لما انبرم الصلح بينه وبين ابن عمه وعاود لحرب الإمام وقد كان وصل بدر الدين حسن بن علي بن رسول من ديار مصر ورجل من إخوته وأولادهما والقصة في ذلك أن الملك المسعود يوسف بن الملك الكامل لما استولى على صنعاء وأعمالها وعلى اليمن [68ب-أ] الأسفل وأراد المعاودة إلى مصر خاف على اليمن بعده من هذا حسن بن علي بن رسول لما يعرفه من عزيمته وإقدامه فأمر به وبإخوته فأثقلت القيود في أرجلهم وحملهم إلى مصر سنة أربع أو خمس وعشرين وستمائة وترك أخاهم نور الدين في اليمن لما كان يعلمه من نصحته له وثقته بما عنده وأنه دون إخوته في العزيمة والنهضة، فلما تقدم الملك المسعود إلى ديار مصر مات في مكة وقد صار حسن بن علي بن رسول وإخوته في مصر وخلا اليمن من ملوك مصر تسلطن هذا نور الدين وثبت أمره وعظم شأنه وتسمى بالملك المنصور وانتشر أمره إلى طرف بلاد من الهند والشحر ومكة وصنعاء وأعمالها إلى أن قام أمير المؤمنين المهدي عليه السلام وناصبه الحرب ولم يلبث أن وثب عليه مماليكه فقتلوه على ما ذكرناه في موضعه في السيرة المباركة.

رجع الحديث
فلما ضعف أهل مصر أخرجوا الحسن بن علي بن رسول وأخاه وأولادهما لمناصبة أمير المؤمنين، فلما وصل إلى زبيد في شهر كذا سنة ثمان وأربعين وستمائة سنة أظهر الغلظة على نواب ابن أخيه المظفر وصغره في أعين الناس، فلما علم المظفر هذا خاف إن ناصبه الحرب يميل هو وأولاده إلى الإمام عليه السلام أو يجتمعون فيسلبونه ملكه فرأى المظفر صلح أسد الدين على الصورة المذكورة وأن يقطعه من الإمام ويشهر للناس غدره فلما فعل ذلك وعاد أسد الدين جهة صنعاء استدار المظفر وأمر إلى عمه بدر الدين حسن بن علي رسول ومن معه أنه ناهض في لقائه فاستر بذلك بدر الدين ونهض من زبيد حتى إذا التقوا في موضع يسمى (حيس) وسلم بعضهم على بعض وأمر المظفر مماليكه البحرية فوثبوا على عمه بدر الدين وأولاده وأخيه فقبضوا عليهم وأثقلوا في أرجلهم القيود وحملهم من ساعته إلى تعز وأراد فخر الدين أخا أسد الدين إلى أسر مما كان فيه من القيد والحبس وفرق بعضهم في المنازل وشدد عليهم ثم عاد بعد ذلك في تدبير الصلح بينه وبين الإمام المهدي عليه السلام وكان لزمهم يوم الإثنين الثالث والعشرون من شهر محرم أول سنة تسع وأربعين وستمائة سنة.
(قصة الصلح بين مولانا الإمام المهدي عليه السلام وبين الملك المظفرلما وقع ما ذكرنا من لزم عميه وأولادهما)

انقطع ما في يد أسد الدين وقد كان الأمير الكبير عبدالله بن الحسن بن حمزة نزل اليمن يستنصر بالمظفر على الإمام فاتفق نزوله بلزوم بدر الدين فخاب قدحه وانعكس رجاه وقد كان يظهر أنه يحمل الأرض ما لا تحمل، ثم وصل كتاب من السلطان يستدعي من يصل من الإمام إليه للصلح ويبذل من نفسه ما يجب للإمام فأمر مولانا عليه السلام الشيخ المكين زاهر بن عقبة من كبار الأعروش وكان حسن المخاطبة أديباً ليناً ثم كاتبه الشيخ زاهر قبل وصوله فعاد جوابه بثبات ما يطلبه الإمام فيه فتقدم إليه زاهر، فلما بلغ أسد الدين العلم بلزم ابنه وعمه وإخوته وتثقيل القيود في أرجلهم ولزم عمته صاحبة التعكر أرسل [69أ-أ] إلى الإمام يستعطفه فلم يقربه الإمام مقرباً في ذلك البتة وقال: (لايلدغ المؤمنين من جحر مرتين).
ولا وثيقة بفعل أعظم مما وثقت وفعلت وهنت ولدك وحلفت الأيمان المغلظة وأعطيتنا سيفك وعلمك، وأشهدت كبار الشرف والعرب ثم غدرت فما إلى ذلك سبيل، فبلغ ذلك عند أسد الدين مبلغاً عظيماً وسقط في يديه وخسر خسراناً مبينا فالحمد لله رب العالمين.
(قصة أخذ جبل الحرام)
ولما وقع الحرب بين الإمام عليه السلام وبين الأمراء بني حمزة وأمر بالحرب على جميع حصونهم وثب الأمير علم الدين أحمد بن القاسم بن جعفر من بني عم الإمام عليهم السلام أمير الجهات المغربية على جبل الحرام فحط عليه وهو حصن عظيم يرتكب الشرفين فلم يلبث أن استولى عليه، وكان الاستيلاء عليه في يوم السبت الخامس من شهر صفر سنة تسع وأربعين وستمائة فضربت البشارات بذلك واستر أمير المؤمنين بهذا الفتح المبارك.
رجع الحديث إلى صاحب صنعاء

