بطبع وخيم أو لأمة خيم
بلائي ودفاقاً لحد غريم
أذو عصمة يسعى بنصر لميم
وأن شريكي المجتبى وقسيمي
جليل ورزء في البطاح عظيم
توسعها للوفد خلق كريم
حزاين وفد أو مناحر كوم
مذيلاً من المادي ثوب زعيم
ولا ينثنى عنها بحظ لؤوم
يحق عليه حلم كل حليم [134ب-أ]
بأنواره ديجور كل يهيم
فيسعى بها يأساً كل عديم
من البؤس والتكثار عدة موم
عويض وبيت بأرض وخيم
تباشير من وجه أغر وسيم
جواب سواها سوم نسوم
وكل رديني أصم تميم
وأحضر من نسل الوجيه حموم
إذ جد فيه الجد غير يتيم
بوجهك في وهج ولفح سموم
يزعزعها للحوم غير تؤوم
نجوم الدجى من بيضها بنجوم
منازله من مؤتم ومؤتم
يروقه ريح الصبا بنسيم
مباحاً وما عهدي بها بذميم
كريم سما عصا لخير روم
ورحمة رب بالعباد رحيم
مخلدة في نضرة ونعيم
لعسر وإما قامعاً لظلوم
تناجيك عن لوح عليك رقيم
وجود لوفد ظاعن ومقيم
ويتبع يطامي اسم كل مهيم
حكيم بأخبار الكتاب عليم
ولم يكترث من أمرها بجسيم
على ملكهم من حادث وقديم
كذلك يخشى عنه كل خصيم
وبأس وآباء سمت وعموم
ومدنف عليّ من علاه لطيم
شفا بفنون الوعظ كل كليم
كوحي قديم أو كرم وسوم
وأبذله عن بارص بهشيم
وجبلين من ترك هناك وروم
عن الطل محموماً ولفح جحيم[135أ-أ]
دبى شراب آسن وحميم
حراماً ولا أضحت بغير حريم
مدود وآل من ثلا وحزوم
وكم كلمت من بأسه بكلوم
غرام مصاب أو طلاب غريم
يساوي الورى من جاهد وحكيم
ولا راضياً إنجادنا بسليم
ولكن قضاء شامل بعموم
جديد وما أبقاه غير رميم
وأنت بقلب قد أناب سليم
وقال القاضي العالم ركن الدين مسعود بن عمرو العنسي رحمه الله:
ي الآمال يطويها الزمان
ننام عن الخطوب وقد علمنا
ونلهوا والحوادث كل يوم
تجاذبنا أزمتها نفوس
فكم فرح إلى أجل المنايا
على الأحباب والأيام عيص
ومن يعتب على غير الليالي
ألا مالي وللشهب اللواتي
تبيت تراقب الأفلاك مني
إذا نهنهت عبرتها استهلت
نعى الناعي إليّ فقلت وجداً
ثوى ابن القاسمين فأي عيش
شقيق خلافة وزعيم ملك
وفارس حومة ولرد خصم
ونعم مناخ شعث الركب آبوا
أمير المؤمنين شرفت عما
نظرت إلى المعاد فكل شيء
يراك الله من شجرات نور
محمد أصلها وابناه منها
مفاخر أين ذوا الأكناف منها
وقلدك الخلافة فاستقرت
أرادك أن تكون فكنت ظلاً
ونوف من كرامته رداء
فما عجب بأعجب من أناس
أتو بالعلج من بالموت يهوي
مقل يديه منان كريم
فكبر من بغداد ومصر
وزاد الله نورك منه نوراً
إذا أرخى عليك الله ستراً
فإن تجزع فقد كرت وكادت
وقد بكت الوفود الشعث حزناً
وأعواد المنابر والمذاكي
وإما تحتسب فالله منه
أخوك إذا دعوت أجاب طلقاً
أخ لك بعينه حتى تولى
أخوك وأنت أخو المعالي
فكم ثغر سددت به وثغر
مضى وإذا بقيت فكل خطب
وكل أخ مفارقه أخوه
تولى المرسلون وتابعوهم
وليس يدوم لا ملك كريم
مضى لبد ولقمان وعاد
وهل يبقى على الحدثان جار
شميم الوجه أخطب أحدري
................. كان بيتاً
أوالعصم التي بانت وطلت
أو الشيب الذي في كل يوم
أو الأسد الذي في غابتيه
تغنيه البعوض على مدام
هو الموت الذي لا ريب فيه
سوام الموت نحن فلا خماص
أمير المؤمنين أطيب عيش
فعد لبني أبيك بفضل حلم
فأنت لأن تسود الناس أهل
ولعت بودكم فبذلت نصحاً
فإن تقبل فقد خربت سري
فإن تطع العقارب حين تسري
?
