أيها الناس إنه مهما التبس عليكم أمره فإنه يلتبس عليكم حال من دعاكم، ولا سابقة من ناداكم، أنا الذي عرفتموه صغيراً وكبيراً، وخبره فضلاؤكم سراً وجهراً، فما عثرتم منه على وصمة، ولا حطيتم منه، نزله ربي في حجور الصالحين، وانتقل إلى كفالة المتقين والأخذ عن العلماء المهتدين ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون، وإن كنت غير مدع للعصمة: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} {وما توفيقي إلا بالله} ولاحول عن المعصية ولاقوة عن الطاعة إلا به سبحانه وتعالى، والشكر في هذه المنة له عز وجل {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد} .
عباد الله إني لا أعرف لكم عذراً في التخلف عن إجابة ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى منابذة أعداء الله، وتغيير المنكرات، والإحياء لما درس من السنن الطاهرات، وقد قال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانو لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلو(1)ن} وقال جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في نار جهنم)).
ألا وإني لا آلو جهداً في صلاح أموركم من العدل في الرعية، والقسم بالسوية وإنصاف المظلوم من الظالم، وقمع المعتدي عن اقتراف المآثم، وإقامة الحدود على من وجبت عليه، والعفو عن المسيئ مع جواز ذلك، ومن تأخر عما دونه وتنكب على المنهاج الذي سلكت فإني أجاثيه الخصام يوم القيامة {لاينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدا(2)ر} يوم الآزفة والطامة، يوم الحشر والندامة يوم تبلى السرائر، ويجازى بالخفي من أفعال العباد والظاهر.

واعلموا أن الله تعالى قد وعدكم النصر إن تنصروه، وثبات الأقدام عن الزلل إن أطعتموه، ومضاعفة الجزاء فيما أنفقتموه، فقال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}(1) وقال تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجرٌ كريم }(2) وقال تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}(3).
ألا وإني قد سلكت طريقة من مضى من الأئمة الراشدين في المضي على ذلك والصبر على تأدية المشاق منه، فاسلكو رحمكم الله طريقة الإتباع من سلفكم الذين آثروا نعيم الآخرة على لذة الدنيا الفانية.
واعلموا أن الله لم يستنصركم حيث استنصركم من ذلة، ولا استقرضكم الإنفاق في ذلك عن قلة، بل استنصركم وله جنود السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، واستقرضكم وله خزائن السموات والأرض وهو الغني الحميد، خذوا في جهاد الأعداء باسم الله مسمين، وعليه متوكلين تدركوا منازل الشهداء، وتعيشوا عيش السعداء، ظفر الله أيديكم من نواصي أعدائكم وأعدائه، وجعلكم مع خاصة أوليائه، ومتبعي سنن أنبيائه، وأخذ بأيديكم إلى الصواب، وطهر قلوبكم من دنس الارتياب، وجعلكم من خالصة أولي الألباب، المبشرين لطوبى لهم وحسن مئاب، وصلى الله على محمد وآله أولاً وآخراً وسلم وكرم.

قال الراوي: كتب عليه السلام هذه الدعوة ما بين الظهر والعصر في أسرع ما يكون وأمر بتعليقها وتفريق نسخها إلى الأقطار أو كما قال في ذلك، وكان ذلك اليوم يوم عيد في الأيام وفتحاً عظيماً لأهل الإسلام، فتبسمت الأقطار بعد القطوب، واعتذرت أيام الدهر عن سابقات الذنوب، وأصبح أمر الأمة معقوداً بكف من تهدلت عليه أغصان الأمانة، ورضع من ثدي الرسالة وجذب القرآن بضبعه، وشق الوحي عن بصره وسمعه، كريم الأرومة، شريف الخؤولة والعمومة، فبشرفه انتظم شمل المجد، وعليه خيم وفد الفضل، فما أحقه يقول القائل:
هو البدر والناس الكواكب حوله ... وهل يشبه البدر المضيئ الكواكب

