الكتاب : سيرة أبي طير المؤلف : المحقق : عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحوثي الناشر : (مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية) |
مقدمة المؤلف
قال السيد العلامة شرف الدين يحيى بن القاسم بن يحيى رضي الله عنه: هذا مبتدأ سيرة مولانا الإمام المطهر الأفضل الهمام، الجواد المكرم المعظم الفهام، العلامة النجيب الأشرف الحسيب، المجاهد الصابر، الورع، المرابط، المثاغر المهدي لدين الله، البائع نفسه من الله، الناصر لأولياء الله، نور حنادس الظلم، ناعش الإسلام، غياث الأمم، ماضي السيف والقلم، المخصوص بالوداد في قلوب المؤمنين من العباد، ناصر دين الله حيث قل ناصره، وعضده حين قل مؤازره، المحيي لسنة جده خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وأفضل الأولين والآخرين، إمام الأمة، حليف القرآن، رضيع أخلاق الإيمان، ذي الفضائل التي تكسو هالة الشمس ضياء، ووجه البدر نوراً، طاهر النشأة، ينبوع البركة، أمير المؤمنين، معز الإسلام والمسلمين، الصادع بالحق المبين: أحمد بن الحسين بن القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم الدين، وأول تعليقها لليالي خلت من شهر ربيع الأول سنة ست وأربعين وستمائة للهجرة النبوية المحمدية، وكان ابتداء تعليق هذه السيرة بحصن ثلاء المحروس بالصالحين والأخيار.
(منهج المؤلف)
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: أستخير الله وأستهديه وأسترشده، وأتوكل عليه، وهو حسبي ونعم الوكيل، وأسأله تعالى أن يعصمني من الخطل والزلل، وأن يصرفني عما لا يرضيه من القول والعمل، فقلما سلم من سلك في هذه المسالك من طاعن يتبع العثرات، ويحصي الفلتات في اختلاف الروايات والأقاويل الشاذات، والتاريخات المتباينات، على أني لا أروي إلاما شاهدتة أو سمعته أو نقله إليّ الثقات، أو نقلته من كتب أمير المؤمنين المهدي لدين الله المسطورات في الرسالات والبلاغات، فإن أشكل علي لفظ معنى أو شذ عن خاطري شيء كنت سمعته وأنسيته فأضطر إلى وضعه، فإني أقول فيه أوكما كان أو كما روي، كل ذلك خوفاً لله وفراراً من الكذب الذي يشين المنطق ويغضب الرب: {وما أبري نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} وهكذا تعليق سيرة المتقدمين، ولاطريق نعرفه إلا كذلك، مع أني قد أذنت لكل ثقة من أهل الدراية والتحقيق، فالثقة والديانة والأمانة ممن لم يتبع الهوى ولاينظر إلى لعاعة الدنيا أن يصلح ما عثر عليه من خلل أوفساد في لفظ أو معنى أو تحقيق رواية سمعها وسطرت خلاف ما رآها، فما لا يحتمل فائدة ولا يجوز فيه التكرار، فقلما سلم كلام البشر من الخطأ والزلل إلا كلام من عصمه الله من خلقه وبالله التوفيق.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه وأرضاه بعد هذه الترجمة: الحمد لله الذي نور قلوبنا بأنوار الهداية، وأسبل علينا شآبيب التوفيق في البداية والنهاية، واستنقذنا بكرمه وفضله من السلوك في مدارج الضلالة والغواية، بما منحنا من التمكين والتبيين ونصب لنا من الأدلة والبراهين، وأوضح لنا من الحجة وخلق فينا من القدرة، وأزاح عنا كل علة، وأرسل إلينا الرسل المؤيدين بالمعجزات الباهرات، الصادعين بالحجج البينات إتماماً منه تعالى للنعمة، وقطعاً للمعذرة : {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له الواحد الفرد القديم، الرحمن الرحيم المتعال عن شبه الأشباح والأرواح، المنزه عن الصور والكيفيات، المتقدس عن صفات المحدثات، العدل الحكيم، المنعم الكريم تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأوضح الحجة، ولجب المحجة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين، الذي كشف بشريعته كل ملتبس، وجدد من رسوم دين الله كل مندرس، لم يمنعه عن إبلاغ الرسالة تهكم المتهكمين، ولا إرهاب المتمردين، صلوات الله عليه وعلى آله ما ذر شارق وأثلق بارق.
وأشهد أن الخليفة بعده بلا فضل أمير المؤمنين قاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، ذو الخصائص والمنازل، والمناقب والفضائل، باب مدينة العلم المهتصر من دوحة الكرم، أخوه وابن عمه، وكاشف الكرب عن وجهه، المبلغ عنه كلام الله إلى عباده، أسد الله يوم النزال، القامع عن دينه كل ضلال علي بن أبي طالب بن عبد المطلب[2أ-أ] صلوات الله عليه وعلى زوجته المطهرة، وأم الكرام البررة.
