حط الرحال وحل ذي الأقتاد[104أ-أ]
وكذاك في التكوين سبع مهاد
والفلك فوق الزاخر الميراد
بدعائه دع عنك غير صلاد
سجدو له طوعاً بغير عناد
والشعب من أطوى ومن أجناد
وبمثل ذاك تنافس الحساد
لم يذكر الصديق وابن عباد
ما حازها الفاروق باستبداد
عثمان والأشرار آل زياد
شتان بين فواسق وهواد
بالعقد بل بالنص والإسناد
أو يافعاً أو كان في الأمهاد
أمنت من الإنكار والإجحاد
متوقد كالكوكب الوقاد
عين مطهرة من الأرماد
ما الغار إلا باقتداح زناد
في حاضر من خلقه أو باد
ميمونة الإصدار والإيراد
جهراً ويوطي هامة الإلحاد
لما طغى فرعون ذو الأوتاد
فيها الفساد ولات حين فساد
إن الإمام له لبالمرصاد
فأقام ينفخ في هوى ورماد
نيران كل ضلالة وعناد
ودعوا بناديهم وبئس الناد
هيهات بالغدر والإخلاد
وتقلدوا أطواق كفر باد
شنعاء في حرم الإمام الهادي
رقوا لزغب كالفراخ صواد
إلا فواقاً أو تنفس شاد
شذراً إلى الأغوار والأنجاد
وخضاب لحيته دم الأوراد
في جيده وعينه بصفاد[104أ-أ]
لم ينجه يوماً سوى الأصعاد
سترده بيض وسمر صعاد
فتح الغرار وأي شر عناد
وهلم ليس عليه من مزداد
فاستبشروا بالفتح والإسعاد
مليت بأمس جور باغ عاد
ويعد من مصر إلى بغداد
وشهيدها المصلوب في الأعواد
بالجوزجان مضى بصدق جلاد
بالزيت يوم تكانف الأجياد
وفعل ذاك الحجر زاغ فؤادي
ثأراً فيا للسادة الأمجاد
بابن الحسين طويل كل نجا
قال الأمير الكبير المخلص المجاهد شجاع الدين أحمد بن محمد العباسي العلوي في ذلك الأوان وبعد فتح كوكبان نجران:
ذا هاجت أخا طرب ردود
وأصمته العيون النجل لما
فما أشجى فؤادي ذا ولا ذا
وما طربي إلى لهو يعود
ولكني طربت الى المعالي
ونصرة أحمد المهدي همي
أعز العالمين أباً وجداً
لقد رامت ملوك الأرض جمعاً
وأجمع أمرهم ظلماً وعدواً
فحطت الدين يا مهدي عيسى
وحطمت العوالي المواضي
وفرقت الجموح وقد أحاطت
أولئك في المغارب من عمارك
ومن تلقا الشام بأرض يام
ومن صنعاء جاءت كالعلالي
ولما يبق شيطان مريد
وقد نزل الخديعة فيك ضد
فرد اللَّه كيدهم وأودى
وكان فعاله فيك طيرا
ومهما دمت فالإسلام باق
دعوت اللَّه يا مهدي عيسى
وحينئذ أصيب الجمع هذا
وولى عسكر السلطان سعياً
وراح عمارة في غير نهج
وشمس الدين والأسد استعادا
وراحا نحو صنعاء بعد قتل
وأصحاب الشام بكوكبان
وعز الدين ألجته النصارى
وقد عدت الذخائر نهب قوم
ولما أيقنوا أن لا بقا
تفرق جمعهم أيدي سباء
أتو ووجوههم بيض فلما
ومن لم يرع للرحمن حقا
ولم يسلك سبيل الرشد سيقت
ولم ينصره في الدنيا وهدت
فدع حلباً وهاتيك النواحي
وسر في عسكر ...... لصنعاء
ليطهر نفعها فيه أمور
وشمر في رضى الرحمن واصبر
ودع عنك انتظار العيد واعلم
?
?
