أما سنة ست وأربعين وستمائة وحوادثها وما كان فيها مما يتعلق بالسيرة المهدية فقد ذكرنا في صدر الكتاب ما كان من المقدمات إلى نصف شهر صفر من هذه السنة المذكورة ومن بعد ذلك ذكرنا ما كان من إقبال العلماء وبيعتهم وشهاداتهم وتقدير أصل الإمامة بحمد الله تعالى، ولنذكر الغزوات والسرايا إن شاء الله تعالى.
(فصل )
أول الغزوات كانت يوم سابع الدعوة وهي غزوات ضروان غربي رحابة إلى الخشب، وأهله قوم من الباطنية دمرهم الله تعالى، جهز عليه السلام عسكراً من المسلمين والأنصار وقدم فيهم الأميرين الشريفين الناصر بن محمد بن سليمان بن موسى الحمزي، وأحمد بن محمد المحسني العباسي العلوي، فلما وصل العسكر إلى شق الناحية شرد القوم واختاز بعضهم إلى دربين وكان القتال فقتل رجل من أعداء الله تعالى وأسر آخر وغنم المسلمون شيئاً من البقر والغنم والأثاث والدواب والحبوب، وعاد المسلمون إلى أمير المؤمنين ولم يلق أحد منهم كيداً، وكانت هذه الغزوة مفتاحاً للنصر على أعداء الله.
غزوة ضبعان
وهو موضع أيضاً من الباطنية الملاحدة وهو غربي وادي ظهر.
وجّه أمير المؤمنين عسكراً كثيباً من كبار الشرف العلماء والشيعة وغيرهم من الناس، وقدم فيهم الأمير الكبير محمد بن سليمان بن موسى الحمزي، وكانت الغزاة نحوهم ليلاً، فلما أصبح أحسوا بالمسلمين فتحصنوا بالجبال والكهوف ووقع الحرب وكان الظفر للمسلمين فقتل من الباطنية رجل وغنم منهم غنيمة من الغنم والدواب والأثاث، وعاد العسكر المنصور سالماً، فأمر عليه السلام بقسمة الغنيمة على ما أمر الله وقبض الخمس.
(فصل)
غزوة السية
ولم يلبث أمير المؤمنين إلا ليال قرائب حتى جرد سرية لموضع يسمى السية كبيرها رجل يسمى كليب الحمار من كوكبان والأهجر بلاد بني الزوامي، وكان أمير الغزاة الأميران أسد الدين محمد بن سليمان بن موسى الحمزي، وشجاع الدين أحمد بن محمد المحسني العباسي العلوي، فلما وصل العسكر إلى السية وخرب شيئاً من منازل القوم، ووقع الحرب واشتد الحرب، وأبلى ذلك اليوم جماعة من الأشراف الحمزيين آل يحيى بن حمزة بذيبين، وفقئت عين الشريف الفاضل علي بن محمد بن حمزة الحمزي من آل يحيى بن حمزة، واستشهد رجل من جيرانهم وكان أيضاً ممن أبلى، وقاتل الشريف الأمير علم الدين أحمد بن القاسم بن جعفر من بني عم الإمام، وقاتل أمير العسكر قتالاً عظيماً، وأبلى ذلك اليوم الشريف الفاضل السيد سليمان بن محمد بن حمزة بن الحسين، والشريف الفاضل قاسم بن عبدالله بن حاتم المحسني وكان من الصلحاء، رمى رجلاً من الباطنية وكان في ذروة شاهق يسب الإمام ويؤذي المسلمين، فرماه بسهم ففقأ عينه وغار السهم إلى دماغه فخر من الشاهق ميتاً، فاحتز رأسه، ولقد شاهدنا السهم في عينه منكسراً وكان ذلك من فضائل أمير المؤمنين المشهورة، وعاد العسكر المنصور غانماً قد أظهره الله على أعدائه.
