امتثالاً لأمر الإمام، ولم يلبث أن حط وفرق عسكر في المراكز المحيطة بالحصن وهم ...... الموقر ثلاث أو أربع، ثم أظهر ما كان مكنوناً مما قد انطوى عليه أمرهم، فلما علم أهل البلاد بهذه الفضيحة والغدر في الإمام أنفوا من ذلك ووقعوا بالقوم وقعة عظيمه فتحيز قاسم بن إبراهيم ومن معه إلى حصن الموقر ويسلموه، وكان الأمير شرف الدين يحيى بن القاسم في حوطة القوم فلم يمكنه عند الوقعة أن يستخلص نفسه فطلع مع القوم وأظهر أنه فتك به وبهم.
فلما كان اليوم الثاني هموا بلزمه فلم يوفقهم الله تعالى ونزل إلى المحطة سالماً وحينئذٍ أمر الناس بالمحطة والصبر وكان العسكر الذي دخل بهم قاسم بن إبراهيم الحصن قريباً من ألف مقاتل وهذا من العجائب، ولعل الذي حصرهم مثل نصفهم أو دون، واشتد الحصر على قاسم بن إبراهيم ومن معه حتى كادوا أن يأكلو الشجر من شدة الجوع، فأقام الحصر نيفاً وعشرين يوماً، وجمع الأميران ابنا يحيى بن حمزة العساكر من بلادهم، ونزل أهل الحصن إلى نهج بحرة في لقائهم ليكفوا المحطة فلم يربحوا وعادوا خاسرين، فقتل من عسكر الأميرين ابني يحيى حمزة جماعة وكسروا كسيرة عظيمة، وسلب من سلاحهم شيء كثير.
ووصل الأمير الكبير بدر الدين محمد بن الحسين بن ناصر بن سليمان من عند الإمام عليه السلام إلى عمه يحيى بن حمزة مخاطباً بينهم وبين الإمام فقال لهم: أما دخلتم فيما يحب الإمام، فأما أنا مستمر على نصرته، فاتفق الأمر بينهم على تسليم الحصن الموقر إلى يد الشيخ الأجل عمرو بن علي الوهيبي والمشايخ بني شاور أهل السود؛ إذ هم أهل الطيب والنقا فيبقى الحصن بأيديهم عدالة إلى أن ينهض السلطان من صنعاء ويكون الحكم للإمام بعد ذلك، فشاروا الإمام على ذلك فلم يرد الإمام عليه السلام إلا مساعدتهم إلى ذلك ليشتغل بحرب العدو، فانصرم الحال على ذلك.
وخرج قاسم بن إبراهيم ومعه حريم عمارة وخدمه مخرجا غير ساير والناس يصيحون عليهم من قنن الجبال وكان ذلك في النصف الآخر من شهر رمضان سنة ست وأربعين وستمائة.
قصة وقعة حضور
وهي من الفتوحات العظيمة، والسبب في ذلك أن سلطان اليمن لما حط في الرحام كي تنفك المحطة على الموقر زعم أنه يأخذ حصن الشيخ سيف الدين منصور بن محمد المسمى بالنواس قهراً بالسيف وقد كان صور له ذلك فأرده الله بكيده فأعمل الحيلة، فلما كان في بعض الأيام جهز عساكره وقواهم بالسلاح والعدة القوية وأمر بخراب قرية حضور وأمر بكمين في شق القرية لمن يأتي من المواد من جهة أمير المؤمنين، وتقدم إلى رأس نقيل كشر بمن معه، فلما بلغ العسكر أخربوا في القرية شيئاً قليلاً، ثم قدم الإمام الكتائب كتيبة بعد كتيبة يقدم في كل واحدة رجلاً من كبار الشرف وأهل البأس والنجدة، فتلازم الناس للقتال إلى قرب من نصف النهار ولحق أعداء الله الفتور والملل ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وحقت الهزيمة فلم تمض ساعة من النهار حتى فرق الله جمعهم وصاروا بين قتيل مضرج بدمه أو شرير مسلوب، فلقد أخبرني من رأى بعض العجايز تقود الخيل وغنم المسلمون من الغنائم الجليلة من الخيل والبغال والسيوف المحلية والملابس المطرزة والدروع والبيض وغير ذلك، واحترز من رؤوس الغز عدة فجعلت على جدرات سور ثلاء المحروس، وقسم أمير المؤمنين الغنيمة بين المسلمين على ما أمر الله، وأخذ لنفسه صفيا حصانا ذهبي اللون من عتاق الخيل، وكانت القتلة قريباً من المائة فيما قيل. والله أعلم.
