قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: والسبب في فتح مسور وحملان أنه لما وصل أمير المؤمنين إلى حصن ثلاء وصل قوم من حملان يقال لهم بني القهمي أهل قارة وعيلة إلى الأمير المعظم الكبير علم الدين أحمد بن القاسم بن جعفر وطلبوا منه عسكراً إلى بلادهم بعد أن كان قوم من أهل البلاد يقال لهم بني الجدري أدخلوا نائباً من نواب أمير المؤمنين إلى حصنهم المعروف بوعلان وهو أعلى حصون حملان قاطبة، فلما وصل بنو القهمي أسعف الأمير مطلوبهم فصور معهم الشيخ المجاهد علم الدين علي بن سليمان البحيري المحمدي في عسكر فلزموا موضعاً يقال له صحر قبلي وعيلة وعند ذلك اضطربت أمور حملان ومسور وبلاد حمير وبلاد الأخبار جميعها؛ لأن هذه وعيلة لم يستقر فيها [79ب-أ ] لأحد من الملوك أمر لصعوبتها وطول شناخيبها.
رجع الحديث
فلم يلبث الشيخ مقدم الذكر ومن معه وهم قريب ألف مقاتل إلا مقدار ثلاثة أيام ونحو ذلك، واجتمعت قبائل حملان الإجبار في آخر الليل فأحاطو بالمجاهدين وهم في دور غير منيعة ومتفرقون في جهات متباينة فلم يمكنهم مع اجتماع الناس وهو قريب من عشرة آلاف أو نحو ذلك فوقع الخطاب على خروج الشيخ ومن معه سالمين لا تمد إليهم يد ولا يحدث لهم حدث فخرجوا على ذلك فلما وصلوا إلى بين يدي القوم سخروا بهم وفعلوا خلاف ما انعقد عليهم صلحهم وسلم المجاهدون من القبائل فالحمد لله رب العالمين، وعادوا من جهة حملان ووقف الشيخ شجاع الدين هنالك.
قال الراوي: ثم إن السلاطين آل صعصعة بن حسين بن محمد بن حسين وسائر بني عمهم افترقوا في أمورهم فريقين إلى سليمان ومن يقول بقولهم طلبوا استيلاء أمير المؤمنين على الجبل لأمور كانت بينهم وبين بني عمهم آل صعصعة وقتول، وأخذ حصون وأموال، فلما وصلوا جميعاً هم وآل صعصعة إلى الإمام إلى ثلاء أسر آل سليمان بن محمد بن حسين على الإمام بذلك وكان آل صعصعة في أيديهم حصون في رأس الجبل وهي: بيت ريب، وبيت قايس، والمضمار، والقصاصي وهذه حصون الجبل وسائر المعاقل مضافة إليها فلما أحس آل صعصعة بذلك استنجدوا بقبائل حملان عضدهم وشدادتهم ثم لم يلبث الشيخ الطاهر علي بن سليمان النجري المحمدي أن استمال قوماً من بني القهمي خامس نزوله من حملان وطلع في عسكر قليل الموضع المسمى بصحر فلزموه وأوقدت فيه النار، ثم جاءت الغارة من نواحي حجة وغيرها، فلما استكمل العسكر سلم أهل الجهات معاقلهم وحينئذ سقط ما في أيدي بني صعصعة، ووصل إلى الإمام عليه السلام من وصل في الليل إلى ثلاء فأمر معهم الإمام من أمر ولم يلبث أمير المؤمنين عليه السلام أن نهض من ثلاء قاصداً مسور مغذاً، فلما أقبل أمير المؤمنين قاصداً طار آل صعصعة على رؤوسهم من حصونهم وانتهب الناس بعضاً من قصورهم وهتكوا هتكاً عظيماً وهربوا بحريمهم وأولادهم إلى طرف من البلاد ووقع في مسور روعة عظيمة وكاد الناس أن يأخذ بعضهم بعضاً وعمد بنو مالك إلى قصر الثومة وهو مستقرا لحسام بن صعصعة فانتهبوه، واستقرت محطة أمير المؤمنين في بيت علمان مطلاً على جبل مسور شاع ذكر فتح مسور في البلدان وضربت البشارات وشرد قوم الباطنية كانوا في نواحيه وسلمت معاقل مسور وبلد قدم.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: سألت رجلاً من الإخوان الأطهار ممن له خبرة بحصون المغرب وكان شاهد لأخذ أكثرها في ذلك الأوان فأحصاها لي عدا فكانت نيفاً وثمانين حصناً كلها على الجملة حصينة لم يملك أكثرها ملك من قبل، فأما عيونها ومشهوراتها [80أ-أ] فهي بيت ريب، وبيت فاس، والمضمار، والقصاصي، والكلالي، والغز، والرغيل، ووعلان، والحميمة، وقرن حديد، وعران، والمصنعة، وحجن عز الطلحي، وقرن القحف، وصحر، والعرنون، وجبل خب، والرحبة، والصنوبن، وجبل طرت، والأقمر، والصمع، وسعدان، والصفوات، والحريفة، والرجم، والقريشي، والدمرور، وأشهد، والحطب، فهذه نيف وثلاثون حصناً من عيونها وربما تركنا مثلما ذكرنا أو أحصن لكن ذكرنا الأشهر.
