وأقام أمير المؤمنين عليه السلام في محطة العمري إلى يوم الإثنين السابع من شهر الله الأصب رجب سنة سبع وأربعين وستمائة سنة ونهض حتى حط في خدار وجعل مقامه في القلعة والمحطة في المغربة شرقي القلعة ومن هنالك تفرق الناس وأمر الإمام عليه السلام بخراب بلاد جعدان واستئصال شأفته وكان جعدان بن وهب متمنعاً في قلعة تسمى الريشة في مغارب صنعاء فأخربت بلاده وضاقت عليه الأرض بما رحبت فأقام أمير المؤمنين في خدار فلما أتم أشهر أمر أصحابه أن يتموا الصلاة وليعلم العدو أنه عليه السلام مقيماً في أثره منتظراً للوثبة عليه عند أن تتحقق الفرصة.
ومما قيل في أيام خدار من الشعر من ذلك قول الأمير الكبير عز الدين محمد بن أحمد بن المنصور بالله عليه السلام قصيدة يمدح فيها الإمام ويثني عليه ويستعطفه ويشكو جفوة رآها وقصوراً عن منزلة كان يستحقها وأغراضاً في نفسه ذكرها وهي هذه:
حي الطلول ومن بها من حاضر
درست وغيرها الزمان فأصبحت
مابين لميس والورود معاهد
دمن جررت بهن أذيال الهوى
فسقى ثراها غير مفسد أرضها
من كل داني المزن هطال الحيا
مستحفز كالحب كان ربابه
ولقد أراها والحديد إلى بلى
في حيث لا ترميك مقلة أحور
كم قد عهدت بهن من خرعوبة
من كل فاترة اللحاظ كأنها
ريا الروادف لين أعطافها
يا أيها المترحلون تحملوا
يشفي العليل وإن تقادم عهدكم
مالي أقيم على التهاون مغضباً
وإذا شددت ففوق كل مطهم
والأرض ذات العرض لي مستوطن
تحتال لي نسل الوجيه ولاحق
وإلى الإمام بن الحسين بعثتها
وهاب كل طمرة ملبوبة
الطيب بن الطيبين أرومة
ملك إذا ذكر الملوك فعنده
يغشى الأمور إذا تعاظم خطبها
يجلي بضرته الظلام ويستقى
ويناط أمر المسلمين بقائم
ماذا نقول لمن علمنا أنه
إنا رأينا فيك سر نبوءة
فإذا سمحت فمن غمام ماطر
ونقل إن قلنا خليح مفعم
كم حاول الضلال مجدك وانثنوا
ورنت عيون الحاسدين فأصبحت
نور من الرحمن لا يغتاله
وإذا تعاظمت الأمور وأرهقت
قشعت ظلمتها بفكرة حازم
بعزائم دانت لها بيض الظبا
من معشر بيض الوجوه غطارف
يتوارثون المجد عن آبائهم
ينمون مجدهم إلى عادية
وبفاطم وبحيدر وبحمزة
قوم لهم بطحاء مكة والصفاء
يا أيها المهدي يامن قدحه
مالي غرست وغيري يجتني
بيني وبينك حرمة لم أنسها
مشفوعة لقرابة وصهارة
جربت في الحالين حالي فاغتدى
قد كنت أرجو أن أكون مقدماً
وصبرت في ضيق الأمور وعسرها
فالآن قد أزمعت أن بطئ الوحي
أو شطبة جرداء أبرز لحمها
حتى أنيخ على الزمان بكلكل
إن سرت في الآفاق سير مخاطر
ماضر بدر التم سرعة سيره
مع أنني إن غبت عنك فإن لي
... إن السلام أقل فرض الزائر
كالرق أو كحلال جفن داثر
تغنيك عن ذكر العقيق وحاجر
مرحاً وريعان الشباب الناضر
صوب الربيع وكل دجن ماطر[75ب-أ]
زجل الرواعد رائح أو باكر
كوم الهجان صغت لهدر الهادر
لهو الحديث بها وأنس السامر
إلا إذا شفعت بطعنة ثائر
بيضاء كالقمر المنير الباهر
ريم أحست بنأوة من زائر
يضني الحليم بسحر طرف فاتر
منا السلام لمنجد من غائر
زور الخيال لنا وذكر الذاكر
