ومن ذلك ما قاله الفقيه العلامة نظام الدين لسان المتكلمين القاسم بن أحمد بن عبد الله الشاكري أيده الله تعالى:
الله لا ملقا ولا بهتانا
إن الفصاحة والشجاعة والندا
دفنت مع المهدي يوم غدا له
لو كنت لم تجز الصنيع إساءة
يا ابن الحسين سقيت من سيل الحيا
ونزلت عليبن أكرم منزل
لله أي كريم قوم غادروا
كالصارم المأثور حين يهزه
لا قته خيل عدوه مستبسلاً
فرداً وعسكره تمر جياده
تالله لو حمي الوطيس ودونه
لرأيت مجتلداً يقهقر دونه
ولكان عالاً مفخرا وسما وقد
إن نالت الأعداء منه فقد حوى
ومضوا بعاجل نقمة أبقوا بها
يا راكباً وجنا ناحية السرى
نالت مناسمها الحديل وشد ما
ضاقت بمنعرج اللواء من محرز
ما زال يعملها وما زالت به
من مربع اليمن المبارك منزلا
من حمير في أرض همدان إلى
يجتاب أردية السراب وقصدها
وتزور قبر المصطفى فيفيد في
تيمما وادي العروس وطالبا
فالخصلتين فأرض بغداد أنخ
فالقطر من همدان أي مجاور
فالري فالأرجا فآمل إن في
فالقبر من ..... على علامة
وهناك سرحها وزوامها
وأركب سواها بالغاً ومبلغاً
بلغ إلى حران عنى مالكاً
أن لا يغرهم الحديث فإنه
أو فتنة عميا تدعوا أربابها
ما عندنا بعد المفضل أحمد
ما إن علمنا قبلها من فرقة
جعلوا زهادتهم حبائل صيدهم
ثم انثنوا عنا فأصبح بدوهم
جمعوا لنا فرق الغواة ولبسوا
يا أيها الملا الكريم بديلم
هل يدعون إلى الإمامة قاتل
يتلو كتاب الله في أسحاره
شتان بين ابن الحسين وبين من
لم يحكه وجهاً ولا بأسا ولا
أعيا عليه لحاق أحمد مثلما
وعليكم مني تحية وامق
تزداركم ما لاح نجم دجنة
?
?
قسماً تحلل بره الإيمانا
والصالحات الغر والإيمانا
شيخ الضلالة ناكثاً دفانا
إذ لم يقيم بجزائه الإحسانا
داني الرباب مجلجلاً هتانا
تحبى الرضا والروح والريحانا
تحت التراب وأودعوا الأكفانا
يلقاه لا حزنا ولا خوانا
في الصف يعمل مخدماً وشبانا
مر الصقور يبادر الشعانا
عشرون تصدق نجدة وطعانا
أسد الشرى ويشيب الولدانا
صدق المصاع وجدل الأقرانا
شرف الجهاد وروضة وجنانا
عاراً وحلوا بعدها نيرانا
سرح اليدين شملة مذ عانا
وربت بأرحب في ربى همدان
بالمنحنى وتربعت سيانا
هزي الهجير ويقدحي الصوانا
في منزل والموت والحومانا
خولان تركت دكدكا ورعانا
البيت العتيق تؤمل الرضوانا
تلك العراص العفو والغفرانا
من مد حرتنا إلى كوفانا
فيها الركاب وروح الركبانا
حتى تحل معرشا فاسانا
سوحيه قبرانا بالندى ملانا
علم يفيض فصاحة وبيانا
روضا أغن ومشرب الريانا
أقصى النواحي حازماً يقضانا
في ديلمان وفي ربا جيلانا
لمع السراب يخادع الضمآن
عميا حيارى بايعوا حيرانا
إلا ضراً لا ينفع العطشانا
جعلت قتال إمامها قربانا
والدين قولاً والتقي إدهانا