رجع الحديث
وطلع الأمير علم الدين أحمد بن القاسم في عساكر عظيمة فقبض حصون مسور جميعها ورتبها، وتقدم إلى أمير المؤمنين إلى محطته ببيت علمان بعد أن قبض جملة من الأموال التي عاقب بها قوماً من عوام الباطنية ومن يجري مجراهم؛ لأنه عليه السلام رأى المصلحة في تلك الحال استخراج أموال الله منهم لينفقها في سبيل الله فأخذ منهم ألوفاً كثيرة وتولى استخراج الأموال منهم الفقيه التقي ناصح الدين علي بن ناصر بن عبد الفاضل الحليلي القطيبي، وكان من الأخيار وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد نفى رجلاً من خيارهم يقال له الحجازي وأخذ ماله وكان أكبر الباطنية في الجهات المغربية والذي يرجعون اليه رجل يقال له: حارث بن سلمة من بني أعشب جد من جدودهم قد مضى عليه من السنين نحو من ثمانين سنة وكان مسكنه في موضع يقال له الصمع، فأيد الله سبحانه أمير المؤمنين على تلك الناحية واستولى على طرب، وبيت قدم، وأخذ الصمعين، والأقمر، وهذه الحصون من عجائب حصون المغرب وأعزها، فلما استظهر أمير المؤمنين على هذه النواحي هرب عدو الله حارث فقيض الله لزمه.
(قصة لزم عدو الله حارث الباطني وضرب عنقه)
والسبب في ذلك أن عدو الله لما رأى أن أمير المؤمنين استظهر على البلاد صدر على رأسه ومعه ولد له كامل الخلقة فلما بلغ إلى حازة من حواز الشرف الأسفل وذكر أنه كان قاصداً تهامة وما يتصل منها ببلاد يام في جهة الشام. والله أعلم.
فظفر به قوم من أنصار أمير المؤمنين فعرفوه فكتفوه من ساعته وكذلك ولده فساروا به حتى قرب من شاهق فرمى ولده بنفسه من شاهق عظيم.
فأخبرني الثقة أن عدو الله تقطع آراباً وعجل الله بروحه إلى النار وعند ذلك احتفظو بوالده شيبة الطغيان وقرين الشيطان، فلما بلغ العلم إلى أمير المؤمنين شدد في اتصاله إليه فعند ذلك سددوا في حفظه حتى وصل الحصن المحروس جبل الحرام ثم أمر به إلى بين يدي أمير المؤمنين وكان بلاده بلاد حملان ومسور.
قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: كنت مقيماً في حصن وعلان في ذلك الأوان في عسكر فلما وصل عدو الله حارث بن سلمة الباطني أمرت بإحضاره لأتحقق أموره وراجعته في مقالاتهم إذ كنت قد فتشت في أصولهم وكيفية مداخلهم على أهل الإسلام ووصنعت في ذلك موضوعاً كشفت فيه أسرارهم وهتكت فيه أستارهم وسميته بكتاب (الكشف والهتك) فلما حضر إليَّ راجعته أولاً [80ب-أ ] وألنت له الكلام فرأيته ذا بأس وشدة غير حصر في الكلام ولا متلجلج في الجدال فعجبت من حالته تلك مع معرفته أنه لا تقال له العثرة ولا تقبل منه التوبة، فراجعته أولاً في المعنى الباطن فتبين للحاضرين فلجه بعد أن رأيته متفرساً في مذهبهم وعلمهم ثم راجعني في الأرواح وتنقلها مع كونه قاطعاً بثبوت تنقلها في الأشباح أخر فثبت له خلل مقاله، ثم راجعته في أصول أهل التوحيد والإقرار بالصانع الحق فتغير وغالط في الكلام فأخبرته بتفصيل جمل مقالتهم في ذلك وأوضحت له الدلالة على فساد عقيدتهم وكشفت له عين الكفر الصراح والإلحاد البين من مذهبهم، فلما رآني غير جاهل بمعرفة مقالتهم استعفا في المراجعة وأقسم ما راجعني أحد مثلك.