وأشهد أن الإمام بعده سبطه الحسن ثم الحسين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيدي شباب أهل الجنة بالنص من الله تعالى عليه وعليهما حكم من الله لهم يجب إنفاذه، وأمر منه يجب امتثاله، وأشهد أن الإمامة بعد أمير المؤمنين وولديه -عليهما السلام- محصورة في ولديهما وولدي ولديهما ما تناسلوا، المنتسبين إلى الحسن والحسين بآبائهم سلام الله عليهم أجمعين، وأن من قام فيهم مقامهما وسلك سبيلهما، ودعا إلى الله والجهاد في سبيله جامعاً لخصال الإمامة مضطلعاً بأعباء الزعامة أنه إمام حق يجب على الأمة إجابة دعوته، والمسارعة إلى نصرته ومعاضدته، والالتزام بأحكامه، والتعظيم لشأنه، وأنه أفضل أهل زمانه وسيد أهل أوانه، لما خص الله به القائم من شرف الزعامة، وعظم شأن الخلافة التي هي تلو الرسالة إلى يوم القيامة، وبعد ذلك أشهد أن أهل البيت عليهم السلام أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لما خصهم الله من التطهير من دنس الأرجاس، واصطفاهم لأمر أمته من جميع الناس، وأشهد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير أصحاب وأعوان، وخواص وأخدان، الذين هجروا في سبيل الله الأوطان، وقطعوا الأرحام، وحموا حوزة الإسلام، والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه.
فصل
ولما كانت المعرفة بالإمامة من فروض الدين اللازمة، وأصوله الواجبة، وكان جديراً بها من أولاد السبطين عليهما السلام، المنتسبون إليهما بآبائهم من تردى ملابس الكمال، وجمع من خصال الشرف والفضل عدة خصال، قد أجمع العلماء الراشدون عليها وقضوا بوجوبها، وأضافوا سائر خصال الإمامة إليها من الذكورية والحرية والإسلام وكمال العقل، وهي أن يكون عالماً بما تحتاج إليه الأمة بحيث يجب أن يكون من أهل الاجتهاد، وأن يكون ورعاً عن المحرمات، بعيداً عن القاذورات، جواداً سخياً، متجنباً للإسراف والتبذير، يضع الحقوق مواضعها ولا يمنعها أهلها، صحيحاً في بدنه، سالماً من المنفرات، مضطلعاً بأمر الأمة، شجاعاً مقداماً ثابتاً في مواطن الجلاد والجهاد كما كان سلفه عليهم السلام وأن لايكون في زمانه إمام سابق كامل الخصال قد تقدمت دعوته ووجبت طاعته.
(فصل)
ولما كان مولانا الإمام الصوام القوام، العالم الهمام، غياث الإسلام، صفوة الله من جميع الأنام، ثمال المرملين والأيتام، ذو الحسب الشريف، والمنصب الباذخ المنيف، أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن أبي البركات إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن إبراهيم[2ب-أ] بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آبائه الأكرمين، قد انتجبه الله من أكرم عنصر وانتمى، واستخلصه من الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، فاستولى على أقطار المجد وغاياته، وتسنم ذروة الكمال في جميع صفاته، وارتقى إلى سماء الفضل حتى بلغ أقصى المآرب، ونال من الشرف والعلى أقصى المطالب، ولم يزل يتبع المعالي في مقاصدها، ويجمع قاطنها وشاردها حتى برز إلى حيث يتحسر عن وصفه طوامح الأفكار، ويشهد له كل فاضل بالسبق في مضمار الإيراد والإصدار، فنظم أشتات الفضائل، وأخذ برقاب المحامد، فلم يدع فناً من فنون العلم حتى خاض لجة الزخار، واستخرج من عيون درره الأبكار، حتى كانت ألمعيته تحيط بجوامع الصواب، وتدور بكواكب السداد.
هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل
(فصل)
ونحن نذكر جملاً من مناقبه وخصائصه التي تفرد بها وبرز على غيره في مضمارها، فلنبدأ بنسبه الشريف، ثم مولده عليه السلام، ثم صفته، ثم نشأته، ثم خصائصه في العبادة والورع والزهد، ثم خصائصه في الكرم والسخاء، ثم خصائصه في حسن الخلق ثم في جودة رأيه وتوقد ألمعيته، ثم بذكر مناقبه في العلم، ثم مناقبه في ثبات القلب، ثم بذكر مناقبه في البلاغة، ثم بذكر حسن معاشرته لأهل زمانه حتى غلب على قلوبهم حبه، ثم نذكر جملاً من فضائله وبركاته، ثم نذكر السبب الداعي له إلى القيام، ثم نذكر دعوته العامة وبيعته، ثم نتكلم في سيرته على وجه الإجمال، نبدأ بأول سنة نذكر حوادثها فإذا انقرضت ذكرنا السنة التى بعدها وحوادثها سنة سنة حتى نأتي على مدة دولته إلى أن مضى شهيداً فائزاً بخصل السبق، مؤدياً لما أمر الله به في أمر الأمة، لا نستثني في ذلك إلا مشيئة الله سبحانه ولطفه وتوفيقه.
