من عبد الله المهدي لدين الله أمير المؤمنين، ورد كتاب الشريف السيد الفاضل المعظم شرف الدين، والفقيه الأجل الطاهر تقي الدين شيد الله مجدهما، وأسعد جدهما، وأتحفهما بأفضل السلام، وأكمل التحية والإتمام، وتحققنا ما ذكراه من وصول كتاب أحسن بن وهاس إليهما، وكلامه الذي يقفوا فيه آثار الصوفية والمقعقعين، ونحن ممن لا يقعقع عليه إنا لشنان، ونحن عاتبون عليكما في الأجوبة الأولة لأنه لكما، وترك الجواب عليه فكان يصلنا كتابكما بذلك، ولعل لكما عذر فأما هو بمعذور لأنه كتب تذكره ناقص فيها ذكرا أنه يريد التوصل والتبادل، وإفشاء السلام، ولم يعمل شيئاً من ذلك لأنه سلم عليه فما رده، وأمرناه بالوصول فما وصل بل قاطع بأن كتب إلى الجهات وبث دعاية فيها يوهم الناس إيهامات ويرمز لهم رموزاً وهي كانت في نفسه من مدة قديمة استبطأ خروجها فأخرجها، وهو يظهر للناس أنه يريد صلاح الشيعة، وجمع كلمة أهل البيت عليهم السلام، وما ذلك أراد، فأما الشيعة فهو ذكر لنا يوم وصل إلينا إلى بيت ردم بعد خروجهم من حوث أنه رأى في المنام أن فداه ثور وأول ذلك أن خروجهم فتنة العجل فمتى قد رجع من هذا.
فأما قوله: ليس دونه دون ما يريد غير أنه يكتب إلى كل حصن فيحيط من بإزائه عليه، فهذا من الأباطيل التي هو محمول فيها على أحد وجهين:
أما رؤياه في المنام فمناماته لم يصح لنا أنها وحي، وإما تخيلة من التخيلات السوداوية فأهل السوداء يتخيلون أكثر من ذلك، وإنما جازت عندكم هذه الأساطير والتمويهات التي قد حازت على ضعفة الناس، وروجها في خلوة منه بنفسه ومن دون ما يروموه فأمر الله تعالى بإعداده لمن قصد الإفساد في الدين والبصيرة نافذة، والنصر بحمد الله باق والعقول سليمة، والآراء قويمة.
فأما قولكم: لم يكن يصلح أن يبدي بشيء، فلم يبدأه بشيء حتى بث دعاته في الأقطار يعلن بأنه ليس على الحق إلا هو وأنه يدعوهم الاستعانة بهم على ردنا عن الضلال، ومتى ضللنا أيوم حاربنا الملاحدة الجاحدين؟! أو يوم حاربنا الظلمة المتمردين؟! أويوم أعلينا أمور الدين وقمعنا براجم المفسدين؟! وإنما الضلال من ادعى ما ليس له، واستعان بجبابرة الأمة على محاربة إمام المسلمين.
فأما الشيعة فإنهم وإن كانوا علماء فليسوا بأعلى حالاً بعد عنادهم وشقاقهم من الذين خرجوا على أئمة الحق الهادين كأصحاب علي عليه السلام وهم عيون أهل بدر ووجوه الصحابة فلم يعصمهم ذلك من خلاف الحق، وهلم جرا ما قام إمام إلا وعارضه من الشيعة من أفسد عليه، هذا إمامنا المنصور بالله عليه السلام خالف عليه من هو أكثر من هؤلاء علما وأبلغ برئاسة كيحيى بن جعفر، والحواسي، وأبي القاسم التهامي [141أ-أ]وكبار المطرفية كانو أعظم عند الناس موقعاً من هؤلاء فلم يستوحش لفراقهم، وعاملهم بما عامل آباؤه أمثالهم من أهل البدع، وكذلك يفعل من رجع بالحجة الواضحة، والبيان الظاهر وإلا حكمناه إلى ما يرده صاغراً إلى الحق.