غزوة شبام الأولى
ووجه أمير المؤمنين الشريفين الأميرين المشهورين محمد بن سليمان بن موسى الحمزي، وأحمد بن محمد بن حاتم المحسني العباسي العلوي في عدة من عيون الأشراف والعلماء والشيعة عسكراً كثيفاً من القبائل المجاهدين إلى شبام وهي مدينة حسنة المنظر مخضرة الربى كثيرة الأنهار فيها الجامع العجيب الذي بناه الأمير ابن يغفر وهي في الأصل من المدن المشهورة القديمة وهي لاصقة إلى جبل كوكبان محصنة بالدواير وفيها قوم من حمير من بقية أبى حوال الحميري وغيرهم، فتقدم المجاهدون آخر الليل وكانوا فوق الألف مقاتل، وكانت الخيل قريباً من ثلاثين فارساً، ولما قربو من المدينة واجتمع من هذه المدينة من الحصون حلب وبكر وكوكبان وغيرها قريباً من ألف مقاتل، وكان القتال أولاً على أسوار المدينة، ثم لم يلبث المسلمون أن صعدوا عليهم واشتد القتال في غربي المسجد الجامع، فاستشهد رجل من المسلمين، وقتل من أعداء الله جماعة فيما قيل، ولم يظفر من غنائم المدينة إألا القليل؛ لأن القوم تحيزوا لما دخل عليهم المسلمون إلى كهوف في الجبال من الزمان الأول، وعاد المسلمون ظافرين بحمد الله سبحانه، والحمدلله رب العالمين.
وهذه الغزوات في أيام متقاربة، وعند ذلك عظم الأمر على السلطان عمر وعلم أن أمر الإمام ليس بالهين وأنه إلى قوة والناس معه إلى إقبال فأزمع على الإقبال نحوه، وأمر بقوة الحصون وكان من أعظم ما قواه بالخيل والرجال حصن حلب وجعل حشوه الباطنية الملحدين وذلك لقربه من ثلاء.
ذكر غزوة حلب
وقد ذكرنا سببها وهو ما طلبه قوم من العلماء لقطع شغب المتعنتين في معرفة ثبات قلبه، فأرادوا الاختبار له عليه السلام في موطن من مواطن الحرب، فلما أراد ذلك نهض عليه السلام بنفسه وأمر بالأهبة بالحرب للحرب، فاستعد المجاهدون، ونشرت الرايات، وسار المسلمون تحت لواء أمير المؤمنين، واجتمع ذلك اليوم خلق كثير من الناس، وقد كان أهل حلب متسشعرين لذلك، فجمعوا أحزابهم وتأهبوا للقتال، وكان أكثر من فيه من الباطنية الملاحدة، فلما ترائى العسكران عند حصن الشيخ الكبير منصور بن محمد المسمى حضور، وتقدم المجاهدون إلى مراكزهم في القتال، وترجل أمير المؤمنين المهدي عليه السلام عن فرسه لكون الموضع لا حيلة فيه للخيل، ثم أخذ سيفه ودرقته وصمد قلب العسكر -عسكر العدو- حتى بلغ حيث لم يبلغ الشجعان، ثم اشتد الحرب وكان أعداء الله فيهم رماة بالنشاب أهل بأس شديد، وكثرت الجراحات، ثم أن شاء الله سبحانه فانحطت بعزاليها في المأزق فتفوق الناس، فانجلت المعركة على خمسة أوستة من المجاهدين رحمهم الله وقل من سلم ممن باشر القتال من النشاب والحجارة، وقتل من أعداء الله جماعة فيما قيل، وانصرف أمير المؤمنين إلى قرية حضور، وأمر المجاهدين بالمساء في تلك القرية، ودفن الشهداء هنالك.
وتقدم عليه السلام إلى حصن ثلاء ميموناً ظافراً، وكانت هذه الغزوات كلها في شهر ربيع الأول سنة ست وأربعين وستمائة سنة.
قصة دخول السلطان عمر بن علي بن رسول مدينة صنعاء اليمن
وما كان في ذلك الأوان من الغزوات والسرايا والحروب.
ولما استقر السلطان الملك المنصور في صنعاء وصل إلى أمير المؤمنين قبائل قدم وحمير وغيرهم من قبائل المغرب والظاهر وغيرها وقالوا للإمام: إن هذا السلطان قد استتب له الملك وقد نال من العرب وخصوصاً من أهل المذهب الزيدي شرفه الله تعالى وها نحن هؤلاء باذلون لك الأنفس والأموال ولعل الله تعالى أن يجعل على يديك فرجاً قريباً ونصراً عاجلاً، فأجابهم أمير المؤمنين بالعزم الشديد والاهمام الأكيد وقال: إن ذلك مطلوبنا وقصدنا، والذي لأجله قمنا باذلين لنفوسنا، فلما رأى شدة بأس العرب وعزيمتها لم يرى إلا تجريد العسكر إلى جهة المغرب للمحطة على الحصون التي بيد هذا السلطان وهي الموقر والغرنوق ومراضة وعرار وأبدر وبارق لشغل السلطان بنفسه ويرده كيده.