رجع الحديث
فلما وصل إلى بيت علمان أمر أمير المؤمنين مملوكاً تركياً كان هرب من الأعاجم فضرب عنقه وعجل الله بروحه إلى النار وعظم الأمرعلى الباطنية.
رجع الحديث
فلما ثبت أمير المؤمنين أمور مسور جهز الأمير علم الدين أحمد بن القاسم إلى هداد مسور ليقف هنالك فلم ير الأمير علم الدين إلا امتثال أمر الإمام مع علمه بصعوبة ذلك وفساد أهل الزمان.
(قصة نهوض أمير المؤمنين عليه السلام من بيت علمان)
قال السيد شرف الدين: لم يلبث أمير المؤمنين بعد ذلك أن نهض إلى حصن مدع فأقام فيه ليالي ثم نهض إلى حصن عزان فأمسى فيه ليلة وهب بها إلى البون الأعلى فحط في الجنات وأزمع على الخروج إلى الجوف ومأرب وتلك النواحي فأقام أياماً في الجنات وأمر إلى كافة بلاده بالنهوض إليه وأقام في الجنات إلى سلخ شهر القعدة آخر سنة تسع وأربعين وستمائة ونهض إلى ريدة فأقام فيها ليلة وثبت أمور تلك الناحية وشد على المفسدين ونهض فحط في الأوساط من بلاد الصيد فاستر أهل تلك الناحية بقدومه سروراً عظيماً ثم نهض يوم السبت خامس الحجة.
(قصة قفوله عليه السلام إلى بلدة ذيبين)
قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: إن قفول أمير المؤمنين إلى ذيبين من العجائب التي لم يكن أحد يتصورها خرج منها خائفاً يترقب ثم عاد إليها في عساكر تملأ الفضاء وخرج منها وهو خائف من عترته وأهله كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة حرسها الله تعالى ثم عاد إليها وهم خائفون له ينظرون من طرف خفي، فلما كان يوم السبت المذكور نهض عليه السلام في عساكره من الأوساط ونصبت الرايات وحركت النقارات وتهيأ الناس للعراضة ولقى الأمراء الأجلاء أهل ذيبين آل يحيى بن حمزة وجميع الفقهاء والطهراء من جهتهم والجيران في هيئة جميلة وخيل وافرة وجموع متكاثرة فالتقوا بأمير المؤمنين ما بين يناعة وسودان موضعان قريبان من الجهة فسلمو عليه وحمدو الله تعالى على ما من به عليهم من قفوله إلى بلده، ثم أمر أمير المؤمنين أن يكون طريقه شرقي جبل المنقصة على الأعصر المعروف [81أ-أ] لتعويل الأمراء أولادهما بن أبي هاشم الحمزي أهل ظفر على أمير المؤمنين فلم ير أمير المؤمنين إلا مساعدتهم فسار العسكر المنصور حتى حط في سفح جبل بلس من بلاد بني جبر من الصيد وكانوا منقطعين إلى أمير المؤمنين ولهم جهاد وعناية بين يديه فنصب الأمراء المذكورون هناك خيمة وأقام ساعة، ثم أمر الأمراء من حصن ظفر بالضيافات الجيدة لجميع العسكر، فلما انقضى أمر الضيفة نهض أمير المؤمنين عليه السلام من ساعته مستقبلاً وادي ذيبين فسار حتى خرج من السواد إلى أسفل الوادي ولقيه الأمير الكبير المتوكل على اللَّه أحمد بن أمير المؤمنين ومن معه من أهله وخدمه فسلم على أمير المؤمنين ولم يلبث طائلاً ثم سار الناس فكانت طريقهم الوادي حتى إذا كانوا قريباً من المأثرة القديمة لزموا سفح الجبل من وادي ذيبين وقد كان أمير المؤمنين أمر أن تنصب الخيام هنالك فلما وصل أمير المؤمنين لم يلبث إلا ساعة ثم توضأ في آخر الوقت وصلى الظهر والعصر وأتم الصلاة وأشعر الناس ذلك
وركب إلى داره المباركة من ساعته واستقرت المحطة هنالك ولما كان من الغد أقبلت قبائل حاشد وبكيل من كل ناحية وأمر الأمراء الأجلاء آل يحيى بن حمزة بذبح البقر السمان والغنم وأعدوا لجميع العساكر الضيافات ثلاثة أيام وكانوا في هذه الأيام يدعون الحفلى حتى أهل السوق ويصيح الصائح بحضور الكل ولا يتركون أحداً من الضيوف ثم بعد الثلاثة الأيام يحضون الأمراء من الشرف والرؤساء وقبائل العرب وكبارها ورؤساء حاشد وبكيل.