ومن العجايب أن الحسن بن وهاس لم يزد يعرف لنا اسماً يستحل أن يذكرنا به ولو تحدثنا في هذا الشأن علم الناس من هو معروف، ومن ينتهي به الحال إلى الجهل، فأما الذي يجري من ولاة الأئمة فلو كان مبطلاً لإمامتهم على الإطلاق لأبطل نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما جرى من ولاته، فقد قتل خالد بن الوليد بني جذيمة ولم يعلم أن أحداً من ولاتنا انتهى إلى عشر العشير مما فعل فلم يؤثر ذلك في نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل خبر ما فعل وأن فعله في بني تميم لم يبطل إمامة أبي بكر عند من يعتقد إمامته، وإنما الجهلات بأمور الدين توجب هذا وأكثر منه، وأكثر السير اجتهاديات فهلا حملوها على اختلاف الاجتهاد، ولم يحملهم الحسد والبغي على بطلان ما قد علموه علماً يقيناً من ثبوت هذه الإمامة التي رسخت أصولها، وبسقت فروعها، وأناخت بكلكلها على أعداء الدين، وثقلت بوطأتها على من نفسه ......... على الأئمة الهادين.
فأما احتجاجكما بفعل علي عليه السلام في أنه لم يبدأ الخوارج بحرب، فليس الكتب حرباً، وإنما هي إنذار وتحذير من كيد هذه الفرقة التي قد رامت مكيدة الإسلام، ومهما التبس من أمرهم فلم يلتبس ما أمروا به إلى أحمد بن قاسم أنك تمسك الحصون التي في يدك، ولا تسلمها إلى من استودعك إياها، وكل مسلم منا يعرف أن هذا من أعظم الفساد على المسلمين؛ لأن أحمد بن قاسم لا شك في كفره، وخروجه من الدين بموالاته للغز ورهينته عندهم واستنصاره بهم، وكذلك فإنهم كتبوا إلى الأمير شرف الدين الحسين بن محمد بأنه لا يصل إلينا يرومون بذلك بعده من الحق، ونحن الموكلون بقمع الفساد، وأهله وإظهار [.....بياض في المخطوط.......].
وهذه نسخة جواب كتاب في ذلك الأوان إلى السيد العالم المطهر بن يحيى والفقيه محمد بن أحمد بن أبي الرجال من السيد شرف الدين الحسين بن محمد بن الهادي عليه السلام أوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله.
ورد الكتاب الكريم من المجلس العالي النبوي الحسني اليحيوي الفخري فخر الملة والدين، المستصفى من عنصر الشرف المبين، والحضرة العالية الأجلية الفقيه الأجل الأعز العالم تقي الدين وخيرة المسترشدين جدد الله سعدهما وأورى في الخير زندهما متضمناً سني سلامهما وحفي إلمامهما فالله تعالى يخصهما بسلام أصحاب اليمين إذا قيل لهم ادخلوها بسلام آمنين، وقيض سرعة اجتماع لا يشوبه انصداع إلى قوله منطوياً على ما حققناه [141ب-أ]من تفرق الآراء، واختلاف الأهواء، وتلك سجية قد هلك بها كثير من القرون الماضية، والأمم الخالية كما أنبا الله رب العالمين بقوله في كتابه المبين: {وما اختلفوا إلا من بعد ما جائهم العلم بغياً بينهم} ونظائرها كثير، واختلف الصحابة وهم خير أمة أخرجت للناس، وقد عرفوا الآيات، وشاهدوا المعجزات حتى قتل منهم الجم الغفير، والبشر الكثير، قتل منهم في حرب الجمل مقدار ثلاثين ألفاً، وفي صفين مقدار مائة وعشرين ألفاً أو دون ذلك أو فوقه، ومرقت فرقة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، وخرجوا عليه فقتلهم إلا القليل، قتل منهم ليلة الهرير ستمائة قتيل فهذا غير بدع، وقد بين الله تعالى الدليل، وأوضح السبيل {ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي من حي عن بينة} ووالدنا