?
وهل من حادث الدنيا أمان
بأن الخيل موعدها الرهان
لنا منهن قدح أو عوان
بهول ما لروعته أوان
كما نسير في الطول الحصان
دموعك إنها بان وبانوا
يجدها ما لسورتها ليان
تحور كأنها الإبل الهجان
جفون للسهاد بها معان
كما أرفضت من السلك الجمان
سليمان بن يحيى أم أمان
يطيب وأي صبر يستعان
ورب سطا يمور لها عمان
إذا لم يسمع الدعوى الجنان
بحوص لا تهب لها حران
به جرع لقوم وافتتان
سواه يعض منك له عنان
وعيدان الورى عرب وبان
وحيدرة وفاطمة الحصان
وما عبد المدان ولا المدان
بحيث أقر في الرمح السنان
ظليلاً للخلائق فاستكانوا
عليلك بساط ردنيه الريان
يرجوا أن عدلاً يستهان
كما تهوي إلى الأسد الأتان
وفاز بكل وافية كنان[135ب-أ]
وبابل من خلالك واستبانوا
كما زيد التمام الزبرقان
فما يجدي فلان أو فلان
تحن على سليمان الرعان
عليه والمكللة الجفان
وبيض الهند والأسل اللدان
لمحتسب ومحتسب جنان
يخوض الهول وهو به معان
وبين المجد عهد لا يخان
بنشد الحمد أرضعكم لبان
لأملاك فتحت به فدانوا
يهون فلا ألم بك الهوان
وإن طالا وإن طال الزمان
وهم فلك الهدى وهم الجنان
ولا ملك ولا ورع هدان
وكسرى فارس والمرزبان
ولاه إلى القلا رجعت رعان
له في كل صاحية ريان
توسط في سماويه بوان
يصوبها ويصعدها القنان
له في كل معركة طعان
نفوس الناس تفل أو وديان
من الدم مثل ما تشدو القيان
وقد أغنى عن الخبر العيان
تند ولا المعاجيد السمان
إذا باتت عن الكف البنان
فخير الذكر كان لهم وكانوا
وأهلك خير أهل أن يصانوا
يبرهنه عن القلب اللسان
وأصلح بينكم بيد شان
لأقوم بما صدقوا ومانوا
(قصة خلاف ابن عمه الأمير أحمد بن القاسم بن جعفر وأسباب ذلك)
ونحن نذكر الوجه الذي يليق: لما كان الإمام عليه السلام واثقاً بابن عمه المذكور في العهد التي كانت في ولايته من الحصون لخبرته به صغيراً أو كبيراً، وعلمه بنهضته، وحسن تصرفه وصار كلما افتتح حصناً في الجهات المغربية أضافه إليه ولاية وحمله عهداً ولم يخطر بباله أن كيد الحسد ينتهي إلى ما انتهى إليه، فلما انتهى أمر ابن عمه المذكور إلى أن صار صاحب أجناد وخدم وحشم تعقد على رأسه الألوية ويفعل له ما يفعل لأهل الملك ويعطي العطايا الجزيلة وهو في خلال ذلك ممتثل لأمر الإمام عليه السلام واضعاً نفسه في موضع الخدم سعى الحاسد بينه وبين الإمام، وصور للإمام صور ودرج إليه الكلام على ألسنة مختلفه:
أولها: أنه لما مات أخوه سليمان بن يحيى تحدث الجهال من قرابته أن الأمير أحمد بن القاسم دس عليه السم فلما بلغ ذلك إلى الإمام غضب منه وأبعده، وقال غير مرة: أنا أعرف بفلان -يعني ابن عمه أحمد بن عمه أحمد بن القاسم- ربيته صغيراً وحمدته كبيراً، فكف الناس عن ذلك ثم درجوا إلى ابن عمه أن الإمام عليه السلام مسر في نفسه أنك دسيت السم على أخيه فعند أن يتمكن منك يتسأصل شأفتك ولا يبقي عليك بقية، ثم أتو إلى الإمام بطريق أخر وقالوا: إن ابن عمك قد كاتب الغز، وقد استوحش مما أضيف إليه من أمر أخيك، ثم تكلموا معه في صور كثيرة يرومون مباعدته عن أمير المؤمنين فأبعدهم أمير المؤمنين وأقصاهم وعظم عليه مفارقة ابن عمه وغلب على ظنه أبن ابن عمه قد أصغى إلى كلام الواشي فاستوحش.