قال المحدث: وتكاثر الناس في ذيبين ووصل السلاطين الأجلاء بنو شهاب وأجناد صنعاء وذمار والكرد وأقبلت إليه كبار جنب الخلافة في رواحل عدة كانت المحطة من الشصر المعروف شرقي ذيبين إلى سفح جبل صولان إلى قرية حنط حمران إلى أسفل الجليح وكان السوق عند المسجد الجامع وأمر أمير المؤمنين عليه السلام بخيمة عظيمة نصبت له ما بين الدرب وقرية حنط حمران يخرج إليها في أكثر الأيام يفصل بين الناس ويمضي الأحكام ويقبض من الناس البر والنذور فلما كان يوم العيد وهو يوم الخميس عيد الأضحى أمر فضرب له صيواناً ونصب تحته منبراً في أسفل الصر عند قبور الشهداء في القاع الصفصف هنالك فصلى بالناس صلاة العيد وخطب خطبتين يتضمنان الوعظ والتذكير فلما فرغ من الصلاة سار الناس بأجمعهم إلى القاع غربي بركة مذود فلعب أكثر الفرسان وراح الناس ظهير النهار فأمر أمير المؤمنين بجمع العسكر إلى داره وأمر بسماط عظيم فيه جملة ألوان من الأطعمة فأكرم الناس أحسن كرامة وذكر أضحيته وتصدق ببعضها وكان ثاني العيد وهو يوم الجمعة توضأ في داره وأمر الناس بالركوب والصلاة شرقي بركة مذود فسار الناس فلما انقضت صلاة الجمعة أنشدت قصائد منها قصيدة القاضي الأجل اللسان يوسف بن علي اليمامي يمدح فيها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ويهنئه بالعيد في ذيبين[81ب-أ]:
هنيك أبكار المعالي وعونها
نهنيك دار الخلد داونت طالب
وماذا عسى أن يصطفي لك قائل
إذا كان ذات الملك أعطت شمالها
وألقى مقاليد الخلافة ربها
وليت أمور الله في كل أرضه
علوت علياً غير طائل
بنيت لها عليا طال منارها
وماضر نور الشمس إذ كان ظاهرا
فقف ماجداً إن شئت أو فاسم صاعدا
أراد لك الله الذي أنت أهلها
وأعطاك ملك الأرض حكماً وطاعة
وولاك واسترعاك أمة أحمد
فأفنيتها أموالها ونفوسها
وأوليتها براً ولطفاً ورحمة
وأنصفت جما الناس من ذات قرنها
فأمست نياماً لا تروع بيوتها
فلو يستطيع المسلمون جميعهم
جمعت لهم ما شذ من دين أحمد
فأمسيت فيهم لا تنام وكلهم
سلكت بهم طرق الأمان وربما
فإن يزرعوا ما قد زرعت فحسبهم
ملكت دياراً كان صلحا خرابها
ونازلتها من فوقها فعلوتها
ودانت لك الأملاك طوعاً وذلة
وأجريت أحكام المهيمن فيهم
أرادوك للدنيا وقصدك غيرها
فإن يسجدوا طوعاً وكرهاً فهكذا
وعد ألف عيد ما بقيت فإنما
?
?