أمير المؤمنين مع ظهور فضله، وعلو قدره، ووضوح أمره لم ير الحرب للبغاة إلا بعد عرض الحجة والبصيرة، ثم قاتلهم وقال: لم أجد بدا من قتالهم أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف بمن دونه فقد كان الواجب هو التبصر والتبيين، والسؤال عما التبس من السيرة المهدية، فذلك عادة علماء الزيدية مع أئمتهم السابقين، اعترض الهادي عليه السلام في المعونة فأجاب بجواب معروف، وفيه بيان غير مستتر بل مكشوف، واعترض على المؤيد بالله فأجاب بما هو مسطور، وكذلك الأئمة بعدهم كالمتوكل على الله ، والمنصور بالله عليهما
السلام كاعتراض الفقيه العلامة أبي القاسم التهامي السليماني رحمه الله، واعترض من اعترض في السبا ونحو ذلك، وأجوباته محفوظة معروفة فما على السائل والمسئول نقص، وقد كان أصحاب علي عليه السلام يعترضون عليه، ومن جوابه لهم: أيكم يأخذ عائشة في سهمته، وهؤلاء العلماء قد أشرت إليهم مع الفقيه مسعود بن عمرو بما عرفه، ولم يرجع منهم جواب، وأمر على يد الأمير مجد الدين بما عرفه أيضاً، وأنكرنا كما أنكروا، ووصل البيان من الإمام والتبصر منا ولا غضاضة علينا ولا نقص في ذلك، وقد سألت عن بعض ما أنكرت فأجابني بأحسن جواب، وأنا غير متخلف من السؤال عما بقي، وما طلبناه من العناية في المراجعة والعلماء بين أحد وجهين: إما أرادوا الوصول إلى الإمام لقيناهم الرفاقة المؤكدة ووصلوا، وباحثوا وبينوا وأخذوا البصيرة، وإما صدروا الاعتراضات في كراسة وصدورها إلى عندي، وراجعت فيها الإمام وأمرت إليهم بجوابه، وما يتعبوا فيه عادوا إلى جوابهم ثانية وثالثة، حتى يتبين لهم أنه الحق ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم، قال الله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو السنة العادلة {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [142أ-أ].
وأما قولهما: أنه بلغهما أني بايعت الإمام، فقد بايع الكل قديماً على ما بلغنا، وقد بايعته على أني منه في طاعة الله تعالى موال لوليه الذي هو ولي الله ومعاد لعدوه الذي هو عدو الله وهذا هو الذي ينبغي أن يتابع عليه من الأئمة، أما ظاهر اللفظ أو مضمرا فيه حتى لا يجوز خلافه فما في هذا من مطعن أو خلل في الدين.
وأما ما ذكره الولد فخر الدين من أني أجوب السيد شرف الدين الحسين بن وهاس إذا جوبت جواباً شافياً رضينا فليعلم أيده الله تعالى أن كتابه قليل، وهو عكس الشرع والعرف قال الله تعالى {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} وهو إلى من يعبد الشمس من دون الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبتدئ بذلك في كتبه، ويأمر به حتى أني لا أعرف له كتاباً إلى مسلم أو مشرك إلا وفي أوله: بسم الله الرحمن الرحيم.
(حاشية) قال المصنف: هذا يدل على نهاية لأغوية ومحبة البدع، والإعراض عن سبيل السلف رحمة الله عليهم.
رجع
قال: ومنها أنه حذف السلام مع أنه أول كتاب منه إلينا مذ كان وكنا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجعل ذلك إلى بعض كتبه إلى المشركين على ما مثاله: سلام عليكم وإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو، وربما يكتب إلى آخرين السلام على من اتبع الهدى.
ومنها: أنه ذكر أنه بلغه أحاديث لم يعينها فنجيبه عنها مفصلاً.