في الناس بعد تقدم تبيانا
وجه الصواب وحرفوا الفرقانا
والجيل أكرم حاضراً جيرانا
فيها إماماً عادلاً ديانا
والمنـ....ون يجاوب الرعوانا
يدعو إليها بعده شتانا
جوداً ولا يدنو اليه لسانا
أعيا هجينا أن يكون هجانا
تختصكم إذ كنتم الخلصانا
أو رنحت ريح الصبا أغصانا
وقال أيضاً يرثيه ويذكر قاتلته وما أصابهم بعده ويفضله على من عارضه وادعى الإمامة:
ا للشباب تبدلت ألوانه
حسنت به الأيام إلا أنه
وسحوب النقصان شايع ظله
أضحت مراتعه حطاما بعد ما
وصفت مشاربه وكدر صفوها
كان الهوى والعيش بين غصونه
ثم انبرت نوب الخطوب فبدلت
فمضى بمصرع أحمد متصرفا
ابن الحسين إمام شرع محمد
المعتلي شرف المعالي والذي
بارى الأفاضل في العلوم فبذها
وإذ تلاينه استقاد مطاوعا
وانبر سلطان الممالك عنوة
وجرى فباراه الملوك فقصرت
وإذا تزاحمت الجنوب بمازق
طب يعارضه الجدال وفي التقى
وعرمرم قد قاد نحو عرمرم
كالليل أو كالبحر يطفو موجه
ويخال فيه إذا تألق لامه
برقاً يلوح لبيضه ولبيضه
عالي به شرفاً وآب مظفراً
ولرب مظلمة أباد وظالم
ومنج وفد قد تخوفه الطوى
طاوي الحشى واهي القوى قد لاحه
قد راشه فتوسعت ساحاته
وإذا تجاور لم يذم جواره
عجمت نيوب الدهر عود قناته
ودعى إلى نصر الهدى فتكاثرت
هذا وقد سارت به حساده
فاقتاد منها الصعب ثم أناخه
كم أجمعت أحجية أو حجة
لم ينجها عن طعنها في أمره
وغدت تقمص في الأطلة لهلها
وجسومها تبدي العبير وجسمه
وإذا تداهنه حوى بنصيحة
أغطا على فتكاتها ما أظهرت
حتى بدا ما أضمرته وجمعت
وسما إليها ابن الحسين بجحفل
حتى إذا برق الحديد تمزقت
ما ذب عنه مذنب عن حومة
لم يبق ذاكر ضيعة تحمي ولا
ومضى شهيداً مفردا لشبا القنا
في منزل سعدت به نزاله
إن يضح فينا حزنه جما فكم
نقضوا على خير التمام فعوجلوا ?
?
وابيض بعد سواده فينانه
راع القلوب موليا ريعانه
حتى انزوى وتقلصت أردانه
كانت ترنح في الربى أغصانه
من صرف دهر خاير حدثانه
لا ما حوى عرب العقيق وبانه
أحواله فتحملت أضعانه
في الحديث فقيدة أزمانه
ولسانه وحسامه وسنانه
أحيى به دين الهدى ديانه
وشاء الكرام وعمها إحسانه
وإذا أبا فعزبرة أرسانه
فاقتادها وأذلها سلطانه
عن شأوه وأبادها ميدانه
علت القلوب شديدة أركانه
بر يساوي سره إعلانه
يهفوا عليه مظلة عقبانه
أو كالحريق سما عليه دخانه
وأضاء مطردا به مرانه
ولسمره متواتراً لمعانه
مقرونة بسلاسل أقرانه
طاغ أزال وقد علا طغيانه
وتقاذفته سهوله ورعانه[163أ-أ]
لفح الهجير وطوحت أوطانه
واستبشرت طعانة إخوانه
وتشاركت في ماله جيرانه
فتفتت وكان صليبة عيدانه
أنصاره وتواترت أعوانه
زلق المداحض فاستقر مكانه
يثني عليه أباضه وعرانه