وأشجته الحواجب والخدود
رمته بناظر منها تصيد
ولا هاجته نجد ولا زرود
إذا ألهى الفتى سبك وعود
وألهتني المقانب والبنود
إمام الحق إن خان الكنود
إذا عد الأبوة والجدود
هلاك الدين فالدنيا تميد
كما في صالح فعلت ثمود
وأنت له أبو حسن عمود
فمات بغيظه فيك الحسود
ملوكهم بأرضك والجنود
إلى إقبال شوال حمود
أنا س والنصارى واليهود
سراعاً ليس يحصرها العديد
ولم يبق جبار عنيد
يبين إنه الخل الودود
حميداً عندها وهو الحميد
لفعل ساقه قدم يزيد
فلا يسموا المعاند والحقود
فهد بناءهم ذاك الأكيد
بريح كان قد أنعاه هود[104ب-أ]
فلم يعصمهم إلا زبيد
ولولا العفو لم تحرزه سيد
إلى الحيل التي هي لا تفيد
رؤوس جنودهم فيه شهود
كأنهم به زرع حصيد
إلى أكناف مأرب والوحيد
فلا مال هناك ولا عبيد
وراعتهم بروقك والرعود
فلا سعد هناك ولا سعيد
تولوا عنك عادت وهي سود
ولم يردعه وعد أو وعيد
إليه النار وهو لها وقود
قواعده وخانته العهود
فقد كثر التخلف والقعود
فقد طال التهاجر والصدود
عظام تقشعر لها الجلود
فإن الغز في صنعاء رقود
بأن هلاكهم عز وعي
( قصة نهوض أمير المؤمنين إلى جهة الظاهر )
قال الراوي: لما جرى في صعدة ونواحيها ما جرى من البلوى رأى أمير المؤمنين أن نهوضه أولى فكتب إلى أخيه الأمير الكبير علم الدين سليمان بن يحيى فأتاه في عسكر، ثم نهض من جبل بني عوير فأمسى في موضع يسمى ضمو وسار طائفة من العسكر إلى قرية عيان لقوم ظهر منهم الفساد على المسلمين فطاروا هرباً وأخذ شيء من أموالهم، ثم نهض أمير المؤمنين إلى مدينة حوث فلقيه أهل البلاد يهنونه من كيد العدو ويحمدون الله على ما من به من سلامته وأقبل إليه الأمراء آل يحيى بن حمزة بذيبين بالخيل والرجال، ووصل إليه الأمير الكبير حسام الدين محمد بن فليتة بن سبأ من جهة براقش وأقبل إليه قبائل همدان من البون والظاهر وشظب والأهنوم وتلك النواحي بأموال كثيرة من النذر والبر والحقوق الواجبة والمعادن في سبيل اللَّه من الدراهم والفوط والثياب فأنفقه أمير المؤمنين عليه السلام في سبيل اللَّه على المجاهدين المستحقين إذ كان شنشنته عليه السلام أن لا يدخر مالاً ولا يعظم في عينه ولا يرد سائلاً، ولما اجتمع من القبائل ما لا يضبطه العدد خرج أمير المؤمنين للناس إلى شرقي مدينة حوث وتحدث معهم حديثاً بليغاً حمد اللَّه وأثنى عليه وذكرهم بالله تعالى وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وأعلن بالشكا مما حدث على الإسلام والمسلمين في صعدة من البلوى والامتحانات من كشف الحرائم وهتك المحارم وارتكاب العظائم وحثهم على الجهاد في سبيل اللَّه والصبر على بلائه فأجابوا بالسمع [105أ-أ] والجهاد بين يديه بالأموال والأرواح وقالوا: نحن لك بين يديك فمرنا بما شئت، فشكر أمير المؤمنين صنيعهم وأثنى عليهم.
ولما علم أمير المؤمنين عليه السلام أن الأمراء المذكوين من الأسراء في أشد ما يكون من الأسر والضيق، جهز أخاه الأمير الكبير أبو المظفر علم الدين سليمان بن يحيى بن علي والأمير الكبير حسام الدين محمد بن فليتة بن سبأ من آل أحمد بن جعفر في عسكر وافر من الخيل والرجل وأمرهم بالغزو إلى الجوف لعلهم ينالون من القوم، وكان الأمير موسى بن الإمام المنصور بالله عليه السلام في درب ظالم بالجوف قد جمع معه عسكراً وهو في مراكز أمره بذلك الأميران شمس الدين، وأسد الدين ومعه ولده وجماعة من خواصهم والفقيه أسعد بن الحسن بن ناصر الشنوي.