ومنها: أنه صدر الوقعة لحق الكبر والرحم، وحق الهادي عليه السلام ولم يبين فيها غرضه الذي لأجله صدرها رعاية لهذه الحقوق، وقد أجبناه بجواب مثل ما ذكره، وجرينا عل سننه، والله تعالى نسأله أن يهدينا إلى مراشد الأمور، ويأخذ بأزمة قلوبنا إلى الحق، ويعصمنا عن اتباع الهوى، وتقليد الرؤساء، وأن يصلي على محمد وآله الأكرمين.
قال الراوي: فلما وصل هذا الكتاب وقرئ في المجامع تحقق للناس بغيهم على أمير المؤمنين وانكشف باطن سرهم، وتبين للمخلصين دقيق مكرهم، فحذر الناس منهم وجرى عليهم اسم المبتدعة الناكثة، ثم إن الأمراء الحمزيين انتهزوا الفرصة، وبذلوا للقوم ما يحبون منهم من استماع كلمتهم، والمسير بين أيديهم.
(قصة خروج الحسن بن وهاس من ظفر إلى ظفار ثم إلى الظاهر وطلوع الرصاص وحربه من المغرب)
ثم إن الحسن بن وهاس كاتب القبائل في جهات الظاهر وغيرها وأورد على ضعفتهم شبهاً ومناهم بكشفها، وزخرف لهم مقالات كاذبة، واستهواهم بخدائع باطلة وأظهروا البراءة مما بينهم وبين الإمام، وأذنو بالحرب، وأمر لمن كان حاضر من الأمراء الحمزيين فوصلوا إليه، ونشر رايته، ودخل ظفار فرقت به طعام التجار، ونهضوا من ظفار[142ب-أ] في عسكر من الخيل والرجال وخرج معهم جماعة من متفقهة المبتدعة حتى وصلوا إلى مسلت وأمسوا فيها ليلتهم، وأظهروا للناس من التعفف والوقار، وتحدث الحسن بن وهاس في مجمع من الناس، وطعن على أمير المؤمنين بالمطاعن الواهية، والتحرضات الباطلة، ثم التقى بالشيخ الرصاص وأصحابه، ثم نهضوا بأجمعهم بعد ذلك إلى رأس بني غثيمة وتلك النواحي، ثم طلع إليهم الرصاص وأصحابه، فلما التقوا به كان جعل رأيهم سب أمير المؤمنين وأذيته وإضافت الجور إليه، وأما من الأكاليم المتناقضة، والأكاذيب الفاضحة مالم يكن يخطر على بال، ولا يتجاسر عليه أحد ممن يتمسك بالعلم والدين حتى صار من سمعهم ممن هو يطلب الدنيا يسخر بهم، ولما ظهر ما كان نكثه من أصحابه الذين كانوا معه عرف بعضهم أن فعله خديعة وأن جعل العصب إلى الظفر لما يروم من الرئاسة ذريعة فرجع، وأسر إلى أمير المؤمنين التوبة إلى الله تعالى منهم الفقيه العالم أحمد بن علي الضميمي وغيره، ونهض القوم من الظاهر، ولما رأى الأمراء الحمزيين بين يديه بالخيل المطهمة والجنود المجندة تكلم الفقيه أحمد بن حنش وقال لبعض أولاد الإمام المنصور بالله: الصواب القدوم لنحط على الرجل في حصن مدع، فأكثر ما ينفق ألف دينار أو معنى ذلك فعجب الناس من قلة عقله وتمييزه، ثم إن القوم حطوا في دماج، واختلف إليهم الرسل ممن ظاهره الصلح وباطنه معهم وبلغ إليهم العلم بقدوم الأمير الكبير أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام من مدينة صنعاء فيمن معه فهبطوا إلى حمدة من البون الأسفل.