فانبهرت وأنارها برهانه
إبلاؤه وضرابه وطعانه
ومن الحديد مضاعفاً قمصانه
تبدى بما صنعت به أبدانه
إن الكريم يشينه إدهانه
شكاً وقيد فتكه إيمانه
جيشاً وجاء يقوده شيطانه
لجب يهول المبصرين عيانه
عنه الجموع وغردت فرسانه
أبقى عليه ولا وفت خلصانه
واف بعهد بره إيمانه
مذ حفه من ربه رضوانه
وصفا له مع روحه ريحانه
فيهم مصاباً جمة أحزانه
والشيء عند تمامه نقصان
لكوا وفاز ابن الحسين بجنة
جاءت إلى رضوان ضيفان الرضا
شتان هذا في الجنان وذا إلى
ما الشعر بالغ كنه مدحة أحمد
ولقد أتم له الفضائل ربه
كم مبتلاً سأل الإله شفاؤه
عن مسحة أو دعوة مبرورة
وكفى له تنيين صعدة آية
قد طال ما لثم التراب بها وقد
ثم انبرى يجري لمسحة أحمد
ودعا على الحجر الأصم فهده
…… عنانك إن أحمد قد حوى
إن قارنوه بغيره فلربما
أو كان منبته له ولغيره
أو وازنوه بغيره فلقد رسا
والبحر يقذف بالمحار وتارة
والعقد تنظم جملة خرزاته
ليس المناسم كالسنام ولا سقا
يا ابن الحسين وخير ميت ضمه
إن نالك الحدث الذي عمت به
وتضعضعت أركان دين محمد
فلقد أصاب عداك بعدك صيلم
قتلاً وأسراً لم يطل تأجيله
كم سعروا من نار وجد بعده
وسقى صداك مجلجل ذو هيدب
يحكي بواديك الضحى عبراتها
?
?
وحنا عليه من الإله حنانه
وأتت بكرة مالك ضيفانه
درك تسعر دائماً نيرانه
لو قام من تحت الثرى حسانه
فغدت تحث بفضله ركبانه
فشفاه وهاب الشفا منانه
حفيت وهينمها عليه لسانه
مشهورة فهو الجلي بيانه
عظمت بليته وطال زمانه
جذلاً وقد مرت عليه بنانه
هداً أمال جباله رجفانه
قصب المدى وقد استبد رهانه
فضح القرين على السباق قرانه
فالقمح تنبت في ثرا روانه
ثقلاً وشال بغيره صيرانه
يأتيك بين محاره مرجانه
وشريف منتقياته عقيانه
ـط الحلى يسمو إن سمت تيجانه
بين الصفيح وتربة أكفانه
أوصابه وترادفت أحزانه
فانهد من أساسه بنيانه
طحنتهم هباته وجرانه
بل جل بالقدر المتاح أوانه
ورسيس شجو جمة أشجانه
متجاوب في أفقه حنانه
من دمعة وحسيسها أرنانه
وقال أيضاً أبياتا يذكر فرار عسكره وحمل رأسه:
ليلي عد عن من نوال
فليس يرد عادية الليالي
ألم تسأل عن الجيشين لما
وقام ابن الحسين على التوالي
يخوض ظبا المواضي والعوالي
إلىأن عيلت الصفرا فصارت
يجاذبها العنان وليس يدري
فخانته وقام على اعتزام
وقد ذلت فوارسه وولت
ينص جبينه لسنا المواضي
فأبلى صابراً ومضى شهيدًا
وأفرد للجلاد ولا زعيم
وحزوا رأسه ومضت تباري
إذا ما قيس أحمد في قريش
وهل يدنو هجان من هجين
وأعقب قاتليه بشر يوم
مضوا جزر المنايا في ليال
ما رأينا مثله رجلاً
حين نالوا كل مطلب
وأرانا الله أيده
وعفت أموالهم ونمت
في أعاديه الذين سما
غرهم أملاً خالقهم
?
?
