فلما وصل الأميران بلادهم وسار في الناس سيرة محمودة واشتدت هيبتهما في تلك النواحي ثم لم يبرحا يدبران الأمر حتى جمعا بين مذحج بأسرهم وقطع عنهم علايق السلطان، وأخذا عليهم بالمواثيق[45أ-أ]، وقبضا البيعة لأمير المؤمنين من الشيخ علي بن سعد ومن الشيخ جبر بن صبرة، وبلغ العلم إلى أمير المؤمنين باجتماع مذحج ودخول الشيخ علي بن سعد والشيخ جبر بن صبرة في الإمامة فكان ذلك من أعظم السرور على أمير المؤمنين وأمر بالبشارات في الآفاق، وأيقن أن اليمن الأسفل مأخوذ وأن السلطان ينقطع ما في يديه، وأثنى على الأميرين المذكورين ومن معهما كثيراً، وشكر سعيهم، وعظم ذكرهم، فلما علم السلطان بما كان من اجتماع مذحج عميت عليه الأنباء وتقطعت الخيل وبقي بين أمرين: إن ينزل اليمن الأسفل أخذت صنعاء وذمار ونواحيها، وإن يقف في صنعاء ونواحيها أخذ اليمن الأسفل فنفذ مقدماً من أمرائه إلى جهة ذمار بأموال لعله يفسد قلوب الناس فلم تلتفت عليه ولم يطل أن نهض السلطان من البلاد الشهابية إلى صنعاء وكان قبل نهوضه بأيام قرائب ما نذكره من وقعة كوكبان، وفرح بذلك وجعله محملة عند أهل اليمن وأظهر أنه قد ظفر من الإمام بغرض وأسر النجاة بنفسه وبمن بقي من عسكره.
وحدثني من أثق به أنه أحصي ديوان العطاء بعد قفول السلطان إلى صنعاء من حرب الإمام ثمانمائة نفس الذين هلكوا قتلاً إلا النادر الشاذ والله أعلم؛ لأنه قتل في حضور وحوشان وغيرهما في بلاد بني شهاب وساير البلاد التي وقع فيها الحرب؛ لأن الحرب شملت المغرب والمشرق وسائر جهات الغز.
وقعة كوكبان

وكان من حديث ذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر من دخل كوكبان في الليل وعرف موضع في جبله يطلع منها بالسرات والآلآت المعروفة لأحد الحصون، فلما طلعه من يثق به أمير المومنين مراراً وطمعوا فيه، فقال عليه السلام: لعل الله أن يفتح به فيجعله هجرة للإسلام، ويفت به عضد هذا السلطان؛ إذ هو حصن عظيم في اليمن مشهور، وبالمنعة معروف مذكور، فأمر عليه السلام بالآلآت من أرشية وغيرها، فجمعت وأعدت.
تفصيل القصه في ذلك

قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: كنت في ناحية المغرب قافلاً من الحركة إلى الجهات المخلافية لحوادث بلغت أمير المؤمنين من الأمراء أولاد يحيى بن حمزة وما هم بصدده وما يهمون به من الفتك بحصن الموقر، فلما انحسمت مادة الفساد منهم وعدت إلى موضع ما بين قطيب ومسور بلغني بريد أمير المؤمنين عليه السلام من ثلاء المحروس يستنهض فيمن معي ويأمرني بالتماس قوم من أهل مسور وغيرهم من أجواد الناس أهل الشدة والبأس ممن له عادة بأخذ الحصون واستراقها والفتك بها، وفعلت ما أمر به، ونهضت في قوم ممن أشار إليه وهم قريب من مائتي [45ب-أ] رجل، فيهم جماعة من السلاطين الأجلاء الحسام بن صعصعة وبعض إخوته وبني عمه ومن ينضاف إليهم، ومن المشائخ بني حجاج بن منصور بن إبراهيم، فلما وصلنا إلى مدينة ثلاء استقبلنا أمير المؤمنين عليه السلام بما هو أهله من الإنصاف ولم ألبث أن خلى بي وأعلمني القصة وما قد عزم عليه وأبرمه من أخذ كوكبان، وفيما أحسب أن القوم الذين صوروا له صورة الدخول لم يصدقوه الخبر أو جهلوا ذلك، فعرضت له تعريض محذر له من الإصغاء إلى من لا يؤمن مخادعته وقلة صدقه فلم أره ملتفتاً لما أردت بل سمع بوادر من لم ينصحه، فلما كان من الغد من وصولنا خرج أمير المؤمنين عشية وأمر باجتماع الناس، فانتقى من أجوادهم وشجعانهم وكبارهم عسكراً فيما أحسب أنه فوق الثلاثمائة وجهز عسكراً آخر قريباً من ذلك ليأتوا من نهج باب الظلع والأولون يأتون من الموضع الذي صور له عليه السلام وهو ما بين الحديدة والركن المطل على مدينة شبام وهو من أصعب موضع في الجبل ولم يعد سراً إلا عليَّ وجماعة مخصوصين من المقدمين وذلك عند غروب الشمس من يوم فرغ فهبطنا من مدينة ثلاء منتهجين طريق الحشب يروي الناس ذلك، وسرنا إلى أن دخل الليل فتراكم السحاب واشتدت غياهب الظلام حتى أن الواحد منا لا يكاد يعرف صاحبه الذي بجنبه إلا بصوته، وكان في مقدمة العسكر من أهل ثلاء