(قصة أسر الأمير موسى بن الإمام المنصور بالله عليه السلام ومن معه)
قال الراوي: فتقدم الأميران المذكوران بمن معهما من العساكر فلما قربوا من درب ظالم فصدوهم وقد كان بعض السلاطين آل دعام قد أشاد على الأمير موسى بالخروج إلى الحاضنية فكره الأمير ذلك وكان عنده أن أحد لا يقدم عليه لشدة بأسه فلما تراءت الفئتان لم يكن إلا القليل من الطراد بين الخيلين حتى أقحم عسكر الإمام من الخنادق وتسلقو الحيطان وعند ذلك انهزم أهل الدرب كل إلى داره فلم يفلت من أهل الدرب أحد إلا أسيراً ومحفوراً أو قتيل، وعاث أحد عساكر الإمام عليه السلام إلا أن رجلاً من عيال أسعد من بني عيسى من بني بحير فعل فعالاً غضب منه الأمير علم الدين سليمان بن يحيى فضربه ضربة بالسيف ولم يرد قتله فكان فيها سبب موته فأسر الأمير الكبير موسى بن الإمام المنصور بالله عليه السلام وولاه وأسر جماعة من السلاطين قريباً من خمسة عشر رجلاً من كبارهم وأسر الفقيه أسعد بن الحسن الشنوي لكونه محارباً للإمام عليه السلام مع القوم وأسر الشيخ عبدالله بن دحروج وقتل مولى أمير المؤمنين المنصور بالله عليه السلام وقد كان أصيب بسهم في عنقه فسار إلى بعض الطريق فتوفي هنالك.
قال السيد الأمير شرف الدين رضي الله عنه: بلغني أنه أخذ من درب ظالم قريباً من أربعين فرساً فأما الإبل والبقر وغير ذلك من الأثاث والإماء والعبيد والسلاح والآلآت فلم يحقق كميته إلا أنه على الجملة بمال كثير وبلغ العلم إلى الإمام بما كان في درب ظالم ولم يكن ذلك في باله فحمد اللَّه تعالى على ما من به من النصر على الجملة وإن كان قد عظمت عليه حرمة الإمام المنصور بالله عليه السلام وكتبت البشارات إلى جميع الأقطار، ثم أقبل الأميران ومن معهما من الأمراء والمجاهدين بالأسراء إلى قرية حوث فالتقاهم أمير المؤمنين إلى قبلي مسجد الجامع بحوث [105ب-أ]، فأقام الأسرى ليلتين أو ثلاث ثم أمر أمير المؤمنين أخاه الأمير الكبير المجاهد فخر الدين إبراهيم بن يحيى بالأمير الكبير موسى بن أمير المؤمنين وولده إلى حصن عزان في بلاد حمير وسائر الأسرى إلى حصن مدع وأمر بحفظهم، والتشديد عليهم رجاء أن يخرج الأمير الأسرى الذين مع القوم بصعدة، ثم بلغ العلم إلى القوم بصعدة بما كان في الجوف فاغتموا لذلك غماً عظيماً وانكسرت خواطرهم وضعفت همتهم وظنوا أن لا فائدة لهم في الإقامة وأنهم إن أقاموا أقبل إليهم أمير المؤمنين بالعساكر فأخرجهم عن صعدة أو تقدم الجهات الصنعانية فأخذها فأجمعوا على النهوض إلى صنعاء.
قال السيد شرف الدين: بلغني أن الحسن بن وهاس كان الأمير شمس الدين يحدثه في الإمام عليه السلام ويستفهمه في إمامته ويطعن فيوهمه ما يوافقه ومن تلك الأيام كان أساس الفتنة التي سببها ما جرى من مصاب أمير المؤمنين فالله المستعان.
وبلغني أن القوم لما نهضوا من صعدة حملوا ما أخذوه فيها من أثاث وآلات مع آلتهم على ثمانمائة بعير أو قريباً من ذلك والله أعلم، فكانت طريقهم الجوف ثم صعدوا على جبل يام ثم أتوا مطر وساروا حتى دخلو صنعاء وذلك بعد أن رتبوا في صعدة الأمير عز الدين محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين، والأمير هبة بن الفضل بن العباس العلوي، وغيرهما من أولاد الأمراء الحمزيين، ووصل إليه الأمير المهدي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الهادي عليه السلام في جماعة من إخوته وبني عمه وكانوا من جملة القوم في صعدة محاربين للإمام عليه السلام وقال بعض الشعراء يذكر جملة من سيرة أمير المؤمنين ووقائعه في الظاهر وغيره.
وقال المصنف: هذا الشعر أعرف قائله هل هو شريف أو سواه وهي هذه:
جبت لهذا وإعجابه
وفرقت الحرب ما بيننا
فصار بعيداً على قربه
?
?
بأمر وقد صد عن بابه
وبين عقايل أحبابه
شجياً حليفاً لأوصاب
إلى آخر ما قال منها:
ناسى مساعي أبيه الإمام
وكان خليقاً بأفعاله
ونحن حططنا على ملكه
نزلنا على البون يوم الثرى
وصلنا نسمع وفيها أحبش
فولى هزيماً على وجهه
وسرنا لذروة فاستسلموا
ولم يلبث الجيش في مذود
ولا بيت الجيش في صعدة
ولا بيت الجيش في الظاهر ين
وقدحاً وحملة أقطاره
ولا أضجر الجيش في زاهر
يحيى خلال على زاخر
ساروا جميعاً وسرنا لهم
فلما أنخنا لدى جمعهم
فمالوا إلى الصلح يبغونه
وولو وقد أبصروا حتفهم
على أنهم خير أهل الزمان
وقد جاءنا بعد من ظالم
ولولا تمسكهم بالأمير
يعيشون في ظله خضعا
لقد نالهم من صروف الخطوب
?