تعاج على مرابعهن عيس
بمنعرج اللوى ربع دريس
تراءى الجمع والفرسان شوس
ولم يحجم كما نكل الخميس
محافظة وقد حمي الوطيس
على يمنى قوائمها نكوس
بما أخفى من الحرج اللبوس
يصول كأنه ليث عبوس
كما ولى عن الأسد التيوس
وقد بلغت تراقيها النفوس
وإخوان الصفا عنه تحيس
يشاركه هناك ولا جليس
ببشراه الركائب والطروس
فقد كذب المقايس إذ يقيس
ويبرز بهجة التبر الفلوس
فحل بهم نآدده رديس
على عجل يؤمهم الرئيس
أنجبت إد ولا أدد
وتمنوا أنهم خلد
ليس يبلى ما جرى الأبد
ونما السلطان والعدد
بهم الطغيان والحسد
فتمادوا في الرد إذمردوا
وقال أيضاً في معنى ذلك وذكر انفراده وإبلائه وجهاده:
ا قتيلاً حم مصرعه
أفردته الخيل صاحبه
في مقام لا يقوم له
ونيوب الموت بادية
ولديه من أسنته
وهو يدعو الخيل منفرداً
ومضى والحمد ملبسه
ما رأينا مثله رجلاً
حين نالوا كل مطلب
وأرانا الله أيده
وعفت أموالهم ونمت
في أعاديه الذين سما
غرهم إملاء خالقهم
أنكروا الفضل الذي علموا
ساق يوم ابن الحسين لهم
أصبحوا من بعد بغيهم
?
?
لا يكافي يومه أحد
والقنا ما بينها قصد
عند شبلي جيشه أسد
ونيار الطعن تتقد
والمواضي الررق معتد
وهي بالأبطال تنجرد
وله أثوابه الجدد
أنجبت إد ولا أدد
وتمنوا أنهم خلد
ليس يبلى ما جرى الأبد
ونما السلطان والعدد
بهم الطغيان والحسد
فتمادوا في ...... فردوا[ص164أ]
والمقامات التي شهدوا
نقماً تترى وتطرد
في طباق الترب قد همدو
وقال أيضاً وذكر بلده ومولده ومعاهد في الدولة وشيئاً من حصونه ومنازله:
من طلل مقفر من غريب
إلى ذي بديع إلى أوده
لأحمد نجل الحسين الإمام
ودار له بين شم الجبال
مناخ الوفود وسوح الضيوف
ومن منزل في ذرى ذروة
وربع بحوث عفى رسمه
وقصر بصعدة بين الرياض
وقصر تلمص قصر الرخام
حواه اقتدار بحد السيوف
ومرتبع ......... محرز
إلى الهضبين إلى فاضل
ديار له في اقتبال الشباب
ودار على حلب في البقاع
وأيام حل ثلاء داعياً
ودار بردمان في كندة
ودار بحدة أو أختها
أقام على ثغرها حامياً
وقصر له براش الملوك
ودار بصنعاء في عزة
وتطوافه في نواحي البلاد
أقضت مضاجعك الطيبات
ألا تلك آثاره والرسوم
وسوف نبكيه بالعاسلات
بنوه الثلاثة في محفل
إلى أن يدوخ أعداؤه
وقد ثأر الله أوتاده
وعجل من قاتليه الفناء
?
?
فطود المساق إلى نا ظر
إلى النجد فالدرب من شاكر
ربيع مرابعها الباكري
بذيبين في الملأ الحاضري
ومجتمع الأنس السامر
وفي هضبها دارس داثر
سحايب صيفه الماطر
فدع روضة من ربى حاجر
مع الحصن ذي المنظر الباهري
بحق على ملك قادر
فشط معين إلى تاجر
إلى عرف فربى الزاهر
وإقبال ملك له باهر
وفي مدع الشامخ العامر
معانا لمنصورها الناصر
أولي العز والعدد الوافر
سناع على نهرها الزاخر
له بالظبا والقنا الشاجر
ينيف على نسرها الطاير
ودار بمنظرها الناضر
على بدوها وعلى الحاضر
وزلزلها سهر الساهر
تهيج من عبرة الذاكر
وكل سنين الشبا باتر
كرجل جراد سما ناسر
ونوفل في بره الظافر
وحسبك من ناقم ثائر
فهم عبرة الزمن الغابر
وقال أيضاً أبياتاً وضمنها بيتاً لأوس بن حجر:
ت سمير الهموم والمضض
أرعى نجوم السماء بسامره
كيف يكون السليم مرتفقاً
إذا سرى حركت لوامعه
فإن تنم سالماً فما حالك حال
من يلق يوماً بها لك عوضاً
قاد ملوك الزمان راغمة
ونال في العلم كل غامضة
أضحى به الدين محكماً مرساً
وجاد بالنفس يوم أقرضها
فإن مضى العمر عنه منقرضاً
ومن رمى بعده إلى عرض
مضى بعرض منزه كرماً
منقبض الكف عن تناول ما
حل من المجد في الباع وقد
أيتها النفس احملي جزعاً
رضيت بالله عنه منتقماً
?
