هنيئاً مريئاً ما أنالك ربنا
ومني على ذاك المقام تحية
?
?
ومثلي من يثني عليك ويشكر
لنعمتك العظمى علي لأكفر
لجودك في كل المواقف أذكر[93ب-أ]
فإن يك عن صدق فنعم المبشر
فشكراً لذى الطول الذي هو يشكر
من النعم الحسنى التي لا تكدر
روائحها مسك سحيق وعنبر
ووصل من الأمراء الكبراء المعظمين آل يحيى بن يحيى بن الهادي مجتمعين يهنئونه عليه السلام:
ن البشائر كالنجوم وهذه
والشمس ما طلعت فأبقى ضوؤها
بشرى تملأ كل عين قرة
ما عمت الأحياء بشرى قبلها
أهلاً بتلك بشارة إذ أقبلت
فلهن مولانا الإمام مقره
ناداه نصر اللَّه إنك حيث ما
شرقاً وغرباً لا يرى من آمر
فانعم صباحاً يا براش وإن يكن
لا الخمر يطمع أن يراك ولا ترى
هيهات تخشى بعد وصل إمامنا
ولقد أمنت المومسات وصرت من
لو كانت الدنيا يدوم نعيمها
أما الأعاجم يا براش فلا يرى
لله أحمد من إمام سيد
سعدت له الأنام من عقدت له
اللَّه أكبر جل تفتح ما ترى
ماذا تعالت ذا الجلال إذا مضى
أنت الذي خضعت لسطوة بأسه
لا زلت ناصر كل دين غالباً
على براش وعز عن أعدائه
عمرت منازله الرفيعة بالتقى
لوكان يسعى صالحاً قلنا له
?
?
كالبدر ضوءاً والغزالة نورا
ضوء لنجم منجداً ومغيرا
منها جميعاً والقلوب سرورا
والخافقين مسرة وحبورا
أمسى جميع المؤمنين قريرا
ببراش لا حرجاً ولا مقهورا
وجهت كنت مؤيداً منصورا
يعصيك إلا أصبح المأمورا
ذنب يكن لك كله مغفورا
أبداً ربابات ولا طنبورا
فسق الأعاجم أو تخاف كفورا
بعد المهالك جنة وحريرا
بدلت من بعد الفواسد حورا
من بعد ملكك ملكهم معمورا
أحيا الهدى وأمات قوماً بورا
هدي الخلافة في القضاء صغيرا
يابن النبوة ما حييت أميرا
أمراً وكان لمن يحب نصيرا
غلب الرجال وأذعنو لك صورا
للظاليمن موفقاً منصورا
حولين يهدا بالعدى محصورا
وغدا الخنا في ربعه مهجورا
أجزاك ربك سعيك المشكورا
فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بإجابتهم ليعظم حقهم وشرف قدرهم فقال الشاعر:
اءت على قدر بكل غريبة
فلها لطائم في الركاب أريجه
سحبت على قمم السحائب ربطها
لو أن همام بن غالب صاغها
ولو أن قيساً وابن حجر شاهدا
لأتاك هذا في الأخير حسيرا
ما ضرها إذ نشر يحيى نشرها
منظومة غراء هجر ربها
من أسرة جعلوا المساعي في العلا
من آل يحيى خير آل محمد
والموقدي نار الحروب ببيضهم
والطاعني ثغر النحور وقد غدت
وتشب نيران القرا في حيث ما
قوم بهم قرن الكتاب وفيهم
جاءت تهانيهم على شحط النوى
بأشم ينتقل الجبال وتفزع
نادى به عقر الوعول وعصمها
لولا قضية فتحه قدرية
ثم استباحته السيوف فحللت
وغدا به القرآن يتلى دائماً
?
?
