أخبرني بعض الثقات أن المبلغ الذي وصل به الأهنوم ومن معهم قريباً من خمسة آلآف درهم ثم اشتغل أمير المؤمنين بقضاء حوائج الأمير ومن معه بقية ذلك اليوم وأمر بالنهوض بكرة الإثنين وهو التاسع والعشرون من شهر الحجة فأمر بتقديم الخيل والعسكر على الثقل، فلما وصل إلى أسفل جحدان المعروف بهران أمر الأمير المقدم الزعيم أسد الدين بالضيافة الجزيلة وأمر أمير المؤمنين بالقيلولة هنالك حتى قضى العسكر أربهم من الطعام، ونهض عليه السلام حتى بلغ إلى موضع تحت حصن نعمان ولقاه الأميران [82ب-أ ] حمزة وأحمد ابني سليمان بن إبراهيم بن حمزة ضيفة جزيلة عامة للناس فوقف حتى قضى الناس منها الحاجة ونهض إلى موضع خلف المرد المعروف بمرد القاسميين إلى ما يصالي المحجر فحط هنالك.
(قصة ما حدث في مسور بعد نهوض الإمام عليه السلام)
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه : لما استولى أمير المؤمنين على مسور عظم على كل مفسد في المغرب ذلك ورأوا أنهم لا يطعمون راحة، ولما حس أمير المؤمنين ذلك رسم على السلاطين بني عبد الحميد أن يسيروا بين يديه على أفخاذهم فأخذ من آل صعصعة بن محمد عصان بن صعصعة ومن آل سليمان بن محمد يوسف بن سليمان بن محمد، ومن آل زريع بن حسين الحسام بن عمران ومن آل منصور بن حسين النمر، ومن بني أزد جماعة من عيونهم وبقي الحسام بن صعصعة في حصن ثلاء، مضمناً به المشائخ آل منصور بن جعفر، وجماعة من بني أزد فأخذ الحصن المعروف بالكلالي سرقة فعند ذلك ارتفعت رؤوس المفسدين في أرض المغرب فلم يشعر في اليوم الذي نهض فيه الإمام عليه السلام من شوابة حتى بلغ العلم آخر النهار بما كان في المغرب من اضطراب أهل البلاد فلما بلغ أ مير المؤمنين ذلك العلم أمر بالغارة.

قال السيد شرف الدين: وكان محبوبي في المسير بين يديه إلى جهة مارب فأخرني لأجل الحادث وأمرني لأجل الغارة فنهض أمير المؤمنين عليه السلام وأمر بحبس السلاطين أهل مسور وقيد عصبان بن صعصعة لما أحسه من فسادهم وأن سرهم واحد وأظهر القوم الحرب في مسور وتجمع إليهم كل مفسد في نواحي المغرب وبقي أمير المؤمنين بين أمرين إن يرجع اختل الجوف والمشرق ومأرب ولم يأمن وثبة أسد الدين ومن يقول بقوله على جهات المشرق كلها، وإن تقدم فقد شغل خاطره ما وراه، فرأى التقدم إلى مأرب وأمر بحرب القوم على أي وجه ريثما يقضي مأربه بمارب ولما علم الأمير حسام الدين محمد بن قتيبة وسائر الأمراء والمقدمين في الجوف بإقبال أمير المؤمنين إلى المحطة المذكورة فرأى أمير المؤمنين القدوم إلى الجوف ومأرب أولى فنهض الإمام بالجنود بكرة الإثنين سابع شهر المحرم سنة خمسين وستمائة.
قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: لما بلغت إلى ههنا عارضني وجع وذلك في شهر صفر سنة خمس وخمسين وأشفقت منه فإن عوفيت أتممت وتوكلت على الله سبحانه وتعالى وإن كان غير ذلك فلينقل الثقة ما علقت على الوجه الصحيح وأنا أبرأ إلى الله من زلل اللسان ومن كل هفوة هفوتها وأستعين به وأستغفره مع أني قد تحريت واستقصيت في البحث فإن كانت رواية خلاف ما علقت فلعلها سهو ممن نقل إلي.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: ثم إن الله تبارك وتعالى أمدني بمواد العافية وشفاني من الشكوى التي ذكرتها فله الحمد كثيراً [83أ-أ].
رجع الحديث

ونهض أمير المؤمنين عليه السلام من المحطة المعروفة المحجة يوم الإثنين سابع المحرم سنة خمسين وستمائة، فدخل عليه السلام درب الزاهر ظهيرة النهار في عساكر كثيفة وأظهر الحركة والخروج بنفسه إلى مأرب فلم يلبث حتى وصل كتاب القاضي علي بن عبد الرحمن وغيره من أهل مأرب يحكي أن أهل الدربين المعروفين بمارب قد اجتمعت كلمتهم وتحالفوا ودخل بعضهم مع بعض وحالفوا جنب وثبتت كلمة جنب فيما بينها وصعب الحال وإن مارب لا طريق إليها وكان كثير من الناس يكره مسير أمير المؤمنين إلى مأرب لأغراض ومن جملة من كره مسيره إلى مأرب قوم من أنسابه الشر.
قال أحمد بن جعفر ببراقش فيما بلغني والله أعلم: فلما سمع أمير المؤمنين كلام الناس وعرف أغراضهم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل لا بد من وصول مأرب على كل حال إن شاء الله تعالى وإظهار أحكام الله تعالى فأمر حينئذٍ إلى بدر الدين بن محمد صاحب بيحان ليدري بكيده وأمر من يتجسس أخبار الناس ويعرف كلمتهم ففرق الله كلمتهم بغير عناية أحد فاختلفت جنب فيما بينها وأقبل قبائل جنب إلى أمير المؤمنين منصور بن الأضيغم وراشد بن أحمد فإنهما صرا عن الحق وضلا وأضلا، فلما علما أن أمير المؤمنين غير متأخر من وصول مأرب نكصا على أعقابهما وبعدا في الجنب ومن قال قولهما وكان أمير المؤمنين منتظرا لوصول عسكر صعدة فلما وصل العسكر من جهة صعدة وكانوا سبعين فارساً ومن الرجل خمسمائة من وجوه الناس وفرسان الشرق والغرب من أهل الشام منهم الأميران الأجلان شهاب الدين، وجمال الدين محمد والحسن بن علي بن يحيى الأشل من آل الهادي إلى الحق عليه السلام في عسكر نجران وأملح، والشيخ الأجل المجاهد عضد الدين محمد بن أحمد بن حجلان في عسكر صعدة ومن انضاف إليها من الجهات.

قال الراوي: فحينئذٍ أمر أمير المؤمنين للعساكر بما يحتاج إليه من الزاد ففرق أموالاً جليلة من الدراهم والطعام حتى أخذ كل ما يكفيه مدة من الأيام وأمر بجمال البلاد فجمعت من أقاصي البلدان فوفى أهلها كراها وفرق الجمال بين الناس لما يحتاجون إليه من الزاد والماء ولما اجتمع من خلق الله سبحانه ما صعب ضبطه، فلما علم أمير المؤمنين أن مياه المناهل لا تكفي العساكر زمراً فنهض أول العسكر يوم السبت تاسع عشر من شهر الله المحرم سنة خمسين وستمائة وهم عسكر الشام ومن انضم إليهم، ونهض الإمام عليه السلام ثاني ذلك اليوم فحط في القاع وحط نهار الثلاثاء في القريب وأقبلت إليه قبائل المشرق وجنب ونهد، وغيرها فأكرم عليه السلام من وفد عليه وأنعم على من وصل إليه، ووصل إليه رسول السلطان بدر بن محمد من بيحان يحكي بقاه على الحلف وأقام عليه السلام إلى يوم الخميس[83ب-أ] وأمر الأمير حسام الدين [.....بياض في المخطوط.......]، والحسن ابني علي بن يحيى بن الأشل والشيخ عضد الدين محمد بن يحيى بالقدوم بعساكر الجوف والشام ومن ينضاف إليها فنهضوا في عسكر عظيم من الخيل والرجل ونهض أمير المؤمنين عقيبهم لأن المناهل لم تحمل العسكر مجتمعين وكان من فضائله عليه السلام ما علم به الخاص والعام وشهد به العدو والصديق من الأنام وذلك أن أقواماً من جنب وغيرهم كانوا حلولاً في شق العواهل قريباً من الطريق إلى مارب فأتى إليهم بعض رعاتهم وأخبرهم أنه وصل إلى موضع في الفضاء فرأى شقاً في الأرض بعيد القعر فرمى فيه بحجر فوقعت في ماء فسمع صليل الحجر في الماء فاستبعد القوم ذلك فقال لهم رجل من جنب يقال له: علي بن محرر: يا قوم انهضوا لندري ما يقول هذا صحيح أم لا فنهض القوم إلى الموضع الذي ذكره فوجده شقاً في الأرض لم يحفر قبل ولا عرف فيه ماء ولا أخبر به أحد فرأوا فيه ما يجري في الأرض فبجروه من حينهم ونحروا عليه ناقة وسموه غيل المهدي وكان خروج هذا الماء

قبل وصول أمير المؤمنين الجوف بيومين أو نحو ذلك وقد كان الناس مشفقين من شدة السمائم وانقطاع المناهل وكثرة العساكر والبهائم.
قال الراوي : فضرب العسكر جميعه وجميع البهائم من ذلك الماء وسار الإمام إليه بنفسه ودعا فيه بالبركة وبلغ أمير المؤمنين أن أهل مارب على أمر هرب بأموالهم وأهلهم وأنهم لاحقون بجبال الدقرار من أرض مراد فأمر أمير المؤمنين عليه السلام الأمير محمد بن فليتة والشيخ عضد الدين أن يعدوا بمن معهما ليلحقوا القوم ولما حط أمير المؤمنين بالأمراء بلغه أن القوم هربوا على رؤوسهم وانتهبت أموالهم مذحج وجنب ولحق أول العسكر شيئاً من ذلك ونهض أمير المؤمنين عليه السلام فحط في موضع يسمى المساجد بحيث يرى مأربا من هنالك ونهض ثاني ذلك اليوم وأمر الناس بالأهبة والعراضة الجيدة فاجتمع من الخيل ما أعجب الناظر وكانت الخيل تنيف على ألف فارس وحط الإمام عليه السلام ما بين الدربين ووجدت العساكر من أثاث الناس وخباياهم شيء كثيراً.
قال الراوي: وقد كان أهل مأرب وصل رسولهم إلى أمير المؤمنين وهو في محطة الغريب يخاطبون بمائتي ألف ولم يكن عندهم أنه يصل مأرب وقد كان مناهم من ذكرنا في أول الكلام من الأشراف وغيرهم أنه لا يصل مأرب ولا يستطيع ذلك: {فأيد الله الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}(1)، ولما وصل أمير المؤمنين ووصل إليه قبائل المشرق من خولان وبيحان واجتمع في مأرب من خلق الله تعالى ما لم يحقق لي أحد ضبطهم.

قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: سألت مولانا أمير المؤمنين عن كمية الخيل معه يوم فتح مأرب فقال عليه السلام: لعلها ألف فارس [84أ-أ] وأربعمائة فارس أكثرها لابسة وتضرع أهل مأرب إلى أمير المؤمنين واستعطفوه وطلبوه العفو فعفى عنهم وكانت هذه طريقته عليه سلام الله عليه ورضوانه ورحمته الصفح والعفو لمن طلب ذلك منه فدفعوا أموالاً جليلة ودخلوا في مراسمه وامتثلوا له أحكامه وقطعوا ذكر الخلفاء من بني العباس في الخطبة وامتثلوا والتزموا بمذاهب العدلية أذنوا بحي على خير العمل ورهنوا رهائن من أبناء شيوخهم ورؤساهم وأقام أمير المؤمنين عليه السلام في مأرب ثمان ليالي وسار في جوانبها وطاف مآثرها وتعجب من عجائبها وأمر فيها بالمعروف ونهى عن المنكر، ومن جملة ما ظهر من بركات أمير المؤمنين وفضائله عليه السلام أنه لما استقرت محطته في مأرب وأشفق الناس من بعد الماء، وكانت في مأرب مياه أنزفها العسكر فلم يشعروا عند طلوع الفجر إلا والسائلة المعروفة تنبعث ماء، فأقام الماء حتى نهض أمير المؤمنين ولقد سمع كثير من أهل الجهات يقولون ما نزل في أودية المشرق في ذلك الصيف سوى ذلك السيل، وتحقق الناس أنها رحمة من الله ونعمة على أمير المؤمنين وفضيلة له عليه السلام.
ومما قيل في غزاة مأرب من الأشعار ما قاله الفقيه الأجل اللسان زيد بن جعفر الباقري ثم الصعدي، قال في شهر جمادى الأولى من شهور سنة خمسين وستمائة سنة:
هاب بمسلوب الحشاشة مسبوت
فلبيتها مستمطياً ظهر لوعة
فجئنا نجوب البيد ليس يهولني
دليلاي طيف لا يزال مسايري
أرى أن إلمامي بها أعظم المنى
بقاع إذا اهتزت بوصل فبينها
بسنة جمع القدود وضمها
ويفعل أعيان لعين تحلها
فحبل سلوى دونها قد بتته
أمامي وخلفي حاديان تحالفا
سوى العرصات الزاكيات التي سمت
وأعلى الورى كعباً وأفضلهم أبا
إمام رآه الله أهلاً فخصه
هداية مرتاب وفيه سكينة
وأصبح نور للخلافة صادع

