ولقد ذكرنا من هذا لأكثرنا ومهما خفي على الحضرة ذلك فلا يخفى علينا ما فعلناه مع بني حمزة ونحن نقبل ما أشار به من العفو ونقبل شفاعته بما شرطه لنا من الخروج من دماء المسلمين وأموالهم، والقيام بجد إن كان هذا كله شرطته الحضرة وهو مقبول.
وأما حقوقنا في أنفسنا فنحن غير بعيد مما ذكره من مسامحة أو عفو مع أنه ما سبب كثير مما جرى على أهل صعدة وغيرهم من الشر إلا ما اعتاده الناس هنا من كثرة العفو حتى تجرأ الناس بسبب ذلك ولو أنه جرى على الحضرة العالية أو على الفقيه حسام الدين عبد اللَّه بن زيد ما نسأل إليه أن يحرسهما منه أكان يحسن من الإمام أن يعفو عن إباحة الدهماء وقتل أعيان العلماء بل كان ذلك إدهاناً في الدين ومخالفة لسنة محمد الأمين وذريتة الأكرمين، قال اللَّه تعالى: {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} وقال تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} وقال لما رأى حزنه على من أدبر عنه: {لا تذهب نفسك عليهم حسرات}إلا أن تقول الحضرة بأن المحارب مع العدو لم يكفروا لناصر له، والذي دله على عورات بيوت المسلمين وطرق له إلى قتل خلاصة أهل الدين فحاشا الحضرة من ذلك فنحن نقول أن مجرد محبة العدو وإرادته انتصاره يكون كفراً وإن نأت داره، وشحط مزاره، ولا يفتقر إلى أعلام منصوبة وطبول مضروبة وقباب مجموعة وإبل محملة وظعائن مكللة ودنو دار وملاصقة جوار حتى يستوي في العلم به إلى العالم، والجاهل والغريب والأهل[107ب-أ] بل هو أحكام تدب دبيب سموم العقارب وتلائم بين الأباعد، ونفور بين الأقارب، قال اللَّه تعالي: {يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل عملٌ غير صالح}، وقال حكاية عن إبرهيم عليه السلام: {ومن تبعني فإنه مني} وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((سلمان منا أهل البيت )).
على أن كفر أهل صعدة قد كان بأعلام وطبول وعساكر وخيول، ونحن لا نخطئ الحضرة العالية في باب الشفاعة، وإنما يجب أن نفرق بين طريقة الشفاعة وطريقة المجادلة.
وأما الشيخ عبد اللَّه بن أحمد بن أبي الزبيب وولده، وما تقدم لهما بين أيدينا فلسنا ننكر ذلك وإنما قال اللَّه تعالى: { الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا}، ونحن نذكر عليه أمرين:
أحدهما: خفي وهو أنه من جملة أهل الدربين في كيدنا وهذا لم نعلمه يقيناً وقد حلف لنا عليه في كتبه ولم نؤاخذه بسببه.
والثاني: أنه تولى من القوم وهو الظاهر الجلي، والولاية متضمنة الموالاة وزيادة، فأما من دعاه إلى هذه الولاية فقد دلاه بغرور وأوقعه في محذور، وهو ممن قال اللَّه تعالى: {يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم}.
وأما أنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فأي معروف ضايع أو منكر واقع كان أعظم مما ارتكبه من ولاة تلك الولاية أو رعاه تلك الرعاية: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} كيف ينهي عن المنكرات من ارتكبها أو يحد على المسكرات من شربها أو يهدي إلى المحجة من تنكبها، هذه أعاليل أضاليل وزخارف أباطيل، بحوز كل ذي فكر عليل لم يبصر بواضح السبيل، هذا وحسبة السيوف إنما هي في ظلم فلس أو قيراط أو إغاثة من وراط عند اختلاط، وأين هذا من سفك الدماء وإباحة الدهماء الذي ارتكبه من ولاه وأراه أنه أهداه وقد أغواه، وهب أنه كان مكرهاً على بعد الإكراه ههنا أليس قد أخذه عسكرنا من صف العدو وظاهره علينا، فإن كنت تطلب حقاً بحجة فلا حجة لك علينا ههنا، وإن كنت شفيعاً فشافعتك مقبولة، ومنفعتك مبذولة متى أتيتها من بابها، وتكلمت عليها بخطابها.