ثم إنه تابع الغزوات إلى جهة السر فلم يظفر بمراده، ثم وصل السلطان الأجل أحمد بن علوان بن بشر بن حاتم والشيخ زاهر بن عقبة من جهة السلطان لتمام الصلح فلما وصل السلطان أحمد بن علوان والشيخ زاهر بن عقبة وجرى الحديث في الصلح فصوب الإمام عليه السلام نزول السلطان الأجل المخلص المجاهد شجاع الدين جبر بن سعيد بن النمير الشهابي وهو رجل لوذعي ذكي مخلص يحسن محاورة الملوك فصدره أمير المؤمنين وصدر معه السلطان أحمد بن علوان بن بشر والشيخ زاهر بن عقبة، فلما وصلوا إلى السلطان المظفر تلقاهم بالإنصاف والمعاملة الحسنة والكرامة الجزيلة ولم يلبثوا أن وصلوا، ووصل صحبتهم رسول من جهة السلطان المظفر من خلصانه وخدامه متمسكاً بشيء من العلم، فلما وصل أنصفه أمير المؤمنين وخلع عليه خلع الحرير وأركبه حصاناً جواداً وعظم الإمام في عين ذلك الرجل ما لم يكن يتصوره واستصغر من كان بعده من جميع الملوك فانصرم الأمر بين أمير المؤمنين وبين السلطان المظفر على المواثقة بالأيمان وأخذ قميص الإمام وعلمه ومن السلطان قميصه وعلمه وعلى أن لأمير المؤمنين من الأسلاف في اليمن الأعلى إلى جهة صنعاء وللسلطان من الأسلاف إلى جهة اليمن الأسفل وتهامة للسلطان وأدخل السلطان أهل ذمرمر في صلحه إلا عبدالله بن سالم ومن يقول بقوله واستثنى بعضاً من مذحج واستثنى الإمام إخراج بني حمزة من صلحه فردهم إليه علىحكمه وعلى أن على السلطان للإمام في كل سنة ثمانين ألف درهم محمولة إلى خزائنه المعمورة وتسليم حصن حلب والظفير للإمام وعلى حرب أسد الدين وأن لا يصالح ولا يقبل منه وعلى أن كوكبان للإمام عند الاستيلاء على براش للسلطان وشروط توابع لذلك، وانصرم الأمر على ذلك وصاح الصائح وشهر ذلك وكان يوم الخميس السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وستمائة سنة، ثم لم يلبث أمير المؤمنين أن قبض حصن حلب وحصن الظفير فولى [69ب-أ] على حلب الشيخ المكين فخر الدين بن

