهل الرس[167أ] والدهمية شيء معلوم، فأما الرصاص والحسن بن وهاس فصار إليهما أكبر نصيبهما، وأما المتأخرون فإن بعض الأمراء أخذه عليهم استحقار لغيرهم، وعلماً منه أنهم دون أن يرفع بهم رأساً وخصوصاً لما صادف ذلك قتل الإمام عليه السلام.
أخبرني بعض الناس أن الذي لتابعي المبتدعة من المتدرسين أحد عشر درهماً وهذا ثمن بخس باعوا دينهم.
رجع الحديث إلى كتاب السلطان استخرجناه من جوابه استهزاءً بحسن بن وهاس وأنه يدعوه إلى الإمامة عند خروجه على الإمام وأنه يجيبه ويعينه وهذا من باب الجهالات فصادف كتابه القدر المحتوم وخص إمامنا بالشهادة وتبين للناس ما كان يكنه هؤلاء المبتدعة.
رجع الحديث
فلما جرى من مصاب الإمام قدس الله روحه صدر الحسن بن وهاس جواباً إلى السلطان الملك المظفر ظناً منه أنه قد ظفر بالمنية، ونال أقصى البغية، وأن السلطان يقبل إليه بطارفه وتليده، وهذه شعبة من شجون جهله، وسقطة من سقطات عقله، وهذه نسخة كتابه حرفاً بحرف ولعنة الله على من حرف أو بدل لتضمنه من الأكاذيب التي أجمعت الأمة على خلافها.
قال الحسن بن وهاس ما هذه صورته وكتبه بخطه:
حسبي الله وحده، سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي عنت الوجوه لهيبته، وخشعت الأبصار لعظمته، وتطأطأت الرؤوس لعظيم سلطانه.
أما بعد ..
أيها الملك الذي مكن الله بسطته، وأعلىكلمته اختبارا وامتحاناً كما قال تعالى حاكياً عن سليمان عليه السلام: {ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم}.
فإنه وصلني كتابك طالباً فيه أن تفقأ عين الفتنة، ويرأب صدع الفرقة، وتقام في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالكتاب والسنة كان ذلك من أسر وارد وأيمن وافد؛ إذ سلك فيه ألهمه الله رشده طريقة النصف، ودعا فيه إلى ما يليق بأخلاق هذه الأمة من القيام بتغيير المنكرات وإقامة الواجبات، وهذه هي صفة هذه الأمة التي اختص بها، قال تعالى في ذلك: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} وقد فعلت ما ضمنه كتابه، ولم أفعل ذلك حتى اجتمع عليه الكل منهم معشر هذه الأمة، وإلا فأنا كنت أجبن الناس عن ذلك لما أعرفه من عظم هذا المقام وهوله، وأنا أسأل الله تعالى أن يمدنا بمواد توفيقه، وأن يرزقنا سلوك منهاج الحق وطريقه، ولولا حضور الخاطر وثبوت الحجة لوجود الناصر لأ لقيت حبلها على غاربها، وسقيت آخرها بكأس أولها، وأنا أحذرك أيها الملك ألبس الله المسلمين منك ثوباً ومد عليهم منك ظلاً أن تدعو إلى طريق لا تسلكها، وقد طلبت مني أمدك الله بمواد توفيقه أن أضرب موعداً أو أعين لك مجمعاً يجتمع فيه العلماء لإحياء ما قد مات من السنين، وإماتة ما قد حيي من البدع، وأنا أول داع إلى هذا وأول مجيب لمن دعا إليه، وقد صدرت هذه الإجابة لتكون شاهدة علي، فإني قد حفظت الابتداء ليكون شاهداً عليك أيها الملك، وأنا أعرض عليك من نفسي ثلاثة أمور أن أحب أمد الله بتوفيقه أن تجمع العرب والعجم بعد أن يسعى الكل في صلاح ذات البين بين