به الفجر للبطحاء به الفخر للصفاء
أقام قناة الدين بعد اعوجاجها
وبيض لها في هام كل معاند
وجرد عليها إن تطأ أرض بابل
أغارت على حيي سبأ حين البوا
فولوا على أدبارهم لم يعرجوا
عناديد أرسالاً فكان قرارهم
ولو وقفوا للحرب لم تنبسط لهم
ولم يدر إلا والعيون شواخص
سكارى من الرعب الذي قد أظلهم
وأحزم رأي منهم بعد ضلة
ملاذهم بالعفو منك فعمهم
ولما عدا جالوت عصرك طوره
وكنت كطالوت ممداً بعصبة
ولا عجب إذ فيك أعظم آية
وإنك للبسط الذي يرقبونه
وإنك باب السلم بل باب حطة
وها أنت ذا قربان هابيل بيننا
?
?
معاهد بالمرذات سقياً لمروت
من الشوق لا مستمطياً ظهر مخروت
تنايف يعمى دونها كل خريت
ورؤيا رباها حين تأتي بتفتيت
ولو جئت سبروتا إلى كل سبروت
فرائد من در بدمع وياقوت
فيا لك من جمع لذيذ وتشتيت
بألباب من تلمم بها فعل هاروت
وحبل اشتياقي نحوها غير مبتوت
فلست بمصغ لا إلى غيرها ليتي
بأفضل منظور وأفضل مسموت
وأرفعهم في العالمين ندى صيت
بما خص أسموئيل منه بتابوت
تثبت أهل الحق أية تثبيت
على وجه ميمون النقيبة صنيت
فقل قول علم لا مقالة بخيت
بعزم وحزم محكم الرأي ثبتوت
أتاوة حق ثابت غير مبتوت[84ب-أ]
وما بين كيسان إلى أرض تكريت
وجاشوا بجيش بجنس الأرض مكبوت
على صامت أو ناطق غير صميت
ألذ إليهم من طعام بسبوت
أكف لحمل الرمح أو هز إصليت
وقد موتوا في العرش أعظم تمويت
وهم بين مكفوف اليدين ومبحوت
كستهم جهاراً ثوب عار وتبكيت
حنانيك عفو منك من غير تعنيت
ظهرت كما شاء الإله لجالوت
كراماً فيا طولى لأصحاب طالوت
ومكنون سر عند ذي العرش موقوت
بحسبان أيام طوال وتوقيت
فحي هلا واحطط بها غير ممقوت
وضالة موسى يوم يوشع والحوت
رجع الحديث

ونهض عليه السلام قافلاً إلى صنعاء وعند ذلك اختلفت كلمته في طريقه أين يكون واستصعب الناس طريق وادي حباب وقالوا: إن هذه طريق صعبة المعاطف ولا نأمن مكر أهلها وإن كثيراً من أوديتها لا يمكن الفارس أن يحرف فيه فرساً فلم ير أمير المؤمنين إلا المسير في هذه البلاد ليمض فيها الأحكام فنهض يوم الإثنين وهو الخامس من شهر صفر سنة خمسين وستمائة، فحط بأعلى وادي مأرب في موضع يسمى أدمه في رأس السد المعروف وفرق أمير المؤمنين ما حصل من تلك النواحي على الناس ونهض فحط في وادي حباب وهو وادي أسفله متسع وأعلاه ضيق ونهض في ذلك اليوم فسار العسكر في ذلك الوادي وطوله قريب من المرحلة ولقيه أهل تلك النواحي بالبر فقبض منهم البيعة وأمرهم بالمعروف وامتثال أحكام الله تعالى، وحط آخر النهار في أسفل بلد الأعروش في موضع يسمى بني وديد وكان القوم مجورون لرجل من سنحان يقال له: أسعد بن سعيد محارباً لأمير المؤمنين وهو أحد قتالة الفقيه حسام الدين الطاهر المجاهد أحمد بن يحيى الزيدي الصعدي رحمة الله عليه، وقد تقدمت القصة، فلما حط بتلك الناحية على حين غفلة من أهلها وظن منهم أن أحداً من الملوك لا يقدر على وصولها ولا علم بذلك فيما مضى. والله أعلم.
فوصل كبار القوم يخاطبون في أسعد بن سعيد فلم يسعدهم أمير المؤمنين إلى شيء من ذلك الذي طلبوه وأغلظ عليهم في القول وجرى في خلال ذلك بينهم وبين العسكر خطأ فكان سبباً لبوارهم فأقام أمير المؤمنين [85أ-أ] في نواحيهم أربعة أيام فقبض رهائن المشرق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ورأى القوم شيئاً لم يعهدوه.
قال الراوي: ولما حط أمير المؤمنين في بني وديد قصر أهل البلاد في مقابلته وعساكره من الضيفة والكرامة كما جرت عادة العرب فقال بعض شعراء أمير المؤمنين وهو الفقيه العلامة اللسان نظام الدين القاسم بن أحمد الشاكري قصيدة في ذلك وهي هذه:
عيدي ما بدى لك أن تعيدي
أقمنا لانتظار قرا سعيد