مستنقصاً قدري بحظ قاصر
وإذا ارتحلت ففوق كل غذافري
والناس في كل البلاد معاشر
وتخب بي نسل الحديد أو داعري
ملء الجنان لسامع ولآثر
قماع صولة كل خب فاجر
ومبيد حرب الطيب بن الآمر
غوث اللهيف وذلة المتصاغر
بروادي حبك وغشم مخاطر
ماء الغمام بجوده المتواتر
لله مرهوب الصنالة قادر
بعدي على صرف الزمان الجاير
شهد العيان لها بأمر باهر
وإذا نطقت فمن عباب زاخر
أو إن نشبه بالهزبر الخادر
ببوار مسعاة وأوبة خاسر
مقهورة ترنو بطرف حاسر
بغي البغاة ولا جحود الكافر
ببواطن مجهولة وظواهر
وجلوتها بموارد ومصادر
وسطت على غاب القنا المتشاجر
شم الأنوف مساعر لمساعر
والمجد يورث كابر عن كابر
عيطاء تسمو بالنبي الحاشر[76أ-أ]
والسيدين وجعفر والباقر
لهم وفرقان الحليم القاهر
في الفضل والمعروف قدح القاهر
هل يجتني الثمرات غير الآبر
والفضل أفضل قربة وأواصر
ومناسب ومعارف وعناصر
يابن الهداة بغير حظ وافر
فرجعت عندك آخر للآخر
فحرمت منك جزاء فعل الصابر
في كل مائرة اليدين عذافر
أو هيكل نهدا المراكل ضامر
صعب مراقيه عزيز الناصري
فالفضل يوجد في الكلام الساير
كلا ولا سير المطية ضايري
محض الولا ولي لسان الشاكر
تمت عدة أبياتها 53 بيتاً.
رجع الحديث
فلما رأى أسد الدين أن أمير المؤمنين عليه السلام غير متزحزح من البلاد علم أن لا طاقة له ولا قدرة فنهض قاصدا لرداع وفيها القلعة المشهورة فأتاهم على حين غفلة فاستظهر عليهم وخرج منها المجاهدون سالمين والحمد لله رب العالمين، ولم يلبث أسد الدين أن نهض من رداع قاصداً إلى ذمار فوقف فيها أياماً ثم نهض إلى حصن من جهة المشرق فقال الفقيه الفاضل علي بن يحيى الفضلي أبياتاً هذه نسختها:
غليت ومن أرسى ثبيرا مكانه
وطوقت أعناق الأنام صنائعاً
فشكراً بما أوليتنا من صنيعة
ولا زلت في ملك عتيد ونعمة
مقامك في شطي جدار غيماً
وولى فراراً منك جهراً محمد
وخاف ولما يلقه الحتف فانثنى
تقلب قلباً ذا قروح معذباً
فعد سالما في الحال عودة ظافر
فقد وضحت للناس فيك دلائل
وصدق منك القول فعلك ظاهرا
ودم يا أمير المؤمنين مسعداً ... على الأمر فاستعلى بك النهي والأمر
لها وبها يا ابن الأولى وجب الشكر
عليك سلام الله ما طلع الفجر
ولا زال مقروناً بدولتك النصر
لآية أمر بعد أن كشف الخدر
ولم يحمه بتر هناك ولا سمر
وقد مسه من أجل خيفتك الذعر
وترنوا بطرف ماله أبداً شفر
فلم يبق للأعداء ناب ولا ظفر
وضاءت بما تدعو به الأنجم الزهر
أبا حسن قد يصدق الخبر الخبر
تدوم بك الدنيا ويزهو بك العصر [76ب-أ]
فأجابه بعض شعراء أمير المؤمنين بقوله بما هذه نسخته:
ألم تر أن الأمر يحدث بعده
صبرنا على ربعي خدار ولم يكن
وإن كان قل الوفر فينا فإننا
ولو سار عنها جيش جعدان لم يكن
إذا عارض موفور الخزائن لم يكن وسوف نفيد الصبر نصر وعسرها ... أبا حسن في كل آونة أمر
يليق بنا إلا الإقامة والصبر
سنرحل والأعراض محروسة وفر
ليسلم نقصاً أو يلم به ذعر
يعيض على المعشور نظم ولا نثر
سيعقبه من بعد شدته اليسر
...