أخبرني الفقيه الطاهر العالم أحمد بن علي الضميمي أنهم لما التقوا تحدث الرصاص مع الناس حتى سئم الناس وسخر به كثير ممن هو محارب للإمام، ولقد أصابه في حلقه من كثرة الهذيان واختلاف البهتان والسب لإمام الزمان بحة، ولقد تكلم من بعد ارتفاع الشمس إلى قريب من منتصف النهار حتى صار لعبة للناس ومثلاً في الإقذاع والسفاهة، وانصرف القوم بأجمعهم إلى ضحيان، وكتب الرصاص كتاباً إلى أمير المؤمنين على ألسنة الجميع، وتصنع في الكلام وزخرفه لتختدع قلوب العوام، وهذه نسخة الكتاب حرفاً بحرف:
بسم الله الرحمن الرحيم
{يايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}.
موعظة وذكرى صادرة من المخيم المنصور بالبون (سلام عليك يابن رسول الله، فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، ونسأله التوفيق لجمع الكلمة وإطفاء ثائرة الفتنة، وصلاح ذات البين على ما يجب ربنا ويرضى.
أما بعد:
فإنك قد اقتعدت[143أ-أ] غارب الخلافة، ونصبت نفسك في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الخليفة أن يقفو أثر المستخلف فإن سار سيرته وحذى حذوه فهو الخليفة حقاً الداخل في إعداد الأبرار المصطفين الأخيار الذين عناهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وكانوا بآياتنا يوقنون} وإن تنكب هذا المنهاج، وأخذ في غير هذه الأدراج كان خارجاً عما دخل فيه بلا بد، وانتظمه قوله سبحانه حاكياً عن إبراهيم عليه السلام: {إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} وقد أنبأنا الله عز وجل عن محابه من الأعمال، ومساخطه هي جماع أوامره ونواهيه حيث يقول: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} وقد أنكرنا في هذه السيرة ما علمته، ولم نأل جهداً في النصيحة مكاتبة ومشافهة، وتخويفاً بالله العظيم ما تقلدت من هذه الإمامة الثقيلة، والعهدة الجليلة، وكان ذلك إسراراً فعاد إعلاناً حتى برح الخفا، وجاء السفراء باذلين لحكم الكتاب والعمل على أوثق الأسباب، ثم لم نشعر بعد ذلك حتى صيح بإهدار العلماء على رؤوس الأشهاد، وعثرنا على كتب سارت في البلاد فزاد ذلك النفوس نفوراً، وعاد ما سبق من المواعيد هباءً منثوراً، ولم يبق للكل إلا الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} والآن قد تنازعنا فالرجوع إلى الله تعالى هو الرجوع إلى محكم كتابه، والرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الرجوع إلى سنته الجامعة غير المفرقة، والعادلة غير الجائرة، فإن كانت الألفة واجتماع الكلمة فذلك ما كنا نبغي، وهذا من فضل ربي، وإن يكن الأخرى أخذ كل لنفسه من البصيرة ما تثبت به قدماه بين يدي الله سبحانه وتعالى {ليهلك من هلك عن بينة
ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم}، ولا بد من الالتقا والحضور لإحياء ما أحياه الكتاب، وإماتة ما أمات، وليكن لذلك موعد مضروب على الفور، والتقدير لذلك ثلاثه أيام، ويأخذ كل لنفسه من الوثيقة ما شاء، وليكن العددان على سواء، وليكن الموضع موضع نصف للكل مما يحضره جماعة الناس وسوادهم، وذلك هو قاعة على اليمن والبركة إن شاء الله تعالى، وقد صدرت يوم الخميس فليقع الجد والتشمير في هذا اللقاء المبارك كيلا تتجاذب أهداب هذه الدعوة، ويضرب بعضها بعضاً على غير بصيرة من دون إعذار اللهم اشهد، وكفى بك شهيداً، وأنت على ما نقول وكيل: {يايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله وسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [143ب-أ].
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم.
الجواب من الإمام المهدي عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله
{يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.
أما بعد: