وأقسم لقد شاهدته في بعض الثغور يصل ليله بنهاره لا يذوق فيه إلا أن يكون شربة من الماء والناس في رغد ونعيم، ولقد كان الطعام يقرب إليه فإذا علم أن المجاهدين في ساعة انقطاع وقرب له طعام لم يذقه ويقول: نواسيهم بنفوسنا حتى يعلم الله ذلك منا أو كما قال في هذا المعنى، ولقد كان الطالب يطلب منه القليل أو يعتقد أن مثله لا يبلغ إلى عشر ما يعطيه فيضاعف ما يطلب منه، فتعظم نفس المستصغر لنفسه من عظيم عطائه.
ومن عجائب كرمه وسخائه، وما خص الله تعالى به من فتح أبواب الرزق أن سلطان اليمن عمر بن علي بن رسول أقبل لحربه بعد بلوغ دعوته إليه بعساكره الكثيفة، وخزائنه العظيمة، وكان هذا السلطان قد استحكم ملكه في اليمن وقل معانده، وتوفرت في خزائنه الأموال فظن أن لا يغالب في حال من الأحوال، فكتب إلى الشيخ الكبير منصور بن محمد بن جعفر صاحب ثلاء لما دعا من عنده مكاتبة كأن السيوف فيها مجردة، والرماح مشرعة، ولقد قال في كتاب الشيخ المذكور فلآتينك بجيش يغص منه الفضاء، وينزل من جوانبه القضاء إلى غير ذلك من التهويلات والتهديدات، ثم أقبل حط بعساكره وخزائنه مقابل له في محطة بعد أخرى شهوراً، فمضت تلك الخزائن، وما فيها من النفائس، وباد ما جمعه من النفوس، ولقد كان خدام هذا السلطان يشترون ريقه عليه السلام بالذهب والفضة، ويعدون المنعم من قبض منه برة، حتى لقد أخبرني بعض الثقات وأهل الخبرة بالسلطان ممن هو مصاف له في ذلك الأوان أن هذا السلطان أخبر عن نفسه عند منصرفه قافلاً إلى اليمن خاسراً مغلوباً، وكان ببئر الخولاني على أميال من صنعاء أنه أنفق من العين ألف كيس ومائتي كيس وعشرين كيساً، كل كيس فيه أربعة آلاف درهم نورية، خارجاً عن الخلع والكسا والمركوبات، فما ظنك بمن بذ هذا السلطان عطاء، ورده بلطف الله خاسراً خائباً، وما جرى له قلم في بلد إلا ما آتاه الله من الأرزاق الحلال.

أخبرني أن شخصاً أعطاه سبعمائة مثقال ذهباً عيناً أو نحو ذلك، ولقد كان ينزع الرداء فيعطيه وهو إليه محتاج، وينزع العمامة فيعطيها، ويعطي الفرس الذي يركبه وهو إليه محتاج، ولقد كان يؤثر على نفسه وأولاده وأوليائه، ولقد كانت مناقبه في الفضل والكرم متضوعة كتضوع المسك الأذفر، وشرفه كإشراق القمر الأنور، الشبيهة بقول القائل:
أيا شجر الخابور مالك مورقاً
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ... كأنك لم تجزع إلى ابن طريف
ولا المال إلا من قنا وسيوف
وكم ذا يتعاطى الواصف أو يضبط العارف من مناقب تعلو السماك الأعزل سمواً، وتجر ذيلها على المجرة تيهاً وعلواً.
إذا ما يراه الرجال تحفظوا
حبيب إلى الزوار غشيان بيته ... فلا تنطق العوراء وهو قريب
جميل المحيا شب وهو أديب
أو كما قال دعبل:
فتى لا يرى المال إلا العطاء ... ولا الكبر إلا اعتقاد المنن
ولو أن مناقبه عليه السلام كتبت بالمسك والعنبر، وجعل ورق سيرته من العقيان الأحمر لكان جديراً بذلك، وكيف سيعظم ذلك في من مدحه لسان الدهر، وعجز عن وصفه جميع أبناء العصر، وما عسى أن يقول القائل فيمن شهد بكرمه الأعداء، وتنطق بمناقبه الدهماء، وما يقال أيقال للفلك: ما علاك وللطود ما رساك، وكيف يشكر وجه الشمس على ضياء صاحبته، والغيث على سماحته، أليس من البعيد أن يتحدث الواصفون في مناقبه كالنجوم الثواقب، هرم على معرفتها الكبير، وشب الصغير، وأبصرها الأعمى بلا عين، وسمعها الأصم بلا أذن، ولله القائل:
لو درى الدهر أنه من بنيه ... لازدرى قدر سائر الأولاد