(فصل في نسبه)
هو في الظهور فلق الصباح، ونور الشمس، وضياء البدر، خفقت في أفق الشرف الباذخ ذوائبه، وطلعت بأنوار الفخار كواكبه.
للمصنف رضي الله عنه:
نسب علا فوق السماء فخاره
وتفرعت أغصانه من دوحة
أضحى به المهدي في أفق العلى
شرف تحجزه وفخر ناله
لا يزال يخفق فوقه علم الهدى
... وتربعت فوق النجوم مناصبه
وأطل فوق العالمين ذوائبه
بدر يمد من الذكاء كواكبه
يقضي بذاك وليه ومحاربه
وتحف بالنصر العظيم مواكبه
هو أمير المؤمنين وإمام المسلمين المهدي لدين الله رب العالمين: أحمد بن الحسين السيد الفاضل الورع ابن أحمد الطاهر الحسب النجيب ابن القاسم قدوة أهل عصره ابن عبد الله العالم العامل ابن القاسم [ 3أ- أ]الجواد ابن أحمد المفضال ابن إسماعيل أبي البركات ابن أحمد الزاهد التقي ابن القاسم المجاهد الرضي ابن محمد الإمام العلامة ابن القاسم أمير المؤمنين ترجمان الدين ابن إبراهيم الديباج ابن إسماعيل السيد الرضي ابن إبراهيم الشبه ابن الحسن الرضي ابن الحسن السبط ابن خليفة رسول الله بلا فصل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم وعلى الصفوة من أسباطه إلى يوم الدين.
قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: هذه ترجمة نسبه عليه السلام أخبرني عليه السلام أنه ما يعرف بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آبائه وأجداده إلا من هو فاضل تقي، وهذه من مناقبه الباهرة.
(فصل)
وأمه الشريفة الطاهرة المكرمة فطيم ابنة الشريف الفاضل الحسين بن علي بن سليمان بن القاسم بن علي بن القاسم الإمام العياني ابن علي بن عبد الله بن محمد بن الإمام ترجمان الدين أمير المؤمنين القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
(فصل)
أما أبوه الحسين بن أحمد فإنه كان فاضلاً عالماً عاملاً ورعاً زاهداً، مقصوداً للبركة، معروفاً بالفضل، قدوة في زمانه، سار إلى بيت الله الحرام امتثالاً لأمر ربه، وأمه هي أم أحمد ابنة ناصر بن أسعد بن الحسن بن أبي رزين العلامة المشهور ابن الحسن بن عبد الأعلى بن مسعود بن عبد الله بن بوسان بن الحارث بن حرب بن عبد ود بن وادعة من بيت شريف مشهور.
وأما جده أحمد بن القاسم فإنه كان من أعيان أهل الزمان، وأهل الفضل والإحسان، وكذلك القاسم بن عبد الله.
حاشية: دعا إلى الله وإلى إحياء كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بحران، ويكنى بالمنصور بالله، وكان من الأئمة السابقين، استقر ملكه في أكثر اليمن، وذلك قبل قيام الإمامين علي بن زيد من أولاد الإمام الهادي عليه السلام المقتول بشظب، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليهم السلام، وقد كان دعا قبله جده الإمام الكبير العالم الشهير ترجمان الدين القاسم بن أحمد بن أبي البركات إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن الإمام العلامة محمد بن القاسم الإمام ترجمان الدين إبراهيم بحران، وملك أكثر اليمن، وأعانه إخوانه الأمراء السادة الفضلاء ذو الشرفين محمد والقاسم ابنا جعفر بن القاسم العياني، وابن عمهم الحسين بن إبراهيم بن سليمان بن الإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، وسليمان هذا هو العامر لثلاء أي للحصن، والآمر للناس بعمارة المدينة كذلك، وذكر صاحب سيرة الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام لما ذكر نسبه من أمهاته وهن جدات الإمام المهدي لدين الله عليه السلام أن أم عبد الله بن القاسم فاطمة بنت أبي البركات بن الحسين بن يحي بن علي بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم ترجمان الدين، وأن أم فاطمة هذه علوية من أولاد عمر بن علي بن أبي طالب، وذكر أن أم القاسم بن أحمد غاب عنه اسمها.
قال: وأما أم أحمد بن أبي البركات فهي أم سالم بنت الإمام القاسم بن علي [3ب-أ] بن عبد الله، وأما أمها فهي شريفة من أولاد القاسم بن محمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم ترجمان الدين، وأختها حسنة بنت القاسم بن علي بن
عبد الله ولهما سبيع مال القاسم بن علي في مذاب مقسوم ذلك لورثتهما.