وبعد: فإن الأناة في مثلها تسأله والإنزعاج يورث قبح مقاله ونقرر على الفشل آكد دلالة في مثل هذه الحالة:
د يدرك المتأني بعض حاجته
?
?
وقد يكون مع المستعجل الزلل
فلما علم أمير المؤمنين بصدور أسد الدين نهض قافلاً من خدار إلى الجهات الصنعانية فنهض من خدار في شهر شعبان إلى السنة المذكورة فحط في حيرة من بلاد آل علي قوم من سنحان عند شيخهم عصم ثم اليوم الثاني حط في سيان فأقام به ليلة ونهض ثاني ذلك اليوم فمر على قبر الفقيه الشهيد أحمد بن يحيى وزاره ودعا له، ولما علم من كان في صنعاء من الأمراء بقفول أمير المؤمنين خرجوا في لقائه إلى بعض الطريق يقدمهم الأمير الكبير المتوكل على اللَّه أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام وقد كان أمير المؤمنين لما وصل إليه ذمرمر إلى سناع في أيام الحرب لم ير أمير المؤمنين إلا الصفح عنه والعفو الذي هو شيمته وأمره بالوقوف في صنعاء لأمر رآه صواباً. ... ... ...
رجع الحديث إلى ذكر طرف من طلوع الأمير عبدالله بن حسن بن حمزة ومن معه من الحمزيين اللذين نزلو إلى السلطان للإنتصار على حرب الإمام عليه السلام
لما انصرم الصلح بين الإمام وبين السلطان المظفر صاروا في اليمن يهيمون مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فعند ذلك تضرعوا بالمظفر أن يشفع لهم إلى الإمام على أرواحهم والرجوع إلى أهليهم ويرضون بذلك فطلعوا من اليمن على حال ضعيف فأمرهم أمير المؤمنين بالقفول إلى أهليهم بعضهم في المحامل مرضى لا يستطيعون حراكاً.
رجع الحديث إلى
(قصة دخول أمير المؤمنين صنعاء منصرفه من محطة خدار ونقم الثأر من سنحان)
وكان نهوضه عليه السلام من سيان إلى صنعاء يوم الإثنين العشرين من شهر شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة سنة.
قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: لما نهض أمير المؤمنين من سيان وذلك عند طلوع الشمس ومر بسد سيان المشهور عند مضي ثلاث ساعات من النهار إلى نحو ذلك انقض نجم عظيم من السماء حتى وقع في شاطئ السد رآه عدة من الصلحاء يهوي في الجو كأنه الدرع المخلوة فعجب الناس من ذلك فلما صار أمير المؤمنين قريباً من صنعاء خرج من كان في صنعاء [77أ-أ] من أهلها للبركة بمشاهدة أمير المؤمنين حتى ضاقت تلك الناحية بالناس فدخل عليه السلام من باب اليمن وكان معه من الخيل يومئذٍ قريباً من ثلاثمائة فارس لتفرق الناس في الثغور فأقام أمير المؤمنين عليه السلام إلى آخر نهار الخميس وطلع إلى هجرة سناع فطاف على أهله وأقام ليلته تلك وكان من الغد وهو يوم الجمعة ونهض قافلاً إلى صنعاء فلقيه الناس أرسالاً إلى خارج المدينة فدخل من باب اليمن وقصد المسجد الجامع لصلاة الجمعة فلما دخل المسجد صلى ركعتين وصعد المنبر وخطب بالناس خطبتين يتضمنان الوعد والتذكير وفضل الجهاد وصلى بهم الجمعة وانصرف إلى الدار السلطانية بصنعاء فأقام فيها يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينفذ الأحكام الشرعية ويقتفي سيرة جده صلى الله عليه وآله والناس تأتي إليه أرسالاً من مشارق النواحي ومغاربها فالحمد لله رب العالمين.