وأمر عليه السلام بالدعوة إلى الأقطار والأمصار، فأول دعوة كتبت إلى الجهات النائية دعوة كتبت إلى الأمير المتوكل على الله أحمد بن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ظفار وتلك النواحي؛ إذ كان هذا الأمير سلطان الشرف في ذلك الأوان وإليه ينتهي أمرها، فلما وصلت الدعوة إلى ظفار إلى الأمير المذكور اضطرب من ذلك واستوحش من ميل الإمام إلى ناحية ثلاء ومعاضدته لمن عاضده، وقد كان يظهر أنه كان يحب أن تكون الدعوة من ظفار، وأنه يكون أعظم مناصراً له، فحينئذٍ لم يكد يرفع له بذلك رأساً، وبقي تارة يثبط الناس عن النفير إلى الإمام، وتارة يأذن لهم، ولما رآه الناس كذلك أجابوا الإمام أرسالاً ونفروا إليه حالاً فحالاً، فلم يتخلف أحد من العلماء في أول الأمر عن الوصول إلى الإمام إلا ما كان من الشيخ العالم أحمد بن محمد الرصاص ومن تبعه من الشيعة وقليل ما هم فإنه وصل إلى ظفار في تلك الأيام وجرى بينه وبين الأمير شمس الدين كلام في امتحان الإمام وتعنته في دقائق العلم، ووقف أياماً وأجمع رأيهم على صدوره إلى ثلاء بعد أن أخذ عليه الأمير شمس الدين عهد الله وميثاقه لا بايع في صدور ذلك حتى يعود إليه، فلما وصل إلى ثلاء وتلقاه الإمام بما هو أهله، وبرز له في ميدان الامتحان الذي فيه يكرم المرء أو يهان، بايع على رؤوس الأشهاد من فوق المنبر وتكلم في مناقب أمير المؤمنين المهدي عليه السلام بما سمعه الحاضر والباد، وما يكون شهيداً عليه يوم التناد يوم تجد كل نقس ما عملت من خير محضراً ومن عملت من سوء تود لو أن بينه وبينها أمداً بعيداً، وكتبت الدعوة إلى الأمير المعظم شيخ العترة النبوية عماد الدين صنو أمير المؤمنين المنصور بالله إلى المظفر ذي الشرفين يحيى بن حمزة بن سليمان، فلما وصلت إليه الدعوة بعد أن كان الفقيه الإمام المجتهد أوحد الزمن حميد بن أحمد المحلى قد أعلمه أولاً بأن

الإمام قد تكاملت فيه خصال الإمامة، وكذلك من كان معه من العلماء الفضلاء أعلموه بذلك وشهدوا له، فلما وصلت إليه الدعوة حمد الله تعالى وأثنى عليه، وتلقاها بالقبول والإقبال والامتثال وبايع وشايع، وأمر أهل البلاد بالوصول إلى الإمام واعتذر من الوصول لكبر السن والضعف، وأمر بإقامة الجمعة وإنفاذ الأحكام، وكذلك الفقيه الإمام العلامة حميد بن أحمد لما وصلت إليه تحدث في المحافل في مناقب الإمام وكمال استحقاقه الزعامة، وبايع له وأمر بإقامة الجمعة، وسارت الدعوة في الأقطار، فأمر بالدعوة إلى سلطان اليمن عمر بن رسول وهو حينئذٍ في موضع يقال له الموسعة قريباً من جبلة يريد طلوع اليمن الأعلى لحرب ابن أخيه أسد الدين كما قيل فضاق من وصولها ذرعاً وأظهر الوعيد والتهديد، وأزمع على الطلوع لحرب ثلاء واستئصال شأفة الشيخ منصور بن محمد ومن قال بقوله، وكتبت الكتب العجيبة العنيفة المشتملة على العجب والاستصغار لأمر الداعي إلى الله، وكتب دعوة إلى أسد الدين محمد بن الحسن إلى صنعاء، فكان كلامه جميلاً، وكتب الدعوة إلى الحرمين وإلى التهائم والجهات النائية، وكتب الدعوة إلى الأمراء السادة الأجلاء آل يحيى بن يحيى برغافة وقطابر منهم من قطع على صحة الإمامة بما قد كان تقدم إليه وصح عنده من صفات الإمام عليه السلام وبلوغه درجة الاجتهاد وهو الأمير السيد شيخ العترة النبوية وإمام الشريعة المحمدية، حافظ علوم أهل البيت عليهم السلام جمال الدين علي بن الحسين يحيى بن يحيى عليهم السلام، والأميران السيدان أجابا وتكلما بالكلام الجميل وطلبا المباحثة والوصول إلى ما يجب عليهما في صحة الإمامة.

