خمسة وخمسين بندقاً، فاتفق الحرب من العسكر عند صلاة الجمعة سلخ شهر رجب الأصب سنة سبعين وألف [1659م][253/ب] بغير اختيار منا، وإنما عزم بعض العسكر يطلبون العلف، ونحوه من الوادي تحت البلد فرماهم من في البلد، فتداعى من كان في الوادي من العسكر، وحملوا عليهم حملة رجل واحد، واستولوا على البلد ومن فيها، وقتلوهم جميعاً، واجتزوا رؤوسهم وغنموا سلاحهم وما كان في البلد ووقع أيضاً في جانب آخر قتل رجلين آخرين كانوا يرمون على الماء لا يتصل به أحد، وكانوا يظنون أنهم في مكان يمنعهم فحمل عليهما العسكر فقتلوهما واجتزوا رأسيهما كذلك.

وأما البلد الكبرى فسلموا طوعاً بعد اليأس، وقبضنا سلاحهم الذي للسلطان وكان لهذه الوقعة انفلال شوكتهم، وانطفاء شورتهم، واضطراب أمرهم، وكانت قد اجتمعت محاطهم جميعاً التي كانت في وادي عمد والتي كانت في الشحر، والتي في هينن، في مكان تحت الهجرين يسمى سدبة، وحين عرف السلطان ضعف الناس وما خالطهم من الجزع والفزع خرج بنفسه من هينن، ممداً لهم ومقرراً لروعتهم فثبت الناس معه، ولكنهم على وجل، وقلوبهم متفاوتة، فتقدمنا عليهم من الهجرين يوم الأربعاء رابع شهر شعبان، الكريم سنة سبعين وألف [إبريل 1659م] حتى بقى بيننا وبينهم قدر ميلين أو ثلاثة أميال، وأمسينا ليلة الخميس خامس شهر شعبان. ثم أصبحنا عليهم صبح ذلك اليوم الذي عودنا الله فيه كل جميلة ومنحنا بفضله كل فضيلة، وتركنا في محطتنا من يحفظها من مكايد العدو مع القاضي المجاهد الهادي بن عبد الله الحارثي الحشيشي، وعبينا المجاهدين أحسن تعبئة ورتبناهم أحسن ترتيب، لما كنا نظنه في جمعهم الكثير، وخيلهم المتوفرة المتنعمة، مع ما أصاب خيلنا من الكلال والمشقة، وأعددنا من الحزم ما ينبغي أن نلقى به العدو، ثم زحف القوم إلى القوم فلما ترأى الجمعان، والتقى الجيشان، وكادت خيلهم تتصل بالسابقين من أصحابنا رمت عليهم البنادق في الميمنة والميسرة، فقتل منهم جماعة يسيرة، فما هو إلا أن عرفوا ذلك ولو أدبارهم ورأينا إدبارهم، فزحف عليهم المجاهدون في إثرهم، وليس بحثيث لما كنا نظنه أن في الشعوب على يميننا ويسارنا كميناً، وهنالك مخادعة لنا، فما زال القتل الذريع فيهم، والأسر واجتزت رؤوس كثيرة، لم نحص

معرفة حصرها حال الكتاب واشتغل الناس بالغنايم لأموالهم وسلاحهم وخيلهم وانكسر السلطان وأولاده وأعوانه، وجميع أهل المحطة، فأما القبائل فذهب كل قبيلة إلى بلادها، وأما السلطان فهرب إلى هينن، وبعض آل كثير، وانحازوا إلى شعاب يأمنون على أنفسهم فيها. ونحن بعد أن جمعنا العسكر الذين[254/أ] كانوا تفرقوا عنا لحقنا بالسلطان إلى بلد قريب هينن تسمى المخينيق، فما وصلنا إلا ورسوله يصل يخادعنا بكتاب ظاهره طلب الأمان، فعرفنا أنه يريد الفرار فألزمنا السيد صلاح الدين صلاح بن محمد والفقيه علي بن صلاح الجملولي بالتقدم إلى هينن لتأمين أهل البلد ومحاصرة السلطان في القلعة. فما وصل المذكوران إلا وقد هرب بجماعة يسيرة من أخواله الشنافر واستقر في مكان يسمى وادي جعيمة، ونحن تقدمنا في أثره، وصدرت هذه الأحرف ونحن في مدينة شبام، وصلناها يوم السبت سابع من شهر شعبان الكريم من سنة سبعين وألف [1659م] ونحن بإزاء جعيمة، حيث السلطان وقد أرسلنا إلى سيئون وتريس وغيرهما من البلاد من يتسلم حصونها ويؤمن أهلها، وقد سلمت الحصون بمن الله وفضله.
وأما قلعة هينن فترك السلطان فيها جميع ثقله وأهله، والظن قاض أنه يريد المخاطبة بطلب الأمان، ونحن أمرنا السيد صلاح الدين والفقيه علي بن صلاح الجملولي بمحاصرة قلعة هينن، وتعجلا بالحرب عليها حتى ينظر غاية أمره، فإنه إنما هرب إلى هينن لما علم أخذ الهجرين عنوة، فعرف أن هينن يمكن أخذه عنوة.