ومما قيل في تلك الأيام من الأشعار من ذلك قول الفقيه الحافظ أبو العسكر بدر الدين بن المبارك السبأي المأربي وكان قد طاف الآفاق وأخذ العلم عن علماء الإسلام من الشافعية والحنفية وغيرهم وكان شافعياً عدلياً يمدح الإمام عليه السلام ويثني عليه ويذكر فضائله ويذكر عنايته في أيام الدعوة الشريفة بصنعاء وبما يعرفه من ذكره من طريق الملاحم قال:
لم تر أن الدهر للناس لائم
فلست أذم الدهر يوماً وإن جفا
به يقتدي في المشكلات ويهتدي
هو الغيث والخصب المنيع ومعقل
أتتنا به الأنباء عن سيد الورى
وعن حيدر يروي مقالة صادق
يقول إذا ما جاشت الترك فانتظر
ودكدكت الأركان من آل هاشم
يقول إمام الحق يا قوم منكم
سمي رسول الله نفسي له الغدا
وقد كان ما قال الوصي وما حكى
وتلك علامات القيامة والتي
وإني لمشغوف به وقيامه
فلما عرفت الحق شمرت داعياً
صدعت بها جهراً بصنعاء ضحوة
وكنت بربي واثقاً متوكلاً
أحض على نصر وأدعو إلى الهدى
ولما دعوت الناس نحوك للهدى
ولم ألق مكروهاً ولم ألق ضارعاً
وأشعرت مني النفس علماً بأنها
وكم آية مأثورة وكرامة
تسير بها الركبان شرقاً ومغربا
شفى مقعداً من بعد خمسين حجة
ولما دعاني الحق جئت مسارعا
وأخربت عمراني بعمران أمركم
فأصبحت كالطير المهيض جناحه
يعاتبني في ودكم من رجوته
فأضرب صفحاً عنه والكل عالم
وفي الله ما أبقاه والصبر عادتي
?
?
وآخر يثني راضياً غير لائم
وقد جاء بالمهدي من نسل فاطم
ويدعي لروع ومعضلات العظائم
يلوذ به المظلوم من كل ظالم
مدونة مسطورة في الملاحم
شقيق رسول الله سبط البراجم
ولاية مهدي قوي العزائم
وبويع في أملاكهم كل غاشم
وبالحق يأتي منكم خير قائم
وناصر دين الله من آل هاشم
ولم يمتنع منهم عراق الأعاجم
تدل على المهدي نافي المظالم
فطرفي له مستيقض غير نائم
ولم يهن التهديد مني عزائمي
بغير ذمام من علوج طماطم
مهيباً إلى طمس الخنا والمآثم
وأرغب عن مكر وإن قل عاصمي[77ب-أ]
حماني سيف الله عن كل ناقم
ولم يثن مني العزم في الحق واصم
فضائل من تلقاك ترع محارم
يدونها في كتبه كل عالم
ويروونها عند اجتماع المواسم
فبورك فيها من رقا وعزايم
وأيقنت أن النصر لاشك لازمي
ومن يؤثر الأخرى فليس بنادم
أحاول أن أغدو بغير قوائم
إذا ما اطلخم الأمر فيه مساهمي
وأغدو وذو الود القريب مصارمي
ورجواي من شكواي يقضي مغارمي
وقال الفقيه العالم السابق شرف الدين حسن بن البقاء التهامي في تلك الأيام بصنعاء:
قد طابت بدولتك الليالي
ودور الكافرين بأرض صنعاء
بعثت عليهم حرباً عوانا
فلا رجعو ولا كانت الليالي
إذ ذكروك في طيب الليالي
وقادو كل سهلبة جموحٍ
ترجيها الأساور عابسات
عليها كل مدرع كمي
فلا شكروا بحمد الله يوماً
إليك خليفة الإسلام حنت
تؤم آزال لولا أنت ذمت
نظمت عقودها وحليت جيداً
فها هي قبلة يسعى إليها
?
?