ووقع في أعداء الله بعد ذلك من الرعب والذلة ما لا يتصور، وكانت الوقعه يوم الأحد لليال خلون من شهر جمادى الأخرى سنة ست وأربعين وستمائة.
ومما قيل فيها من الأشعار قصيدة الشريف الأجل القاسم بن علي القاسمي قوله:
شجا للكاشحين ولا سرورا
علا الإسلام واطردت قناة
وأقبلت الفتوح جيوش حق
وجيشاً قاده المهدي شعثاً
فأوطى في العلوم وحط فيهم
فما ربحت تجارتهم مبيعا
وكانوا كالجبال السود جمعا
وما دمنا لحسن مزدجر
حمى المهدي سرح الدين حتى
وعمري أنها أحيت فخاراٍ ... ونصراً للإمام ول يبورا
وهز لواه وازداد نورا
وجاء النصر يقدمها أميرا
يفل الأسد بأساً والنذورا
سيوف الحق فانهكتوا ستورا
ول اسعدت جدودهم طيورا
فشق الجمع جمعهم الكبيرا
ودارك في العدا حرف مطيرا
تأيد اأرتدى المجد المنيرا
كوجه الشمس أبلج مستطيرا
ومن ذلك قصيدة للشريف الأمير المجاهد شجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم العباسي العلوي وهو ممن أبلى في ذلك اليوم، قوله:
كذا فليكن شيد العلا والمكارم
ومن رام إطفاء الضلالة لم يجد
وبالسمهريات الرقاق لدى الوغى
وكل طويل الباع أروع باسل ... لمن يبتغي ملك الملوك الأكارم
سبيلاً بغير المرهفات الصوارم
وبالأعوجيات الجياد الصلادم
جميل المحيا من ذؤابة هاشم
ومنها:
خليلي إما تسألاني فإنني
ألم تريا ..... الإمام وقد أتت
فلم يك إلا لحظة العين بيننا
فولى جنود الظلم والله ناصر
نسوقهم بالسيف كالشاء ساقها الذئاب
فلم تنجلي الحرب إلا وقد غدت
فكم من قتيل في الفلاة مجدل
وكم من جواد أعوجي مطهم
وفضفاضة مثل الإضاة وبيضة
فآبت جيوش الظالمين بحسرة
وولى ابن يحيى هارباً متحفرا
وقال ألا ياليتي مت قبلها
وليت حضوراًلم أكن حاضراً بها
ويا ليت أن ابن الرسول وملكه ... خبير بأن العز تحت اللهاذم
إليهم جيوش من جنود الأعاجم
وهبت رياح النصر عند التفاقم
ونحن عليهم كالليوث الضراغم
وسوق الصقر زرق الحمائم
جماجم أرحاش عقدت بجماجم
ومستسلم من ماله غير سالم
وأسمر خطي وأبيض صارم
تلوح كما لاحت نجوم النعايم
وأبنا إلى أوطاننا بالغنائم
وقد كان معدوداً لكشف العظائم
ولم يك مالي قسمته في المغانم
وياليتها كانت كأحلام نائم
هباءً ولم يلبس ثياب الهزائم
وأقام السلطان بعد ذلك أياماً في ذلة ورعب وسقط في يديه وخالفت عليه القبائل ووقع الخلاف في اليمن وبلاد مذحج والهان والمغارب، واضطربت أموره فأزمع على النهوض قافلاً إلى صنعاء، وأراد أن يجعل ذلك على وجه فيه بعض هيبة، فنهض إلى حوشان ما بين كوكبان وثلاء.