ووصلت الدعوة إلى صعدة ونواحيها فاستر الناس سروراً عظيماً وفرحوا فرحاً كبيراً، وكتب دعوته إلى الشيعة والعلماء بجهات حوث والظاهر وغيرهما ولم يبق قطر من أقطار اليمن حتى كتب إليه الدعوة، فأول من أجاب الدعوة وبايع في ظفار الفقيه الصالح صلاح الدين صالح بن سليمان، وكذلك الأمير الكبير المؤيد بن وهاس بن أبي هاشم وبعض إخوته بايع، وقد كان الإمام عليه السلام أمر أن تقبض له البيعة.
وبلغت الدعوة إلى السيد الإمام العلامة شرف الدين الحسن بن وهاس بن أبي هاشم فأظهر المسرة بذلك وحمد الله وأمر الناس بالنفير إلى الإمام عليه السلام.
(فصل)
وأقبل الناس إلى الإمام أرسالاً من المشرق والمغرب واجتمع عيون العلماء وسادات الفضلاء، فلم يدع أحداً جهداً في الاستقصاء والبحث عن غرائب العلوم، وبعد وصل الإمام الفقيه حسام الدين بن أحمد إلى صحراء ثلاء، وكان معه عقابيل من وجع رجله فاعتذر عن المبادرة بالوصول و أنه لم يدع ذلك جهلاً لحق الإمام عليه السلام، ولا شكاً في إمامته أو كما قال وأن الإمامة عنده صحت، ثم تقدم في جمع عظيم إلى أمير المؤمنين المهدي وسلم عليه وتكلم بكلام عجيب بعد أن حمد الله وأثنى عليه حيث منّ بقيامه على الأمة، وأقسم في آخر كلامه بالله الذي لا إله إلا هو ما على وجه الأرض ذات الطول والعرض أفضل منك، ومد يده وبايع، وعند ذلك بايع الأكثر من الناس، وبقي جماعة من العلماء يجتمعون عن كل ناكر، ويحضر الشيخ العالم أحمد بن محمد الرصاص ويباحثونه عن علوم القرآن وعن مسائل في الفروع وغير ذلك حتى ضجر الرصاص ويقول في بعض المسائل هذا لا يلزم من يبحث عنه، وهو سلام الله عليه ورضوانه كالبحر المتدفق، والسحاب المغدق، ويجيب كل سائل ويفتح مقفلات المسائل.