فأما الفقيه عيسى فقد بلغنا عنه أنه ليس جاهل، وأصلح حاله عاقل، ونحن بعد ذلك حيث يسره ويسرك فيه، وأما القضاة الأجلاء آل أبي النجم فقد علت منزلتهم وعظمت مصيبتهم حتى تصورنا أن مثل ما فعلنا لأحد الناس لا ينعش خلتهم ولا يشفي علتهم، ولا ينفع عليهم، هذا ولم يمض من الوقت ما نعد به غافلين أو مقصرين، وقد أصاب الحضرة في الكلام في حقهم، وإنما هذا عذرنا فلا نتصور غيره.
وأما الشهيد يحيى بن عطية رحمه اللَّه فالثأر فيه لنا مخلفة من الضعفاء علينا والله المستعان على أمره، ونحن نعلم الحضرة أنا نأمرها بأن تأمر وتنهى وتشد على السفهاء وتبصر الأمراء بطرق الهدى، ومن عثر قالت له: لعاً ولم [108أ-أ] تقل له سحقاً وتعساً، ونأمرها أن تقبض كتبنا منهم من عهود ومطالعات وغير ذلك لتعلم أنا نقفوا ملة محمد، وإبراهيم صلوات الله عليهما وعلى آبائنا، وأنا نسير إلى الدين القويم على الصراط المستقيم، ونأمرها بترك العجلة ومجانبة الحدة، ونوزعها أنا قائمون بكل حق لها علينا أو على غيرنا، ونشعرها أن كلما توجه من مشورة أو شفاعة لم نبعد عنها فيه، ونحقق لها أن أهل المعدة -يعني الحدادين- هم الذين قتلوا قتلانا وأباحوا حمانا، ولم يتركهم العدو قبل ذلك رحمة، وإنما رجعوا عنهم عجزاً وذلاً، فلما عملت الدراهم وقلت حمانا الأكارم، انتهزونا الفرصة وأوطأهم العرصة، وقالوا: حيدي جياد لا طاقة لنا بالأكراد والأجناد {قد يعلم اللَّه المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط أعمالهم وكان ذلك على اللَّه يسيرا}، وإنما وسعنا للحضرة في الكلام بعض توسعه؛ لأن كلامها احتملته فأردنا أن نزيد لهما إيضاحاً في الحجة ولغيره وضوحاً في المحجة، والسلام عليها وعلى كافة المسلمين قبلها،
وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وسلم.
قال الراوي: نقلت هذا الجواب من كتاب عليه خط الإمام عليه السلام وقال فيه: قد أجبت بأوسع منه.
(قصة نهوض أمير المؤمنين من حوث)
قال الراوي: ثم نهض أمير المؤمنين عليه السلام من حوث في شهر كذا من سنة اثنين وخمسين وستمائة فتقدم إلى جهة عيال أسد البحيري حتى بلغ إلى موضع يسمى نوفان فالتقاه الشيخ الكبير مفلح بن محمد بن أسد وسائر أهله بالإنصاف والإكرام، فتكلم أمير المؤمنين عليه السلام بسبب ما جرى على صاحبهم والخروج مما يجب فيه شرعاً ورضاهم مع ذلك فأجابوه بأحسن جواب، وقالوا: وصولكم إلينا يا أمير المؤمنين أعظم رضاً لنا فقل ما شئت فنحن سامعون مطيعون، وكان للمقتول ورثة بعضهم بالغ كامل العقل فأسقط القود ورضي بالدية، فحمل لهم أمير المؤمنين عن أخيه الأمير سليمان بن يحيى الدية، وقبل إسقاط القود، ونهض أمير المؤمنين إلى حصنه، ووصل إليه كبار المشرق والخشب، وبلاد الصيد والبون وغير ذلك يسلمون عليه ويهنونه بالسلامة ويحمدون الله على ذلك، فشكر سعيهم ودعا لهم وقضى لهم حوائجهم، وعادوا إلى بلادهم، ثم نهض عليه السلام متوجهاً إلى بلاد حمير فأمسى في موضع [.....بياض في المخطوط.......]، ثم نهض المضلعة بظاهر بلاد آل يزيد فأقام هنالك أياماً، ثم نهض إلى بلاد حمير فحط في قرية حلملم، وأقبل اليه قبائل حمير وقبائل بني عشب وقدم، وبني شاور يهنونه ويسلمون إليه شيئاً من البر والنذر وشيئاً من الحقوق الواجبة، وانصرفوا عنه مسرورين حامدين لله على سلامته وعافيته، واستقرت[108أ-أ] هنالك محطته إلى شهر شعبان سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ووصل شريفان من أهل تهامة بهذا الشعر يمدحان أمير المؤمنين ويثنيان عليه:
س بس تقتفي وهمك غير وهمي
ولا نسأل بقلب قد تمادى
فأبعث مرشد بالنصح مهد
وكم من قبله للبين وافا
أجاليه الوشاح لأي أمر
هنيك بخلت بالإلمام عني
أكني إن نسبت إليك وصفاً
وأعجب من ترانت منك بيض
أخطرت أسمر أم ابن حوط
وبيعت ما جرحتم وقصب
يخاف على الإمام لكل سلم
وجانب ما قدرت بأمس حرم
ولا تحقر من الأشياء شيئاً
وأن ليس الأمور عليك خطب
وكم من صاحب أبيه حفظاً
وممتلئ الظلوع علي غيضاً
عليك باحمد المهدي فانزل
إمام طاهر الأثواب مما
فتى هو والندى والعدل مزمى
دع الضحضاح ولو شاء واهجر
يمت من البتول بخير جد
وحسبك والفضائل يوم بدر
يغيظ عداه من خير بشر
أبت من الحسام الغضب عزماً
أنيس مؤمل وأهش معط
وطلق الوجه يفترس الأعادي
يلاقي الناس من كرم وبأس
وإن ركب الجواد رأيت بدراً
ولولا أحمد وبنو أبيه
ولا كملت محاسنهم وكانت
تبارك الله علهم باللم حتى
فلا زالت تمكنه الليالي
وقام فهم فطال بهم وطالوا
?
?
أرحني وأطرح شكري وذمي
به طربان من فرح وغم
نصيحة لي عمي وصم
بها سيان من هجر وصرم
صددت وأيما سبب وجرم
فكيف بخلت باللطيف الملم
لفانية مخافة أن أسمي
تجلت في ذوائبه منك هم
وصورة هيكل أم بدر تم
تناسر منك في شم وصم
يسالمه البرية غير سلم
يظن بصاحب خيراً بجرم
لظعفته فإن الشيء ينمي
بهم فأضف همك [……]
لصحبته وبين بناه هدمي
لفضل عنه وهو دمي ولحمي
به تنزل على البحر الخظم
يشين العرض من دنس وصم
ترعرع أخوة لأب وأم
ترضها ويمم خير يم
ومن نسب الوصي لخير عم
بوالده ويوم غدير خم
ويجزي الخل عن سفه بحلم
وأمضي من سبا الرمح الأصم
وألطف سيد وألد خصمي
بوجه منه جهم غير جهم
يعود قياده ويعود كرمي
يقلد فوق ناهضه بنجم
لما ضهرت بنو حسن بغم
لوجه [….]
تشتت غيرهم من بعد لمي
وعتره من الشرف الأشم
وهل روح يقوم بغير جسم[109أ-أ
رجع الحديث
ووصل إلى أمير المؤمنين الشيخ الكبير بشر بن ليمان بن شريف من بني الراعي في عصابة من أهله وأعلمه أن الأمير شمس الدين والأمير أسد الدين عازمان على النهوض إلى الظاهر في تلك الأيام، فعند ذلك أمر الإمام بالأهبة للجهاد والاستعداد، وجمع من أمكن من العساكر، ونهض القوم من صنعاء إلى البون، فلما استقروا في البون أقاموا أياماً ونهضوا فطلعوا من موضع يسمى ساس، وكان الإمام عليه السلام قد رتب موضع يسمى الأبرق لصارة ابن عمه الأمير الكبير القاسم بن يحيى بن القاسم بن أحمد على الدرب فما شعروا إلابالقوم فانهزموا عن الدرب واستولى القوم على الدرب فأخذوا منه طعاماً كثيراً و أثاثاً، ولم يلبثوا أن نهضوا إلى ظاهر آل يزيد فحطوا في بركة تسمى طله، وأمر أمير المؤمنين الأمير الكبير شمس الدين أحمد بن يحيى بن حمزة فحط في موضع فوق وادي عفار يسمى الحصبات، وأمر معه الفقيه الإمام العلامة شيخ المتكلمين حافظ علوم الأئمة الأكرمين حميد بن أحمد المحلي، والفقيه المجاهد المصابر أحمد بن موسى الصعدي من بني النجار، والفقيه عيسى بن جابر الصعدي، وجماعة من الأخيار من الشرف والعرب، وكان مركزهم في هضب مطل على محل يسمى الأدفر في أعلى وادي عفار، والناس بالليل يتفرقون على ذلك الهضب وهي عقبة لا يعمل فيها الخيل، فكان أمير المؤمنين يروح النهار إلى قرية حلملم، ويبكر آخر الليل إلى هضب يسمى جعدر قريباً من مركز أصحابه ليمدهم إن وصلهم القوم.