قصة محطة حوشان وما كان فيهما من الحروب
قال الرواي : فلما استقر في المحطة قامت الحرب بينه وبين الإمام عليه السلام فوقع بينهم وقعات عظيمة قيل: إنها تسع عشرة وقعة، واجتمع من القبائل إلى الإمام ما لا يصدق به إلا من شاهده، وانفتحت له عليه السلام أبواب البركات، أخبرنى عن نفسه أنه أنفق إلى أيام في شهر رمضان المعظم نيفاً وثلثمائة ألف درهم، وفي كل وقعة من هذه الوقعات يكون الظفر للإمام عليه السلام، منها وقعة الأدروع غنم فيها المسلمون خمس عشرة فرساً، فاستشهد من المسلمين عدة منهم الأمير الكبير محمد بن القاسم بن الحسين الحمزي، ومنهم الشريف الحسيب العفيف بن يحيى بن القاسم من بني عم الإمام المهدي وغيرهما من المسلمين رحمهم الله تعالى و رضي الله عنهم.
ومما قيل من الأشعار في ذلك قول الشريف الحسيب الأمير الكبير القاسم بن جعفر القاسمي التي أولها:
طاول بهمتك المريخ بل زحلا
وأصعد بفضلك فوق الشمس مبتدلاً
وساير الشهب في أعلى مسالكها
وامضي العزائم أمثال الصوارم
وشد على كل مجد كان أسسه
واجعل ضبا الهند والسمر الذوابل والـ
فالآن لم يزل التوفيق متسقاً
ولم يزل لك في الأعداء ملحمة
ملأت منهم عيوناً بالخميس وقد
كم وقعة لم تدع درعاُ ولا فرساً
طلت بها الطير تهدي للفراخ إلى
أبحت للسمر ما يحوي جناجنهم
ولم يزل لك فيهم صارم شرف
أطفأت من عمر السلطان جمرته
واستوضح الحق لكن قد تكنفه
وأنت عما قليل سوف تتركه
وتطمس الكفر في شام وفي يمن
يعلي بها الله رايات الهدى كرما
وينصر الله نصراً عاجلاً فإذا
لأنه رام فيما رام مقتدراً
وحدثته الأماني وهي كاذبة
وخاب عن كل ما قد كان رام له
وكان حوشان أقصى ما بلغن به
فيا أخا الجود والعليا ومن خضعت
وعالماً سيداً في جيله علم
يا كاشفاً طحنات الظلم عن مقل
وقامعاً بسيوف الحق من تركت
وناعش الدين والأعلام طامسة
يا بن النبي ويا سبط الحسين ومن
ليهنك اليوم ما أعطيت من ظفر
قاد الجيوش وقاد الخيل ساهمة
واستعمل البذل في أمواله ثقة
فعاد عما رجاه رجاه خائباً
قد أوثقته إشارات تأملها
فأصبح اليوم لايهوى المقام ولا
قد أعدم الرأي بعد الورد في صدر
فاغلظ عليه ولا تخفض له أبداً
واجلب عليه رجالاً لا تروعهم
وناد في كل بيت من بني حسن
بكل أرعن محر قد بعثت له
والسادة الشم من آل الحسين متى
ولبو الصوت في خيل متى شهدوا
ورووا البيض في الهامات وامتنعوا
وسادة من بني العباس قد جعلوا
هم المحامون عن دين الهدى كرماً
وصيد قحطان ناد القوم إن لهم
فمن أتاك ففرض قام فيه ومن
لا تحفلن بمن قد رام منقصة
وظن من جهله أن لم يكن وزراً
وسوف يعلو منار الدين وهو له
لا زلت في اليمن والتوفيق ما سجعت
... واسلك إلى كل طود في العلا سبلا