الجميع، وتذهب الظغائن، وتدفن الأحقاد، ثم اجتمع بالملك حيث يجمع عليه الرأي فعلت هذا، أو أن يحب أن يأتي من علمائه إلى أحد ثاني منصفاً مكرماً أميناً يتكلم كيف شاء فإن يجد عندنا ما يحب وإلا رجع وقد ظهرت له بصيرته فذلك مفعول إن شاء الله تعالى، وإن يحب أن يأتي إليه أحد من علمائنا فلا بأس بهذا لكني أشترط فيه شرط، وهو أن يظهر من الملك ألهمه الله التوفيق ما يكون علامة أنه طالب لإقامة كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بتغيير ما قد أجمعت الأمة على وجوب تغييره من رفع المنكرات التي هي شرب الخمور، وإقامة سوق الفواحش والملاهي، وتسافك الدماء، وظلم الدهماء، وقد أجبت تنفذ هذه الرقعة لتكون لي شاهدة عند الله على معشر هذه الأمة فإنهم قد دعوني إلى أمر فإن خذلتموني عنه فالله ناصري ومتولي معونتي وكفى به ناصراً ومعيناً، وشاهداً وكفيلاً، وقد رجوت الله تعالى أن يكون بقتل صاحبنا هذا اجتماع الأمة، فالله يعلم شدة الرغبة في ذلك كما كان بقتل عثمان افتراقها ،فإنه كان قتل صاحبنا باجتماع من الكل، وقتل عثمان بافتراق منهم، وأنا أحب أن تقرأ هذه الرقعة على الكل من العلماء، وأن تتصفح وتنظر فيها ولا تعرض عنها فقد أقللت الكلام؛ لأن ما قل ودل خير مما كثر وأمل، والرجاء في الملك أمد الله على المسلمين ظله أن يجمع الله به شمل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا سيما بما حكى لنا الوالد المتوكل على الله من رصانة عقله، وجود سياسته، وانبرام عقوده، وميله إلى محبة العافية ممن يطلبها، وهذه الأخلاق أخلاق الملوك التي يصلح الله بها الخلق، وصلى الله وسلم على محمد وآله وسلم.
قال الراوي: ووصل إلى الحسن بن وهاس من كان قد أصغى إليه ممن كان يسر النفاق والتربص، فمنهم السلطان جسار بن الوشاح فإنه وصل يتهلل وجهه فرحاً، ولم يلبث إلا مدة قريبة حتى وثب عليه أخوه وبنو عمه فقتلوه على فراشه.
أخبرني من أخبره من حضر القصة أنه طعن في عينه قريباً من ستين طعنة، وهم يثأرون للإمام المهدي عليه السلام.
وأما السلطان سعد بن سالم فإنه لم يلبث أيضاً حتى استفرغ الدم من فمه، ومات فجأة، ثم هبط الحسن بن وهاس من شوابة، وهبط الأمراء الحمزيون إلى الجوف لكل منهم يومئذٍ شأن يغنيه، فأقاموا مدة أيام، وانضاف من أحزابهم وأحلافهم من انضاف وتقدموا صعدة، فلما دخلوها لم تطل الأيام[168أ] حتى جرت المشاجرة على البلاد وقسمتها، وكان الأمير شمس الدين له غرض في بعض أهل صعدة .......... وهو عند المعلاة، وكان محبة الحسن بن وهاس ضد ذلك الغرض، وكان ذلك سبباً في المشاجرة حتى كاد القوم أن يفضوا إلى المناجزة والحرب، وقد أخبرني بعض الناس أن الأمراء الحمزيين بأجمعهم هموا بالقبض على حسن بن وهاس وحبسه لأغراض أرادوها في الناس، ثم إنه لم يمض إلا أياماً قرائب حتى عرض مرض حاد للأمير الكبير المتوكل على الله أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام فلم يلبث إلا أسبوعاً أو دون ذلك، وتوفي