(فصل)
وأما مناقبه عليه السلام وخصائصه في حسن الخلق، كان عليه السلام كما قال تعالى في صفة جده خاتم المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله: {وإنك لعلى خلق عظيم}،(1) إذا نظر إليه الناظر رأى صفحات خده تهلل بشراً، في جوانب غرته تلمع نوراً، بساماً من غير ضحك، حسن المباحثة، يوقر الكبير ويعظمه وينزله منزلته، ويحب الصغير ويرحمه، ويرق قلبه لليتيم، يؤنس بقوله وفعله وحشة الغريب، كلامه حكمة وصواب، ورأيه رشد وسداد، يهدي إلى الحق ويدعو إليه، ويصرف عن الباطل ولا ساكت عليه، إن سكت فهو حياء من غير عي، وإن تكلم فهو رشد من غير غي، ليس بالصخاب ولا العياب، ولا الملق ولا الخرق، فما أحقه بقول واصف الأخلاق: كريم له أخلاق خلقن من الكرم المحض، وشيم يشام منها بارقة المجد، لو مزج بها البحر لعذب طعمه، ولو استعارها الزمان لما جار على أحد حكمه، قد جمعت الأهواء المتفرقة في محبته، وتوالت الآراء المشتتة في مودته، فإذا نظرت إلى حسن منظره الذي يملأ العيون، وجلال هيبته الذي كان فيه سوق المنون، وأخلاقه التي هي أصفى وأرق من الدر المكنون؛ قلت كما قال تعالى في كتابه الكريم في قصة يوسف عليه السلام أو كما قال بعضهم:
يقول رائيه إجلالاً لطلعته
فلو تقدم في عصر مضى نزلت ... تبارك الله ما هذا من البشر
في مدحه معجزات الآي والسور
وأنا أستغفر الله العظيم من التفريط في حقه، لا من التفريط في مدحه.
(فصل)
وأما خصائصه عليه السلام في جودة الرأي وحسن السياسة، وتوقد الألمعية فاعلم أنه عليه السلام كان من لطيف الفكر الغميق، وثبات الرأي الوثيق، ما يحيط بفلك الصواب، ويدور بكواكب الرشد والسداد، ولقد كان أولوا السن والتجارب يصقلون سيوف آرائهم، ويقودون بزمام هدايته ناكب إعراضهم، ولقد كان يخبر عما لم يقع بما كأنه وقع من طريق الحدس والفراسة، حتى يظن السامع أنه يكشف له عن أسرار الغيوب، وأن له مرآة تريه مكنونات القلوب. شعراً:

فتى مثل صفو الماء ليس بباخل
ولا ناطقاً أحدوثة السوء معجباً ... بشيء ولا مهدٍ ملاماً لباخل
بإظهارها في المجلس المتقابل
(فصل)
وأما مناقبه في ثبات القلب، وإقدامه في مواطن الطعن والضرب، أما قبل قيامه عليه السلام فإن زمانه كان زمان هدن وسكون، وإخلاد إلى لعاعة الدنيا وبهجتها من ملوكها، فكان جل شغله بالعلم والعبادة، والتتبع لمكارم الأخلاق والزهادة، والاستعداد لنصرة الدين، ونظم عقد الإسلام والمسلمين، ولقد كان في غضارة الشباب وقرب العهد بالإدراك يقيم في بعض الثغور ويتصدر لبذل النفس في سبيل الله، ولقد كان يهم بالاعتزال إلى بلد شاسع يقاتل فيه أعداء الله، ولقد اختبر في أيام دعوته في موطن من مواطن الحرب تختلس فيه النفوس، وتنتهب الأرواح في يوم شؤبوبه مقاتل القداح، وبروقه مباسم الصفاح، ورعوده هماهم الكفاح، قد أعدت فيه الملاحدة والمجبرة سكتها، وشحذت للطعن والضرب غروب صفائحها وأسنتها، فكان سلام الله عليه في ذلك اليوم سابق حلبة المآرق، وضيغم غيل الماقط المتضايق.
وأما بعد قيامه عليه السلام فما عسى أن يقول القائل في رجل كالألف، بل أعظم من ذلك في النعت والوصف، فما أحقه بقول القائل:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانباً

طال والله ما التقت الصفوف، وقامت سوق الطعن والضرب عند ساقي كأس الحتوف، ولحظت المنايا عن أعين زرق في أوجه سود، وتعاركت الأبطال بأيدي رجال وقلوب أسود، وتعانق الأقران عناق المكافحة لا عناق المصافحة، وأذكت الحرب ناراً وقودها النفوس، وشهدت الطير عرساً نثاره الرؤوس، وخاضت الخيل الدم حتى صار أشهبها أدهم، وهو عليه السلام هلال عثير الكتيبة، وصارم الضريبة، يلوذ به الفرسان، ويأنس بضربه الشجعان، يزداد إقداماً عند إقدام أعدائه حتى تظلهم ذوائب لوائه، ولو عددنا مقامات شهدها، ومواطن حرب كان أسدها؛ لمددنا أطناب الإطناب، ولخرجنا إلى الإسهاب في هذا الباب، وليسأل السائل العقاب وسناع وتلك الهضاب، وقارن وتلك الحداب، وحضور يوم قل الأحزاب، وغير ذلك من المقامات التي يشهد لها فرسانها، ويحكم لها سيفها وسنانها، ألم يكن فيها كما قال:
وإذا مج القنا علقاً
راح في تفني مفاضته ... وترى الموت في صوره
أسد يدمي شبا ظفره
في حيث تطلق الأرواح الأجسام، وتقهقر الأسود عن الإقدام.
واسأل يخبرك القليس وصعدة ... وذمار إن سألتها أو مأرب
وسنذكر في مفردات مقاماته الهائلة في أثناء سيرته العادلة ما يكفي بعضه المنصف ويذهل مجموعه عقل المتعسف ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(فصل)
وأما مناقبه وخصائصه في التواضع والأدب فما عسى أن أقول فيمن كان قوت النفس، ومادة الأنس، رب الفضائل، وحميد الشمائل، فما أشبهه بقول البحتري حيث قال في مدح متواضع:
دنوت تواضعاً وعلوت مجداً
كذاك الشمس تبعد أن تسامى ... فشأناك انخفاض وارتفاع
ويدنو الضوء منها والشعاع

ولقد كان عليه السلام يتواضع مع علو شأنه واستظهار سلطانه ويزداد لله شكراً وذكراً، ولقد كان مع إخوانه وخلصائه كأحدهم، يلبس الخشن، ويأكل الجشب، وينصف من نفسه، ولا يستأثر على غيره إلا بما خصه الله به، ولقد كان إذا رأى عظيم ما فعل الله له من علو الشأن وخضوع أرباب الملك والسلطان يخلو بنفسه ثم يسجد بالأرض شاكراً ومتواضعاً كما قال القائل:
تواضع لما زاده الله رفعة ... فكل عزيز عنده متواضع
(فصل)
وأما مناقبه في البلاغة فإنه كان عليه السلام، كان الخطيب الشحيح، والمنطيق المصقع كأنما ....... في الكتابة، ولساناً ينبوعاً للبلاغة، جمع بين شارد البلاغة وقطانها، وجرى سابقاً في ميدانها، وملك بكفه عنانها، كأنما خطه في الأوراق شذور العقيان في مصاحي المرجان، فلا تمج كلامه الآذان، ولا يبليه الزمان، ولقد رأيناه ينشر الرسائل التي تجمع شمل المحاسن وتضم شوارد البدائع، فهو عليه السلام ابن بجدة البلاغة ورضيع أخلاف الفصاحة، وله الموضوعات اللؤلؤية والمكاتبات الدرية، التي تناول المرمى البعيد، وتستنبط المشرع العميق، ولقد سمعته يقول النظم ويصوغ القريض، ثم يقول: إن الشعر من مظان العيب والانتقاد، ولا أرى بتركه بأساً أو كما قال في هذا المعنى، ولقد كان يحدر القرآن الكريم في أسحار الليل فيأخذ بأزمة القلوب، ولقد كان يعبر عن معاني العلوم على العموم بعبارات تنبي عن الغوص في لجج بحار العلم والاطلاع على أسرار الفهم، فلو كان ابن الرومي في زمانه لكان المعنى بقوله:
لولا عجائب صنع الله ما نبتت ... تلك الفضائل في لحم ولا عصب