[قصة وقعة الحصبات واستشهاد حميد المحلي]
قصة وقعة الحصبات واستشهاد الفقيه الإمام شيخ الزيدية حسام الدين أبي عبدالله حميد بن أحمد المحلي ثم الصنعاني رضوان الله عليه وأصحابه الأطهار، وماكان بعد ذلك من الحوادث والبلوى والامتحانات.
قال الراوي: فلما كان صبيحة يوم الجمعة ثاني شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وستمائة أجمع أراي القوم على النهوض آخر الليل فنهضوا بأجمعهم وزملهم فلم يطلع الفجر إلا والقوم تحت ذلك الهضب الذي هو مركز للمسلمين وصرخ الصارخ، وأغار الناس من كل جهة واجتمع من المجاهدين عسكر عظيم من الرجل، وقام الأمير ومن معه من الخيل فوق الهضب والرجالة يقاتلون فردوا القوم مراراً ثم إن الأمير أسد الدين ومن معه مالوا إلى ميسرة صفهم لما رأوا من يقاتلهم من المجاهدين قليلاً فحملوا بأجمعهم فانهزم الذين في وجوههم لكونهم قليلاً ثم إن الباقين لما رأو أسد الدين ومن معه قد استقبلوا معهم أقبلوا نحوهم فطلع الأمراء الحمزيون ومن معهم في خلال ذلك وكان مركز أمير المؤمنين في هضب بعيد يسمى جعدر فلما استقل القوم بأجمعهم انهزم الناس يمييناً وشمالاً، وكان الفقيه الإمام شيخ الإسلام حسام الدين حميد بن أحمد المحلي رحمه الله تعالى والفقيهان المجاهدان أحمد بن موسى الصعدي[109ب -أ]، والفقيه عيسى بن جابر الصعدي في ذلك العسكر، فلما رأى القوم الهزيمة في الناس حملوا بأجمعهم فيهم فأسر الأمير الكبير شمس الدين أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بعد أن أبلى في ذلك، وأسر الشريف السيد العالم سليمان بن هيجان الحمزي، واستشهد الفقيه حسام الدين حميد بن أحمد قريباً من قرية الهجر بعد أن كان قد حضره الأمير علي بن عبدالله بن الحسن بن حمزة وأردفه معه على حصانه قتله مملوك تركي للأمير أسد الدين، وقتل الفقيه عيسى بن جابر، وقتل الفقيه أحمد بن موسى واحتزت رؤوسهم ومثل بهم وغيرهم.
رجع الحديث
فلما رأى أمير المؤمنين هزيمة الناس أمر من كان معه مدد المسلمين، فلما لقيهم أول الهزيمة انهزموا معهم حتى لم يبق مع أمير المؤمنين إلا نفر قليل غير أن ذلك الموضع الذي هو فيه لا يصلح للقتال منه فسار بمن بقي معه إلى هضب يسمى سودة الزافن، وأقام المركز هنالك حتى عاد إليه الناس من الهزيمة، ثم نهض أمير المؤمنين فحط في مدع وكتب إلى أخيه الأمير الكبير سليمان بن يحيى، وإلى الأمراء آل يحيى بن حمزة بذيبين بالوصول إليه، فساروا إليه في عسكر كثيف من الخيل والرجالة سروا ليلتهم حتى أصبحوا في موضع يسمى المأخذ عند قاعة، ثم بلغهم العلم بنهوض أمير المؤمنين إلى حصن حلب واستقراره هنالك وأن القوم ناهضون إلى الظاهر فانقلبوا من فورهم إلى حصن ذروة.