الشيخ المكين علي بن سليمان بن سري، فلما بلغنا إلى فوق الشعب قريباً من الأودوع أعلمت العسكر وأمرتهم بتقوى الله سبحانه وإخلاص النية وخص المقصود والصبر في سبيل الله تعالى فاضطربت خواطرهم من ذلك، فتقدم الناس على رسلهم، فلما بلغو منهلاً هناك توارده الناس الأول فالأول وهم يصدرون عنه أرسالاً، فمر أهل ثلاء ومن ينضاف إليهم من البلاد الحميرية عن يمينهم في طريقهم وهبطت ومن معي من المتأخرين من الشعب ظناً منا أن الطريق واحدة ولا علم لنا بمرورهم هناك، فلما بلغنا قعر الشعب انقطع عنا حسهم ولم ندر أين توجهوا وقلت في نفسي: الموضع المقصود يعرفه المقدمون على العسكر وإن تفرقت الطريق فهو يجمعنا فلن نعرج عليهم، وسرنا على غير طريق مسرعين حتى بلغنا قريباً من ركن الجديدة في كوكبان وهو الموضع الذي يصعد منه، فلما بلغنا هنالك لم نسمع لهم حساً، فأمرت السلطان الأجل عصان بن صعصة في جماعة من أصحابه بعد أن أعلمتهم هناك القضية فصعدو في الجبل حتى بلغو إلى موضع لا يمكنهم صعوده فعادوا وحكوا أنهم ما وجدوا أثرا ولا سمعوا حساً فعند ذلك ظننا أن عائقاً عاقهم فوقفنا ننتظرهم في ذلك الموضع إلى أن مضى أكثر الليل وانتقلنا من موضعنا ذلك إلى موضع [46أ-أ] آخر وقد غلب على الظن رجوعهم، وكانوا لما أبطأنا عنهم ظنوا بنا مثل ذلك فساروا طريقاً آخر وبلغوا الجبل آخر ليلتهم ومعهم الأرشية والآلآت المعدة لذلك، فلما وصلوا إلى الموضع الذي يعرفه الدليل صعب على أكثر العسكر طلوعه واضطربوا اضطراباً شديداً وأيقنوا بالهلاك، فلم يصعد منهم إلا القليل الذي لا يمكن مثلهم أخذ الحصن مع سعته وقوة من فيه وهو حصن واسع لعل طوله قريباً من ميل.