كالروض تنشره الصبا محضورا
استاقهن معنبراً وعبيرا
وغدت عقود تعظمت وشذورا
أنسا بها يوم الرهان جريرا
مرقومها ونسيجها منشورا
ورأيت ذاك محلقاً مبهورا
إن لم يكن مسكاً ولا كافورا[94أ-أ]
من بعدها المنظوم والمنشورا
فسعوا فلم يبغو عليه أجورا
بيتاً وأغزرها جداً موفورا
والواردين وطيسها المسجورا
صور الكماة من الأسنة صورا
حلو فحلب مقوياً مقرورا
نزل الكتاب مبيناً مسطورا
فغدا بها ربع العلا معمورا
السحب الثقال بخاله منفورا
حرقاً ودهرك لا يرى يعفورا
ما كان فتح رناحه مقدورا
ما كان حجرا قبلها محجورا
لا اليم يتبعه سعاد الزبرا
وفي خلال ذلك ما قد تقدم ذكر سببه من وصول أمير المؤمنين عليه السلام الجنات من الاختلاف في جهة مسور وبث السلطان مجاهد بن سليمان بن محمد بن الحسين ابن عمه الفضل بن أسعد بن محمد بن الحسين في جماعة من بني أزد المفسدين فلزمهم وأثقلهم بالقيود على صورة لا ترتضيها العرب في سالفتها وكان ذلك من ألطاف الله تعالى لابن نبيه أن نزهه من الأفعال القبيحة وكان عند ذلك أمر مجاهد بن سليمان وأعلم أمير المؤمنين عليه السلام بلزمهم فلا صوبه أمير المؤمنين بذلك ولا أمره بذلك ولا كره نكاية أعداء اللَّه وتسليط بعضهم على بعض وعند ذلك وصل الأمير الكبير المقدم نسب أمير المؤمنين وسيفه علم الدين أحمد بن القاسم بن جعفر من الجهات المغربية حتى إذا صار قريباً من بلاد بني أزد أمر بخرابها وتدميرها ويسلم الحصن المعروف بالعزيا بين الكلالي ومسور واستقرت عند ذلك الأمور وسكنت الحوادث، وتسلم أمير المؤمنين في خلال ذلك حصن الجاهلي في الخدم من أولاد الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة باختيارهم، ووصل الأمير المقدم الذكر إلى أمير المؤمنين فلقيه وأحسن مقابلته وشكر سعيه وقضى حوائجه ولم يلبث أمير المؤمنين عليه السلام أن نهض من الجنات قافلاً إلى صنعاء اليمن غانماً ظافراً مشكوراً مذكوراً.
أخبرني بعض الثقات أن الإمام عليه السلام ركب من الخيل في مدة إقامته بالجنات نيفاً وثمانين ما بين حصان وفرس، فأما الخلع ومطارف الحرير فلم يحصل لي تحقيق ذلك.
(قصة نهوض أمير المؤمنين عليه السلام من الجنات)
السبب في ذلك لما نقصت [94ب-أ] الحوائج وانحسمت الشرور في الجهات لم ير إلا النهوض فنهض من الجنات في عسكر عظيم من الخيل والرجل فحط بموضع يسمى ضروان، ثم نهض ثاني ذلك اليوم فحط في المنظر، ثم نهض ثالث ذلك اليوم وهو يوم الثلاثاء ثاني وعشرون من شهر رمضان سنة خمسين وستمائة فدخل صنعاء اليمن فوقف في أجل نعمة وأتمها يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتبع سيرة جده عليه السلام وينفذ الأحكام ويتفقد أمور الأمة ويلاحظ مصالحها وينفق مما آتاه اللَّه وفي هذه المدة سكنت الحوادث في الأقطار بعناية أمير المؤمنين وسعايته فجزاه اللَّه خيراً، وأقام في صنعاء أيام من بواقي شهر رمضان من سنة خمسين وستمائة وشهر شوال، والقعدة، والحجة، والمحرم، وشهر صفر، وربيع الأول إلى ثلاثه أيام منه، وخرج من صنعاء اليمن إلى هجرة سناع.