وأما سائر آل كثير أهل الحضرة فإنهم قد وصلوا إلينا مواجهين سامعين مطيعين، وحسن أخو السلطان منحاز في جانب وحده، وهو يريد المواجهة إلينا، وقد أنفذنا الأمان إليه، وقد أحببنا تعجيل هذه المسرة إليكم، والتفريج عليكم لما نعلمه من انشغالكم بنا وبمن لدينا من المجاهدين، سيما بعد انقطاع الكتب بسب الأعداء المتوسطين المترصدين في الطرقات مثل النعمان، وأهل السوط أخزاهم الله، وأذلهم.
وفيه ملحق بخط يده الكريمة حماه الله، الحمد لله رب العالمين، ملحق خير إن شاء الله بحمد الله وشكره، ونعترف له بالعجز عن القيام بواجب الشكر، وما يجب له سبحانه وتعالى، ونهنئ مولانا أيده الله، بهذه المسرة، ولا أدري أيها أعظم سلامة جنود الحق مما نالوه من المشاق، أما الفتح المبين الذي لا يحتسب ولله الشكر كثيراً بكرة وأصيلاً، وهو كما أثنى على نفسه الرحمن الرحيم، وهي صدرت وقد وصل إلينا النقيب علي بن راشد الذيباني من سيئون مواجهاً على من في المدينة وحصنها من جميع عسكر السلطان علي آل حصن تريم، وتريس ومريمة، والرجل عين أجنادهم أجمع سمعناه ورأيناه.

ولما عزم الرسول عنده حفظه الله كانت طريقه على هينن وعزم منها يوم الثلاثاء، وكتب معه الفقيه جمال الدين علي بن صلاح الجملولي حماه الله[254/ب] بالاستيلاء على قلعة هينن، وجمع ما فيه من الذخاير والخزاين، والحمد لله رب العالمين والرتبة تسلموا وحريم سلطان وأولاده جللوا واحترموا، وأمر الولد صفي الدين حفظه الله بأن ما كان للحريم من الحلية والآلات والكساء والجواري وغيرها يطلق عليهن تفضلاً وإحساناً وتكرماً منه اقتداءً بفعل آباءه الطاهرين، والحمد لله رب العالمين، وبلغ إلينا أن الغنائم التي كانت في المحطة واسعة، وأن قدر الجمال وحدها قدر ألف جمل.
وأما المدن فأمنوا ولله سبحانه وتعالى الحمد والله يوزعنا شكر نعمته ويزيدنا من فضله وكرمه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، تاريخ عشرين من شهر شعبان الكريم سنة سبعين وألف [2مارس 1659م] هذا تلخيص الواقعة.

ولما هزمهم الله سبحانه وتعالى، وتفرقوا كما ذكره مولانا الصفي في كتابه الكريم تقدم جنود الحق إلى موضع يسمى المخينيق قريباً من مدينة هينن، ووصل الشيخ محمد شيبان بكتاب من السلطان كما ذكر في كتابه، وصح لمولانا مخادعة السلطان بالخطاب، ليقل الاهتمام عن طلبه فسار مولانا أحمد في الليل، وأصبح في موضع يسمى حذية، -بالحاء المهملة والذال المعجمة وياء معجمة بنقطتين وهاء ساكنة- بالقرب من مدينة شبام. ثم سار إلى مدينة شبام وقد استأمن أهلها فكان فيها وذلك يوم السبت سابع من شهر شعبان ووصل إليه أهل تريم وأهل سيئون، وأهل عينات، ومريمة، وتريس- بالتاء الفوقانية، بعدها راء مهملة، وياء معجمة بنقطتين، وسين مهملة- ومدينة الغرقة وساير آل كثير، فأقام مولانا أحمد في شبام ثمانية أيام، ووصله العسكر الذين بهينن، وتقدم يوم الإثنين إلى سيئون، وهي قرار سلطان حضرموت، ولما استقرت فيها الجنود الإمامية، وصل خطاب من السلطان بدر يطلب الأمان على نفسه.
وأما إخوته وأولاده فقد تقدم أمانهم تكريماً من غير شرط وقد جعل عليهم مولانا الصفي، أيده الله، ثقات أصحابه يحفظوهم من معرة الجيش فلم يفتح لهم باب ولا لحقهم معرة، ولما طلب السلطان الأمان قبض مولانا، أيده الله، من ذخائره وبيت ماله ما رآه غنيمة بيد القبض لمثلها. ثم وصل السلطان إلى مولانا، أيده الله، يوم الجمعة عشرين يوماً من شهر شعبان، فعظمه كثيراً، وخلع عليه وعلى ولده ومن في صحبته لكل بما يليق به، وأمره بالإنضمام إلى أولاده فأظهر أنه لا يستحق ذلك وأكثر من التواضع والاعتذار.

ولما دخل شهر رمضان[255/أ] المعظم طلب السلطان المذكور من مولانا أحمد أن يجهزه إلى عند الإمام، فأجابه إلى ذلك، وهو الذي يريده ويهواه، وإنما يكتمه أكثره حياءً، فجهزه أحسن جهاز، وجعل معه الأمير علي بن الحسين بن الشويع والقاضي الأعلم جمال الدين عامر بن أحمد الذماري في نحو سبعين رجلاً، ونحو عشرين فارساً منهم أصحاب الأمير علي، فكانت طريقه شبوة، وواسط ثم بيحان وريده. ووصل إلى الإمام عليه السلام ثامن وعشرين شهر رمضان المعظم، وكان قطع هذه المسافة المتقدم ذكرها في سبع عشرة مرحلة وكان أراد مولانا الصفي أيده الله، أن المذكور يمر على البيضاء ثم عند مولانا محمد بن الحسن أيدهم الله، فاعتذر وبالغ في الاعتذار وربما ذلك حياءً لما أكثر من التوسل بمولانا عز الإسلام، أيده الله، وهو يخادعه والله أعلم.

[وصول سلطان حضرموت إلى الإمام]
ولما وصل السلطان في اليوم المذكور أمر الإمام ولده مولانا علي بن أمير المؤمنين وأهل حضرته بلقائه وتعظيمه، وأعطاه ومن معه الخلع السنية، والخيل النجيبة المحلية، والنقود الكثيرة، والضيافات الهنية، وأفرغ له داراً وأجرى عليه وعلى أصحابه النفقات الواسعة، والنعم المتتابعة، وكان قد قدم قبله إلى مولانا، من إخوته السلطان الأكرم علي بن عبد الله، وذلك أنه حج عام ثمان وستين وألف [1657م] وعاد للحج وقد بلغه المخارج على أخيه فأظهر البراءة منه، وأنه من جملة أصحاب الإمام، وروى أيضاً أنه لم يوال الإمام رغبة، وإنما خاف أنه لا يقدر على النفوذ إلى بلاده فأظهر ذلك وعرف الإمام عليه السلام أنه كذلك فجازاه الإمام، على ذلك وأعطاه وضمه إلى أخيه، كالواسطة في حوائجه وكذلك أخوهما السلطان طالب بن عبد الله، كان إليه ولاية الشحر من ساحل حضرموت، لأنه خرج من طريق عدن، واستأمن إلى واليها، وأظهر أنه فر بنفسه إلى الإمام، وأنه منكر على أخيه، وربما وباطنه غير ذلك وإنما أراد الخروج إلى ساحل جدة فأخرجه البحر إلى عدن والله أعلم.

وأخبرني الولد الحسين أسعده الله أنه سأل الإمام، هل كان وصوله بإختياره أم لا؟ فقال: اعرفوا الجملة، ولا تعرفوا التحقيق، أو كما قال، وكتب صاحب عدن إلى الإمام عليه السلام، وإلى مولانا عز الدين محمد[255/ب] وإلى مولانا أحمد بن الحسن فأمر الإمام صاحب عدن أن ينفذ المذكور إليه، ويبالغ في إكرامه والإحسان إليه، وأمر من يتلقاه للضيافة في اليمن حتى قدم إلى الإمام عليه السلام لليال من رمضان الكريم وعظمه الإمام وأكرمه.

[ما حدث للكنج من قبل السلطان جعفر بن عبد الله] :
ولما وصل السلطان بدر وضمه إليه كما ضم أخاه علياً وكانوا كذلك، وأما السلطان جعفر بن عبد الله فكان في ظفار بعد أن غدر بعمه كما تقدم، فكان فيه على صفة الخلوس وقطاع السبيل، والمفسدين في الأرض وإنه أظهر بعض ما كان يكتمه من الفساد في نفسه، ولاعزاء لأهل المعاصي بها وإعانتهم عليها، وضم إلى ذلك الجور في الأحكام. ثم أنه نهب من جاء ذلك البندر من الأجناس، والأمم فأخذ أموالهم فممن أخذ قوم من الكنج، وهم إمامية المذهب فإنه نهب أموالهم، وختم عليها بخواتمه بعد أن سجنهم، وأرسلها مع غيرها إلى بندر جدة، وجعلها في مراكب، فجاز أولها حتى انتهى إلى الحديدة من بنادر تهامة اليمن، وواليها النقيب سعيد بن عبد الله المجربي من موالي مولانا الحسن رحمه الله، فعرف الختم بعض أعوانه، فأخبره بذلك فبحث عنه، وصح له أنها للسلطان جعفر فقبض عليها وعلى أهلها، وكتب إلى الإمام فأمر بأشخاصها إليه، فوصلت إلى الإمام في شهر رجب من السنة المذكورة، وكان أهلها من الكنج قد أطلقهم جعفر فخرجوا من ساحل عدن، فأخبروا بالقبض عليها، وأنها قد صارت عند الإمام وقد شاع في الأرض عدله القايم، وعدل سلفه الأئمة الأبرار عليهم السلام آناء الليل وأطراف النهار وما أحيا الله به وبهم من معالم الدين الذي جاء به النبي المختار، فوصل أولئك الكنج إلى الإمام قبل وصولها بيومين، وشكوا عليه، وكان أول ما وصل من أمتعتهم ثمانية أحمال، معها عسكر من أصحاب النقيب سعيد.

99 / 116
ع
En
A+
A-