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: فلما كثرت الأقاويل استدعاني أمير المؤمنين للوصول إلى بين يديه إلى بيت ردم فاستفهمته عما قد داخله من كلام الناس فأقسم بالله ما اعتقد في أحمد بن قاسم إلا خيراً ثم أمرني بالتقدم إلى الأمير أحمد بن القاسم ليدري بما عنده، ويطيب نفسه ويخبره أني باق على ما تعهده ولا يتصور أن أحاديث الحسدة تقدح عندي، فامتثلت أمره وتقدمت إليه فأعلمته بما أمرني به أمير المؤمنين فامتثل مراسم أمير المؤمنين ونهض في عسكر كبير وخرج على طريق جبل تيس ثم الإعدار حتى نزل مجيب ومسيب، فلما وصل إلى تلك الجهة وصل إليه كتاب من الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله وهو في صنعاء مبايناً للإمام يستدرجه، ويحذره الوصول إلى الإمام عليه السلام، ويأمره بالنجا ويقول: إنه بلغني من بعض خواص الإمام أنك عند وصولك إليه غير فالت حتى تسلم الحصون التي في يديك هذا إن سلم روحك، هذا معنا كتابه، فلما قرأ الكتاب أطللت عليه وعرفته أنها مكيدة فمال إلى قولي على خوف في نفسه، ثم تقدم إلى الإمام فتلقاه بالترحيب، والتسهيل وراجعه مراجعة لطيفة، وأعلمه أن الحصون التي تحت يده إنما هي عهدة للمسلمين وليست على الحقيقة بملك للإمام ولا مأموم وطلب أن يولي في بعضها ولا[136ب-أ] من تحت يده، وبعضها يتركه في يده وتستقيم الأمور وهو مع ذلك أمير البلاد، والعمدة لأهل الحصون، فعند ذلك تغير قلبه وداخلته الوساوس بأن هذا تدريج إلى سواه، وكثرت إليه النذارات والتحذيرات حتى حمله الناس على خلاف أمير المؤمنين فأقام أمير المؤمنين عدة شهور في بيت ردم بعد وصول الأمير أحمد بن القاسم نيفاً على أربعة أشهر، ونهض أمير المؤمنين عليه السلام قاصداً بلاد حمير الطرف.
(قصة ذكر السبب في غضب الرصاص وحربه وما جرى منهم من البدع والمعاندة للحق)
رجع الحديث إلى تمام خلاف الأمير أحمد بن القاسم
فلما وصل أمير المؤمنين إلى موضع يسمى قارن وقد وصل إليه أخوه من أمه إبراهيم بن يحيى بن علي فأقاموا أياماً قليلة في قارن وحط الأمير أحمد بن القاسم في أعلى القرية والإمام في أسفلها، وصارت الأكاليم تتصل إلى الأمير أحمد بن القاسم من خدام الأمير إبراهيم بن يحيى وما يتنفس به من الأكاذيب ودس السم على أخيه سليمان وغير ذلك من الأحاديث ويؤذون خدمه ويتكلمون بما لا يليق دخل في نفس الأمير أحمد بن القاسم ما يقوله الجهال وتصور أن وراء ذلك سراً في نفس الإمام فجعل يتصنع في الهرب ويحتال في ذلك حتى انتظم له ما يريد، وفي خلال ذلك كنى له بعض خواص الإمام بكناية يوهمه أنه إن لم ينزل على حكم الإمام في التخلي من الحصون فإنه ملزوم، فخرج ثالث ثلاثه في بعض الليالي حتى صار إلى نقيل الويد مطلاً على شرس ولقيه عسكره وصدر من ساعته إلى الحصن المسمى بالجاهلي من حجة، وكتب من ساعته وأوانه إلى سلطان اليمن الملك المظفر وإلى نوابه في تهامة يستنجدهم ويعرض من نفسه الدخول في أمر السلطان والخدمة له خوفاً أن يبادر إليه الإمام بالنهوض، وكتب إلى الإمام يوهمه أنه لم ينفر عنه إلا غضباً في نفسه لا أنه خالف أمره ومراسمه وطلبا منه ذماماً وكل ذلك ليقرر خاطره ليدري ما يأتيه من جهة الغز.