قصة رجوع أمير المؤمنين إلى محروس ثلاء
ثم إن أمير المؤمنين أمر السيد الشريف شرف الدين الحسن بن وهاس الحمزي بالوقوف في ثغر سناع وجعل معه الشيخ المخلص عمرو بن علي الوهيبي، والسلطان الأجل حسام الدين الوشاح بن عمران وأولاده، والسلطان الأجل شجاع الدين جبير بن سعيد بن نمير وساير بني عمهم، وأمر الفقيه الطاهر المجاهد المخلص حسام الدين أحمد بن يحيى الزيدي ثم الصعدي وكان من الأخيار وأهل العناية والقيام بالجد والاجتهاد وإنفاق ماله مع ما يحصل من فضل الله تعالى، وكان ذا إحسان وله محبة في قلوب أهل النواحي، فأمره بالإنفاق عليهم والعناية في حقهم فامتثلو أمره، فلما طابت نفس أمير المؤمنين عليه السلام ورغب أهل الناحية في ملازمة ذلك الثغر لما علموه مما قد حمل أمير المؤمنين من إغاثة المسلمين في البلاد الحميرية والمغربية نهض عليه السلام من هجرة سناع فأمسى في حصن السلاطين الأجلاء آل عمران من الذنب بيت ردم فتلقوه بأخلاق الكرام، وقابلوه بالإجلال والإعظام، ولم يدعوا وجهاً في الكرامة حتى فعلوه، وأظهر عليه السلام أنه يريد الوقوف أياماً يوري بذلك خوفاً من كيد العدو، فلما كان قبل غروب الشمس الثاني يوم نهض معداً فيمن معه من العساكر فسار ليلته تلك وهي ليلة متراكمة السحاب مدلهمة الظلمة حتى طلع فجر الصبح وهو في [51أ-أ] شعب تحت بني بشير في مخلاف حصن ثلاء المحروس، فلما حركت النقارات والطبول سمع أهل ثلاء وتلك النواحي فأقبلوا مسرعين مسرورين مستبشرين حامدين الله تعالى قفول أمير المؤمنين إلى بلادهم بعد أن أوحشست لفراقه الأقطار وأكسفت الأنوار، فلم تطلع الشمس حتى اجتمع إليه عساكر جمة العدد وتفرق المبشرون إلى بلاد حمير والمغارب بإقبال أمير المؤمنين عليه السلام إلى حصن ثلاء.
كان ذلك يوم الخمس أو الأربعاء لبضع وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان سنة سبع وأربعين وستمائة، ثم أقبلت قبائل حمير وقبائل البون وغيره، فلما حضرت الجمعة اجتمع فيها من خلق الله تعالى ما لا يكاد أن يضبط بالعدد، وخرج أمير المؤمنين في أحسن هيئة وأعظم زي قد تحلت رداء السكينة والوقار والذكور لله تعالى والدعاء إليه، وسار بين يديه المسلمون على طبقاتهم من الأشراف والعلماء ومن هو تابع لهم من الناس، حتى إذا قرب من الجبانة وهو الموضع المشرف على جبل تعود ترجل عن فرسه وسار تواضعاً لله تعالى واتباعاً لسلفه بذكر الله تعالى ويدعوه، فلما دنى من المنبر صلى ما شاء الله أن يصلي ثم صعد المنبر فخطب الناس ووعظهم وذكرهم بالله تعالى وجرى على السنن المألوف من الأئمة، ثم نزل عن المنبر وصلى بالناس صلاة الجمعة، ثم قعد في موضعه بعد صلاة الجمعة واجتمع اليه عيون العلماء وسادات الفضلاء فراجعهم وكرر الشكوى عليهم مما فعله الأمراء الحمزيون في بلاد المسلمين من هتك المحارم وقتل النفوس المحرمة وخراب القرى وأخذ الأموال وأسر من أسر من رؤساء العرب، فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نسمع ونطيع لما تراه، فقال عليه السلام في معنى كلامه: لا يسعني عند الله إلا محاربتهم، فهم اليوم أضر على المسلمين من الغز لقرب دارهم ومعرفتهم بالبلاد، هذا مع أنه قد صح عندي أن حكمهم اليوم وحكم الغز واحد لما قد ظهر من الخلف المشهور على أعيان الخلق بالدار السلطانية بصنعاء وكتب المناشيد وكتاب الأمير شمس الدين الذي كتبه إلى السلطان عمرو بن علي الذي يقول فيه:
إذا أيقضتك صعاب الأمور
فتى لا ينام على دمنة ... فنبه لها عمراً ثم نم
ولا يشرب الماء إلا بدم
ثم قال فيه: ياعمراه ياعمراه ياعمراه، مستغيثاً علينا إلى حيث انتهى إلى قوله:
رقدت وطاب النوم لي وكفيتني ... وكل فتى يكفى الهموم ينام
هذا وأشباهه، وأقل من هذا يوجب الموالاة.