وحي بروحها العظم الرميم
تعفت من معالمها الرسوم
وهبتهم بها الريح العقيم
بها اهتظم الأرامل واليتيم
تلظت في صدورهم الجحيم
حموم الشد يفزعها الشكيم
يشن على سنابكها الحميم
فراحت من حوافرها الكلوم
أتوك به ولا افتخر الزعيم
قلائص قد يحونها الرسيم
وكان بسوحها العلج الذميم
لها قد كان عطلها الغشوم
إليك كأن تربتها الحطيم
ولبعض بني عمه يطلب منه حاجة واستنجد هذه الأبيات من بعض الشعراء فقال مادحاً له في ذلك الأوان ويذكر تسليم السلطان الملك المظفر لحصن حلب المحروس ومعرضاً لقضاء حاجته:
هر الملك واستقر القرار
ومد الملك سافراً ظاهر البشر
هذه الدولة التي وعد الناس
ذا الإمام المهدي والقايم الآخر
سلمت أمرها الملوك إليه
خضعت بالسجود أملاك مصر
رجعوا السلم بعد عاقبة النكث
حزبوا الشر لا أبا لهم اليوم
حاولوا الحية التي تنفث السم
سلموا المال والحصون وكانت
وحدوا للرحمن في كل ثغر
وشهاب فيها المسترق السمع
أي ثغر وليس فيها جياد
أي يوم ولم توقد الحرب نار
شمري يقتاد من شدة العزم
لا تذوق المنام إلا عغراراً
همة العلم والسياسة للملك
علوي كأن غرته البدر
طالبي يكاد من طلب الثأر
حسني بوجهه حسن الدهر
قاسمي في كفه يقسم الرزق
راسخ الأصل شامخ الفرع
نكر إلاك والصحيح إذ ما
وكأن الركن اليماني كفاه
وغياث عند الخطوب وغيث
وخضم إذا يجيش وليث
يا إمام الهدى ويا حجة الله
وعظيم المقام أمراً ونهياً
أنا من غصن دوحة أنت منها
كيف أضحى وأنت درجة أصلى
ليس بيني وبين ما أنا أرجو
عظمت فيك همتي ولعمري
كل شيء سواك ليس بشيء
?
?
واطمأنت بالمسلمين الديار
بوجه كأنه جلنار
وجاءت بذكرها الآثار
وهو الذي إليه يشار[78أ-أ]
وأضاءت لنوره الأقطار
لتوال وراءها الأمصار
فهل بالحلوم الأخمار
ما ضرمت مدى الدهر نار
ويحفوا جنابها المرار
صفقة ربح مشتريها الحار
رصدا لا يفوته الأشرار
معدا كأنه مستطار
أي واد وليس فيه مغار
أي ليل لم تذك للوفد نار
برامي من جانبيه الشرار
وكثير لمثل ذاك الغرار
وعرف المعروف والإنكار
وعليه سكينة ووقار
وتلظى في مقلتيه النيار
ولولاه ما أقيل العثار
ومنه يستوهب الأعمار
كالطود عليه من الجلال شعار
قابلوه كأنه المستجار
استلام ورحمة واستجار
مستغاث يشمه الزوار
هزبري ووابل مدرار
ويا من بذكره يستجار
وإليه الإيراد والإصدار
كل أصل تظله الأشجار
كيف أظمى وفوقي الأمطار
غير لحظ يومي به أو يشار
إن في العظيم تعظم الأخطار
وعلى الماء تنبت الأشجار
وقال راشد بن علي بن حسين بن عبد الرحمن صاحب ريمة الأشاطب يمدح أمير المؤمنين ويستنجده على أهل المذاهب الرديئة بريمة:
اشتقت طيفاً طائفاً وخيالاً
ووقفت تسأل عن قديم قطينها
أمت أمير المؤمنين وأملت
استقبلت تولي إلينا مظهراً
طلب المعالي العاليات فنالها
ركن لآل محمد وخليفة
من صنو حيدرة الوصي وفاطم
فيه الوسائل والدلائل والحجا
أعطى فخلنا عارضاً هطالاً
من مبلغ أحياء ريمة إنها
الباغضين لآل بيت محمد
قوم تأبو عن رضاك ولو مضت
عدو الجبال الشامخات وما دروا
فمتى أرى الجرد الجياد كأنها
تطأ الربا من ريمة وتهامة
?
?