?
لبارق في الحي معترض
لم أغض عنهن جفن مغمض
مثل شجي يغص بالحرض
ما في الحشا من أسى ومن مرض
تسليم ذي الومض
فما نرى بالإمام من عوض
وذادها بالحسام عن عرض
في كل فعل وكل مفترض
مستحصداً لعقد غير منتقضي
في نصرة الدين خير مقترض
فإن مسعاه غير منقرض
قصر من دون ذلك العرض
عن الدنايا والدم مرتحض
بان عن المجد غير منقبض
حل كرام الأنام في الرمض
فإن ما تحذرين عنه قضي
إذ كان بالفوز قد حظى ورض
[.....بياض في المخطوط.......].
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: ولما استشهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الأكرمين ومضى على منهاج سلفه وسنن آبائه الذين بذلوا مهجتهم في سبيل الله وهجروا أوطانهم ابتغاء مرضات الله ظن الرصاص وأتباعه أن قد ظفروا بالمغنم البارد، وحصلوا عن بغيتهم من الملك، واستعاد أهل الدنيا، وأن الأمراء الحمزيين الذين هم أبناء الحرب وأملاد الطعن والضرب ينقادون لهم بزمام الرغبة، ويصرفونهم كيف شاءوا بعنان الرهبة، دعوهم ثاني استشهاد أمير المؤمنين إلى البيعة لحسن بن وهاس وحسبوا أن كل بيضاء شحمة وأن كل راعدة رحمة، فبلغني أن الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام وجم لذلك وأسر إلى بعض خواصه أن لا إمامة وإنما غرضنا استقرار أمورنا لكون الحصون في أيدي ولاة الإمام المهدي الشهيد صلوات الله عليه، وقد كان الأمير السيد شرف الدين الحسين بن محمد بن أحمد بن الهادي تأخر عن أمير المؤمنين في قرية مسلت لعارض مرض أصابه، فلما جرى على الإمام ما جرى استدعاه القوم، وعلم أنه لا يتوصل إلى بلاده من بلاد خولان في تلك الأزمة العظيمة إلا بالوصول إليهم والتقية فوصل إليهم على وجه الإكراه والمدافعة عن نفسه وأهله؛ إذ لم يجد ناصراً ولا عاضداً، فلما وصل القوم إلى شوابة دعاه القوم للبيعة.