قصة نزول المغرب والمحطة على الموقر وساير الحصون التي كانت بيد الغز
وأمر أمير المؤمنين بالأهبة والجهاد للغزو في سبيل الله فجهز عسكراً كثيفاً من عيون الأشراف والعلماء ورؤساء العرب، وجعل أمر العسكر إلى الشرفاء الأمراء شرف الدين يحيى بن القاسم بن يحيى الحمزي، وعلم الدين أحمد بن القاسم القاسمي، وشجاع الدين أحمد بن محمد بن حاتم المحسني العلوي؛ إذ كانوا من عيون أصحابه وأهل الإخلاص والبصيرة والثبات في الأمور بعد أن كان قد جهّز الأمير أحمد بن محمد هذا في عسكر فبلغ إلى مسور، واختلف عليه أهل البلاد فعاد ولم يلبث أن نهض العسكر المنصور من حصن ثلاء فأمسوا ليلتهم تلك في جبل مسور عند السلاطين آل حسين بن محمد وبني عمهم فاقتسموا العساكر إلى منازلهم، فتقدم الشريف السيد يحيى بن القاسم فيمن معه إلى رأس جبل مسور، وهبط الشريفان الأميران أحمد بن القاسم، وأحمد بن محمد بن حاتم إلى موضع يسمى الثومة فيمن معهما.
ولما وصل الشريف السيد شرف الدين إلى رأس الجبل لقيه السلطان الكبير مجاهد بن سليمان فسلموا للإمام موضعاً لهم يسمى بيت العدن، وتقدم إلى بيت ريب فلقيه السلاطين الأجلاء أولاد بارك بن صعصعة بن محمد بالترحيب والتسهيل وسلموا حصن بيت ريب وحسنت طاعتهم وظهر صلاحهم، واجتمع بعد ذلك العسكران في بيت ريب، وأزمع الناس على هبوط المغرب، وقصد عمارة بن علي والي السلطان في الحصون المخلافية واللاعية لما قد ألحق الناس من الهوان والجراءة على كبائر العصيان من شرب الخمور، ونكح الذكور، والتهتك الذي لم يسمع بمثله في سالف الدهور، فلما عزم الأمراء المذكورون على ذلك أمروا أن توقد النار في ريب لكونه حصناً مشرفاً على أكثر المغرب ليعرف المجيب إلى النصرة، فلما لاحت النار لم تمضي ساعة حتى أوقدوا أهل الحصون المغربية وأهل الجبال العالية والقرى فكانت السماء مبسوطة في الأرض وكأن النيران نجومها، ثم هبط العسكر المنصور وقد سار في مقدمته السلاطين الأجلاء آل محمد بن حليف وسائر بني عبد الحميد لينتقموا من عمارة بالثأر؛ لما قد كان نال منهم بالقيود والنكال، فلما أن وصل العسكر إلى مغربة عولي خرج اليهم الشيخ أحمد بن مسعود القدمي وهو يومئذٍ كبير قدم وشيخها والذي يرجع إليه رأيها، وقد كان في خاطر المقدمين أن يقسموا العسكر إلى لاعة والمخلافة، فلما بذلك هذا الشيخ شق عمامته وأغرى بالمحطة على الموقر فرجع الناس لذلك واجتمعوا وتذامروا وأقبلوا كالبحر الزخار يغشون السهول والأوعار لا يكاد يضبطهم العدد لكثرتهم، فهبطوا من نقيل الحطب، وأمسى الناس في الواسطة ونواحيها، ولما رأى السيد شرف الدين يحيى بن القاسم وكثرتهم وكونهم يغشون الجبال وهم لا تتسع لهم الطريق قال ارتجالاً:
عمارة جاءتك الكتائب جهرة
أتتك جنود الله من كل بلدة
فخل الحصون الشامخات لماجد
حرام عليك اللهو في أرض شاور
ولا عرفت في مجلس لك قينة
ألم تر أن الله أيد أحمدا
ولا الموقر الحصن المنيع بنافع
ولا حصن عران يغرك ساعة
... فياليت شعري أين تمضي هاربا
بهزون للحرب العوان القواضبا
سيملأ عدلاً شرقها والمغاربا
ولا طفت في ميدان عولي راكباً
ولا قط لاعبت الحسان الكواعبا
كما قام لله المهيمن غاضباً
لك اليوم فاصرم حبل ما كنت طالباً
ولا بارق فاقصد من الأرض جانباً
ونهض العسكر من الواسطة ضحوت النهار، فلما رآهم أهل الموقروالغرنوق أبلسوا وأيقنوا بالهلاك، فمر الناس تحت الحصنين فما نبس من القوم أحد بل انقبضوا، ولما علم أهل المخلاف من بني شاور وغيرهم بقرب العساكرالمهدية أحاطوا بقراضة.