وأورثنا زياد جوى وجوعاً
ألا فتحت مشارق أرض صنعاء
فكم في هذه من شيخ لؤم
سوى أن ابن عقبة جاد جودا
وكل ندى ولؤم سوف يبقى
فعرج عن ذراها تتقيني
وعد عن الديار بخير ملك
فتى قاد الجياد على وجاها
يؤم من المصانع أرض قوم
يذكرهم بأيام حسوم
وتذكر مأرباً سيلاً قديما
ويبدلهم بخير كان شرا
أرى طوفان مأرب كان قوما
وساق ابن الحسين لها أخيراً
إذا ركزت قرون الشمس فيه
فحل عليهم سبعاً تواما
وسار عن المنازل وهي قفر
?
?
حديث الجيش يوم بني وديد
فكان قرا اللئام قرا سعيد
فجاء النقص من نحو المزيد
وزينت أرض صعدة والصعيد
وكم في تلك من كرم وجود
فعاش بجوده كل الجنود
كما بقيت قصائد من لبيد
مرارة ذلك الجوع الشديد
يظل جبينه عذب البنود
يجوب بهن بيدا بعد بيد
مصاقبه مصارع قوم هود
أبادت كل جبار عنيد
طمى من فوق عامرها المشيد
ليجزي كل كفار كنود
أتيا مسيطرا من مدود
طلوع الشمس سيلاً من حديد
رأيت النار تشعل بالوقود
بأرعن غير محصور العديد
بسابس كالمنازل من ثمود
رجع الحديث

ونهض أمير المؤمنين فحط في موضع يسمى أحوص أو حويص، ثم ارتحل فحط موضعاً يسمى ملاحا، ثم نهض فحط موضعا يسمى الشعارية من أسفل وادي مسور وأخذ بليلته حصناً شامخاً منيعاً لقوم من سنحان يسمى حضر وهو من أعجب الحصون في الارتفاع والاقتصاد والحرز، ونهض فحط موضعاً يسمى زبار أعلى وداي مسور وهنالك لقيه الشيخ الرئيس زاهر بن عقبة العرشي بالضيافات الجزيلة والكرامات العظيمة فأعم العساكر كلها وأثنى الناس بشكره وذم غيره، ثم نهض عليه السلام فحط موضعاً يسمى ريمة من بلد سنحان، ثم دخل صنعاء يوم الجمعة السابع عشر من شهر صفر سنة خمسين وستمائة سنة، فصلى صلاة الجمعة في جامعها وأقام في [85ب-أ] داره المباركة وأتاه أهل الجهات من سائر النواحي يهنونه الفتح ويلتمسون منه البركة وحينئذ أظهر النهوض إلى مسور لحرب من خالفه وقدم الأمير الأجل أحمد بن محمد بن حاتم والسلطان الأجل المجاهد حسام الدين الوشاح بن عمران في عساكر عظيمة ورأى إقامته تلك الأيام في صنعاء أصلح.
ومما قيل في ذلك من الأشعار ما قاله الشيخ راشد بن علي بن حسين بن عبد الرحمن يمدح أمير المؤمنين ويهنيه بفتح مأرب:
تذكر أيام الحمى فاحتمى الكرا
تراءت لعينيه القباب بحاجر
ترحل عن الدار المهينة أهلها
وجاوز بها صنعاء غير محارب
فإن شاهدت ذاك الجبين لأحمد
إمام الهدى المهدي والقائم الذي
أغر يفوق البدر نوراً وبهجة
له المنصب المشهور والشرف الذي
ثنا مدحه في الأرض ما انفك وانبرى
سلا مسور المنتاب عن سطراته
وبيحان والشرق البعيد وغيره
رما مأرباً لما عصته عصائباً
وذلك منها جامحاً متغلباً
وماذا أراد العسكر المجر غازياً
وما عدن أو ما ظفار بمعجز
?
?
وسر بذياك النسم الذي سرا
فبل بصوب الدمع خداً ومحجرا
وحل المطايا الخوض ينفخ في البرا
فمن بعد صنعاء لا أمام ولا ورا
قلائدها حيناً وما حمد السرا
رقى شرفاً سام السماك ومفخرا
ويدعو رسول الله جداً وحيدرا
يحل من العليا في ذروة الذرا

27 / 56
ع
En
A+
A-