?
وماكان بالأمس أوصى به
يسعى لها وبآدابه
فرفع أوتاداً وطنابه
علي يلوذ بأنسابه
ففات عدة حسابه
وما عطفت خيل أعقابه
وهم في أشم بأبوابه
وضاعت كرائم أحسابه
وفيها مليك بحجابه
وفيها السريحي يقضي به
وفرق عدة كتابه
ومال فلاذ بأعرابه[106أ-أ]
نسيم الفروخ بأعشابه
وكل بحرف وما نابه
أتانا الرحيق ............ـحابه
فجدنا بمطلب طلابه
ولاكهم بين أنيابه
قتالاً وأشجع أربابه
بشير لموسى وأصحابه
شجاع الزمان ووهابه
بأيديهم فضل هدانه
كقارن في يوم أحرابه
(قصة فتح صعدة المرة الثانية)
قال الراوي: ولما علم أمير المؤمنين عليه السلام بنهوض القوم من صعدة وأنهم قد رتبوا فيها من تقدم ذكره من الأمراء الحمزيين وغيرهم جهز أخاه الأمير الكبير أبو المظفر علم الدين سليمان بن يحيى والأمير الكبير حسام الدين محمد بن فليتة بن سبأ في عسكر من الخيل والرجل فتقدما بمن معهما من العساكر فلما أقبلوا إلى صعدة هرب القوم عنها وصدروا إلى نهج بلاد خولان فلحقهم الأميران علم الدين، وحسام الدين بمن معهما من العساكر إلى الصعيد ........ فوقع بينهم طراد فولوا هنالك فأسر الأمير الكبير محمد بن سليمان بن الأمير المؤمنين المنصور بالله عليه السلام، وأمر الشيخ عبدالله بن أبي الربيب وولده عيسى لما كان من جملة القوم وتولى منهم الحسبة في صعدة ونهب شيء من أثاثهم وولوا عن المحطة فتحيزوا إلى وادي رغافة فحطو أولاً في أسفل الأودية عند موضع يقال له حطيرة من الحبير ثم نقلوا من هنالك إلى الأمراء الأجلال آل يحيى بن يحيى إلى رغافة واستقرت محطة الأميرين في صعدة وقد كان هرب عنها من كان مفسداً من الحدادين أهل الدربين، وأمر الأميران بخراب دور المحاربين وخرب أهل المعلى درب البقا بعد نهوض العدو، وقبل وصول الأميرين في حق قتل القاضي الأجل زيدان بن مقبل وجرى من الأميرين من الشدة على المفسدين والأدب لمن أدركا منهم.
ولما جرى في صعدة ما جرى من الشدة على المفسدة وخراب دورهم وحبس من حبس منهم أحزن ذلك الشيخ محيي الدين عطية بن محمد النجراني، فكتب إلى أمير المؤمنين كتاباً يذكر فيه تشريد أهل المذهب الزيدي وهدم منازلهم ويعترض على أمير المؤمنين بما فعله أهل المعلى ويشكو لناس ويشفع لآخرين ويذكر تقصيرا في حقه فأجابه أمير المؤمنين عليهم السلام قال فيه: من عبد اللَّه المهدي لدين اللَّه أمير المؤمنين:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله
أما بعد:[106ب-أ] حمداً لله وسلام على عباده الذين اصطفى فإنها وردت علينا مطالعة الحضرة العالية المكرمة الصدرية العالمة ...... محيي الشريعة عماد السنة عمدة الموحدين مرتضى أميرالمؤمنين أدام اللَّه إسعاده وواتر إمداده وأتحفه بالسلام ويسر مواجهته على أسر حال، فجاءت تعزيزا بائناً ومورداً.. لأنها خلطت مستقيماً وسقيماً، وجمعت هيناً وعظيماً.