(فصل)
وأما مناقبه في حسن المعاشرة لأهل الزمان فاعلم أن الله جل جلاله غرس في قلوب الناس له محبة ووداداً، وجعل في كلامه وحديثه لهم سداداً ورشاداً، ولقد أجمع على محبته حتى قوم من أهل الذمة مع بعدهم عن دين الإسلام وسبابتهم لجده عليه أفضل الصلوات والتسليم، ولقد كان منهم من يأتيه بالنذر والبر ثم يسأل عن شأنه فيقول: رأينا الخلق مجمعين على محبته فقلنا ما هنالك إلا مزية به وخاصية من الله أو كما قالوا، فكان عليه السلام يعاشر الناس بما يقرب به قلوبهم، ويضم به شاردهم، فإن وعظ تصدعت لوعظه القلوب، وإن رغب فيما عند الله فكأنه يطلع السامع على عميقات الغيوب، وإن سمع فاحشاً أحسن في إزالته وحسمه، وإن رأى منكراً غيره أو بعد عن أهله، وإن عاد مريضاً فرج عليه كربه وشوقه إلى لقاء ربه، وأمره بالجد والأهبة في طاعة الله، وعنى في استخلاصه من حبالة الشيطان ومصائد الفتان، وإن عاشر غنياً حقر إليه الغنى ونخوته، وإن خالط فقيراً لم يستحقره وحبب إليه الفقر والتعفف، وأعانه إن تمكن، وبذل الواسع في نفاعته، وإن رأى بين أحد من المسلمين ما يؤدي إلى الاختلاف والفتنة والغضب والمهاجرة سارع إلى ذلك بنفسه، وأطفأ ثائرة الفتنة، وحسم مادة الغضب ورأب الصدع، ورد القلوب بمن الله على أحسن ما كانت عليه، وكذلك إن جرى بين أحد من الناس ما يؤدي إلى القتل والقتال وانتهى ذلك إليه فقد كان في آخر أيام الدرس وقبل القيام كعبة للأنام، وعمدة لأهل الإسلام، ومنهلاً يرده الخاص والعام، ولقد كان جيرانه وإخوانه إذا نام الليل واحتجب عنهم يستوحشون لفراقه مع قرب العهد.
وفي هذه[9أ-أ] الإشاره كفاية في هذه المنقبة الشريفة.
(فصل)
وأما مناقبه وخصائصه في العلم فقد اندرج حيث ذكرنا شأنه، وفي ذلك كفاية لمن أنصف ونظر لنفسه ولم يتبع هواه، ولا أعطى زمام قلبه سواه، وسنذكر جملاً مما شهد به أعلام علماء العصر في تكامل خصال الإمامة فيه نظماً ونثراً، ولفظاً ومعنى.

(فصل)
وأما ذكر فضائله وبركاته.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: لما كان قبل قيامه عليه السلام بقريب من العشر السنين أراد الله تعالى أن يعلو ذكره، وشهد بين الورى فضله، فكانت كل فضيلة تذكر يذكر له من أجناسها وأشكالها عدة، وجعل الناس يذكرون ويكثرون في فضائله ويغرقوون في عظيم بركاته، ولم يزل ذلك ينمو ويتزايد في ألسنة الناس، وينقله الركبان والحجاج، والضاربون في الأرض شرقاً وغرباً وبراً وبحراً حتى عظم ذلك في قلوب الناس، وتحدثوا فيه بضروب، فمنهم من يرى له في المنامات العجيبة التي تكاد تخرج عن المعتاد، ومنهم من ينذر له في مريض فيعافيه الله تعالى، أو في زرع فينمو ويزكو ويبارك الله فيه ويضاعف ثمره، ويسلم من الآفات التي تصيب، ويجاوره ويصاقبه حاشية بعد وفاته صلوات الله عليه الأمر باق على مر السنين مما عاناه وشاهده أفقر عباد الله علي بن محمد القاسمي العياني أنه كان في عيان جربة زرع، وكنت نذرت فيها للإمام المهدي عليه السلام بتلام فلا يلحق زرعها ضر أبداً حتى لقد كان من غير في زرعها شيئاً لا تمضي عليه السنة إلا وقد شاهد في نفسه وأولاده ما يكره حتى لقد كان في سنة عشر بعد الألف أطهفنا هذه الجربة وجاء فيها طهف عظيم فلما بدا صلاحه ترجح لبعض مشائخ الجهة المعروفين آل غريب، خرج ولد منهم في الليل غير في الطهف مقدار أربعة أتلام، وانتبه الحامي وطرده وفات، فلما أصبح قال الحامي: أنا عرفته هو علي بن مطهر بن غريب فطلبنا عمه عامر وقلنا له: فأنكره وجاء بالولد وقال: احلف على قبر الإمام القاسم عليه السلام ما هو أنا فعلت للحاضرين ما احتاج إلى يمينك إلا أني سأمهلك إلى رأس الحول فإن جاء رأس الحول وأنت بخير فأنت بريء ولا عليك يمين ولا طلاب، وإن جاء رأس الحول وقد بدا عليك فقد صح أنه فعلك ولزم عمك الفعل وأدب، قال: نعم ورضي بذلك في مشهد، وكان ذلك في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة وكان إلى سلخ شهرشعبان، وخرج الولد

