قال الراوي: فشمر الناس في النهوض، ورحلوا أثاثهم وآلتهم، واستقبلوا في الطريق، واستعد كل في عدته، ولبس لامة حربه خوفاً من بغي القوم، وأمرهم أمير المؤمنين أن يسيروا قارعة الطريق، ولا يبدأوا القوم بحرب، وأمر بالركاب، والأثقال أن يكون طريقها في سفح الجبل إلى جهة القبلة لمن يريد غيل شوابة حتى يجعلون المزرعة التي تسمى جبرات فيما بينهم وبين الناس، وسار الناس على هذا القصد.
أخبرني من أثق به أنهم لما نشروا رايتي الإمام عليه السلام وساروا قليلاً انكسرت إحدى الرايتين فوقع في قلوب الناس من ذلك شيء، وتكلم بعضهم مع بعض فقالوا: لو أن أمير المؤمنين ترك الحركة في هذا اليوم، فتكلم بعض أصحابه عليه السلام في ذلك فكره التطير وقال: امضوا على اسم الله، وتلا قوله تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون}، فسار الناس حتى خرجوا على الدرب الأسفل، وأطلوا على الوادي، فلما استثقلوا ولا علم للقوم بنهوض أمير المؤمنين وحركت النقارات، ورأوا ما راعهم من بريق الكتيبة أمروا صارخاً إلى غيل شوابة يستغيثون بقوم هبطوا منهم إلى الغيل ولا علم بنهوض أمير المؤمنين في ذلك اليوم المعين، فأقبلوا إليهم يهرعون، فلبس القوم لامة حربهم، واستعدوا للحرب، وظنوا أن أمير المؤمنين قاصداً لهم إلى محطتهم، واضطرب من كان معهم من القبائل وأكثرهم الصيد.
أخبرني من أثق به أن القوم الذين كانوا معهم من الصيد قريباً من مائتي مقاتل، ومن بني زهير وغيرهم ممن خدعه حسن بن وهاس، والرصاص.
وأخبرني بعض الناس أن بني زهير وغيرهم ممن كان معهم قد تؤامروا بالهزيمة إلى نهج بلادهم ويلقى فل الحمزيين، وأن قوماً قد كانوا انهزموا عن المحطة، وكان عدة خيل القوم فيما أخبرني ذو خبرة دون السبعين الفارس، وأكثرهم [155-ب-أ]من الحمزيين، فأما الرجالة فقيل: أربعمائة أو يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً. والله أعلم.

حدثني بعض الناس أنهم لما نظروا إلى عسكر أمير المؤمنين مقبلين في الطريق من أعلى الوادي، وظنوا أنهم قاصدين إليهم سألوا حسن بن وهاس، والرصاص عن قتال الإمام المهدي، وما الذي به يستنصرون؟ قال: فلقد قال الرصاص: قاتلوهم، ثم أشار إلى عنقه، ثم قال: ما لحقكم فهو في عنقي، وقيل: قال لهم الحسن بن وهاس معنى ذلك، فبينا القوم يتوقعون قادمة العسكر لقصدهم إذ أبصروا ثقلهم في سفح الجبل، و أمير المؤمنين قد استقبل طريق الغيل التي تفضي إلى البستان المنصوري.
قال الراوي: فلما رأوا العسكر هكذا استندوا بذلك وعرفوا أنها فرصة ونهزة ينتالون بها ذكراً.

قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: لما كان بعد قتل الإمام عليه السلام بأيام دون السبع فيما أحسب أمر إلى الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام ولد أخيه وأمر إليه بحصان من خيله ذمة مشهورة لحديث يطلبه بيني وبينه فيما يخص ويعم لما بيننا وبينه من الرحامة الماسة، واللحمة الواشجة، وذلك لما رأوا وسمع من حسن بن وهاس وإخوته من شدة العداوة وإرسال كل عدولنا وقلة الناصر، والجدبة العظيمة، وانقطاع المناهل حتى لقد بلغ حمل الرجل من الماء عدة من الدراهم، وأمر حسن بن وهاس بنهب الوارد، وانتهاب الماء إلا ما في عقد ذمة منه اجتراء على نقض الذمم، ورفض العهد لغير سبب يوجب ذلك، وكانت هذه طريقة منه أصابته من ذلك أنفة وحمية، فلما وصلت إلى الأمير المذكور إلى غيل شوابة لقيني بما هو أهله من حسن الأخلاق والإكرام والإيناس، ثم إنه قابل الجهة التي كان فيها مصاب الإمام المهدي رضوان الله عليه وقال لي: يا فلان، أحكي لك القصة يوم قتل الإمام؟ قلت: نعم، قال: إنا كنا مقيمين بكرة الأربعاء ولا علم لنا بنهوض الإمام، وصدر بعض منا إلى الغيل ولم يشعر حتى حركت النقارات من فوق حبرته مفدح ورأينا الرايات فظننا أن الإمام قاصداً لنا إلى محطتنا، قال: فأقسم لقد رأيت مع الإمام عسكراً ما رأيت مثله مع الملك المظفر سلطان اليمن، قال: فلما رأيناه قد استقبل الطريق عرفت أنَّا نغلبه، قلت له: وبما عرفت ذلك؟ قال: بالخبرة من العرب، وكان هذا الأمير ذا معرفة بليغة بأيام العرب وسيرة الملوك وحروبهم وأيامهم مع ما اختص به من الفصاحة والمعرفة بالشعر وعلوم الأدب هذا مع عزة الملك في قومه، والشرف في منصبه، والإقدام، والفراسة، ولولا أمور جرت كانت سبب المباعدة بينه وبين أمير المؤمنين أعظمها دسيس الحسن بن وهاس وأصحابه على الإمام المهدي رضوان الله عليه صريحاً، وكناية،[156أ-أ] ومشافهة، ومكاتبة يحذرونه من أولاد المنصور بالله، ويقولون:

إنه لا يرضون إلا هلاكه، حتى تباعدت القلوب وتنافرت. والله المستعان وعليه التكلان.
رجع الحديث
قال: عند العرب أن القوم الذين يتقابلون للحرب إذا رحلت أحدهما وتبعتها الأخرى عند نهوضها ووتقفتها فإنها تغلبها، وإني لما رأيت عسكر الإمام قد مضت قادمة عنا علمت أنَّا إن قصدناهم لم يلتفت الأول على الآخر؛ لأن كل واحد له شأن يشغله.
قال: فركبنا من ساعتنا، ثم ذكر الرصاص وبغيه شدة الناس وتحريضهم على قتال الإمام، وقراءته سورة: {اقتربت الساعة وانشق القمر} على أتى على آخرها وهو راكب على بغل أعرج. هذا كلامه لفظاً ومعنى.
قال الراوي: ثم إن أمير المؤمنين سار في الطريق كما ذكرنا حتى إذا صار قريباً من المحل الخراب المسمى قرن ردم في طرف الجربة التي هي متصلة به إلى جهة اليمن أقبلت خيل الأمراء الحمزيين أرسالاً قاصدين الإمام عليه السلام، وكان أقرب الناس إليه في تلك الساعة جماعة أجواد من الأمراء القاسميين أهل براقش من آل أحمد بن جعفر، والأمير الكبير المجاهد أحمد بن محمد بن حاتم، والأمير فخر الدين إبراهيم بن يحيى أخوه من أمه وجماعة من فرسان العرب، فلما حمل الأمراء الحمزيين حمل جماعة من أصحاب الإمام فهزموهم هزمة ظاهرة واستظهروا عليهم وعادوا عنهم قليلاً، فحمل الحمزيون ثانية فردهم أصحاب الإمام وصوبوهم، وكان الطراد بينهم والمحاولة، فلما رأى أمير المؤمنين أن القوم غير راجعين من حربه أمر الناس أن يقفوا عند هذا الدرب المسمى قرن روم وأمر بنصب الراية هنالك، ويكون فيئة لهم حتى ينصرف القوم.

قال الراوي: فسار أمير المؤمنين قليلاً ليقوم عند الدرب كما ذكرنا، ثم أقبل الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله فيمن معه من إخوته وأهله وأولادهم ومن يقول بقولهم ومعهم الرصاص يحرضهم من جهة، والحسن بن وهاس مع إخوانه ومن معهم يحرضهم من جهه، فلما رأى أمير المؤمنين الأمير شمس الدين قد أقبل في كتيبة يستقفي الناس وقد نشر رايته قام فيمن معه وأمر أخاه الأمير إبراهيم بن يحيى في جماعة ليقاتلوا الأمير شمس الدين، ثم حملت كتيبة الحمزيين من هاهنا وهاهنا، فاستطردتهم الشجعان قليلاً فثارت قسطلة عظيمة وعجاج مثل الجبال، واختلطت الخيل، فانهزم أصحاب الإمام لما رأوا أحد الرايتين ولت عن الدرب وظنوا أن الإمام قد سار إلى سفح الجبل ليقف هنالك، وبقي مع الإمام جماعة من الرجل، وكلما رأوا خيل الإمام قد قلت مضوا واحداً بعد واحد وأمير المؤمنين لازم لمركزه مستقبلاً للقوم بوجهه، ولم يبق[156ب-أ] معه إلا نفر قليل فيما أخبرني من كان حاضراً قال: لعل الذين وقفوا مع الإمام دون الخمسة عشر رجلاً.
حدثني رجل من رؤساء بني بحير قال: كنت مع أمير المؤمنين عند انهزام الناس عنه وقد حملت خيل الأمراء الحمزيين من جهتين ولم يبق مع الإمام إلا ثلاثة نفر أو أربعة ونحو ذلك، وهو غير مكترث بهزيمة الناس عنه، وأقسم ما رأيت أشد منه بأساً ولا أقوى قلباً، وثبت في موضعه لجميع عسكر بني حمزة.
وأخبرني بعض خدمه عليه السلام قال: لما رأى الناس افترقوا عنه قال: اعطني قبضة من الحصى، قال: فأعطيته، قال: فنفث فيها ورمى إلى وجوه القوم.
وحدثني رجل آخر قال: لما افترق الناس عنه ومالت خيل الحمزيين ميمنة وميسرة تتبع خيله قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين، إن الناس انهزموا ولم يرجعوا، قال: فالتفت إليَّ وقال لي كلاماً ما معناه إلا أنه لا يبالي برجوع من رجع، ولا يبالي بمن عدا عنه قال: فلما سمعت منه ذلك عرفت أنه يريد الشهادة قال: فوليت عنه.

وحدثني من أثق به قال: لم يبق معه من أصحابه إلا الفقيه الطاهر المجاهد المعلا بن عبد الله القيسي ثم البهلولي مع أنه غرب إليه سهم فأصاب وجهه، ثم انصرف عنه قليلاً فأصابه رجل من الصيد بضربة في رجله، ثم رماه الأمير محمد بن أبي هاشم عم الحسن بن وهاس بنشاب، وأجهز عليه جماعة آخرون من وراء الدرب إلى جهة القبلة.
وقد أخبرني بعض الثقات أنه سمع محمد بن أبي هاشم يفتخر بقتل الفقيه المعلا.
وحدثني الفقيه العالم أحمد بن علي الضميمي بعد قتل الإمام المهدي بمدة طويلة بعد أن أظهر التوبة إلى الله تعالى والالتزام بما لزمه من الإصغاء إلى الرصاص والحسن بن وهاس قال: كنت في ذلك اليوم المعين قد أزمعت على اللحوق بالإمام عليه السلام والرجوع إليه بعد أن كنت قد أسررت ذلك وعرفه مني الإمام عليه السلام، وذلك أني كنت أحسب غضب الرصاص إنما هو لله تعالى هذا مع ما استقبحته من فعله أولاً إلا أني ظننت أن سورة الغضب قد حملته على ذلك، فلما تبين لي غرضه ومن يقول بقوله كالفقيه أحمد بن حسن وغيره تبت إلى الله تعالى وعزمت على اللحوق بالإمام المهدي عليه السلام، وبذل الوسع فيما أتيته مما يخالف رضا الله تعالى في حقه، قال: فلما ركب القوم من محطتهم قصدت جهة الرايتين المنصوبتين وعلمت أن الإمام عند رايته، فتجاولت الخيل وحملت خيل الإمام لما دنت منها خيل الحمزيين حملتين أو ثلاثاُ فردت خيل القوم أولها على آخرها، وصرعت بعضاً منها، وتصعدت قسطلة عظيمة حتى كانت كالجبل فلم يكد أحد أن يعرف صاحبه، وتلاحق الناس، ولما رأى الناس الراية التي ولت ظنوا أن الإمام عندها،[157أ-أ] وهو عليه السلام في مركزه لم يزل عنه يرجو إحدى الحسنيين، قال: فأبصرت فارساً عند الدرب وحده وقد أحاط به من جميع الجهات خلق كثير من الرجالة وهو يضرب ميمنة وميسرة بشيء في يده فقلت في نفسي: هذا رجل من أشجع العرب ولّى العسكر بأجمعه وهو في هذا الموضع وحده، وعجبت، ثم حالت بيني

وبينه العجاجة، ثم لم يزل يرتفع حتى سمعت رجلاً من خدام الأمراء الحمزيين يحلف للناس رافعاً صوته يقول: ذلك الإمام أحمد بن الحسين قد قتل، قال: فلم أصدق بذلك حتى طارت الكلمة ورجعت الخيل وقد أجهز عليه، وذكر كلاماً كثيراً وتمادياً في الطغيان من الحسن والرصاص وحزبه.
رجع الحديث
قال الراوي: ثم إن الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام دنى من مركز الإمام المهدي فوجه اليه أخاه من أمه الأمير فخر الدين إبراهيم بن يحيى فأبلى ذلك اليوم حتى كان علماً، ثم إن رجالة الأمراء الحمزيين لما رأوا ذلك العلم عند الدرب وعنده الإمام وحده قصدوه بأجمعهم أو أكثرهم، فلما وصلوا إليه أحاطوا به من كل جهة فعرفه رجل من الصيد يقال له: عبد الله بن علي بن حطيب فيما بلغني وقال: ألا إن هذا الإمام أحمد بن الحسين، فضرى القوم به رغبة في الدنيا، وكان فرسه عليه السلام أصابه عارض فبينا هو يجالد القوم من يمين وشمال إذ وقف رجل من الصيد قيل: من الكلبيين، وقيل: بل من بني صريم، فضرب رجلي الفرس فعقره، ثم وثب آخر فلزم بشكيم الفرس فتحامل الفرس وعليه عدة ثقيلة وهو في موضع وعث فانصرع على جنبه فأصاب رجله عليه السلام وهاضه حتى لم يمكنه النهوض والقيام، فوثب عليه رجل اختلف فيه، قيل: إنه هذا الصايدي الذي عرفه، وقيل: بل هو خادم من خدم الأمراء الحمزيين، فطعنه من تحت تفاريج الدرع طعنة في نواحي سرته حتى بلغ نواحي كتفه، وأجهز عليه جماعة آخرون.
وقد أخبرني بعض الثقات أن رجلاً من المبتدعة حضر القوم الذين أجهزوا عليه وأمرهم فنصبوه قليلاً وفيه رمق، وأمر رجلاً فضرب عنقه حتى أبانها، وضرب ضربتين أو ثلاثاً في وجهه.
أخبرني رجل من المسلمين الثقات ممن كان خالط القوم بعد الوقعة قال: رأيته عليه السلام وليس في بدنه جميعه إلا الطعنة، وثلاث ضربات في وجهه لم يسل منهن دم؛ لأنه عليه السلام هلك من الطعنة.

قال الراوي: ثم لحق الناس بعضهم بعضاً إلى ناحية الجبل فانتهبوا جميع الثقل، وكان جل من أخذ الثقل الصيد، ولما بلغ أصحاب الإمام الجبل ولم يروا الإمام عليه السلام اضطربوا مع أنهم لم يصدقوا بقتله، ومنهم من زعم أنه صدر جهة الجوف، فصعد العسكر بأجمعهم الجبل المسمى صرات، وساروا طريق قواط حتى تكامل الناس[157ب-أ] على بركة شاطب وعند ذلك سقط ما في أيديهم، وأيقنوا بقتل الإمام، فتفرقوا من هنالك منهم من صدر إلى صعدة، ومنهم من صدر الجوف، ومنهم من صدر بلاد حمير، وهم: الأمير المجاهد أحمد بن محمد بن حاتم بعد أن أبلى ذلك اليوم وأصيب بسهم في عنقه وأشرف منه على الموت، وصدر الأمير إبراهيم بن يحيى أخ الإمام ناحية حصنه المعروف بالصرارة قريباً من الأقهوم، وصدر الأمير عيسى بن الحسن بن محمد بن الأمير جهة غربان في جماعة من أصحاب الإمام.
قال الراوي: ثم إن الأمراء الحمزيين لما انجلت المعركة وبلغهم قتل الإمام اجتمعوا إلى الموضع الذي صرع فيه الإمام عليه السلام فقاموا قليلاً على مقتله، ثم ولوا عنه جذلين فرحين كأنهم ما رأوا في الدنيا فرحة كتلك الفرحة.
أخبرني بعض الناس أن الحسن بن وهاس لما بلغه قتل الإمام وهو في ناحية نزل عن فرسه وصلى ركعتين.
وأخبرني بعض الناس أن الفقيه أحمد بن حنش نذر على نفسه لئن قتل الإمام المهدي رضوان الله عليه ألف ركعة.