من الجلال وأثواب البها حللا
ما لم تغب وحالف كلما أفلا
سيد المكارم واشفعها علا فعلا
آباؤك الشم مجداً منك منتحلا
ـجرد الصواهل في نصر الهدى حولا
والنصر واليمن في ناديك متصلا
تهدى إليك رؤوس القوم والنعلا
ملأت منهم قلوب قبلها وجلا
ولا حساماً ولا رمحاً ولا رجلا
أوكارها لحم أكباد لهم وكلا
وللصوارم هامات لهم وطلا
من الدمار ورمح شارباً عللا
فالآن قد عرف المخذول ما جهلا
كفر وكبر به عن رشده عدلا
في الأرض طراً وفي سكانها مثلا
بفتكة فيه تشفي الوجد والغللا
بنصره جل من مستنصر وعلا
ما شاء شيئاً تعالى جده فعلا
كسر الإمام إذا وافا وأخذ ثلا
بأنه سوف يعلو في الملا سفلا
منه البلوغ ولم يسطيع أن يصلا
مواضي العزم أما غير ذاك فلا
في كل أرض لأدنى فضله الفضلا
وماجداً فوق كل الماجدين علا
ما كان لولاك عنها يرتجى حولا
أحكامه البغي من دين الهدى بدلا
منه وقد كان معروف الهدى جهلا
قد طاب في الخلق قولاً بل زكا عملا
على العدو وقد وافاك محتفلا
مثل الرعال وعال في الفضاء كللاً
بأنه قد ينال القصد من بذلا
ولا تبلغ فيما رامه أملاً
نصحاً وقد أعملت في غدره ختلا
يستحسن الرحلة المخذول إن رحلا
لما أهم عليه الأمر واشتكلا
منك الجناح وخالف فيه من عدلا
حتف النفوس وخيلاً سيرها خيلا
يأتورك من كان ضحضاح وكل فلا
إطلابه السمر تخشى السهل والجبلا
ناديتهم كان أدنى سيرهم عجلا
بها كفاح الأعادي حطموا الأسلا
فما أراقوا دما إلا غدا طللا
شغل الجهاد لهم عن غيره شغلا
والقائمون لدفع الخطب إن نزلا
سبقاً لديك وصبراً ظاهراً وولا
رام التأخر لم يخذلك بل خذلا
للدين واحتال أن يبدي به خللا
له وعونا على أعدائه بطلا
ضداً ويصبح منصوراً وإن خذلا
ورق الحمام ولاح البرق واشتعلا
قصة نهوض السلطان من حوشان متوجهاً إلى صنعاء اليمن
لما أقام السلطان في محطة حوشان المدة المذكورة ولم يظفر بمراده بل رده الله بكيده عاد بما يريد صنعاء، فنهض في شهر رمضان من السنة المذكورة وجعل طريقه على جبل حضور لخراب البلاد الشهابية، فجهز أمير المسلمين عليه السلام في إثره الأمير المعظم المقدام المقدم شريف العنصرين بدر الدين عبدالله بن الحسن بن حمزة الحمزي في عسكر عظيم وأمره بالمحطة قريباً من محطة السلطان وملازمته حيث توجه، ثم وجه أيضاً في خلال ذلك الأميرين الكبيرين الأجلين المقدمين الزعيمين فخر الدين، وأسد الدين: عبدالله ومحمد ابني سليمان بن موسى بن داود بن حمزة الحمزيين إلى ناحية مخلاف بلاد سنحان ومخلاف ذمار والمسار، فتوجه كل من المقدمين حيث صدر، واستقرت محطة الأمير بدر الدين في هجرة سناع وكان يشن الغارات على باب صنعاء في أكثر الأوقات ويغنم الغنائم من بوادي صنعاء كأن ما في صنعاء أحد.