هذا معنى ماذكره إن لم يكن اللفظ، ثم صعد المنبر ثانياً وتحدث مع الناس ونبه على مقصوده بقيامه وأنه لم يقم رغبة في الدنيا ولا محبة للملك فإنه ضد راحة الدنيا، ثم أعلن بالشكا مما فعله الأمراء في المسلمين لما أيقنوا أنه قد شب [51ب-أ]في بلاد الغز وتكلم بكلام طويل، ثم كان في آخر كلامه ما هذا لفظه ومعناه: وأنا أعلمكم أن هؤلاء القوم قد صار حكمهم حكم الغز بمولاتهم ومخالفتهم والاستنصار بهم على إمام المسلمين وتكثير سوادهم، وشد أعضادهم، فاشهدوا أني قد نقضت ما بيني وبينهم، ونبذت كل عهد وعقد وذمة بيني وبينهم، وأنا أستنصر الله عليهم وأدعو جميع المسلمين إلى جهادهم وحربهم حيثما كانوا حتى يرجعون إلى الحق ويخرجوا مما فعلوه في المسلمين، فأجابه رؤساء الشرق والغرب بالسمع بالطاعه وقالوا: نحن خدمك وحيث تحب أموالنا وأرواحنا بين يديك، فشكر صنيعهم ودعاء لهم وأخذ من ساعته في أهبة الحرب، وتفرق الناس عن الجمعة بهذا، وبلغ إلى الأمراء ومن يقول بقولهم فتكلموا بأكاليم قبيحة ساخرين ولم يرفعوا بوعيده رأساً، ثم عمدوا إلى أولياء الإمام من قدروا عليه بالشدة الشديدة، ولم يلبث أمير المؤمنين عليه السلام أن جهزا الأمراء الشرفاء الأجلاء الأمير صلاح الدين الحسين بن القاسم بن محمد الحمزي ومن كان معه من أولاده وبني عمه إلى ذيبين وأسر إليهم بلزم ذروة وعمارتها ومحاربة الأمراء بني حمزة من سرة بلادهم وحمل معهم مالاً كثيراً من الدراهم الملكية والدنانير الذهب والكساء الحرير، وقد كان القاضي الأجل نجم الدين يحيى بن عطية بن أبي النجم وصل من مكة وأرض الحجاز بأموال جليلة من البر والنذور والزكوات وغيرها فأنفقها أمير المؤمنين في تلك الأيام بين المسلمين.
قصة لزوم الأمراء بني حمزة لجبل ذروة
لما شاور أمير المؤمنين الشرفاء والأمراء على ذلك وحضر المشورة غيرهم قيل أن ذلك أسر إلى جواسيس الأمراء بني حمزة هنالك وقيل: بل حدسوا ذلك وظنوه لما قد سمعوا من ألسنة الناس أن الأمير يريد عمارتها، فأسروا للمشائخ موسى بن علي وأصحابه أهل يناعة، فلما صاروا عندهم أسروا عليهم بذلك فساعد بعضهم وكره بعض في نفسه فسروا ليلتهم تلك طريق الظاهر حتى أتو على الشظبة، ثم طلبوا إلى رأس القصر الخراب من عمارة الصليحي وهذا الجبل أحاطت ذروته فوق الفرسخ وعرشه مقدار خمس علوات وهم في غاية الرعب والخوف، فلما علم بهم أهل البلاد اغتموا لذلك وظنوا أن ذلك يكسر همة أمير المؤمنين عن الإقبال إلى البلاد، وبلغ العلم إلى الإمام عليه السلام فاغتم لذلك وقال: نحن نرجو أنه لا يثني عزمنا أعظم من هذا إن شاء الله تعالى أو معناه ما ذكر عليه السلام، وكان لزوم ذروة والأمير شمس الدين في صعدة، فلما بلغ اليه العلم أمرهم بقوة ذروة وشحنتها وإدخال الرجال الأجواد اليها، ثم إن أهل البلاد خضعوا لذلك، فلما مضى عيد رمضان من السنة المذكورة أقام أمير المؤمنين إلى أيام خلت من شهر شوال من السنة تلك ثم نهض من ثلاء قاصداً الجنات.