(قصة الأسباب والحوادث التي خرج لأجلها أميرالمؤمنين إلى صنعاء)
قال السيد الشريف العلامة شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه وأرضاه: لما استولى أمير المؤمنين على حصن براش اضطربت أمور سلطان اليمن الأسفل يوسف بن عمر بن علي وقد كان صالح أمير المؤمنين على شروط كثيرة فأخذ في الجد والإفساد على أمير المؤمنين على وجه خفي وأظهر للإمام تجملاً وأنه مسرور بحصول براش للإمام وما يعلم أنه جرى عليه أعظم من ذلك، فلما علم أمير المؤمنين بذلك لم يستحسن نقض الصلح والمعاقبة حتى كثرت الحوادث من جهة السلطان وقتل قوماً من الأشراف بني سليمان وغير ذلك، وعند ذلك توسط المتوسطون بين الإمام عليه السلام وبين أسد الدين في الصلح وهم الأمير الكبير أحمد بن محمد بن حاتم العباسي والشيخ الرئيس علوان بن عبد اللَّه الكردي الجحدري، والقاضي اللسان ركن الدين مسعود بن عمرو العنسي وغيرهم من الشرف والعرب، فانتظم ما بين الإمام وبين الأسد على شروط:
منها: إن أعطاه بلاد معينة في رداع وديارها وبلاد عنس، وشيئاً في الأقطار الصنعانية، وشرط عليه أمير المؤمنين سلوك السيرة المهدية والعدل في الرعية وإنفاذ الأحكام الإمامية وعقد له عند الاستيلاء على اليمن الأسفل بشيء من الحصون، والبلاد، والمدن، وأنصفه غاية الإنصاف، وعظم، ورهن عند أمير المؤمنين ولده وامرأته فأمر بهم أمير المؤمنين إلى عزان عند الأمير أحمد بن محمد بن حاتم، بعد أن أنعم أمير المؤمنين على أولاد أسد الدين لما وصلوا إليه بأربع من جياد الخيل وكساهم من نفائس الملابس ووقع الإجتماع بين أمير المؤمنين وبين أسد الدين في اليوم الرابع من شهر القعدة سنة خمسين وستمائة واجتمع الرأي فيما بينهما [95أ-أ] على النهوض إلى جهة ذمار.
(قصة نقض الصلح)
وقد كان سلطان اليمن أمر رسولاً إلى الإمام عن الصلح هل هو ثابت أم لا؟ فإن كان ثابتاً فيأمر الإمام برفع المحاط عن حصن هداد فأجابه أمير المؤمنين أن صاحب حصن هداد حاربنا وبالغ في الفساد علينا وجاش علينا بجملة من الأموال فإن خرج منا بما يجب فعلنا ما يحب السلطان في ذلك وهذا بنفسه يخالف الشروط التي انعقد عليها الصلح بيننا وبين السلطان والخطوط شاهدة على الجميع فكان الجواب من السلطان أن جهز عساكره وقدم منهم عبدا له خصياً يقال له بدر حتى وصلوا ذمار.
رجع الحديث
فتجهز أسد الدين وأزمع على المسير وضم إليه أمير المؤمنين جملة من الخيل وأمر نائبه في الجهات الذمارية بحشد العساكر وامتثال أمره في عرض هذه الحركة والمبالغة في إنصافه بكل وجه من الوجوه.
[قصة الحرب بين عساكر الإمام والأعاجم]
قصة الحرب بين عساكر الإمام المهدي لدين اللَّه عليه السلام وبين الأعاجم ومن يقول بقولهم من عسكره السلطان.