أخبرني من أثق به أن القوم الذين استقلوا رأس حصن كوكبان وهو طرفه المقابل للعروس نيف وثلاثون رجلاً وذلك قبل طلوع الشمس للقدر الذي أمكنهم التيمم والباقون من العسكر في موضع صعب تحتهم الحيد وفوقهم الحيد فرآهم حرس الحصن وهتفوا بهم بالصوت ووقعت الواعية العظيمة، واكتشف أهل الحصن كشيفة ظاهرة وظنوا أنهم أحيط بهم، فلما رأوا أن الذين استقلوا معهم الحصن نفر قليل قصدوهم، وكان فيهم فارسان، فلما دنوا منهم حملوا عليهم وقاتل المسلمون قتالاً عظيماً فصرع فيهم جماعة علي بن سلمة الصنعاني وكثر الغز ومن معهم فانحاز المسلمون إلى طرف الحصن ظناً منهم أن أصحابهم الذين تأخروا منهم قد صعدوا إليهم، فلما رآهم المتأخرون منهزمين وهم في ذلك الموضع الوعر انهزموا من حيث هم ورمى كل بنفسه وطار أكثرهم الحيد فقليل من سلم ممن رمى بنفسه.

قال الراوي: فلما سمع أمير المؤمنين الواعية في الحصن وقد كان متأهباً في الخيل وباقي العسكر في قاع شبام من تحت الليل لوقت البادي ظن المسلمون قد ظفروا بالحصن فأغار فيمن معه مسرعاً نحوالجديدة، فلما بلغ إلى هنالك لقيه أول العسكر منهزماً فوقف أميرالمؤمنين ومن معه هنالك لعل يستنقذوا أولئك الذين في الحيد، فهبط إليه من أمكنه النزول والباقون في سفح الجبل في موضع وعر ما بين مقتول ومثخن بالجراحات لا يمكنه حراكاً، فلما رأى ذلك أمير المؤمنين بلغ عنده مبلغاً عظيماً وعادوا إلى الهضب قريباً من مدينة شبام، فوقف هنالك وهو يستقبل الناس بالوعظ والتذكير والاحتساب لمن مضى في سبيل الله حتى استكمل أهل الغزوة وعادوا إلى مدينة ثلاء، فلما استقل في موضع هنالك وقد اجتمع الناس حوله برز في وسط الحلقة وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووعظ الناس وذكرهم وعزاهم فيمن مضى من المسلمين في سبيل الله وأمرهم بالتأسي بمن مضى من الأنبياء عليهم السلام وأئمة الهدى ومن بعدهم من الصالحين رضوان الله عليهم، فاستشفى الناس بكلامه وهان عليهم الأمر وكثر المرجفون في عدد القتلى، وارتفعت رؤوس المعاندين، والذي صح عندنا في عدد القتلى أنهم ثمانون أو يزيدون قليلاً أو ينقصون.
وروي لنا أن قوماً من أهل حصن [46ب-أ] كوكبان قتلوا في ذلك اليوم فقطعت رؤوسهم وزادوها في روؤس المسلمين ولم يمكن تعيينهم لكونهم من بلاد متباينة ومن المشهورين فيهم الشريف الفاضل المجاهد القاسم بن عبدالله بن حاتم العباسي العلوي، ومن كبار العرب السلطان عضبان بن أسعد بن محمد بن حسين من مسور في جماعة من أصحابه، وجماعة من بني وهيب، ومن قبائل الظاهر جماعة من أهل الصيد من بني عرير وغيرهم .