عمرو بن علي الوهيبي وولى على الظفير الشيخ محمد بن شمر الحوالي.
قال الراوي: فلما انصرم ذلك خرج الجند الذين كانو مع أسد الدين من جهة المظفر ووصلوا إلى أمير المؤمنين فأكرمهم وأنعم عليهم وزلجهم إلى اليمن إلى المظفر فلما تجهز الفقيه الواصل من جهة السلطان وعاق السلطان الأجل جبر بن سعيد عن الرجوع إلى اليمن مرض عارض لم ير أمير المؤمنين إلا تجهيز الشيخ الأجل المجاهد الطاهر تقي الدين عبدالله بن يحيى بن علي الصعدي أحد خواص أمير المؤمنين فصدر هو والشيخ زاهر بن عقبة وذلك الفقيه حتى وصلوا إلى السلطان المظفر وهو يومئذٍ في محطته على الدملوة محارباً لأخيه على الدملوة وطلب الأموال والخزائن التي فيها، فلما وصلوا إلى السلطان عظم حالهم واستر بذلك ولم يكد يصدق بتمام الصلح من الإمام عليه السلام لما جرى بينه وبين عمه وأولاده وأخيه فأحضر كبار العرب وحلف الأيمان المغلظة والعهود المؤكدة على الوفاء بما عقد عليه وأمر بعلم الإمام فنشر في المحطة وعظم شأنه وضربت الطبول والحرانيات تحته وجعل لذلك شأناً عظيماً وأمراً خطيراً وعند ذلك سقط في أيدي أهل الدملوة ودار المصلحون بينهم فاصطلحوا على تسليم أموال جليلة يزعمون أنها نصيبه من الإرث وقبل منهم وأغضى على ذلك وأشهد كبار الناس على نفسه بتمام ما عقده أمير المؤمنين وسلم نيفاً وعشرين ألفاً محمولة إلى خزانة الإمام عليه السلام وأمر بتحف من الخلع والملابس الغالية وتشفع به الأمراء الحمزيون الذين هنالك أن يشفع لهم إلى الإمام بطلب صلح ثلاثه أشهر بشروط:
منها: أن لا تدخل حصونهم شحنة في ذلك الأوان فإن خالفوا حوربوا.

ومنها: أنهم لا يميلون إلى غدر الإمام ويباينون أسد الدين، فأسعد أمير المؤمنين إلى سؤالهم فعند ذلك سقط في أيديهم وانقطع رجاء أسد الدين وأيقن بالهلاك وخاف على نفسه في صنعاء وكان عسكر الإمام يغيرون في مدينة صنعاء والفرسان يتخطفون من خرج منها محارباً، وعند ذلك اضطرب أهل صنعاء وهرب من كان فيها من الباطنية والمجبرة فلم ير أسد الدين إلا أنه يبرز عنها.
(قصة فتح صنعاء المرة الثانية وخروج أسد الدين منها هارباً)
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: ولما انتهى الأمر بأسد الدين إلى ما ذكرناه خرج إلى سفح جبل نقم فحط بخيامه وما خف ونقل حريمه وخزائنه إلى براش ولم يلبث أن نهض قاصداً بلاد سنحان ثم تقدم ذمار وأعمالها وكانت تلك الأيام أيام مطر ليلاً ونهاراً ما لم تجر العادة بمثله.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: لقد رأيت تلك الأرض من بلاد سنحان إلى أقصى الرحبة كالبحر الزاخر وضربت أكثر الدور بصنعاء وتهدمت الدوائر وتخرق دائر صنعاء.

أخبرني من أتى عليه [70أ-أ] من العمر قريباً من المائة السنة أنهم ما رأوا مطراً في تلك النواحي قد وقع كذلك، فلما نهض أسد الدين أمر أمير المؤمنين عليه السلام الأمير شجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم بحفظ مدينة صنعاء في رتبة من الخيل ونهض أمير المؤمنين من ساعته معارضاً لأسد الدين محطة بمحطة، فلما وصل أسد الدين إلى شعسان أغار من خيل الإمام في المحطة وحط أمير المؤمنين بموضع يسمى حافد من بلاد السلاطين الأجلاء بني شهاب فلما علم أسد الدين أن الأمر قد صعب عليه عاد قافلاً فحط في موضع قريب من جبل براش إلى جهة المشرق وأمير المؤمنين في حافد إلى جهة المغرب فنهض أمير المؤمنين فعاد إلى بيت بوس فحط في الهضب ما بين القرية والمزرعة في أيام مطارة فنبت في الأرض من الشجر والبقل ما لم ير مثله فيما مضى حتى كانت الأرض روضة خضراء يرتع الفرس في مكانها وذلك من بركات أمير المؤمنين سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، ومما قيل في فتح صنعاء من الأشعارمن ذلك قول بعضهم في أثناء قصيدة:
ولقد جرى لك من إلهك ما جرى
من قصم أركان الطغاة وهلكهم
وفتحت صنعاء وهي خير مدينة
ولسوف تملكها على رغم العدا ... ما فيه مزدجر لكل معادي
يا ابن الكرام السادة الأمجاد
فتحت على أعدائك الأكراد
ما بين أرض الهند أو سنداد
وقال الأمير الكبير صفي الدين الحسن بن على بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم رضي الله عنه:
لقد آن يا صنعاء أن تتبدلي
وأن ترفضي لبس السواد وتتركي
وأن تسبقي بغداد بالفتح إنني
وحسبك بالمهدي في كل حالة
فقد أغريت بغداد إن سوى الذي
ونادت إلى المهدي أهلاً ومرحباً
فلا تجمحي إني أحاذر صولة ... بسيد الغضا ليث العرين الغضنفرا
مدى الدهر في الأيام ما كان منكرا
أرى حظ أهل السبق أعلى وأوفرا
إماماً إذا ما أورد الأمر أصدرا
بها من بني العباس قد صار أجدرا
وأعطته عن طوع سريراً ومنبرا
ترى لجموح الأصغر الخد أصغرا