قال السيد الأمير شرف الدين رضي الله عنه: ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام أمر أخاه لأمه الأمير السيد فخر الدين إبراهيم بن يحيى بن علي بن القاسم بن عبد اللَّه بن القاسم بن أبي البركات، وهو إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم ترجمان الدين عليهم السلام في عسكر مقدار ثمانين فارساً من أنجاد الشرف والعرب وفيهم من الكرد الأمير المقدم المجاهد ناصر الدين صالح بن عمر فحط في موضع يسمى السواد إلى جانب حصن هداد فقطعوا عنه المادة وتقوت بوصولهم المحاط على هداد ولم يبرح في محطته تلك حتى ورد عليه رسم أمير المؤمنين عليه السلام بالتقدم إلى مغارب ذمار وشن الغوائر على الغز الذين هنالك فامتثل أمر أمير المؤمنين فلما صار في المحطة التي تسمى الحجبين أمر خيلاً من تحت الليل إلى جانب باب ذمار، فلما كان من الصبح خرج من عسكر ذمار قوم فوقعت بهم الخيل فقتل منهم جماعة فيما بلغنان ثم تجهز الأعاجم بعد ذلك وقصدوا محطة الأمير فخر الدين في قوة عظيمة وأمر محكم وعندهم أنهم ينالون غرضاً فأكذب اللَّه ظنونهم وردهم بكيدهم فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وكانت وقعة بين العسكرين فانجلت المعركة عن جماعة قتلوا من عسكر الأعاجم.
روى بعض الناس أن القتلى في تلك الوقعه كانوا عشرين أو نيفاً وعشرين. والله أعلم.
(قصة تسليم هداد)
لما اشتد بأهله الحصار وانقطعت السبل وحيل بينهم وبين ما يشتهون ونالتهم المضرة حتى أكلوا الحمير والخيل وأشياء من الأشجار التي لا تؤكل [95ب-أ] فيما بلغنا. والله أعلم.
فدار المتوسط فيما بينهم وبين أمير المؤمنين فتولى ذلك الأمير المجاهد شجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم العباسي العلوي وتقدم وبالغ وبذل لأهله وهم الهروش، وانصرم الأمر فيما بينه وبين الأمير أحمد بن محمد وبين مظفر بن راشد وقبض الحصن، وكان تسليمه من أعظم الفتوح في ذلك الأوان وعند ذلك انقطع ما في أيدي الغز الذين في ذمار وأحاطت بهم المراكز وتقاصرت الأسعار حتى أيقنوا بالهلال.
أخبرني رجل من بني العم أنه روى له إنسان من أهل ذمار بعد أن هرب منها الخصي وعسكره أنه رأى أجمالاً في داره يعض بعضها بعضاً من شدة الجوع وأنها ماتت عن آخرها.
رجع الحديث
وكان تسليم حصن هداد في اليوم الأحد سلخ الحجة آخر سنة خمسين وستمائة سنة وبلغ أمير المؤمنين العلم بذلك فاستر المسلمون بذلك وأمر بالبشارات إلى الجهات الإمامية فالحمد لله.
(قصة هرب الخصي وعساكره والوقعات بينهم وبين المجاهدين)
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: وقد كان الغز الذين في ذمار نهضوا قبل أن يعلموا بتسليمه هداد متوجهين الى جهات هداد لرفع المحاط فبلغهم العلم بتسليمه فعند ذلك سقط في أيديهم، ثم حطوا في موضع يسمى رصابة ليتهيئوا بذلك وكانت محطة العساكر الإمامية في السواد تتناظر المحطتان فوقع بين العسكرين حرب عظيم قتل منه جماعة من الغز وعقر شيء من الخيل واسشهد من المجاهدين [.....بياض في المخطوط.......].
ولما كان يوم الجمعة خامس من شهر المحرم أول سنة إحدى وخمسين وستمائة تجهز الأعاجم لحرب عساكر الحق ومنعهم عن الصلاة فقاتل المجاهدون قتالاً عظيماً وكانت الدائرة على الغز وفي خلال ذلك وصل الأمير المقدم علم الدين سليمان بن يحيى وهو أخو الإمام لأمه في عسكر عظيم من الخيل والرجل، فلما وصل ازداد المسلمون قوة ودخل في نفوس الأعاجم أن الدائرة عليهم فنهضوا محطتهم من رصابة إلى مدينة ذمار فلم تطل مدتهم أن هربوا على رؤوسهم على أشر قضية.
