ويزهد في الدنيا كزهد ابن أدهم .... بلى هو منه لا محالة أزهد
وكيف وهذا منه أرفع رتبة .... وأعلى وأغلى في الأنام وأغيد
وإن قال قولاً ضاع سحبان عنده .... وقس مع ابن العبد فالكل أعبد
[241/أ]وقد طبق الآفاق متقن علمه .... وذاك من المنقاد أدرى وأنقد
فضائله لم تنحصر بكتابه .... وزهر سما الأرض لا يتعدد
له الفتكات السابقات بوصفها الأ .... نام فكم وصف إلى الخير يسند
فضائل منها الفرد كالألف وهو في .... الطوامير بالتصنيف والذكر يفرد
وبالرعب كالمختار شهراً عداته .... فرايصهم خوفاً من الضرب ترعد
وللجيش فيهم كرة بعد كرة .... وللخيل فيهم بالغوالي مطرد
يمورون كالبحر المحيط وفيهم .... تمر المواضي والقنا المتعمد
لعمرك ما يودي لهم من مثقل .... قتيل ولو أن المصيب المجرد
فمنهم جريح بالدماء مضرج .... ومنهم شريد في المهامه يطرد
بهم ثأر نقع الخيل كاليل فالعدى .... ترجى نهاراً إذ يلوح المهند
فأرواحهم تهب الأسنة والظبا .... دماؤهم كادت بها تتجسد
تظللهم طير السماء وتحتها .... السباع تلقى ما الأسنة تحصد
وفي يافع والنجد كم فتكة لها .... المعاند لم يبرح يقوم ويقعد
وكم فاجأ البيضاء جند كأنه الـ .... خضم له موج من الأسد مزبد
وبدر بأرض الشحر والاه طالباً .... لعفو إمام للموالين يرشد
ومن يافع جاؤه والكل سائل .... لأفضله حتى أنيلوا وأرفدوا
وأولاهم ما يرتجون وكم غدت .... لإحسانه البيضاء تشني وتحمد
وفي الهند ما ينبي الورى عن تشوق .... إلى من بأصناف العلا متفرد
تناديه أقطار الأقاليم جُدلنا .... كما جدت للبيضاء وأنك أمجد
فإن شاء نال الهند والسند لم تكن .... لتعجزه ما رامه وهو أيد
إليك أمير المؤمنين قصيدة .... قلائدها منها الداري تنفد

وقد صنفتها أرجو القبول وقلتها .... لثانية لما أتاك محمد
هو الفرع من شمس الخلافة أصله .... وذلك مولاً للإمام وسيد
وما زاد مولانا اشتهاراً بمدحه .... بل النظم يهدي للأنام ليقتدوا
وقد قدمت مني البراعة مثلها .... لوحك يا ذا العلم والجود ينشد
وأصحبتها الصنو الجليل إليكم .... وذكرك لي يابن الأعاظم مقصد
أعني على العلم الشريف بدعوة .... وجدلي بما يغني ويقني ويسعد
[241/ب]فما لي بعد الله غيرك ملجأ .... وجودك للعافين جل وعسجد
هدانا لهذا من حمدناه أولاً .... ولم يك لولاه الأنام ليهتدوا
وصلى على المختار والآل ربنا .... صلاة على مر الدهور تجدد
وفي العام المذكور إراد الإمام (عليه السلام)، كما أخبرني بذلك (عليه السلام) مكاتبة، وشفاهاً، التقدم إلى محروس شهارة، لموجبات أعظمها وأهمها وأعمها معاهدة تلك المعاهد المحروسة، والمحال المأنوسة، وليتوسط ما بين اليمن والشام، وقد تقدم وفاة زوجته الفاضلة فاطمة بنت الحسن بن أحمد (رحمها الله)، وكانت نعم السكن، من ذوات الكمال والفضل، من نساء الزمن.
وقد وصله مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين (أيده الله) وعرف إضراب الإمام عن نكاح غيرها، ولعل ذلك كما اتفق لحي مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى شرف الدين (عليه السلام)، وقد ماتت زوجته الفاضلة بنت عبد الله بن أمير المؤمنين المطهر بن محمد بن سليمان (عليه السلام)، فقال في قصيدة مرثاة فيها:
فوالله ثم الله ما حل قبلها .... ولا بعدها من خلةٍ حيث حلت

فأشار عليه (أيده الله)، باستخلاف الشريفة الفاضلة الطاهرة فاطمة بنت الحسين بن علي بن إبراهيم [………………… القاسمي، فأخبرني مولانا أمير المؤمنين (حفظه الله)، وقال مقسماً بالله إن الولد محمد بن الحسن (حفظه الله) تحمل جميع المؤن، وجهزها بكثير من خالص ماله، ولقد سلم مع ذلك الكثير المهر كاملاً، وهو يدعو له مع ذلك، وبنى بها في رابع عشر شهر رجب الأصب عام سبع وستين وألف، وأسكنها الدار الكبرى بمحروس الدامغ، الذي كانت لصنوه مولانا شرف الإسلام الحسين، وسر المسلمون بذلك، ووصل إليه (أيده الله) من قرب من الأصحاب والخواص، وكتب إليه من بعد منهم، وقال في ذلك [أشعاراً] [242/أ][………………] [………………] .
نعم ! وقد تقدم ذكر وفاة حي السيد الجليل، العالم المجاهد النبيل، عز الدين محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين الحسن بن علي بن داود بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن الأمير المؤيد بن أحمد المكنى المهدي بن الأمير شمس الدين، شيخ آل الرسول وحجة ذوي العقول، يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى (عليهم السلام) وكان علق وصيته بالإمام (عليه السلام)، فقام بها أتم القيام، وأنفذها، وكفل أولاده، وكان أكبرهم صغاراً، واقتدى في معرفة البركة بوصيته له (رحمة الله عليه).

