الوجه الثاني: إنا قد بينا القول في قصتهم أولاً وأنهم بغاة طغاة، وللإمام قتل الباغي على المسلمين، وعلى أن هؤلاء ليس بصفة البغاة بل هم أغلظ حكماً، وأعظم جرماً من انتهابهم حرايم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاب أموال الأيتام والمسلمين، ونكثهم[152ب-أ] لبيعة أمير المؤمنين، وتأليبهم وقيامهم على من أجمع على هلاك المسلمين، وشق عصا المؤمنين، وعلى أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يأمر بقتلهم ولو كان يعتقد جوازه، بل لم يكن قد وصل، بل لما وصلت قادمة الجيش والقوم فيما هم فيه من الحرب والمناصبة ناصابوا منهم أولئك النفر، ولو كان مثلاً من المسلمين غير البغاة وغلط بهم العسكر لكان جبرانهم على بيت المال دون أن يلزم الإمام في ذلك حكم، وهذا لا يلتبس إلا على من ران على قلبه الريب، على أن هؤلاء النفر لو رجع بهم إلى حكم الأصول في أشكالهم وأمثالهم لجاز قتلهم على وجه أن منهم من لا يعرف التوحيد إلا لفظه، ولا يقيم صلاة ولا يعرف بوجوبها، ولا يخرج الزكاه، ولا يتحرج في يمين، ولا يكف يده عن سرق ولا ظلم إلا أن لا يقدر عليه أو يخاف سطوة من غيره، ومن فتش أحوال هؤلاء القوم عرف ذلك، وكم قد قتل أئمة الهدى بحكم الله تعالى ممن هو أقرب إلى الدين من هؤلاء النفر وإنما أردنا أن نشير بهذه الإشارة لمن لا يعرف أصل القصة. فالله المستعان.
وكانت الحادثة في أخذ ذروة وبغي حسن بن وهاس، والرصاص ومن قال بقولهم على أمير المؤمنين، وانتهاك حرايمه، وانتهاب أيتام أخيه، وما جرى في ذلك في ليال خلت من شهر صفر سنة ست وخمسين وستمائة.
[قصة مصاب أمير المؤمنين عليه السلام]
قصة الخطب الأعظم والروع الأكبر الذي عم المسلمون وهدم قواعد الدين في جميع الأرضين وهو مصاب أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الراوي: ولما أراد الله تعالى أن يكرمه بالشهادة ويزلفه إلى أعلى درجات الكرامة التي خص بها المجاهدين في سبيله والمحامين على دينه كان ما ذكرناه من خروج هذه الفرقة عليه طمعاً في الدنيا، وهلعاً ورغبة في لعاعتها، وابتهاجاً بزينتها، وتطلباً لرياستها، وجعلوا دأبهم تطلب المطاعن عليه، والدسيس على من لا بصيرة له، فمن كان مخلداً إلى الدنيا أتوه من قبلها، ومنوه بها، وأنه يكون ذا شأن وحال فوق ما هو عليه حتى استهووا طائفة من الناس بذلك، ومن كان متمسكاً بطرف من الدين استدرجوه بشبهة قد زخرفوها، وتخريصات قد نمقوها، ومن أعجب العجائب أنها ما مرت المدة القريبة بعد قتله رضوان الله عليه حتى ركب من ركب من القوم صهوة ما كانوا يطعنون، ودخلوا فيما كانوا يعيبون فعمدوا إلى ولاية الذين كانوا يطعنون بهم فولوهم على المسلمين، وأضافوا إليهم من هو أشر منهم حالاً، وطلبوا المطالب التي كان أمير المؤمنين يطلب دونها للجهاد في سبيل الله ......... في المعاش، ونكحوا بها المناكح، وأنفقوها في غير المصالح، حتى لقد قيل في بعض الفروق: إنه فرق الغرس. فالله المستعان.