قال الراوي: والسبب في هربهم أن القوم لما عاودو الى ذمار عرف الناس أن الذل قد دخلهم فاجتمعت قبائل تلك النواحي ونهض عساكر الإمام فحطوا موضعاً يسمى هران وظهر الكلام أن غرضهم قصد الأعاجم الى ذمار.
وقد أخبرني من أثق به أن خيل الإمام عليه السلام كانت يومئذ قريباً من ثمانمائة فارس من فرسان الشرف والعرب والأسد وممالكيه، فلما علم الغز بذلك ولوا مدبرين في الليلة التي يسفر عنها السبت الثالث عشر من شهر المحرم أول سنة إحدى وخمسين وستمائة سنة، فلحق العسكر [96أ-أ]من أثاثهم وانتهبوا أشياء من أثقالهم ولحقهم الناس بعض نهار فلم يظفروا منهم بشيء؛ لأن القوم أسرعوا من تحت الليل وقد كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام استدعى الأمير الكبير المتوكل على اللَّه أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام وكان في حصن ظفار واستنجده لحرب أعداء اللَّه فلبى دعوته وأسرع اجابته وأمر له أمير المؤمنين بشيء من المال يستعين به ويتجهز للجهاد، فلما وصل إليه إلى صنعاء لم يلبث أن جهزه أمير المؤمنين في عصابة من أهله وبني عمه وأضاف إليهم من فرسان العرب من أمكن وأمره بالنهوض في يوم الإثنين ثامن المحرم سنة إحدى وخمسين وستمائة وجهز بعده الشريف الأمير الحسيب جمال الدين توران بن قاسم بن يحيى بن حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم ترجمان الدين عليهم السلام في عسكر وأمره أن يلحقه وأمر بتعظيم الأمير المتوكل وإنصافه وإنفاذ أمره، فبلغ العلم إلى أمير المؤمنين بهرب الأعاجم قبل وصول الأمير المتوكل وجماعته، ولما اجتمعت العساكر في ذمار لم يلبث أسد الدين محمد بن الحسن بن رسول أن نهض قاصداً إلى صنعاء إلى الإمام، فلما علم الإمام بإقباله كره ذلك واشتغل خاطره فأمر إليه بالوقوف فلما يساعد إلى شيء من ذلك برواية أن من شياطين الإنس من كان قد أسر إليه من ابن عمه سلطان اليمن ومناه بأمور وقد ظهر ذلك من
فعله على ما سنذكره من بعد، فلما وصل إلى أمير المؤمنين إلى صنعاء لقيه عليه السلام وأكرمه وعظمه وأنصفه، ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام أمره بالنهوض إلى التهايم وحرب ابن عمه من تلك النواحي فأظهر الإمتثال لأمر الإمام وتعلل بممالكيه وأجناده وأنهم يطلبون مالاً وحراباً وأشياء كثيرة عددها فلم يبعد أمير المؤمنين مما طلبه فأمر له بشيء من مطارف الحرير وشيئاً من الدراهم قريباً من ستة عشر ألفاً وأمر أمير المؤمنين إلى ناحية المغرب الى ابن عمه الأمير علم الدين أحمد بن القاسم أن يطلب ذلك من الناس وأن يجهزه ويبالغ في إنصافه.
قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: كنت المتوسط في ذلك فلما بلغت إلى جهة المغرب وأعلمت الناس بذلك بادر الناس إلى ذلك وأحبوه ورأوا نكاية العدو مغنماً، فلما تبين لأمير المؤمنين أن الأسد في واد غير ما يطلب منه كان منه على حزم إلى أن ظهرت فضيحته وبان مكره وغدره، وسيأتي الكلام في إيضاح غدره ونكثه.