هذا مع طلاقة وحسن خلق وإكرام الناس وآداب وسعة صدر، وتعظيم لشأن العلماء، وكان بعض العلماء يأتيه على خفية يسأله عن شيء من لطيف العلم ودقيق الكلام ظناً منه أنه لا يجيب فيه، فيأتي وعنده في ذلك جلاء كل شبهة، وحل كل عقدة، وكان آخر الأمر أن طلبوا اختباره بموطن من مواطن الحرب فأجابهم إلى ذلك، وقال: إني لم أقم إلا لبذل نفسي في سبيل الله وإحياء دين الله فهل ترون أن من يدعو إلى ذلك يكون جباناً كلا وحاشى أو كما قال، فنهض من يومه ذلك إلى حصن حلب وهو لسلطان اليمن عمر بن رسول وقد أعد فيه من أعداء الله سبحانه وأعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الباطنية والمجبرة وغيرهم خلقاً كثيراً أهل بأس وشدة، وعديد وعدة، قتقدم الإمام بنفسه عليه السلام ونهض المسلمون وشابك الأقران، واشتد الحرب وحمي الوطيس، وتقدم الإمام عليه السلام بنفسه ومعه نفر قليل كأنه الأسد الباسل فبلغ إلى موضع في ذلك المأزق المتضايق لم يبلغه سواه، والناس حينئذ قيام ينظرون فرأوا من شدة بأسه وشجاعته وإقدامه وثباته ما علموا منه أنه وحيد العصر وغرة وجه الدهر، وكان ذلك يوم الخميس، واستشهد جماعة من المسلمين في سبيل الله في ذلك اليوم رحمة الله عليهم، وكان اليوم الثاني يوم الجمعة فاجتمع من خلق الله مالم يشاهد مثله، وخرج أمير المؤمنين للصلاة فلما دنى من صحراء ثلاء موضع المسجد نزل من فرسه وسار حافياً إلى المسجد كل ذلك تواضعاً لله، واتباعاً لسنة جده صلى الله عليه وآله وسلم فخطب الناس ووعظهم وذكرهم بالله حتى وجفت من كلامه القلوب، وذرفت العيون بالدموع، وأتم الصلاة وصلى ركعتين بعد الصلاة، ثم صعد المنبر أخرى وتقدم الشيخ العالم جمال الدين أحمد بن محمد الرصاص فبايعه وتحدث على المنبر، ثم جرى العلماء في سلك واحد فبايعوه، وتكلم بعظهم بكلام في مناقبه ولم يبق بعد ذلك شك لمرتاب ولاعلة لمتعلل، وهذه نسخة خطبته في صلاة الجمعة قال بعد التسليم:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه وجلال كبريائه ما حير مقل العقول من عجائب قدرته، وردع خطرات هماهم النفوس عن عرفان كنه صفته.
وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة إيمان وإتقان، وإخلاص وإذعان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله وأعلام الهدى دارسة، ومناهج الدين طامسة، فصدع بالحق ونصح الخلق وهدى إلى الرشد، وأمر بالقصد، صلى الله عليه وآله وسلم.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها الزمام والقوام فتمسكو بوثائقها، واعتصموا بحقائقها فإنها تؤول بكم إلى أكنان الدعة وأوطان السعة، ومنازل العز ومعامل الحرز في يوم تشخص فيه الأبصار، وتظلم له الأقطار، وتعطل فيه صروم العشار، وينفخ في الصور فتزهق كل مهجة، و تبكم كل لهجة، وتذل الشم الشوامخ والصم الرواسخ، ويصير صلدها سراباً رقرقاً، ومعهدها قاعاً سملقاً، فلا شفيع يشفع، ولاحميم يدفع، ولامعذرة تنفع، ألا وإن يومكم هذا يوم عظم الله قدره، وشرف أمره، وضاعف فيه الخيرات، وأنزل فيه البركات، وفرض عليكم فيه الجمعة إلا على مريض أو امرأة، أو مملوك أو مسافر.
روينا عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((واعلموا افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره)).
إن أنفذ القول في الآذان، وأوقع الوعظ في الأذهان كلام الملك الديان(1) والله تعالى يقول: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}(2) وقال:{وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }(3) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ،{يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}(4).