رجع الحديث
ثم أن العدو صاروا من فورهم حتى بلغوا حلملم وتلك النواحي وعاثوا فيها وحطوا على بركة الأسمور، ثم نهض الأمير شمس الدين إلى حصن كحلين إلى عمه الكبير يحيى بن حمزة بن سليمان وجرى بينهما حديث فلم ير الأمير عماد الدين إلا التقية لما استظهر القوم ليستخرج ولده الأمير الكبير أحمد بن يحيى من أسر القوم، فأظهروا أن الأمير أحمد بن يحيى قد صار من جملتهم وافترقوا على ذلك، ثم نهض الأمير أسد الدين في العسكر ثالث وقعة الحصبات أو رابع إلى سودة الزافن وقد كان السلطان الحسام بن صعصعة وإخوته جمعوا جمعاً وأصبحوا قد لزموا جيلاً يسمى غرعتن مطلاً على بيت علمان، فطلع عليهم المجاهدون وخدام الحصون فهزموهم هزيمة عظيمة وطردوهم عنه، فلما رأى أسد الدين ذلك عاد إلى محطتهم بالأسمور وفي خلال ذلك حط معمر بن معد على الجاهلي وحصون الحدم.
قصة نهوض شمس الدين ومن معه والأمير أسد الدين إلى الظاهر
قال الراوي: لما استقر أمير المؤمنين في حصن حلب نهض القوم حتى حطو في موضع مطلاً على السود وبلاد بني شاور، ثم نهضوا إلى الظاهر الأعلى من بلاد بني صريم فحطوا في خمر وأقاموا[110أ-أ] هنالك حتى قضوا للأمير يحيى بن حمزة أغراضاً، ونهبوا زرائع تلك الجهات، ونهبوا دار الفقيه العالم ركن الدين محمد بن أبي السعادات بعد الذمة عليها فنهب ما فيها والعلم على رأسها، ثم نهضوا إلى الكولة من بلاد عاد أهل أبي الحسين فاستقروا هنالك أياماً يخربون في البلاد وينتهبون زرايعها.
(قصة وقعة الحدم وقتل معمر بن مقداد وسليمان بن مرزوق ومن معهماوما كان من الفتح والاستبشار بذلك)
قال الراوي: والسبب في ذلك أن معمر بن مقداد لما تحقق ما جرى في الحصبات من القتل والكسيرة على أمير المؤمنين عليه السلام وقوة العدد وقربه من البلاد سولت له نفسه المحطة على الجاهلي وحصون الحدم وشاور القوم على ذلك وزعم أنه يأخذها من غير إطالة فجمع جمعاً من أهل بلاده وأصبح قد لزم المراصد والطرقات على الحصون وعضده على ذلك السلطان الحسام بن صعصعة وغيره من أهل مسور وفي خلال لك نهض العدو من محطة الأشمور قاصداً للظاهر وبلغ ذلك أمير المؤمنين فنهض من ساعته إلى موضع يسمى بيت علمان في أعلى سقف الحدم وبلاد بني أزد، وقد كان وصل اليه في تلك الأيام عسكر من بني شهاب ومن بني الراعي ومن عيون المسلمين من الحليلة وغيرها لما علموا بمصاب من أصيب في الحصبات في سبيل الله يواسون بنفوسهم في تلك الحال والشدة قد كان
وصولهم مما أمد الله به أمير المؤمنين عليه السلام وكان أمير المؤمنين في خلال خلاف معمر بن مفدا يراسله ويدعوه إلى الله تعالى ويعذله ويعذر إليه فلا يلتفت إليه ولا يجيبه بجواب يشفيه، فلما رأى أمير المؤمنين صعوبة الأمر وأنه لم ينتقم لدين الله منه فإن غيره من أهل البلاد يقتدي به ففيهم من هو أكبر مالاً وأرفع حالاً وأعظم رجالاً فكان في آخر الليل، وهبط أمير المؤمنين من بيت علمان جبالاً شماريخاً متطاولة وطرقاً متضايقة ولم يعلم به كثير ممن معه حتى قد صار في بعض الطريق فلحقه الناس حتى إذا صار في موضع تحت حصن يفور المحروس ونصبت هنالك الأعلام وتلازم الناس القتال وقد كان القوم لزموا مراصد للناس فاشتد القتال ونضحهم المسلمون بالنبل حتى لم يستقروا في موضع بل يتزايلوا ميمنة وميسرة وعند ذلك شد المسلمون عليهم شدة رجل واحد وخرج أهل الحصن المحروس بالجاهل مصلتين سيوفهم لما رأوا عددهم مال عن مركزه فلم تمض ساعة من نهار حتى صار القوم بين قتيل وجريح وأسير وطريد فطار منهم من طار من قلل الجبال وقتل منهم بالسيف عدد كثير