بصعدة، وقبر إلى جنب أخيه الأمير السيد جمال الدين علي بن أميرالمؤمنين المنصور بالله بالمشهد المعروف، ثم ازداد البلوى والمرض فأصاب كثيراً من الأمراء الحمزيين فتوفي الأمير يحيى بن وهاس بن أبي هاشم الملقب بالعماد ثم أخوه الأمير إبراهيم بن وهاس، ثم أخوه الأمير المؤيد بن وهاس، وأخوه سليمان بن وهاس، وابناه، ثم تلك الأيام عرض المرض الحاد للأمير الكبير شمس الدين أحمد بن يحيى بن حمزه بن سليمان فتوفي بكحلان، ثم ولده من بعده، فتقدم في الأمراء بعد الأمير المتوكل صنوه نجم الدين موسى بن أمير المؤمنين وحلف له الكل من الأمراء الحمزيين، ثم نهضوا من صعدة راجعين إلى الجوف فعرض المرض للأمير موسى بن أمير المؤمنين والأمير سليمان بن وهاس فأطلعا إلى ظفار مريضين ثم لم يلبثا إلا أياماً قرائب وتوفيا جميعاً وقبرا في مشهد المنصور بالله، ثم لم يلبث الأمير عبد الله بن وهاس بن أبي هاشم حتى عرض له عارض في صدره اختلف في ذلك فقيل: إنه أصيب بحجر يو شوابة، وقيل: بل وثب
فرسه يوماً حتى ضرب بحافره على قبر الإمام المهدي بشوابة رضوان الله عليه فاشتكى بعد ذلك. والله أعلم، فتوفي بحصن القاهرة جالساً يتحدث ثم أخذه الموت كالفجأة، ثم توفي الأمير علي بن محمد صفي الدين بكحلان، ثم عرض المرض للشيخ الكبير منصور بن ضيغم بن منيف الجنبي رئيس جنب، ثم عرض هذا المرض لحنظلة بن أسعد أحد فقهاء المبتدعة فهلك.
بلغني أن الرصاص لما قام على جنازة حنظلة بن أسعد أشار إلى جسده وهو يناجيه ويقول: يا حنظلة إذا لقيت أحمد بن الحسين بين يدي ربك فجالده، أو معنى ذلك، فسخر به من حضر، ثم عرض هذا المرض للرصاص فهلك، ثم لم تطل الأيام حتى عرض السل للأمير أحمد بن سليمان بن وهاس بن أبي هاشم ثم لم يلبث بعده أخوه حتى توفي وكل ذلك في مدة متقاربة، فسبحان الحي الذي لا يموت، ولم نذكر هذا إلا لنذكر به الغافل من الدنيا وأنها تصرع المغتبط بها وتغر الراكن إليها، وكل من ذكرناهم من الأمراء وغيرهم ممن قام وقعد وجد واجتهد في سبب هلاك الإمام الشهيد رضوان الله عليه ولما جرى على الأمير الكبير نجم الدين موسى بن أمير المؤمنين الموت أجمع رأي الأمراء الحمزيين أن يقدموا بعده أخاه الأمير الكبير صارم الدين داود بن الإمام المنصور بالله[260ب] وتلقب بالمنتصر بالله وحلفوا له بالرئاسة وكان ولد الأمير المتوكل على الله عز الدين في جهة تهامة بالقحمة فلما علم بمصاب والده أقبل إلى ظفار وهبط إلى الجوف فرضي بقدومه عمه وطلع الأمراء إلى حصن ظفار وأقاموا هنالك أياماً فنزل الحسن بن وهاس في غرفة قصر شمس الدين بظفار وهي غرفة مزخرفة بالذهب مبسوطة بالبسط الرومية والأرمينية المحبورة عليها النمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة يطأ عليها غير مكترث ينقل إليه صاحائف الألوان في صحائف الصيني الشفاف ويشرب في الأكواز المبخرة بالند والعنبر، فليت شعري أين ذلك التزهد والتقزز في مزجة القلم والسؤال عن مقدار ريشة الجراد من الورق من أين هي ومن أين