وقعة قراضة
ولما رأى العسكر المنصور اجتماع بني شاور على قراضة قصدها الناس بأجمعهم فيهم الأميران الشريفان أحمد بن القاسم بن جعفر بن عم الإمام المهدي في عصابة من أهله والأمير أحمد بن محمد بن حاتم، ولزم السيد الشريف جبل غربي قريباً من الموقر لمنع الغارة من الحصنين ويكف العادية، فلم يلبث العسكر أن تسلقوا من الأسوار يحمل بعضهم بعضاً حتى دخلوا على القوم بالسيف فأخذوهم قتلاً وسلباً وأسراً ونهباً ولم يفلت إلا جماعة رموا بنفوسهم من شاهق فقتل جماعة منهم عدو الله دليح الباطني، وأخذ منها جملة من الأموال والسلاح، وكان يوماً على الكافرين عسيرا، وعند ذلك اشتدت قلوب أهل البلاد وأزمعوا على المحطة والحصر للحصون وكان من الغد، وأصبح الناس على الحرب على الموقر وكان فيه قوم أعدو للحرب من شجعان أهل البلاد، فلم تزل الحرب قائمة والزحفات تتابع عليهم حتى كثر فيهم الجراحة وقتل جماعة من أهل البلاد بالحجارة، ولم يلبث السلطان أن حط في موضع يسمى الرجام مشرف على حصون المغرب وعند ذلك طلع الأمير السيد الشريف أحمد بن محمد بن حاتم إلى بين يدي الإمام إشفاقاً على حصنه عزان، ووقف الشريف السيد العلامة يحيى بن القاسم فيمن بقي معه من العسكر وثبت الأمور ونظم أمر المحطة على الموقر، وعاشر الناس أحسن معاشرة، واشتد الحصار على أهل الحصن والضيق، وأحاطت بهم المراكز، ولم تزل الحرب بينهم شهور فاستشهد الشريف الأجل علي بن عبد الله بن حمزة بن الحسين الحمزي بنشابة، وقتل السلطان الأجل العماد بازل بن صعصعة بحجر وانتهى الحرب والقتال، فصح جميع من استشهد من المجاهدين قريباً من خمسة وعشرين رجلاً، ولم يزل القوم في الحصر والضيق حتى سلم عمارة حصن عزان فقبضه ابن عم الإمام أحمد بن القاسم بن جعفر.