إذا أنت هنيت الذي هو دونها
وإن كان هذا الناس لا يقصدونها
من الشعر ألفاظاً تساوت فنونها
سواك فقد أعطتك منها يمينها
إليك وقد أحلاك منها جبينها
وجاوزت أفعالاً غدواً يحمدونها
عليها ولا مستعمداً أن تهينها
وإن أصبحوا في الناس لا يشكرونها
إذا كان عمي الناس لا يبصرونها
فقد صرت في علياء لا يبلغونها
وأبقى لك الدار التي لا يلونها
وأولاك كافات الأمور ونونها
على ثقة لما رآك أمينها
وأبقيت فيها غثها وسمينها
وأوردتها في الشاربين معينها
وكسرت من ذات القرون قرونها
وأضحت جميعاً لا يشيب فطينها
لفدوك بالأعمار لو يملكونها
وأحييت فيهم سنة يعرفونها
نيام وطرق المكر لا يحذرونها
سلكت بهم بيضاً لا يسلكونها
وإن يزرعوا الأخرى فهم يحصدونها
وأوطيت منها سهلها وحزونها
وأعطتك أوساط الحصون مصونها
وأعنك دنياها جميعاً ودينها
على غصص في الصدر يستكرهونها
وهل تسكن الآساد إلا عرينها
سجودهم لله لا ينكرونها
تهنا بك الأعياد والعيد دونها
رجع الحديث
فأقام أمير المؤمنين في ذيبين فلما حضرت الجمعة الأخرى ركب وركب الناس إلى مصلى الجمعة الأولى شرقي مذود فصلى عليه السلام بالناس صلاة الجمعة وعاد إلى داره وأقام إلى يوم الخميس وهو الثالث والعشرون من ذي الحجة آخر سنة تسع وأربعين وستمائة بعد انتظام أمور [82أ-أ] الجهات، ثم نهض عليه وعلى آبائه السلام قاصداً الجوف ومأرب.
(ذكر قصة غزوة مأرب)
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أن أسد الدين محمد بن حسن بن رسول يروم دخول مأرب هو والأمير داود بن الإمام المنصور بالله عليه السلام ومن قال بقولهم فارتفعت رؤوس المفسدين وأكثروا الكلام وقد كان أهل مأرب في ذلك الوقت متظاهرين بالفساد معلنين بالرباء يدينون بالجبر والتشبيه رأى أمير المؤمنين عليه السلام أن قد تعين عليه إزالة المنكرات وطمس رسوم الفساد فنهض عليه السلام من ذيبين في اليوم المعين.
قال السيد الأمير شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: كان أمير المؤمنين عليه السلام في منزلي عند خروجه فلما حضر وقت صلاة الظهر استدعى بماء فتوضأ وصلى الظهر والعصر ودعا إلى الله دعاء حسناً في ذلك فأيقنت أن الله سبحانه قد استجاب دعوته المباركة فلما نهض نصبت الأعلام وحركت الطبول فنهض في جيش عظيم لعل الخيل المجتمعة هنالك إلى ثلاثمائة فارس فأما الرجل فكثير لم يحضر لي عددهم فلما بلغ إلى أسفل وادي ورور أمر بالمحطة هنالك لتعويل الأمير الكبير المتوكل على اللَّه أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام وأمر بالضيافة الجزيلة العامة للناس وأمر بعض إخوته وأولاده في لقاء أمير المؤمنين فلما كان من الغد وهو يوم الجمعة أمر بالضيافة أيضاً الجزيلة من ظفار من عند الأمير المتوكل ومن يقول بقوله وكذلك من حصن الإمام عليه السلام القفل المحروس وواليه يومئذ السلطان الأجل عفيف الدين الحسن بن إسماعيل الشهابي ونزل الأمير المتوكل إلى الإمام فسلم عليه وأمره الإمام بالوقوف في ظفار والتأخر عن الحركة لأمور رآها مصلحة فساعد إلى ذلك ونهض أمير المؤمنين عليه السلام آخر يوم الجمعة فحط في المسرع المعروف في أسفل وادي شوابة وأعلى الجبل فأقام هنالك ثلاث ليالي ووصل ثاني وصوله الأمير الكبير فخر الدين الحسن بن محمد بن إبراهيم، من أولاد محمد بن جعفر القاسمي في عصابة من أهله وبني عمه وشيوخ الأهنوم وحجور وتلك النواحي قريباً من ألف رجل فخرج أمير المؤمنين في لقائهم فسلموا عليه وسلموا له جملة من النذور والبر وغيرها من الحقوق الواجبة.