أخبرني من أثق به عن بعض أولا د شوابة في تلك الأيام أنه ما بايع إلا خوفاً على روحه، فلما دعاه الرصاص وأصحابه[165أ-أ] لم يطول في مباحثه؛ إذ كان البناء من أصله على غير أساس، وكيف يقوم الظل والعود أعوج، فبايع الحسن بن وهاس على ما أخذه السابق على المسبوق وعلى أنه منه ما استقام على طاعة الله، ومعاداة أعداء الله، وموالاة أولياء الله، ثم بايع الأمير شمس الدين والرصاص، ثم بايع فقهاء المبتدعة على إثر ذلك وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا، وفي خلال البيعة أموال المسلمين تنتهب، والأيتام يهتضمون، والضعوف يبكون، وأهل البلاد يتهددون ويتوعدون، وأمروا في خلال ذلك بعض المتهتكين من الولاة فأسروا الفقيه الغريب المهاجر حمزة بن محمود العجمي الجيلاني والواصل من جيلان لجوار تربة المنصور بالله عليه السلام وغيره من المسلمين، فأتوا به على غاية العنف والمشقة، فلما وصلوا بهم تهددهم الرصاص وعنفهم، ثم أمر الأمير شمس الدين أحمد بن المنصور بالله عليه السلام الشريف محمد بن حمزة بن الحسن الحمزي لأشراف من آل القاسم وأزال وأيتام في خيوان فنهب الحريم ونهب أموال المساجد، كل ذلك وثوب الدعوة قشيب، وأمدها قريب، ولقد رأينا قوماً من المسلمين يتنتهب أموالهم الفسقة فيستغيثون فلا يغاثون، ويستجيرون فلا يجارون، وربما يأتي الإنسان يطلب الأمان فإذا أمنوه كان ركونه إلى الذمام سبباً لاستئصال شأفته وأخذ ماله، ثم عاثوا في زراعة شوابة نهباً وأخذا كيف اتفق، فهذا يكتب بمال هذا المسلم بخادمه المجرم وكم عسى أن يذكر الذاكر المثالب التي كانت في أيام الذهب غياهب، ثم إن الرصاص أنشأ الدعوة العامة بزعمه على لسان الحسن بن وهاس ووضع الحسن بن وهاس عليها خطه وأضافها إلى نفسه وأمر بها إلى صعدة ونواحيها، وإلى المغارب، وإلى صنعاء، وهذه نسختها حرفاً بحرف، رأينا أن نضعها هاهنا ليعرف من غاب عن القصة كيف بدؤها وهي هذه:
قال الحسن بن وهاس بخطه المشهور: حسبي الله وحده، من عبد الله أمير المؤمنين الحسن بن وهاس بن أبي هاشم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} إلى جميع من بلغه كتابنا هذا من المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، سلام عليكم، فإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو ونسأله لنا ولكم التوفيق إلى ما يحب ويرضاه.
أما بعد..
فاعلموا أن الإمام منا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من شهر سيفه، ونصب لواءه ثم لم يعنعنه ذلك حتى يستبطن التقوى، ويتجلبب جلباب الهدى، ويستشعر خوف المعاد والعرض على الكبير المتعال، ويخشى نقاش الحساب يوم يفوز المحسنون ويخسر المبطلون، ولن يتم ذلك له بالدعوة حتى يصدقها شواهد ذلك من الرأفة والرحمة بالرعايا، وإرخاء جناح العدل على البرايا، والشفقة لصالحي المؤمنين وضعفة المسلمين، والحنو على اليتمامى والمساكين، قال تعالى في صفة رسوله الذي من تحلى بحليته فهو الخليفة حقاً، ومن تخلق بغيره تنحى جانباً: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عتنم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم } وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} وقال تعالى: {إنك لعلى خلق عظيم}، وعلى الإمام منا آل محمد أن يشاهد فضلاء الإسلام عموماً وخصوصاً، ويجهد نفسه كله في القيام بصغيرها وكبيرها، ودقيقها وجليلها غير ناكل ولا عاجز ما استطاع، فيأخذ الناس بالدعاء إلى دين الله سبحانه من الشهادتين وما بعدهما من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأخذ على أيدي الناس من التظالم فيما بينهم، وحفظ سبيلهم وطرقهم، وشن الغارات على الدعار والمفسدين، واللصوص والمستغلين، وجهاد أعداء الدين، واختيار ولاة العدل، وترك الإدهان والأبهان، والمحابات والمداجاة لشريف أو مشرف، أو عزيز أو وكيل، وحفظ أموال الله بعد أن تؤخذ على وجوهها وحقها، وتصرف في مستحقها، ومحاسبة الولاة والعمال، والاستظهار على ذلك بأهل الديوان، والمشارفين، والعزل والتبديل والتخويل، والأخذ بالعقاب، والتنكيل لمن تحامل على الرعية، ولم يدع جواري البرية، وعلى الإمام القائم منا عمارة بيوت الله تعالى بأمرين:
أحدهما: تعاهد الأوقات المرصدة لها، والمصالح المعدة لعمارتها.