قال الراوي: ولما استقرت محطة السلطان بالرحام يريد بذلك رفع المحاط من حصون المغرب والمادة لعمارة جهز الإمام عليه السلام عسكراً كثيفاً من عيون الشرفاء والعلماء والشيعة وغيرهم إلى جهة الباقر وقدم فيهم الفقيه الشهيد المجاهد التقي تقي الدين أحمد بن موسى الصعدي فتقدم فيمن معه يوم السبت آخر جمادى الأولى سنة ست وأربعين وستمائة من ثلاء فأمسى العسكر تلك الليلة في جبل المصانع والليلة الثانية في مخلاف الطويلة ووصل الجهات في اليوم الثالث وهو يوم الإثنين، فتسامع به أهل تلك النواحي فلقيه جميع القبائل من بني الخياط وبني الدولابي وبني عواض وغيرهم في جمع كثير إلى موضع يقال له ضبعان تحت الطلع وكانت فيه عراضة حسنة وكان من اجتمع من العسكر قريباً من ألفي رجل، فلما اجتمع الناس تحدث معهم الفقيه تقي الدين أحمد بن موسى ومن معه من العلماء في الطاعة لأمير المؤمنين والجهاد بين يديه والحفظ لجهاتهم من هذا العدو الذي قد أقبل، فأجابوا بالسمع والطاعة والامتثال لأمير المؤمنين، فحط الفقيه المذكور بمن معه من العسكر في بلد بني الدولابي في هجرة سافوف وأوقدت النار تلك الليلة في المحطة، ثم أوقد جميع أهل تلك الجهات النيران في جميع المواضع والحصون والقرى حتى أن الذي يراها يظنها مدينة واحدة لتقارب نيرانها، وأقام الفقيه فيمن معه في هذه الناحية مدة إقامة السلطان في الضلع يلزمون المراصد ويكمنون في الطرقات لمن ينزل إلى جهة عمارة حتى لقد تعذر مرور البرداء في الليل لحفظ الطرقات، وقد كان الإمام عليه السلام أمر قبل ذلك الشيخ الأجل الفهد بن محمد في جماعة إلى بلاد بني الحجري فرتبوا في حصن يقال له قلعة المفر على وادي لاعة يقطعون المواد على عمارة من جبل تيس وتلك النواحي، فلما نهض السلطان من الرحام إلى حرشان واشتد الحصر على عمارة تحيل بحيلة وأظهر الرغبة في خطاب الإمام وفي الباطن يريد الاتصال بسلطانه فأمنه أمير المؤمنين ليصل
إليه، فلما وصل وأسر إلى السلطان أن الحصون على طرف ضياع فليعطها ولدي الأمير الكبير عماد الدين يحيى بن حمزة بن سليمان ليوقع بينهم المسرة بين الإمام فجرى بينهم الخطاب على خفية وأمر دقيق، فلما بتو المكر وأتقنوا الحيلة أظهر الأميران ولدا عماد الدين أحمد وعبدالله بن يحيى بن حمزة بن سليمان الوصول إلى الإمام إلى ثلاء وهما يسيران حوافي أرتعا وأظهرا ذلك، فاستر الإمام بوصولهما فوصلا في عسكر عظيم وجعل للإمام عليه السلام ممن وصل معهما من النذور والأموال ما لا ينحصر، فلما استقرا عند الإمام بايعا ودخلا في الإمامة وطلبا من الإمام الملقى للسلطان لعلة اعتلا بها فساعدهم الإمام حياء منهما، فلما التقيا بالسلطان أثبتوا الأمر على تسليم الموقر إليهما وكتبت الكتب بذلك واجتمعا بالحرب مع السلطان وأظهروا أذية عمارة وكان عند الإمام، وأظهر عمارة للإمام النصيحة فغدر والقوم ويصنع في المكر كما هو أهله، ولم يزل بالإمام حتى أذن له في الصدور إلى عزان فأمنه وأذن له، ثم إن الأميرين الكبيرين شمس الدين وفخر الدين ابني يحيى بن حمزة أظهرا للإمام ظاهراً أن السلطان قد عرض عليهما شيئاً وهما لا يريدان إلا رضا أمير المؤمنين وحلفا له يميناً أخرى وأعطاهم الإمام نصفة المخلافة دون حصن الموقر وأعطاهم بعض حصون لاعة واحتلموا بقوة المحطة وشدة الحصر لما قد لحق الناس من المل، فكتب الإمام عليه السلام إلى السيد شرف الدين يحيى بن القاسم أن الأمير عماد الدين قد أمر بحشد العساكر إليك وفي خلال ذلك وصلت كتب الإمام عليه السلام من ثلاء بدخول الأمير الكبير المتوكل على الله أحمد بن الإمام المنصور بالله في الإمامة وأنه وعد من نفسه بنصر الدين وشد عضد الإسلام والمسلمين، فأمر الإمام بالبشارات في الأقطار لعظم شأنه وخطره ولم يلبث أن نهض الأمير قاسم بن إبراهيم بن يحيى الحمزي في عسكر كثيف إلى محطة الموقر فلقيه السيد يحيى بن القاسم بالمرحب والتسهيل