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا تقدره الأوهام تمثيلاً، ولا تبلغه العقول تحديداً، جل عن التمثيل والتحديد، وتفرد بالتقديس والتحميد، وتعالى في التنزيه والتوحيد، العدل الذي لا يتهم فيما يقضيه، والجبار الذي لا يغالب فيما يبرمه ويمضيه، الذي خضع لعزته المتكبرون، وانقادت لهيبته السماوات والأرضون، ودل بظاهر آياته وبدائع مصنوعاته على مباينته لمخلوقاته، وتعالى في جده وذاته، وقاد العقول مذعنة في حكم الاعتراف والاستسلام منقادة بأشرف قياد، وأسلس زمام بأنه لا محيص لشيء من التسليم لحكمته، والدخول تحت رق عبوديته، ممن ذي لسان ناطق يبرهن عنه بياناً تعيه الأسماع، وذي حالات مختلفات مضطرة للعقول إلى مسالك الإقرار والاتباع.
وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له يناويه، ولا ند له يماثله ويساويه، ولا ضد له يغالبه ويباريه، جل عن المنافرة والمراء، وتعالى عن الأضداد والنظراء.
وأشهد أن محمداً سفير وحيه، وأمينه على أمره ونهيه، أعلن بأوامره صادعاً، ووزع بزواجره رادعاً، والناس في فتن قد هتن ربابها، وشمخت قبابها، وضربت طنابها، فلم يزل يضرب بالمقبلين على الحق المدبرين عنه، حتى أثقب مصابيح الإيمان، ولجب مسالك البرهان، وقوى دعائم اليقين، وأوضح سنن المرسلين صلى الله عليه ما لمع لامع، وطلع صادع، وندب الحمام الهديل، وتعاقب البكور والأصيل.
أيها الناس إن الدنيا دار سالمها سليم، وظلها سموم، وغضارتها مشوبة بالتكدير، وسلامتها مرقاة للغرور مثمرة للتغرير، فاعقلوا تسلموا من عقابيلها، وارفضوها فقد سمعتم قيلها، وسلكتم سبيلها، وقد رأيتم نزولها رائقة، وأفولها طارقة، كم مغتر بها قد نصحته التجارب، ومخدوع بها قد بصرته العواقب، وجامح قد طرقته النوائب، ومسرور وقد أسمعته النوادب، أخذ الله بأيديكم إلى مراشد الأمور، ورزقنا جميعاً التأهب ليوم النشور.

اللهم وصل على ... الخيم الزكي، وسراج الحق المضي، ذي الخلق السني، والخلق البهي، والوعد الوفي، خاتم الرسالة التي واترت، وناعش الملة التي آثرت، المكرم بالإيمان، المؤيد بالبرهان، المخصوص بنهر الكوثر المورود، المشرف بكرم الآباء والجدود، محمد رسولك الذي خصصته بكل فضيلة، وحبوته بكل رتبة جليلة وخصلة جميلة.
اللهم وصل على مدمر الأقران، ومؤيد البرهان، وعلم الإيمان، قنو النبوة الريان، وغصن الخلافة الفينان، بحر الكرم الزخار، وينبوع العلم الفوار، ... الجود المدرار، المخصوص بالإمامة، المحقوق بالزعامة، إمام من اتقى، وحتف من اعتدى، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ذي الخصائص والوسائل، والمنازل والفضائل، صلاة تعليه فيما تؤتيه، وتسنيه فيما توليه.
اللهم وصل على سيدة النساء المطهرة، وخامسة أصحاب الكساء البررة، ريحانة نبيك وثمرة كرمه، وقسيمة لحمه ودمه، وصل على سبطيها الزكيين، وفرعها الوليين، مجتمعي كل محمدة، وأهل كل جود ومكرمة، غصني سيد الأنبياء، وسراجي مشكاة الضياء، الإمامين الكريمين أبي محمد الحسن، وأبي عبد الله الحسين، وصل على أتباعهما من العترة الزكية، والسلالة المرضية، حماة سرح الإسلام عن سباع الجحود الضارية، ذوي المناقب السائرة، والأنوار المتلألئة، صلاة يحلون بها من الشرف ذراه، ويتفيئون لهام الكرم في ظليل داره.
اللهم وصل على الخليفة الصادع بالحق، والمعلن للصدق، الكاشف لقتام الضلالة عن الخلق، المزيد في العلم، المكرم بالحلم، السيف الذي لا ينبو، والشهاب الذي لا يخبو، بحر العلم الذي لا ينزف زخاره، وعماد الجود الذي لا يكف مدراره، محيي معالم الملة، ترجمان الآيات والأدلة أبي محمد المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة عالية العماد، شامخة الأطواد، وارية الزناد.

10 / 56
ع
En
A+
A-