قال الراوي: من أعجب الأشياء في تعجيل النصر لأمير المؤمنين عليه السلام أنه وصل في ذلك اليوم برؤوس قوم من خدم الغز قتلوا في منابر وأسارى قريب من العشرين فاستقبلهم الناس واستروا بذلك عقيب الوقعة وحمدوا الله تعالى على تعجيل الانتصار، فلما أتي بالأسارى إلى أمير المؤمنين جأروا إلى الله وتضرعوا بأمير المؤمنين وعند الناس أن أمير المؤمنين لا يصفح عنهم لأجل من أصيب في ذلك اليوم فعند ذلك أمرهم أمير المؤمنين بالتوبة وأن لا يعودوا إلى شيء مما كانوا عليه فتابوا فصفح عنهم وأمر بإطلاقهم فعجب الحاضرون من ذلك.
ومما قيل في ذلك من الأشعار قول الفقيه العالم محمد بن منيع النميري البغدادي:
إلى ما التمادي والأسى والتوجع
فإن يك من أجل الغزاة الذي مضوا
فإنهم نالوا الشهادة وارتقوا
يروح عليهم بالنعيم ويغتدي
ويكسون فيها من حرير معجد
ومن يك هذا حاله فلم الأسى
وإن يك حزناً أن أيدي عداتهم
فيوم حضور قد فللنا عروبهم
وطارت بنا الجرد العناجيح نحوهم
بكل شديد الخيزوانة حاسر
فلم يورد البيض الصوارم منهم
ولم يرد منهم غير كل ضبارم
إلى أن ثنت سمر الرماح دمائهم
فإن يك منهم قد أصبنا بموجع
فصبراً على هذا المصاب وسلوة
إذا كان ما نبكي أسا غير أحمد
رضينا به مستخلفاً لم يسر بنا
يلوح الهدى والملك من عزماته
وتبتسم الأيام في ظل ملكه
إمام الهدى يا خير من وطئ الحصى
ويا نبوي العزم والحزم والسطى
إذا كان عذر الدهر أنك سالم
بك اكتست الدنيا ملابس زينة
وعندك راق العيش بعد أخونه
... وحتى متى أفراطنا في التوجع
إلى حيث يمضي كل عاص وطيع
ذرى طود عز في الجنان ممنع
أوانس حور في مصيف ومربع
ويسقون من صافي الرحيق المشعشع
عليه وسح الدمع من كل مدمع
أصابتهم في كوكبان بموجع
بحرب أشابت مفرقي كل مرضع
سراعاً كأسراب القطا المتسروع
يقنع بالهندي رأس المقنع
سوى مالئات الكمي السميدع
أخا ثقة شثن البراثن أدرع
كأن أعاليها خضبن بأبدع

فكم قد أصيبوا من يدينا بموجع
بهذا الإمام الناسك المتورع
رجعنا إلى أحلام أكرم مرجع
على غير منهاج من الرشد مهيع
بأمضى من البتر المواضع أقطع
إلى أهلها عن خير مرأى ومسمع[47أ-أ]
ولبى سريعاً داعي الحق إذ دعي
وقوم السرايا يوم داعي التترع
فأكرم به عذراً إلينا وأوسع
وعادت كعابا ذات عشر وأربع
فلا يظفر التكدير منه لمشرع
قال الراوي: ولما أصيب من تقدم ذكره من المجاهدين في كوكبان وكان سلطان اليمن عمر بن علي بن رسول في بلاد بني شهاب مشغولاً بخراب قراها ورعي زرائعها فنال من البلاد وعاد قافلاً إلى صنعاء اليمن دخل في قلوب الأمراء عماد الدين يحيى بن حمزة وولديه أن أمير المؤمنين قد تضعضع وضعف شأنه وأنهم إذا اجتمعوا هم والسلطان استأصلوا شأفة أمير المؤمنين عليه السلام فأجمعوا على تقدم أحدهم إلى السلطان عمر، فتقدم الأمير أحمد بن يحيى بن حمزة إلى حصن ذمرمر فوهن فيه السلطان عمر لولده إلى السلاطين آل حاتم فحلف الأمير شمس الدين أحمد بن يحيى بن حمزة لا استوثق من السلطان رهينة في نفسه لثقة بعضهم ببعض وتعاضدهم على أمير المؤمنين فلقيه السلطان بالتبجيل والتعظيم وأنزله في أحسن منزل، ووقف الأمير أحمد بن يحيى أياماً ينقل إليه التحف والظرف وهو في خلال ذلك في جد واجتهاد وتدبير دقيق بينه وبين السلطان في استئصال شأفة أمير المؤمنين عليه السلام، فانتهى أمرهم أن السلطان عمر سلم للأمير أحمد بن يحيى بن حمزة حصن بكر وهو من أعجب القلاع في اليمن وأحرزها وهو الذي حط عليه الملك المسعود يوسف بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب مصر في سنة ثمان عشرة وستمائة دون السنة وأنفق عليه أموالاً جليلة قيل: تسعمائة ألف دينار، وصار إلى هذا السلطان لما استولى على اليمن.
رجع الحديث إلى صورة تسليمه