متبرجاً في بعض ماله فخرج عليه حنش لسعه في أصبع رجله ومات من ساعته فما شعرنا إلا بعمه جاء برأس بقر عقره وقابلنا في فعل بزيه، وهذ أمر ظاهر وهذه الجربة إلى الآن محترمة من كل مؤذي. انتهى.
ومنهم من ينذر له الخيل من آفة تعرض لها فيسلم ما نذر فيه أو في جمل فيأتي على وفق ما يريد الناذر.
ومنهم من ينذر له في الغنم شيئاً مخصوصاً[9ب-أ]، فيأتي بالقوم.
ومنهم من ينذر له في الأسفار ولجج البحار فينجيه الله مما يكره.
ومنهم من ينذر له في بضاعة فيبارك فيها وتسلم من المهالك، ولا يسلم غيرها مما لا نذر فيه.
ومنهم من ينذر له إذا انقطعت ذريته فيحصل له النسل كما أراد.
ومنهم من ينذر له إن كفاه الله شر عدوه أو نصره عليه أو غير ذلك حتى لقد كان الناس يفزعون إليه عند الشدئد وإلى البركة بالنذر واستمداد الدعاء في جميع أحوالهم، وكان ذلك أمراً عاماً عند ملوك العصر وغيرهم حتى كان وحيداً في الفضل مصموداً بالبركة، ومن الناس من يأتي بالعجائب من طريق الملاحم وأهل الحسابات في الزنجات، وما يجري مجراها من أحكام النجوم، ولو ضبط ذلك كلما تحدث الناس به من الجهات المختلفة والأقطار المتباينة لكان ذلك يحتمل تصنيفاً مفرداً فيما يغلب على الظن. والله أعلم.

(فصل)
وقد كان بعض الناس فيمن صحبه في عنفوان العمر وغضارة الشباب وأكثر مدة الدرس ممن كان بزعمه في ذلك الأوان يحيي الليالي بالعبادة ويتفلع بطيلسان الزهادة يروي فضائله في الأقطار ويكتبها في الأمصار مما هو كالمعجز الباهر والقمر الزاهر فيكره صلوات الله عليه كثرة الإغراق تواضعاً لله وخوفاً من كيد أعداء الله، وقد قيل: إن الباطنية دمرهم الله كانو يجدون بزعمهم في أحكام النجوم أن له أمراً وشأناً وأنه ينتقم منهم لدين اللَّه، ولقد عثرت مرة لهذا المفرط والمفرط على غلو وإغراق أوجب وصوله قبل قيامه إلى الإمام معتذراً حتى لقد كان يبكي بالدموع ويقسم الأيمان أنه لو أغرق في فضائله أنه مقصر فيما روى، فقد كان جمع جملاً من الفضائل وأتى بها إلى صنعاء سنة ثمان وأربعين وستمائة، أو بعد ذلك فقرأها أمير المؤمنين عليه السلام، ثم أعطاني تلك الجمل معلقه في كراسة بخط من ذكرنا آنفاً، ثم قال لي: أما ما كنت أعرفه فانقله، وما كنت لا أعرفه فلا تعلقه، وعلم علي ما كان لم يعرفه والدي، كان يعرفه عليه هو ما نقله الثقات، والعلماء الأثبات، ونحن نذكر من فضائله جملاً كما فيه وقدوة لمن يأتي بعدنا وافية، ونعوذ بالله من التخرص والمين فيما نذكره.
(فصل)
ونحن الآن ننقل ما صح لنا من غير طريق ذلك الناقل ولا نزداد بذكره وإن كان ذكره في أول السيرة النبوية حجة عليه فيما يذكر عنه في آخرها إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال السيد الشريف شرف الدين رضي الله عنه وأرضاه: واعلم أرشدك الله أن فضائل الإمام صلوات الله عليه وسلامه تنقسم إلى أقسام أربعه: فقسم فيما نقل عن طريق الملاحم، والحسابات، وما يجري مجراها، وقسم فيما ذكرنا من فضائل في المنامات الصادقة التي رواها الأخيار والثقات، وقسم في النذور والبركات.
أما الكلام في القسم الأول: في التفاؤلات والفراسات[10أ-أ] وما يجري مجراها.

3 / 56
ع
En
A+
A-