أما ما ذكرته الحضرة من تشريد أهل المذهب وتطريدهم وهدم منازلهم ومحو محاسنهم وفضائلهم وإيحاش أهلهم ودفن مشاربهم ومناهلهم فتلك سنة اللَّه تعالى في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة اللَّه تبديلاً، وإنما كانوا أهل مذهب زيدي وصراط سوي بالأمس، وأما اليوم فإنه شب عمرو عن الطوق، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((سيأتي على الناس زمان يمسي الرجل فيه مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً)) وإنما كان ذلك بالولاء والبراء وإلا فهي ليلة واحدة أو يوم واحد لا يحكم المرء مذهباً تتبعه أحكامه ويلزمه كفره وإسلامه، والقوم باءوا بذنوبهم ووصموا لعيوبهم، فإن كان الأسى لحق الحضرة كما لحق ذلك النبي على قومه، قلنا له ماقال اللَّه لذلك النبي: {فلا تأس على قوم كافرين} وإن كان أحزنه ما رأى من إيحاش الأهل وهدم المنازل، قلنا له ما قال اللَّه لغيره في منازل أهل الظلم والغشم: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا}.
وأما من لا ذنب له ولا جنية، ولا زلة ولاخطية، فإنا لا نقصده لمضرة ولا نريده بمساءة فإن كان أقام بين الظالمين حتى.... بارهم وأصابته شرارهم، كان هو الجارم على نفسه والجاني عليها إلا أنه ما أثر النصرة ولا عجل الهجرة.
وأما جماعة أهل المعلاة الذين لا خلاق لهم ممن استقبح منه أثراً، أو رأى منه منكراً فما منعه من تغيير وكفه العالية وكلمته الماضية، ومن ثم من الأمراء لا يردون له حكماً، ولا يتعدون له رسماً.
وأما كون الدار لمسلم أو يتيم، أو أرملة، فقد دخل جوابه تحت ما ذكرناه وهو أنه قادر على غياره وقد تكاملت له شروط إنكاره، مع أنا نوسي الحضرة ونسليها بأن الدار دخلها العدو الكافر فملكها ودخلنا عليه عنوة بالسيف فملكناها فهي للفيء بحكم اللَّه تعال إلا إن هذا مبني على رأينا فإن خالفنا مخالف في ذلك الرأي حكمنا عليه بمذهبنا إلا إن يكون خلافه في أصول الإمامة كالمناه فيها.
فأما الحضرة فهي بمعزل عن المكالمة في أصول الإمامة لأنها من أول بناء أساسها وأحصد أمراسها، ونظم مسائلها ونشر فضائلها، ثم لم تدخل فيها إلابعد معرفة السيرة وتكرار البصيرة.
وأما ما ذكرته من رحائها فينا فهو رجاء صادق متمكن فإن رأت منا في نفسها تقصيراً حملته على أحسن وجوهه، وسألتنا عن حكمه واستنهضتنا في أمره فإن الذكرى تنفع المؤمنين، أو رأت من غيرنا إساءة في حقها حملتنا على أن لا نراضى تلك الإساءة وسألتنا النصرة وأمهلتنا مدة التمكين والقدرة ولم نحمل ذنوب المجرمين وفعل السفهاء [107أ-أ]الجاهلين على أئمة المسلمين وخواص أهل الدين فإن أمير المؤمنين علياً عليه السلام برىء من معرة الجيش إلا شبعة المضطر، وقد فعلت جيوش النبي صلى الله عليه وآله وسلم كخالد وغيره، وجيوش الصحابة ما فعلت وكان أهون سير عمر بن الخطاب في إبطال إمارة خالد عند أبي بكر الوصف فلم يقبل منه ولا قدح ذلك في أصول الولايات ولا اعترض أحكام الإمارات وهم خير من أهل الزمان أصولاً وفروعاً، وأوسع منهم معقولاً ومسموعاً، فما جرموا بذلك الأنبياء ولا الأئمة، ولا اعترضوا به صالح الأمة، بل ألحقوا كل جان حكمه، وحملوا كل مجرم جرمه، وقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما لزمه، وحكم الولي بما علمه، والحضرة أعلى من أن تجرمنا بفعل جاهل لا يعلمه أو تحملنا ذنب مذنب لا نعرفه، فأما القيام بما يتوجه علينا في ذلك من أدب أو تضمين جان فنحن حيث يسرها سواء تتعلق ذلك بها أو بغيرها.
وأما ما ذكرته من العفو عن المدنيين والتجاوز عن المسيئين، فعندنا أنا قد سلكنا مسالك العفو مالم يسلكه من تقدمنا من الآباء الأكرمين، أليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل أبا عزة في المرة الثانية وقال: ((لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)) وقال علي كرم اللَّه وجهه لأهل النهر: أيكم قتل صاحبي سلموه لي؟ فقالوا: كلنا قتله. وليس كلهم قتله وإنما قالوا عصبية وحمية ولم يقل له هلا عفوت.