وطلبت دمعك بالحمى أطلالا
عجباً فما ردت عليك سؤالا[78ب-أ]
من أحمد أن تدرك الآمالا
معروفة والفضل منه توالا
ما كل من طلب المعالي نالا
وغضنفر يروي ظبا وطوالا
كرمت مناصبه وطل فطالا
وفضائل قد أوفقت مفضالا
وسطا فحلنا ضيغماً رئبالا
لو شاهدتك لزلزلت زلزالا
والحائزين على اليمين شمالا
فيها ظباك لقسمت أمثالا
أن قد ملكت السهل والإجبالا
جون النعام تراسلت أرسالا
وتقد هام المعتدين نعال
وقال الفقيه عيسى بن محمد التهامي رحمه اللَّه:
ذ خبراً عن نسيم الشمال
ومن ذا قام بتلك الخيام
وهل نزلوا بمنى بعدنا
وعيس تجوز الفلا في الدجى
عرامس خارقة للظلام
أقول لها يمي بي الإمام
أنيخي لمهدي دين الإله
إمام الهدى وغمام الندى
أباد الطغاة وأفنى العداة
بقب الجياد وسمر الصعاد
وقاد الألوف وفض الصفوف
قوى الجنان وسمح البنان
هو الهاشمي هو الفاطمي
هو ابن النبي هو ابن الوصي
ومهدي عيسى ومحيي الهدى
هو القائم الطاهر المجتبى
وقاد جيوشاً كمثل البحار
كتائب يقدمني الأمين
ويقدمها آل بيت النبي
أباد بها كل مستكبر
فقد ظهرت أرض صنعاء به
وقد نشر العدل حتى اعتدت
وقد أوضح الحق للعالمين
وجرد من عزمه صارما
أراني أحمد في يثرب
إمام الهدى أنت بحر النوال
ومعطي الألوف إذا لم يكن
وممطي المطهمة المقربات
?
?
من النار لون يجتنى للآل
وأصبح مرتبعاً في آزال
وخيم بالخيف حي حلال
رواتك في الأيك رتك الرمال
قوامس بالوجد في كل آل
ولا تسألي صيدحاً عن بلال
بدر الكمال وبحر النوال
ومعطي المؤمل قبل السؤال
وأحيا الهدى وأمات الضلال
وبيض المواضي وزرق النصال
وروى السيوف فأمست نهال
بديع اللبان سديد المحال
هو القاسمي كريم الخلال
مبين الحرام لنا والحلال
فليس له في الورى من مثال
وخيرة خالقنا ذي الجلال
يهد لها راسيات الجبال
جبريل في السلم أو في القتال
حماة الهدى وهم خير آل
ونال بها كل خبت وصال
وأصبح سرب الخنا في ديال[79أ-أ]
ذياب في الناس ترعى السخال
وقوم منا أدمة حتى مال
ذليق العرارين صافي الصقال
إمام الهدى أحمداً في آزال
وغيث الرجاء وبدر الكمال
نوال كريم جواد ينال
نماهن أعواج أو ذى عقال
قال في نسخة الأم بعد هذه قصيدة لراشد بن حسين صاحب ريمة الأشاطب يمدح أمير المؤمنين عليه السلام وترك مكانها بياضاً ثم قال: رجع الحديث، فأقام أمير المؤمنين عليه السلام في صنعاء إلى آخرتها وسلخ شهر شعبان ونهض إلى هجرة سناع وأوزع الناس النهوض إلى جهة بلاد بني شهاب لطيافتها أياماً قرائب، ثم نهض إلى حصن ثلاء لزيارة أهله، فلما وصل عليه السلام إلى سناع بكرة الجمعة غرة رمضان المعظم من السنة المذكورة حتى حط بيت ردم معقل السلاطين الأجلاء المخلصين المجاهدين حسام الدين الوشاح بن عمران والليث بن عمران بن الذيب وبني عمهما وأقاربهما فأقام هنالك ليلتين على الإنصاف والإعزاز والإكرام وأقام في مخلاف بني الراعي أياماً وكان وصوله إلى حصن ثلاء يوم الخميس السابع من شهر رمضان فاستر المشايخ الأجلاء آل منصور بن جعفر ومن يقول بقولهم بقفول أمير المؤمنين عليه السلام سروراً عظيماً وأقبلت إليه القبائل من البون والظاهر للتبرك به والنظر إلى غرته الكريمة صلوات الله عليه وعلى آبائه الأكرمين ولم يلبث عليه السلام أن نهض من ثلاء قاصداً بلاد حمير والإطلال على مسور وحملان لأسباب نحكيها إن شاء الله تعالى.
(قصة فتح مسور وحصونه وحصون حملان والمحطة على حصن حقيل وعولي وما كان في ذلك من العجائب)