وقال القاضي الأجل نظام الدين أحمد بن سليمان قاضي أمير المؤمنين بصنعاء يهني بفتح صنعاء وتحول أسد الدين عن حاله وهروبه منها:
أرأيت كيف ترنح الأغصان
أم هل نظرت جآذراً ألحاظها
لا تعذلن أخا الصبابة في الهوى
يا حبذا وادي الغوير فإنه
لم أغش أفنية الملوك زهادة
حتى بلغت إلى زمان خليفة
القاسمي وحبذا من منصب
نص النبي عليه نصاً ظاهراً
هي آية من معجز المهدي لا
لولا النبوة بالنبي محمد
يكفي أمير المؤمنين بأنه
لا يستقيم لمسلم إسلامه
وملاحم شهدت بها البيض الظبا
بلغت ثلاثمائين من سطواتها
انظر إلى أسد يحاول ثعلباً
لم يحمه سهل ولا وعر ولم
مطرت عليه سحائب بنوائب
هدمت الحق شيد بنائه
نصر من الله استتب وبعده
صنعاء مشرقة بأيمن مقدم
لبست مطارف بهجة تطريزها
زحفت رسيس الرجس من قوم بها
والأرض للمهدي حتم ملكها
واستبشرت ببقاء مملكة علت
لا تسمع الطارات في غرفاتها
فالملك مبتهج وآل محمد
وكأنني ببراش ملك أميره
هنيتها من أوبة ميمونة
لا زلت للإسلام بدر خلافة
... تحت الشموس تقلها الكثبان
من سحرها رؤيت لها أجفان
تغرا بعذل العاذل الولهان
لملاحة البيض الدمى ميدان
والربح من دنياهم خسران
أجلاوأشراف من نمت عدنان[70ب-أ]
هو للمكارم والعلى عنوان
من فضله في كفه برهان
يسطاع في إعجازها جحدان
ختمت لنص بأحمد القرآن
خير الأنام اختاره الرحمن
إلا بطاعته ولا كتمان
والصافنات الجرد والمران
خضع الملوك وذلت الأقران
من بأسه تاهت به الغيضان
يسلم له قصر ولا إيوان
من أحمد فطفا به الطوفان
فتشابه الصحراء والعمران
فتح تدين لقهره البلدان
للحق في أثنائه سلطان
من كل مجد فخره أفنان
كانوا كأنهم بها ما كانوا
فله ملائكة السماء أعوان
شرفاً بها وعلت لها أركان
أبداً وإلا العيدان والألحان
والعلم والإسلام والفرقان
كف الأنام يقوده الإذعان
يدنو لأدنا مجدها كيوان
لا يعتري تكميله نقصان