قال الراوي: وقد كان سلطان اليمن جهز عسكراً إلى حواز البلاد المغربية وقدم فيهم عمارة الأصبهاني وكان من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين وأعظمهم فساداً وأشدهم ارتكاباً للخبائث من شرب الخمر واللواط، وجميع الحناثات فلما حطوا موضعاً بين المخلافة وجبل تيس وقد كان اجتمع معهم من الحرابة وغيرهم خلق كثير لم ير الأمير المقدام علم الدين [96ب-أ] أحمد بن القاسم بن جعفر إلا أنه يقصدهم بنفسه فجمع عسكراً عظيماً وقصدهم بنفسه من تحت الليل فالتقى أول العسكر بمركز القوم بعيداً من المحطة فقتل منهم جماعة ونهبوا وطار بعضهم بنفسه في شواهق الجبال، فلما سمع أهل المحطة أصوات القوم ركبت الخيل واستعدوا فلم يظفر منهم بطايل، فلما عاينوا من الأمير المقدم الذكر من شدة البأس علموا أنه يشفع الوقعة بأخرى فولوا هاربين إلى التهايم وبلغ العلم إلى أمير المؤمنين بذلك فاستر المسلمون بذلك سروراً عظيماً.
رجع الحديث إلى نهوض العساكر من مدينة ذمار
ولما اجتمع في ذمار من العساكر ما يقصر عنهم الوصف نهض الأمير المتوكل على اللَّه وصنو الإمام المهدي عليه السلام االأمير الكبير علم الدين زعيم جيوش المسلمين أبو المظفر سليمان بن يحيى بن علي بن القاسم بن عبدالله بن القاسم بن أحمد بن أبي البركات وهو إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم ترجمان الدين عليه السلام وجميع الأمراء والمقدمين في العساكر حتى حطوا في موضع يسمى الملاوي ثم نهضوا إلى موضع يسمى ذي جرب بين الأسلاف والصمنية، ثم نهضوا إلى موضع يسمى منكث، ووصل إليهم صاحب الحصن المسمى دراون الورد بن محمد بن ناجي وأطاع وأحسن النصيحة في ذلك الأوان.
(قصة حرب رياب)
ولما استقر العسكر هنالك وكان هنالك قوم من الباطنية الملاحدة في موضع يسمى رياب، وهو موضع ممتنع، فقصدهم المجاهدون فبلغوا منهم مبلغاً عظيماً.
أخبرني من أثق به أن النسوان والصبيان تولوا استنقاذهم لما كاد المجاهدن أن يدخلوا معهم المكان فقتل من أعداء اللَّه جماعة واحتز بعض رؤوسهم ودعا بعضهم بالسلم، ثم نهض عسكر أمير المؤمنين إلى موضع يسمى مرس لحرب الباطنية الملحدين في حصن كحلان الحداد وأخذ زرائعهم وخراب بلادهم، فلما استقرت المحطة هنالك ووقع الحرب بينهم وبين عسكر أمير المؤمنين فقتل من أعداء اللَّه جماعة منهم ولد منصور بن الحداد وأخاه وبلغ العسكر في خراب أموالهم وبلادهم مبلغاً عظيماً وهذا الحصن كحلان من المعاقل المشهورة وكان أهله زيدية لا يعرف فيهم هذا المذهب فدخل عليهم شيطان من الإنس يقال له التيس وكان من آلات الباطنية وخدامهم فحاورهم وكتم أمره ودس عليهم المذهب الخبيث على حين غفلة من العلماء في تلك النواحي، فلما أغوى رئيسهم مال إليه الأكثر فالله المستعان عليهم، ثم نهض عسكر أمير المؤمنين إلى موضع يسمى خاو وأقام هنالك أياماً.