لما اقترح الأمير أحمد بن يحيى تسليم بكر على السلطان عمر في صحة الموالاة والمعاضدة والمناصرة والاجتماع على حرب أمير المؤمنين عليه السلام فأجابه السلطان على لسان بعض خدامه أن بكر هو الدرة المكنونة في قلبي فإن كان لا بد من تسليمه دخلو في ما أحب فقرن تسليمه بشروط.
منها: أنه أخرج نسخة يمين نسخت في ست ورق موصولة كان حلف بعض الملوك غيره على أمر من الأمور يضمن الأيمان الغليظة والعهود الوثيقة والنذور الكثيرة والتبري من الحول والقوة على الموالاة الصحيحة والمعاضدة واجتماع الكلمة على حرب الشريف أحمد بن الحسين بهذا اللفظ بالتصغير فحلف الأمير أحمد بن يحيى على ذلك والمحلف له أحمد بن يحيى بن عبدالله بن سليمان بن الأديب فيما يروى.
الشرط الثاني: أن أعطى السلطان راية من أعلامه وأعطاه السلطان كذلك.
الشرط الثالث: أن أحصر كبار العرب والعجم في[47ب-أ] الإيوان المشهور بالدار السلطانية، ونشرت الأعلام وشهد الشهود على ذلك، وكتبت المربعة وهي عبارة عن كتاب منشور بذلك، وأمر للأمير أحمد بن يحيى بن حمزة بتسليم بكر وظهر لجميع الناس ذلك، وأمير المؤمنين في خلال ذلك يتابع الكتب إلى الأمير عماد الدين ويعظه ويخبره بما قد عرفه من أمورهم، فلما رجع الأمير شمس الدين أحمد بن يحيى من صنعاء وتسلم حصن بكر، وخرج من كان فيه إلى كوكبان وحلب واستخدم جماعة من الجياد المسنة الذين كانوا فيه وظهر من القوم الكلام الشنيع والتهدد والوعيد والأذية لأمير المؤمنين، فلما أيس أمير المؤمنين من رجوعهم إليه وعلم أن قد خدعوا عزم التجرد بنفسه في حربهم، فقدم إلى الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة كتاباً بليغاً من محاسن الكتب وأفصحها يتضمن ضروباً من الوعظ وتحقيقاً لعظيم ما ارتكبه الأميران ولداه فلم يعد له جواباً يشفي ولا بيّن عذراً في ذلك ولا وجهاً مخلصاً عند الله سبحانه وتعالى وهذا موضع نسخته.

قال الراوي: فلما بلغ إليهم الكتاب لم يرفعووا به رأساً واستمروا على ما قد تعاقدوا عليه ووعدهم السلطان بالمدد بالمال والرجال وغرضه المقاطعة فيما بينهم وبين الإمام عليه السلام والرجوع إلى اليمن على مجمله، فأثاروا الحرب وقطعوا الطرقات والمنافع المتصلة بالإمام من الجهات التي يدهم عليها نافذة وأمير المؤمنين في خلال ذلك يعذر إليهم ولا يريد بعدهم، ويتلطف لهم بالقول رغبة في سلامتهم ورجوى أن يعودوا إلى ما عاهدوا عليه، فأما الأمير الكبير عماد الدين أبو المظفر يحيى بن حمزة بن سليمان فكان كلامه جميلاً وجوابه سديداً وأعلن أنه باق على الإمامة ولوازمها إلا أنه قد كان طعن في السن لعله في ذلك الأوان ابن نيف وثمانين سنة. والله أعلم.
وقد كان ذهبت إحدى كريمتيه وضعف جسمه فغلبه ولداه ولم يتركا له سبيلاً، وتابعهما جميع أخدامهم في الحصون وولاتهم، وكان في أيديهم من الحصون العظيمة بكراً، والطويلة، وبراش الباقر، وحصنان آخران، ومدع، والمصنعة، وكحلان، وفي حجة المقطوعة، والجاهلي، وحصنان، وشمسان، والقفل، وظفر، وحراف، ونعمان، وذروان كلها حصون سلطانية كاملة الشحن والعمارة الأكيدة وغير [48أ-أ] ما ذكرت من القلاع، فلما طال الأمر وتمادى القوم في حرب الإمام لم ير أمير المؤمنين أنه يسعه عند الله سبحانه إلا حربهم والاستعانة بمن أمكنه من المسلمين عليهم.

15 / 56
ع
En
A+
A-