أخبرني من يوثق به أن الخيل تخرج لابسة من مدينة صنعاء ترعى الغنم فإذا كان في النهار يخرج السلطان بنفسه وحشد جنوده وعقد بنوده وحرك طبوله وأرعد وأرجف، وأشعر الناس الرجفة إلى سناع فإذا ترائى الجمعان أرهقهم الغرق وجاشت عليهم جنود الحق فأرووا فيهم السيوف، وخضبوا اللهاذم نجيعاً وردوهم من حيث جاءوا فما يرجعون إلى صنعاء إلا مكسورين مغلوبين، فقتل من أعداء الله وأتباعهم عدة كثيرة غاب عني حصرهم، ومع ذلك فليسوا بالقليل.
ولما رأى أهل المخلاف المحيط بصنعاء من سنحان وبني بهلول وقبائل الأعروش وغيرهم ما شمل الغز من الذل والفشل لم تبق قبيلة حتى وصل منها من يطلب الأمان وتسليم الحقوق الواجبة وخلف عن الطاعة واعتذر عن الجهد بذلك حتى يفرج الله سبحانه، وكان المجاهدون يسرون السرايا ويتابعون الغزوات إلى أعداء الله وحيثما كانو فيأخذوهم قتلاً وأسراً ونهباً وسلباً[44أ-أ] فالحمد لله رب العالمين، وأمير المؤمنين يجهز الكتائب كتيبة بعد أخرى مادة للأمير بدر الدين، فكان ممن جهز إليه أخاه الأمير الهمام نور الدين محمد بن الحسن بن حمزة في جيش وافر، فازداد المسلمون بوصوله وحمد الله تعالى، كما جمع بينه وبين أخيه؛ إذ هما في ذلك الأوان سيفان من سيوف الحق لا ينبوان عن الضرائب ولا يهابان مقابلة الكتائب، وكان أمير المؤمنين يعطر بذكرهما المجالس، ويمدحهما للغادي والرائح بما لا يمدح به أحد سواهما ولا يستحقه إلا هما، ويكتب القصائد الفصيحة شحذاً لهمتهما وتثبيتاً لعزتهما، ومن القصائد التي أمر بها قوله:
.................. وغابت عند التعليق.
وأما الأميران الأجلان فخر الدين وأسد الدين ومحمد ابنا سليمان بن موسى فتقدما مخلاف ذمار وتقدم معهما الفقيه الفاضل المجاهد تقي الدين أحمد بن موسى؛ إذ هو من أهل السبق والاجتهاد والمبالغة في أمور الجهاد، وهو معروف بالحزم والشدة، والبأس والنجدة، وحسن السياسة، وتقدم معهم جماعة من الأخيار العلماء منهم الفقيه محيي الدين يحيى بن محمد بن يحيى الصريمي، وساروا في تلك الجهات سيرة مرضية، وجاهدوا في الله حق جهاده، وممن كان معهم من كبار الناس الشيخ الطاهر المجاهد عمرو بن سعد بن علي بن منصور بن جعفر من أهل ثلاء استشهد في بعض الوقعات في مخلاف ذمار رحمه الله تعالى، فلقد مضى حميداً سعيداً، ثم وصل الأمير الكبير العلامة عز الدين محمد بن أحمد المتوكل فاستر أمير المؤمنين بوصوله سروراً عظيماً ووجه إلى سناع ثم وجه بعد ذلك إلى مشارق صنعاء وألزمه هنالك ثغراً.