قصة أخذ الجنات
[52أ-أ] فنهض عليه السلام في العساكر الموفرة حتى أشرف على موضع يسمى أرهق، وهبط العسكر إلى البون فكان بين الناس قتال، وعاد العسكر وعند ذلك خرج الأمير الكبير علي بن موسى بن الإمام المنصور بالله عليه السلام ومن كان معه من أخدامه، فنهض الإمام بنفسه في اليوم الثاني، فاستولى على الجنات وعفى عمن قد كان أبدى صفحته من العساكر؛ لكونهم مكرهين، وأقام أياماً قرائب، ثم نهض قاصداً للظاهر، فطلع العسكر من طريق المضلعة من بلاد عيال يزيد من بني صاع، ثم تقدم حتى حط في موضع يسمى بيت بوث في طريق الظاهر وأقبلت إليه القبائل حتى اجتمع من الناس خلق عظيم.
ولما علم الأمراء بنو حمزة بذلك تدابروا وساقوا أهل البلاد من بني زهير وغيرهم وقبائل المشرق وقبائل ذيبان وقبائل سفيان ومرهبة وبني صريم حتى اجتمع معهم عسكر عظيم واجتمع معهم من الخيل قريباً من المائة الفارس فنهضوا حتى حطوا في موضع يسمى خمر من الظاهر الأعلى وقد كانوا أحدثوا فيه عمارة في قصر الجاهلي، فلما اجتمع الناس تقدم الأمير عز الدين محمد بن الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام وتكلم مع القبائل ونال من الإمام وطعن عليه وإقذاع بما لا يحتمل الكتاب ذكره فيما بلغ، فلما أتم كلامه أجاب من كبار الناس من أجاب بكلام خلاف ما يسرون من محبة الإمام والقبائل معه، ثم تقدم الأمراء الحمزيون بعساكرهم حتى حطوا بيشيع واضطربت الناس وهموا بهم، فلما أحسوا بذلك أسروا إلى الأمير الكبيرشجاع الدين يحيى بن الحسن بن حمزة في خطاب بينهم وبين الإمام لينقلبوا على مجمله، فأقبل إلى الإمام وكان في تلك المدة مظهر أنه من جنبة الإمام، فلما أقبل إلى الإمام وطلب الصلح ولح فيه فلم يكد الإمام عليه السلام يساعد إلى شيء من ذلك، فوصل إلى بني عمه وشاورهم وكرر الخطاب ولم يبرح بالإمام حتى ساعده على الشروط:
منها: أن الصلح على الظاهر دون بلاد حمير والأمراء آل يحيى بن حمزة وأشياء ذكرها من رهن ولده في تمام ذلك، وقد كان الأمير فخر الدين عبدالله بن يحيى بن حمزة استدعى بعساكر الغز من كوكبان وحلب وغيرهما من حصون الغز وجمع عساكره من المفردة حتى اجتمع معه ما بين الألف المقاتل والتسعمائة فيما روي من الجيادين المسنة والرماة بالقوس العربية وسار حتى حط في قارن يريد استئصال شأفة أنصار أمير المؤمنين عليه السلام وخراب قراهم وأموالهم فاستغاثوا بالإمام عليه السلام وأعلموه أنه قد اجتمع في هذه العساكر من الباطنية والقرامطة ومولدة الأعاجم ومن لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، فاغتم أمير المؤمنين لذلك وتجرد لجهادهم ومناجزتهم قاصداً بذلك وجه الله تعالى.
قصة وقعة قارن وماكان فيها من الفتح العظيم والظفر الجسيم
ثم إن الأمراء الحمزيين نهضوا [52ب-أ] قاصدين ظفار فتفرق عنهم أهل البلاد وقد عرفوا ما هم يسرون ويرمون من حرب الإمام وأجمع أكثرهم على لقاء الإمام عند إقباله إلى الظاهر، فجعل الأمراء طريقهم إلى ذروة لتقوى قلوب الناس ويشتد القوم المرتبين فيها.
رجع الحديث
ثم نهض الإمام عليه السلام فحط في موضع يسمى الأبرق ونهض منه إلى موضع يسمى أهل عامر وقد أمر عيوناً تبصر القوم، وأسر لي من نثق به من أهل البلاد أنه قاصد للقوم، فلما حط العسكر في أهل عامر في آخر النهار يوري للناس أنه مقيم هنالك، فلما مضى وهن في الليل أمر بالنهوض بعد أن قدم عسكراً من أهل البلاد وغيرهم يرصدون القوم في موضع يماني قارن والقوم بأجمعهم في قرية قارن والدروب التي في جوانبها لا يخطر لأكثرهم ببال أن أمير المؤمنين يغزوهم لما هم عليه من الكثرة والنجدة.