وقال بعض الشعراء في معنى ذلك ويحذر الإمام من كيد العدو ويذكر مكر أسد الدين وغدره:
عجباً رأيت من الزمان عجاباً
ورميت أبعد شأو من طلب العلا
هيهات من رام المعالي والعلا
أعلى الورى شرفاً وأكرمهم يدا
والله لولا أن يسفهني الورى
أمفندي إن قلت فيه مقالة
أوقلت ورداً ضيغماً فرشت له[71أ-أ]
يا ماضي العزم الذي لولاه ما
هذا أوان النصر مد رواقه
أتراك تجتذب الملوك فمن عتى
ما أبرم الأضداد منك مكيدة
أين الذين تجبروا وتمردوا
وتوهموا وهماً وحاكوا منهم
لولا تحننك الذي سعدوا به
لا تلدغن فقد رأيت تجارباً
هذي نصيحة حازم لمن لم يلفه
قد أذعنت صنعاء إنك ربها
ولى الغويدر هارباً عنها وقد
نطح الهضاب السم غدراً فانثنى
جازاه ربك حين فرق شمله
طوبى لأرض أنت تمشي فوقها
انهض إلى قطر العراق فطالما
وادع الجياد فإنهن صوافن
خيل ذو حسن هجر فرسان الوغى
شوس العيون إذا جرين بحلبة
متبجرات في الموارق فوقها
أنت الإمام إذا ذكرت وإنما
لو كان كفك يمسح الأنواء ما
أو كان بأسك للورى ألفيتهم
والله ما أحصي مناقبك التي ... وبلوت من أبنائه أصحابا
فوجدت طرقا قبل ذاك صعابا
بعناد أحمد ما أصاب صوابا
وأعزهم في منصبيه لبابا
في مدحه لأجاوز الإسهابا
أو قسته بحرا يعب عبابا
الورد الخدود وكن قبل غضابا
مدت لهيبته الملوك رقابا
ودعوت ربك مخلصاً فأجابا
منهم صببت عليه منك عذابا
إلا فتحت من السعادة بابا
سحراً ببابل كذبو كذابا
غدراً وحزب بعضهم أحزابا
كانوا لسلاك السبيل نهابا
وقرعت من سن التجارة نابا
متلعياً يوماً ولا مرتابا
بعداً لمن كانوا لها أربابا
ذاق الهوان وفارق الأحبابا
شرفاً يساورنا فعاد مصابا
شيباً أذاقهم النوى وشبابا
ولبلدة كانت إليك مآبا
لبث العبيد بقطرها أحقابا
من كل منجرد يخال عقابا
من غير أن يوموا لهن خطابا
فكأنها ريح تسوق سحابا
أسد تصرف في الغبار شهابا
أعني الجواد الفارس الوهابا
أبداً رأيت على الحزون سرابا
يستحقرون الضيغم الوثابا

لا يستطيع لها الأنام حسابا
اتصل الحديث بوقوف الإمام عليه السلام في بيت بوس.
قال الراوي: وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد صدر الأمير الكبير المقدم أسد الدين محمد بن سليمان بن موسى يلزم مرصداً في بلاد سنحان خوفاً من مرور أسد الدين على خفية وهو موضع يسمى حصن الزيلة بأعلى وادي يكلا وأمر الفقيه الفاضل التقي المجاهد حسام الدين أحمد بن يحيى الزيدي الصعدي إلى موضع آخر في بلاد سنحان، فاجتمع إليه سنحان بأسرهم وكان المتولي لبلدهم والناظر في مصالحهم عن أمير المؤمنين وكان حسن السيرة شديد العزيمة على أعداء الله تعالى لا تأخذه في الله لومة لائم فحط في موضع يسمى سيان من بلاد سنحان واجتمع إليه قبائل سنحان بأسرها وشيوخها وكانوا عدة منهم جعدان بن وهب وأسعد بن سعيد وبشير بن صبرة وابن الدريحل وعدة من الشيوخ غاب [71ب-أ] عني حفظ أسمائهم مع الفقيه المذكور مظهرون للمحبة ومبطنون للنفاق بعد أن أخذ عليهم الفقيه العهود وأنصفهم وقربهم وأحسن إليهم وأمير المؤمنين عليه السلام في خلال ذلك يتابع إليه الكتب ويحذره من مكر القوم وغدرهم فحسن الفقيه بهم الظن وهم في خلال ذلك أسرارهم عند أسد الدين وقد ولج في موضع يسمى شعب الجن شرقي براش لا يتمكن من الخروج عنه فانصرم الأمر بينه وبين مشائخ سنحان المذكورين سراً وبذل لهم أسد الدين شيئاً من المال ووعدهم ومناهم بأشياء كثيرة فاجتمعوا على قتل الفقيه الفاضل غدراً والخلاف مع أسد الدين والقبض على والي الحصن المعروف بالكميم؛ إذ كان من حصون أمير المؤمنين وهو حصن عظيم الشأن متوسط في البلاد مشرف على الأقطار وكان الوالي يعقوب بن سنقر رجل من مولدة الغز مخلصاً ناهضاً محباً لأميرالمؤمنين ذو نباهة وحسن تدبير وكانت له خبرة بالحصن فولاه أمير المؤمنين الحصن لما عرف من صدقه.
(قصة مكر سنحان وغدرهم وقتل الفقيه حسام الدين أحمد بن يحيى رحمة الله عليه)

23 / 56
ع
En
A+
A-