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: فلما نفر الأمير المذكور استدعاني أمير المؤمنين ليأمرني إليه لعلمه أنه يأنس بي لما بيني وبينه من الرحم والصحبة فوصلت إلى أمير المؤمنين وصدرت عن أمره إلى حجة فتلقاني الأمير أحمد بن القاسم بما هو أهله ولم ألبث عنده حتى وصلت إليه مكاتبات الغز يبذلون من نفوسهم الأمور الجليلة والصلات والقطائع، فلما وصله ذلك وقعت في نفسه أنفة من ذلك والرغبة في الرجوع إلى الإمام فكتب إليه الرصاص من حصن سحطا لبلاد حجور، وهو يومئذ في يد الأمراء آل محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن حمزة بن أبي هاشم كتاباً ظاهره التحذير من مخالطة الغز ودسوه إليه سراً أنه لا يتخلى عن الحصون وأنه أولى بها من الإمام ويخوفونه ولعبوا بعقله وحينئذ تردد في خاطره وأتاه بعد ذلك رسل الغز فلم يجبهم إلى ما طلبوا، والإمام في خلال ذلك يكرر الرسل إليه ويدعوه إلى طاعة الله ويحذره انشقاق العصا.
فصل
ولنعد إلى ذكر السبب في غضب الرصاص وحربه[137أ-أ] ونكثه لبيعة أمير المؤمنين وارتكابه البدع التي ابتدعها، وحكاية الأكاذيب التي كذبها.
قال الرواي: ذكر لي بعض الناس بأن الرصاص طلب من الإمام ولاية الظاهر بحيث لا يكون فوق يده يد في البلاد طمعاً في حطام الدنيا فرأى أمير المؤمنين أن ذلك غير صواب واعتذره وكتم الكلام، فقيل: إن الرصاص دخل في نفسه حقد لذلك، فأما الأظهر من الأسباب فهو أنه لما نهض أمير المؤمنين إلى حدة بعد حصر صنعاء وقد كان أخوه من أمه إبراهيم بن يحيى خطب ابنة الشيخ الرصاص، وأعلم الإمام بذلك فصوب ذلك ليتألف به قلبه ويستكفي مضرته، ووقع العقد بين يدي أمير المؤمنين في المحطة الإمامية بحدة، وحضر على عقد النكاح عدة من الأمراء والعلماء، وتكلم أمير المؤمنين وأثنى على الشيخ الرصاص، وعقد النكاح على ألفي درهم من الدراهم المهدية عنها ألف قفلة بقفلة الإسلام، وثلاثمائة قفلة وثلاثون قفلة وشيء غبي ذكره، فلما صدر الكل عن بيت ردم لعيد عرفة وكان الشيخ الرصاص استبطأ تمام ذلك، وقيل: بل أتى إليه بشيء فاستتره فغضب في نفسه وتنفس بالكلام، وقيل: إنه لما استشهد الفقيه حسام الدين إمام المتكلمين أبو عبد الله حميد بن أحمد قدس الله روحه، وكان ركناً للإسلام أعجب بنفسه، وطلب الرئاسة فأسر إلى الأمير الحسن بن وهاس سراً أنه يفتك فتكة ويضم إليه بني حمزة على شريطة وهو أن لا يحل أمراً ولا يعقد إلا عن رأيه. والله أعلم بالصحيح، وأسروا ذلك فلما أحسوا بما دب به الحاسد، وسعى به الساعي بين الإمام وبين ابن عمه انتهزوا الفرصة، وعلى الجملة فإنه لم يقع من جنبة أمير المؤمنين أمر مما يوجب غضبهم ولا خالف في سيرته محكم الكتاب ولا سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مضى إلا على سنن آبائه بل كان عليه السلام في خلال غضبهم مقيماً في بيت ردم مشغولاً بالعلم والتدريس والنظر في صلاح الأمة، وملاحظة معاني القرآن واحترازه غيباً، والانقطاع إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وسد الثغور.