رجع الحديث
فسار أمير المؤمنين بالعسكر المنصور باقي ليلتهم حتى كاد أن يطلع الفجر وهم في موضع يسمى رزم قارن مستعلياً لقرية قارن ودروبها في مقدار نصف ميل، فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بالقيام وصادف طلوع الفجر فتيمم أمير المؤمنين ومن معه من المسلمين لعدم الماء في تلك الحال وتقدم عليه السلام فصلى بهم صلاة الفجر.
أخبرني أمير المؤمنين أنه افتتح بقراءة الفاتحة ثم قرأ سورة {إذا جاء نصر الله والفتح}، قال: ولم يكن خطر ببالي قراءتها حتى جرت على لساني فعلمت أن الله تعالى سيفتح علينا بنصر قريب، فلما فرغ من الصلاة تحدث مع المسلمين ووعظهم وحثهم على جهاد القوم فإنهم قد صاروا كفار إما بالاعتقاد وإما بالموالاة؛ لكونهم بين قرمطي ملحد، وجبري مفسد، وموالي لأعداء الله تعالى وللمسلمين يروم إطفاء نور الله واهتضام أوليائه واستئصال شأفتهم.
قال أمير المؤمنين: ثم إن العسكر اطلع على القوم وهم في غفلة فمنهم من يزمر، ومنهم من يصفق ويلعب فحجزت بينهم سحابة قد انبسطت على الأرض، فصرخ الصارخ، وسمع القوم الطبول والحرانيات والآلات، فاجتمعوا إلى درب حصين على نشر لرجل من أهل قارن يقال له: مسعود بن أحمد، فاحتار فيه الأمير الكبير عبدالله بن يحيى بن حمزة بن سليمان في طائفة من العسكر ولم يكن معه إلا فرسه ودون العشر من الخيل وكانت الخيل مع الإمام فيما ذكر نيف وعشرون فرساً والرجل المقابلة دون رجل القوم، فارتفعت السحابة وقد تقارب العسكران، فحمل القوم بأجمعهم على عسكر الإمام فردوهم قليلاً، ثم حمل عليهم عسكر الإمام حملتان وأبلى ذلك اليوم الشيخ الكبير نجم الدين قاسم بن منصور بن محمد الضريوة وحمل في الخيل فطعن رجلاً منهم وولى القوم بأجمعهم نحو الدار التي قد تحصنوا فيها وبعضهم في القرية، فأحاط بهم العسكر إحاطة الهالة بالقمر بعد أن قتل منهم جماعة في خلال الهزيمة، ورمي الشريف الأمير علي بن علي من آل يحيى بن حمزة بن أبي هاشم وكان من جملة [53أ-أ] المقدمين مع القوم فأدخل الدار ومات من ساعته، وبلغ إلى البلاد الحميرية وما يصاقبها من البلاد أن الإمام قد أوقع بعساكر الغز ومن معهم في قارن فتبادر الناس في أسرع ما يكون، فلم يمضِ من النهار إلا القليل حتى اجتمع من الخلق ما لا يكاد أن يضبطه العدد، واستمر القتال والزحف على الدار حتى أرهق القوم الجراحات وأضرمت عليهم النار والدخان، وثقبت عليهم الدار ثقوباً فكان الواحد منهم يرمي بنفسه طامعاً في النجاة نحو عسكر الإمام فيختطف الأول سلاحه والثاني ثيابه والذي بعده يقتله، ثم إن الأمير فخر الدين عبدالله بن يحيى بن حمزة أهاب ببردة وطلب الخروج على حكم الإمام إلى ذلك وأمر بإخراجه، فأقام في مركز الإمام وهو ينتظر إلى عسكره ومن معه يقتلون ويؤسرون لا يطمع لأحد منهم بنجاة فلم يرفع منهم السيف حتى مضى وقت العصر وعند
ذلك أمر أمير المؤمنين عليه السلام برفع السيف حتى يقضي الصلاة وينظر في الأمر والقوم في أشد ما يكون يدعون ويستجيرون ويعدون من أنفسهم بالتوبة، فلم ير أمير المؤمنين إلا رفع السيف عنهم والخروج بعد ذلك على حكمه إلا على جماعة استثناهم، فاستأسر القوم بأجمعهم إلا القليل: {وكان يوماً على الكافرين عسيرا}(1).
أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنه أخبره ثقة من الناس أنه عد القتلى فكانوا ثلاثمائة رجل قتيلاً، ونيف وثمانين قتيلاً، هذا في قرية قارن وفي هذا الدرب وما قاربهما دون من حمل بنفسه جريحاً فمات في الشعاب والرحاب، فأما الأسرى فخلق كثير منهم من منّ عليه، ومنهم من اشترى نفسه، فأمر أمير المؤمنين بالأمير عبد الله بن يحيى سيراً إلى حصن عزان وغنم الناس أسورة الفضة ومطارف الحرير والسلاح والخيل والدواب وغير ذلك مما لا يمكن حصره، وسار ذكر هذه الوقعة في الآفاق وعظم بها شأن أمير المؤمنين، وعز الإسلام، وارتفعت رؤوس القبائل من حاشد وبكيل ممن كان مقهوراً، ونهض أمير المؤمنين بعد ذ لك فحط في حلملم.
قصة إقامته عليه السلام في حلملم بعد وقعة قارن
قال الراوي: ولما جرى هذا الفتح الجليل والنصر العظيم أقبل إلى أمير المؤمنين قبائل العرب من مسور وبلاد حمير والأعذار وبلاد بني عشيب وبلاد الأجبار من شظب وتلك النواحي، وبلاد قدم وبني شاور وتلك النواحي سامعين لأمره ممتثلين لرسمه مهنئين له بهذا الفتح العظيم، فأحسن عليه السلام إكرامهم ودعا لهم وأمرهم بما أراد من الاستعداد للجهاد وبذل النفوس والأموال، وكان الناس يأتوه أفواجاً فيصدرون عنه بوجوه مستبشرة وقلوب مسرورة كل طائفة تظن أنها فازت من الإكرام بما لم يفز به غيرها.
رجع الحديث
قال السيد [53ب-أ] شرف الدين يحيى بن القاسم رضى الله عنه: كنت يوم الوقعة في جهة ذيبين، فلما بلغ العلم بما كان من وقعة قارن اغتم الأمراء أهل ظفار لذلك تحققوا أن الإمام غير متأخر من الظاهر، ثم إني بادرت بالوصول إلى بين يدي مولانا إلى حلملم لامتثال أمره فأمرني بالنهوض في عسكر إلى حجة لقبض حصني من حصون المشائخ الأجلاء بني حجاج وهما القلعتان بين الظفير والحربون سلمهما الشيخان الأجلان الكبيران إبراهيم وعلي ابني مسعود بن حجاج إلي قبضتهما واستخلفت فيهما خداماً للإمام، ثم أمرني بالتقدم إلى جهة مبين لاستنفار أهل مبين فامتثلت أمره وطالعت المشائخ بني نظير فأقبلوا إلي ولم نلبث أن نهضنا إلى بين يدي أمير المؤمنين إلى حلملم، فلما وصل المشائخ المذكورون سلموا على أمير المؤمنين وسلموا إليه شيئاً من البر والنذور والمعونة للجهاد من الدراهم والمطارف الحرير وغير ذلك فشكر أمير المؤمنين صنيعهم ودعا لهم، وبلغ العلم إلى أمير المؤمنين بما كان من الأمراء الحمزيين من نزول الجوف وأسر الأمير الكبير حمزة بن سليمان بن موسى، فأزمع على النهوض.
قصة نهوض الإمام عليه السلام إلى الظاهر
قال الراوي: لما مضى من وقعة قارن اثنان وعشرون نهاراً نهض أمير المؤمنين في العساكر المحشودة وذلك يوم الأربعاء، فنشرت الرايات وحركت النقارات والطبول، وسار الناس في أحسن هيئة وأجمل سمت، فأمسى الناس ذلك اليوم بقرية الهجر وتلك النواحي، ونهض من الغد فأمسى في موضع يسمى الأبرق محل قوم من صنبار حصين على رأس الجبل فوق بيت سهير المعروف، فلما بلغ العلم إلى ظفار أوقدوا ناراً في رأس ذروة أمارة للأمراء بالجوف يشعرونهم بإقبال الإمام إلى الظاهر.
ثم نهض عليه السلام يوم الجمعة لليال خلون من شهر ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة فحط في درب شنع، ثم أقبل اليه قبائل بني صريم ونواحي الظاهر.