ولقد فرق حسن بن وهاس فرقاً في الشرفين حتى رأيت بخط بعض ولاته من أقاربه على وجه التعليل أن القيراط الواحد صح عليه ألوف ومئيين أنسيت كميتها إلا أني أحسبه ذلك اليوم سبعين ألفاً أو نحو ذلك، وكم عسى أن أذكره مما كان يأخذه أولاد صفي الدين بأمر حسن بن وهاس هذا مع هضم الضعوف والمساكين، وأخذ أوليائه من الصيد وغيرهم من الناس بضروب من البغي الليل بالسرق وتسلق الحيطان ونصب السلالم، والنهار بالتمكن في الطرقات وقتل الناس فيها حتى لقد كان الحجاج يأتون من مكة حرسها الله آمنين حتى يصلون إلى قريب من الصيد ثم ينهبون ويؤخذون، وكذلك التجار، والذين يضربون في الأرض جعل لهم في الطرقات أرصاداً يأخذون فيها شقصاُ من أموالهم، فكم من يتيم قهروه، ومن ضعيف سلبوه، ومن أرملة نهبوها، ومن حرمة انتهكوها، حتى أدال الله منهم كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا}أخذهم الله بذنوبهم، وسلط عليهم من لم يرقب فيهم الحرمة التي قطعوها، ولم تراع فيهم الوشيجة التي وضعوها.
رجع الحديث
وأقام أمير المؤمنين في محطة الإقلاع بقية يوم الأربعاء والخميس، فطلع إليه طائفة من الأطهار العلماء فراجعوه وباحثوه فوجدوه عليه السلام فوق ما يعهدون من السيرة المرضية، والأخلاق النبوية، رؤوفاً بالمسلمين، حريصاً على صلاحهم واجتماع كلمتهم، فانصرفوا عنه بقلوب صافية، وحجة وافية، وراجعه الأمير الكبير شيخ العترة الهادي بن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن الهادي أيضاً فيما عنده لما كان استدرجه القوم، فكشف لهم الغطاء فيما عنده، وحكم ببغي القوم على أمير المؤمنين فيما فعلوه في ذروة، وقال لبعض من حاوره وقد حكى هجوم القوم على ذروة وأنه ما أمكنه أن يتوضأ لصلاة الفجر بل تيمم للصلاة لما اشتغل بتثبيت المراكز، وإعداد العدة في تلك الساعة، فقال له في محضر من الناس: الذي فعلته أوجب من الصلاة، أو أولى، هذا في مشهد عظيم من العلماء.
قال الراوي: وكان ذلك الأوان أعظم ما يكون من الجدب، وانقطاع المناهل، فأعلمني من أثق به أن الشربة الواحدة من الماء بلغت درهم أو نحو ذلك، وبلغ الغرب الواحد وهو ملئ مسك الشاة قيل: تسعة دراهم أو نحو ذلك حتى ضج الناس، وخيف على الخيل والبهائم من العطش، فلم ير أمير المؤمنين إلا النهوض من الإقلاع وقد اجتمع معه عسكر عظيم من الخيل والرجل.
أخبرني من أثق به أن عدة الخدم الذي تجري عليهم النفقة من أهل الحصون كانوا ألفاً ومائة فيهم نيف ومائة الذين يرمون بالقسي الفارسية دون غيرهم من الناس، فنهض أمير المؤمنين ضحوة النهار يوم الجمعة بعد أن قبض الرهاين من بعض قبائل الصيد ممن أصغى إلى القوم، ولم يقم الجمعة في ذلك اليوم؛ إذ لم يكن يرى بوجوبها في السفر.
قال الراوي: ولما عزم على النهوض أمر شريفاً من بني عمه وهو أحمد بن يحيى بن علي وأضاف إليه جماعة من العسكر، وأمره بالوقوف في قصر ذروة وحفظها ليلاً ونهاراً حتى ينصرف من سفره وينظر في صلاحها، ثم إن الأمراء من عسكره تقدموا أولاً فأولاً حتى خرج أولهم عن الشطبة وصاروا في بلاد أهل أبي الحسين بالكولة، و أمير المؤمنين قريباً من الشطبة، وتأخر بعض خدام الإمام ساعة في المحطة بحيث لم يشعر أحد به ومعه عدة أمير المؤمنين ولامة حربه درع حصين، ومغفر، وبيضة وغير ذلك، فقد تمكن رجل من عيال أسعد بن ستر من أهل يناعة في جماعة وكان في موضع وعر فقاتل القوم حتى كثرت فيه الجراحات فنجا بنفسه وفرسه فأخذوا عدة الإمام عليه السلام.
فأخبرني من أثق به أن حسن بن وهاس قلبها بيده فرحاً مسروراً وطالب القوم في خمسها، وبلغ العلم إلى أمير المؤمنين فأمر طائفة من العسكر فلم يظفروا بالقوم، وسار العسكر حتى هبطوا نقيل أثافت المعروف، وحطوا في شرقي البرمكة المعروفة بدماج، ولم يزل العسكر تواتر حتى دخل الناس، وبلغ العلم أمير المؤمنين أن رجلاً أو رجلين عدى عليهما في نقيل ثافت عند العشاء فقتلا واحتزت رؤوسهما، وأن الذين عدوا عليهما جماعة من الصيد. والله أعلم. وحملا إلى الحسن بن وهاس، والرصاص، وهذه الرواية سمعتها ولا أتحقق صحتها.
وأمسى الإمام عليه السلام في دماج فأكرمه المشايخ الأجلاء بنو المكم، فلما أصبح وصلى الفجر كان أول داخل عليه الأمير الكبير المجاهد شجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم بن الحسين العباسي ثم العلوي بدرع ومغفر وبيضة، ووضع الجميع بين يدي أمير المؤمنين، وأقسم بالله يميناً ليكون هذا عوضاً عما فات على الإمام، فشكر أمير المؤمنين صنيعه ودعا له بخير وأثنى عليه، ثم نهض أمير المؤمنين من دماج بكرة السبت لسبع أو ست بقين من شهر صفر سنة ست وخمسين وستمائة حتى هبط وادي مسلت وفيه يومئذٍ زوجته الشريفة الطاهرة الفاضلة ابنة الأمير الكبير الناصر لدين الله محمد بن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما وصل أمير المؤمنين استقبله أهل الناحية بالمسرة، وأظهروا له أناس غير ما في نفوسهم ممن كان صنعوه مع القوم فتعمد لهم وقبل ظاهرهم، وكانت خليقته الحياء والصفح، وأمر بضيافة العسكر جميعه في داره، فأكرم الناس جميعهم، وأحسن ضيافتهم، وكان زمانه أزمة كما ذكرنا، كان الصاع في ذلك الأوان بدرهمين وأكثر الحنطة، فلما كان من الغد وهو يوم الأحد بلغه عليه السلام أن حسن بن وهاس، والرصاص ومن استنصروا به من الأمراء الحمزيين نهضوا من محطتهم بالحيس شرقي يناعة وحطوا في وادي ورور وأنهم يريدون المحطة في غيل شوابة لحصد زرايعها وأخذ أموال المسلمين والرعايا والضعوف بأجمعها ويشحنون بذلك حصونهم، ويتقوون به على ما هم فيه، ولم ير أمير المؤمنين أن له رخصة[154أ-أ] عن مدافعتهم عما راموه من ذلك لشدة الزمان، وعظم الأزمة، وحاجة المسلمين إلى ذلك من غير أن يقصدهم أو يبتديهم بحرب لما يرجوه من رأب الصدع، وصلاح العاقبة، وكراهية لما نهج من ثائرة الفتنة، فلما استقر في مسلت ذلك اليوم وهو الأحد وكان عنده ابن عمه إبراهيم أخ الأمير أحمد بن القاسم في صرم حديث فيما بينهم فانصرم الحديث فيما بينهم في هذا اليوم
المعين.
(قصة نهوضه عليه السلام إلى وادي شوابة، وما كان هناك من الخطب العظيم من استشهاده رضوان الله عليه)
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: لما دخلت سنة ست وخمسين وستمائة كثرت الروايات من المتكهنين وأهل الأحكام النجومية وذكروا طرقاً مختلفة.
فمن أعجب الروايات أني سمعت رجلاً ممن يعرف في علم ......... في الرمل يوم الأحد قبل أن يقتل الإمام بليلتين وهو يقول للإمام في ذلك ويذكر هبوطه وادي شوابة ويحذره ذلك، وأحسب أنه من طريق الحساب.
وأخبرني الأمير الكبير ابن عم الإمام أحمد بن القاسم وقد كنت وصلت إليه لأمر الإمام لصلاح ما بينهما بما معناه: إن دولة الإمام إلى صفر وكان حديثه لي في شهر القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة أو في أول ذي الحجة.
وأخبرني من أثق به من بني العم عن بعض أمراء بني القاسم أهل غربان أنه حدثه في يوم الثلاثاء قبل أن يقتل الإمام بليلة أنه قال لي: يا فلان، إن أهل الحساب يقولون: لو لم يبق من شهر صفر إلا يوم واحد لقتل فيه الإمام أو معنى ذلك.
وأخبرني بعض العلماء الأطهار عن رجل آخر ممن يتعاطى معرفة الزيج أنه قال له: يا فلان، إن أتى شهر ربيع الذي بعد صفر من هذه السنة وعاد الإمام قطعت يدي.
وأخبرني رجل أيضاً عن روايات أسندت إلى قوم من الباطنية دمرهم الله تعالى أنهم قطعوا بذلك في حسابهم على قتل الإمام في شهر صفر واستبشروا بذلك.
وأخبرني رجل من الأطهار عن ملحمة قديمة ذكر فيها الإمام المهدي أحمد بن الحسين عليه السلام بنعته وصفته، وأنه يقتله رجل من الأشرار، ثم ذكر صفة الذي يخرج عليه، وأنه يؤخذ قسراً أو يموت صبراً وغير ذلك من الروايات من الجهات المختلفة.
قال الراوي: ولما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة ست وخمسين وستمائة نهض أمير المؤمنين عليه السلام يريد شوابة لما ذكرنا من صنع القوم عن أموال المسلمين ودفعهم عن الضعفاء والمساكين، فنهض في عسكره مع من انضم إليه من قبائل همدان، فسار في عسكر وافر وجيش متكاثر حتى هبط على قرية شوابة من طريق شاطب حتى صار إلى قرية الحارة، فأمر بالمحطة فيما بين القرية وبين البركة في مزرعة تسمى سباعة، وأمر صايحاً بالشدة على العسكر من المعرة والنعيق على أهل البلد [154ب-أ].