قصة نفور الرصاص من حوث ومن لحقه من الناكثين لبيعة أمير المؤمنين عليه السلام
قال الراوي: لما جرى على الأمير سليمان بن يحيى أخو الإمام للأمه الموت، وكان والياً في الجهات الظاهرية جعل أمير المؤمنين الأمير إبراهيم بن يحيى مكان أخيه، وعهد إليه في ذلك عهداً وأضاف إليه من خيار العلماء الأطهار من يباشر أمره سراً وجهراً وهو القاضي الفاضل يحيى بن حسين بن حسين بن عمار، وعهد إليه أن لا يتعدى ذلك فامتثل أمر الإمام، وقد كان الأمر يطلب من الناس شيئاً يعينونه به من أموالهم عند قوة شوكة العدو وعدم بيت المال ليستعين به للذين يشترون في المغازي، ويرابطون في الثغور، وكان شريفاً من أولاد العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام ممن له خبرة بالناس، وأخان يسمى محمد بن سلمة بن هشام بن المرمر بن حمزة بن المظفر العلوي وهو في خدمة أمير المؤمنين، وممن أضيف إلى أخيه إبراهيم كتب إليه بشيء من المستحقات لقوم من بني فضيل وهم في [137ب-أ]خدمة الإمام فوقع لهم توقيعاً وعين لهم أشياء قليلة على جماعة من أهل حوث فطلبوا من رجل مطلباً نزرا دون دهمي قفلة فجرى بينهم وبين الرجل كلاماً فأخذوا منه رهناً في ذلك، والرصاص في خلال ذلك يتطلب شيئاً يتعلل به فلم يعثر على شيء فلما علم الرصاص أمر لمن كان في حوث من العلماء والشيعة ومن يقول بقولهم به، ونمق لهم الكلام، وجعل يكني عن نقص الإمام، وأمرهم أن يعدوا السلاح فأخذوا سيوفهم وقسيهم ودرقهم ووقفوا عنده، وأمر للشريف، وكان على نحو من ميل في قرية تسمى الصلصل فأمر للشريف جماعة بسلاحهم فبادر إلى إجابته لما كان يعرف من أمير المؤمنين من ترك مخالفة الرصاص فلقيه من أنذره من سطوة الشيخ الرصاص فلم يصدق بذلك حتى دخل دار الرصاص فلما دخلها وجد القوم متأهبين بالسلاح والعدة، فلما دخل على الرصاص إلى مجلسه ثم قعد مستمعاً لما يقول فأخذ الرصاص في توبيخه، وأذيته تم ثمر به فسلب، وأخذ بعض لباسه فشجه شجة عظيمة ثم ضربه ثانية وثالثة كل ضربة يسيل منها الدم، والشريف عند ذلك ينادي
ببني هاشم فلا يجيبه أحد، ثم أمر بثيابه فأوقد لها في حجرة داره فحرقت بالنار، وخرج الشريف مضرجاً بدمائه، وهو في عشر السبعين السنة ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ولا يعرف بخسيسة، ولا فضيحة، ولما خرج صدر من حينه من حوث معداً حتى وصل إلى بيت ردم فشكا على الإمام وعلى من حضره من كبار الشرف والعلماء والمسلمين فبلغ ذلك مبلغاً عظيماً عند أمير المؤمنين، ولم ير إلا الصبر الذي هو شيمته وخليقته، وكتب كتاباً جامعاً إلى العلماء والمسلمين بحوث فيه شكية عليهم مما جرى منهم، ويذكر لهم أن هذا الشريف من أولاد علي بن أبي طالب عليه السلام ذو شيبة ومكان في أهله، ففعل فيه الذي فعل فلا استحى من الله تعالى ولا من أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولا استحيا منا وأنتم، وأنتم تعلمون أنه لو جرى من جهتنا إلى عبد أو نحوه من عبيد الشيخ الرصاص لعظم ذلك، وأنتم تعلمون أن لله حدوداً قد حدها، وهي القتل إذا وجب، وكذلك القطع، والجلد، وهذا الفعل مخالف لذلك من النهر، واللكز والشج وغير ذلك من الكفت وتحريق الثياب ولا أقل من إبلاغ الشرع النبوي لتكون الأشياء على ثبات، والأحكام على استقامة، هذا هو معنى كلامه عليه السلام بل أكثر لفظه.