وأخبرني بعض الناس أن بعض أصحاب الحسن بن وهاس لما رأى صريعاً أخذ يرمي بسيفه الهوى ويتلقف ويقول: ألا يا يوم السرور، ثم إن الرصاص أو بعض الناس أمر فحملت جثة الإمام بعد أن احتز رأسه وأمر به إلى ظفار، وطيف به في السكك، وعبث به ضروباً من العبث، مثل به مثلة شنيعة، وسمع من الكلام الردي الفاحش ما لا يجتري أحد أن ينطق به، فلما حمل الجسد الشريف كرمه الله أمر الرصاص أن يدخل إلى خيمته فجعل في جانب منها قريباً من محط النعال، وأتى الناس أفواجاً ينظرون إليه والرصاص في خلال ذلك يؤذيه، ويتكلم مع كل داخل بصنف من الأذية، ويشير إليه حتى مقته الناس وسخروا به، ويغري الجهال بأذيته ونقصه ويتأوه تأوهاً وتفاخراً و أنه لولا قام عليه لما جرى ما جرى ولم يدر أنه بذلك خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
(قصة قبره عليه السلام )
أخبرني بعض بني العم قال: لما كان بعد الوقعة لم أبرح حتى استأمنت القوم ودخلت محطة القوم، وتلطفت في قبره، قال: فلقد كاد الناس أن يقعوا بي من الحمس عليه والكراهة، قال: فلما حفر قبره أدخلته أنا ورجل آخر من الأشراف ورجل من أجوارنا، ثم دفناه في موضع يقال له ملاعب عند السرعة في وادي شوابة.
قال الراوي: فأقام رأسه عليه السلام في ظفار إلى بكرة الجمعة، ثم أمر به، ثم استخرج جسد الإمام من قبره ثانياً.
حدثني بعض الثقات قال: سمعت الرصاص وهو واقف على قبره يشير إليه بالتوبيخ والأذية، ويجرئ الناس على أذيته. فالله المستعان.
فلما استخرج جسده وأمر بإدخال رأسه مع جسده، ثم دفن رحمة الله عليه ورضوانه.
وكان استشهاده ضحى النهار يوم الأربعاء لليلة أو ليليتين بقيتا من شهر صفر سنة ست وخمسين وستمائة[158أ-أ] فصح مدة عمره سلام الله عليه ثلاثة وأربعون سنة وثلاثة أشهر وسبعة عشر ليلة. والله أعلم.
وصح مدة قيامه عليه السلام عشر سنين ونصف شهر.

قصة من استشهد معه ذلك اليوم
استشهد معه ذلك اليوم شريفان أحدهما عبد الله بن محمد بن جعفر القاسمي من غربان، والثاني من آل أحمد بن مظفر أهل براقش، واستشهد معه الفقيه الطاهر المعلى بن عبد الله القيسي، واستشهد رجل من جنب، وخادم مولى كان مع الإمام من أهل ثلاء.
وأخبرني بعض الناس أن عدة القتلى كانوا إحدى عشر رجلاً. والله أعلم بالصحيح من ذلك. ولم أعلم بأحد منهم قبر إلا الإمام والرجل الجنبي بل مثل بهم وتركوهم للسباع، وكان استشهاده رضوان الله عليه عند مضي ربع النهار من يوم الأربعاء أو دون ذلك، وتواترت الأخبار أن التتر من الترك قتلوا في ذلك اليوم آخر الخلفاء من بني العباس، وخليفتهم في ذلك الأوان المستعصم بن المستنصر بن الناصر واستولوا على بغداد وأهلها ووضعوا فيهم السيف أياماً حتى لم يبق من الخلفاء أحد، بل استأصلوا شأفتهم، وقيل: بل كان قتلهم قبل قتل الإمام بيومين أو ثلاث، وزال ملكهم، وقد مضى خمسمائة سنة، فسبحان من لا يزول ملكه، ولا يغلب سلطانه.
وأقام القوم في محطتهم تلك، وكتبت البشارات إلى سلطان اليمن الملك المظفر والي أقطار اليمن، وبلغ عند الباطنية القرامطة ومن يجري مجراهم من المسرة بقتله ما لم يسمع بمثله، وأمروا في مداين اليمن بإشادة البشارات، ونشرت الكساء على الخانات والأسواق، وأعلن بالمنكرات، وكانت له الفضيلة المشهورة في عدن عند التهنئة بالأشعار لوالي عدن المسمى بالخوري ما نذكر طرفاً عند فضائله المشهورة بعد قتله، ونهض القوم ثالث قتله أو رابعه إلى الموضع المسمى المزهرة من غيل شوابة، ولم يبرح الرصاص يفتل الأمراء الحمزيين على الذروة والغارب حتى بايعوا الحسن بن وهاس بالإمامة، وتسمى بزعمه بالخلافة.

49 / 56
ع
En
A+
A-