ولما علم القوم بنهوضه عليه السلام إلى شوابة نهضوا في ذلك اليوم الذي نهض فيه قاصدين لحربه ومناصبته، وقد انضاف إلى المبتدعة من طغام الجهال من الشيعة طائفة يحرضون الأمراء الحمزيين على القتال ويتكلمون ......... فاستقرت محطة القوم في موضع يسمى السرعة وأغارت خيلهم ورجلهم فانتهبوا شيئاً من زرايع الرعية في غيل شوابة وروعوا الناس والضعوف، فلما كان يوم الثلاثاء ثاني وصول أمير المؤمنين إلى شوابة أمر عليه السلام بالأهبة ولباس العدة؛ لأنه لم يأمن مكر القوم، وركب في أكثر عسكر حتى أشرف على أقطار الوادي ورأى محطة القوم، ثم إن القوم ركبوا خيلهم وصمدوا إليه قاصدين لقتاله، ولم يكن عليه السلام يريد أن يبدأهم بحرب، فلما تراءت الفئتان استدعى حسن بن وهاس وأصحابه برجل من أهل صعدة وأمروه إلى الإمام بكلام المعجبين بنفوسهم المتطاولين على غيرهم يسومونه بالخسف، ويريدون له النقص، ويضمرون بذلك قتاله، ويرجفون عليه أن الذين معه قد صارت قلوبهم معهم وصغوهم إليهم، ويطلبون أن يلقاهم في عدة معلومة ويناظرونه على ظهور الخيل، فأجابهم عليه السلام بأحسن جواب وألطف خطاب، وأنهم إن أحبوا حكم الكتاب الكريم والسنة الشريفة فحباً لهم وكرامة، وكان يفعل لهم ما يطلبونه من الوثيقة فيمن يصل منهم، ولم يكن قصد القوم إلا التحكم عليه وتضعيف أمره، فلما لم ينزل لهم على حكم ولا وجدوا فيه مغمزاً ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وانصرف أمير المؤمنين عليه السلام إلى محطته، ثم أمر بإقبال الناس إليه مجتمعين، فتكلم عليه السلام مع الناس ووعظهم وذكرهم بالله تعالى، وندبهم إلى شكر نعمه، والاستمساك بحبله، والاعتصام بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، والالتزام بما أمرهم الله تعالى به من مبايعة إمامهم الذي قام لله غاضباً، وبذل نفسه في سبيله جاهداً، و قام في إجابته مجاهداً، ولم يأل جهداً في ذلك غير ناكل عن قدم، ولا واهن في عزم، وذكرخروج هؤلاء
المبتدعة وما هم عليه، وكشف للحاضرين لبسهم وأنهم يريدون فتكة يفتكونها، ومكيدة يفعلونها، وبدعة يحدثونها، وأن غير الحق يريدون، وعلى عوام المسلمين يلبسون، وأنه قد دعاهم إلى حكم الله وما يقضي به كتابه الكريم وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم وسيرة الأئمة السابقين الذين هم صفوة، وقدوة القدوة من زيد بن علي عليه السلام ومن قبله ومن بعده إلى القاسم والهادي وأولادهما إلى إمام الإئمة الذي هو سابق حلبة العلماء، وفخر السادة الفضلاء، العالم الأعلم أبي محمد المنصور بالله أمير المؤمنين عبدالله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله، وذكر جملة للحاضرين من الكلام وغيره، وعين من قد أرسله من السادات وأهل العلم وكبار الناس كل ذلك رغبة في صلاحهم، وأن لا يشق[155-أ-أ] عصا المسلمين بسببهم، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ازدادوا كبراً وفي أنفسهم عجباً، وظنوا أنهم قد أدركوا غرضاً، وهيجوا في قلوب الجهال مرضاً، ثم عرف الناس قصدهم وأنه لا يبدأهم بحرب إلا أن يقصدونه، وأن الذي حداه لما هو فيه إنما هو للمدافعة عن أموال المسلمين، والحماية للمستضعفين ممن لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، هذا معنى ما تكلم به مع ما أظهر من الشدة والرفق بالناس من المعرة.
قال الراوي: فلما تكلم أمير المؤمنين بالكلام عرف المحققون أن القوم على غير حق، وأن دعواهم عليه في جميع ما يدعون بجانب من الصدق، وأقام العسكر في محطتهم يوم الثلاثاء وليلة الأربعاء، فلما كان يوم الأربعاء أمر أمير المؤمنين بالنهوض إلى هضب مشرف على غيل شوابة مطل على عين الكابة ليقرب الناس من الماء والكلأ ليكون بمعزل عن المحطة من الغيل خوفاً من المعرة، ويدفعون القوم إن قصدوا أخذ أموال المسلمين.