قال الراوي: وأقامت المحطة في سناع في قوة عظيمة شوال والقعدة والحجة ودخل شهر محرم وترعرع السلطان عمرو بن علي بن رسول لطلوع بلاد بني شهاب لما علم من نصيحة السلاطين الأجلاء المجاهدون الليث والوشاح ابني عمران وكافة السلاطين بني عمهم ولمحبتهم للإمام عليه السلام ومسامحتهم بالأموال والأرواح ما لم يعلم من أحد سواهم فجهز عسكره وجهز ابني أخيه أسد الدين، وفخر الدين محمد، وأبو بكر بن حسن بن علي بن رسول المحبوس في ديار مصر من سنة نيف وعشرين وستمائة حبسه الملك المسعودي يوسف بن الملك الكامل، فنهضوا من صنعاء في شهر المحرم حتى حطوا في .......... سهمان، فلما حطوا في سهمان وكان الأمير المقدم الباسل شجاع الدين: يحيى بن الحسن بن حمزة بن سليمان تأخر عن الوصول إلى الإمام عليه السلام في أول الأمر لأمر يحاوله فيما فيه صلاح، فلما ظفر به وعلم بعزم السلطان على الخروج إلى البلاد الشهابية لمحاربة أخويه الأميرين بدر الدين ونور الدين ومن معهما من الأخيار المجاهدين في سبيل الله رب العالمين جمع عسكراً وتقدم إلى أمير المؤمنين إلى حصن ثلاء في رجل كثير نحو ألف مقاتل من الرجال[44ب-أ] الأجواد، فلما وصل إلى أمير المؤمنين استر بوصوله سروراً عظيماً لما يعلم من شدة بأسه وإقدامه وهيبته وعلم أنه اجتمع بأخويه أن السلطان لا ينال مراده ولا يشفي غيظه فلم يقر بالأمير قرار من النهوض فتقدم بمن معه وحشد أمير المؤمنين معه من أمكنه من المجاهدين وتقدم حتى حط قريباً من محطة السلطان في موضع يسمى بيت شعيب لبلاد بني شهاب ليس بينه وبين محطة السلطان إلا دون الميل وأخواه الأميران كل واحد منهما في محطة وعسكر وإخوانه تشن على محطة السلطان فعلم السلطان حينئذٍ أنه مغلوب وتفرق عليه عسكره واضطربت أموره ووقع بينه وبين عسكر الأمير شجاع الدين وقعات في كل واحدة الظفر للمجاهدين، فالحمد لله رب العالمين.
رجع الحديث إلى ذكر قدوم الأميرين الأجلين فخر الدين وأسد الدين: عبد الله ومحمد ابني سليمان بن موسى ومن معهما.
لما وصل الأميران المذكوران بلاد بني شهاب وصل إليهما الشيخ الكبير: جعدان بن وهب السنحاني صاحب الرتبة، فقدم الأمير معه الأميران إلى جهته، ثم تقدم جعدان لغزوة إلى جهة أشح موضع يسمى ظفار فاستولى عليه المجاهدون وغنموا غنيمة وافرة، ثم استقرت المحطة بالصح، وكانت بينهم وبين أسد الدين وقعات كبيرة، ثم تقدمو بعد ذلك إلى بشار وأقبلت القبائل من سنحان، وعنس، وجنب، وقبائل المشرق، فاجتمع ألوف من العدد حتى جهز السلطان الملك المنصور عمر جيشاً عظيماً من صنعاء إلى بشار، ووصل أسد الدين فدخل ذمار، فلما أحاطت بهم العساكر لم ير الأمير فخر الدين إلا النهوض إلى جهة متوه فوقفوا مدة في مخلاف ذمار وأصلحوا أمور أهلها، ثم تقدموا إلى جهة متوه طمعاً في صلاح البلاد المذحجية وإصلاح أهلها وكان من كبار مذحج ورؤسائهم من هو مائل إلى السلطان وعاضداً له، منهم الشيخ علي بن سعد، ومنهم جبر بن صبرة ممن هو محارب للسلطان ومجد في حربه وقائم مع الإمام عليه السلام الشيخ عفيف الدين علوان بن عبدالله -الملقب بالكردي- وأهل متوه آل العروي، وقد كان الإمام عليه السلام جهز الشيخ علوان في شهر رمضان سنة ست وأربعين تنيف على عشرة آلاف درهم وكتب له عقوداً وعهد إليه عهوداً وأمره بتقوى الله تعالى والإخلاص والجهاد في سبيله، وكانت طريقه على الجوف ثم مأرب حتى عطف إلى بلاده من المشرق.
رجع الحديث إلى ذكر الأميرين الكبيرين فخر الدين وأسد الدين ومن سار معهما من إخوتهما الأمراء الأجلاء آل سليمان بن موسى بن داود وبني عمهم.