ولما كان في شهر جمادى الأولى[242/ب] عام ثماني وستين وألف [فبراير 1657م]، وكان قراءة أهل الفضل عليه في كتاب (الثمرات) المعروف، فأخبرني من حضر ذلك وهو الولد الأفضل الحسن (أسعده الله) أنه (عليه السلام) انتهى إلى تفسير قول الله سبحانه: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا …} الآية. وما يتعلق بأحكامها، التفت إلي ولد السيد محمد بن أحمد المسمى علي، والحاضرين وخطب خطبة لم أسمع بمثلها في بابها ارتجالاً، بعد أن حمد الله سبحانه وتعالى بمحامده كلها، والصلاة على نبيه ورسوله ً، وسأل الولي المذكور أن يزوجه الشريفة المذكورة، وأجابه، (وبتر البثار المسنون) ، وبنا بها في جمادى الأولى كما تقدم.
ثم أخذ بعد ذلك في تفقد مرافق الحصين والجامع المقدس، بعد أن كان وسع فيه ما تقدم، ثم أمر بعمارة بركة عظيمة، ومرافقها، ومن المطاهير وغيرها، وقد وسعها فكانت من أعظم البرك، وأكملها، وأحوط في الطهارة، وعمر أيضاً سقاية قريبة من الجامع للشرب، وسمسرة في السوق، ووقفها للجامع، بعد أن كثر الله الغيول الجارية للجامع على يديه كما تقدم.
وكان لهذا التأخير الذي يسره الله وهيأه له، وقوى عزمه الميمون عليه من الإقامة في محروس الدامغ، وجهاته لحسم ما نجم في بلاد حضرموت، وسبب ما سيأتي من الفتوح إن شاء الله.

[ذكر تقدم القوات الإمامية إلى حضرموت وجهاتها]
ذكر المخرج المنصور إلى البلاد الحضرمية وجهاتها، وأسباب ذلك، وقد تقدم بعضه، وهذه زيادة مختصرة إن شاء الله تعالى.
وذلك أنه لما فتح الله سبحانه وتعالى صنعاء المحروسة كما تقدم في أخبار مولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله (عليه السلام)، وكان سلطان حضرموت وجهاتها السلطان عبدالله بن عمر [بن بدر بن عبد الله بن جعفر] الكثيري.
ولما قررت النواصب في نفوس كثير من الأمة المحمدية، وغالب أهل المذاهب المخالفة للذرية النبوية، سوء الاعتقاد في آل محمد ً، وكان السلطان كما أخبرني الشيخ صلاح بن مقنع الأسعدي الآنسي، كان ملازماً لحي الأمير علي بن مطهر بن الشويع، ثم لأخيه الأمير عابد بن مطهر، أنه كان في صنعاء أيام حصارها عبد لهذا السلطان يسمى الأمير أحمد، كان وصل إلى صنعاء لعوائد لهذا السلطان من الباشا حيدر، وحمل أيضاً عوائد [243/أ]لصاحب صنعاء من السلطان فوافق حصار صنعاء وهو فيها، ولما طال عليه استأمن إلى مولانا الحسن، ومولانا الحسين (رحمة الله عليهما) وخرج من صنعاء، وطلب إنفاذه إلى سيده فأصحباه كتباً وخلعاً من أحسن ما وجداه مناسباً للحال، وأنفذا معه الشيخ صلاح، ومن أثبت اسمه من أصحابهما، وأنهم وصلوا أول بلاد السلطان وقد شكروا هذا العبد، وحسن صحبته لهم فقال هذا العبد: لا تذكرون عند السلطان ولا غيره أنكم رسل من عند آل الإمام، وقولوا: نحن من عند الباشا.

قال الراوي: فاستربنا منه واتهمناه، فلما وصلنا إلى هذا السلطان أمر بلقاء الكسوة التي من الباشا، وكانت فاخرة، ومعها سيف من ذوات القيم العظيمة، ولبس الكسوة وعظمها، ولم يأذن بإظهار كسوة الإمام، وسألنا قبل أن يقرأ الكتب الإمامية مع تعظيمه لخط الباشا، وقال: ما يريدون الزيدية بالكتاب إلينا وتأفف بهم، وتهكم.
فقلنا: إنما أرادوا إعلامكم أن أهل البيع والشراء والتجار من أهل بلادكم يختلفون إلى اليمن على عاداتهم الأولى.
قال: فأمر بإكرامنا والخروج إلى مجلس عينه لنا، واختص بصاحبهم، وقد شكر ذلك العبد حسن صنيع أولاد الإمام (عليه السلام)، فلم نكد نلتفت إليه، وقد أخرج الكسوة التي من سادتنا (أيدهم الله) فما راعنا إلا وهي مع حاشا المسامع من النساء المطربات، وأهل اللعب، وهم وهن في لهوهم ولعبهم يحفون بمكانه رجالاً ونساءً، وبعد أيام أجاب بما لا يعرف ما أودع في ذلك الكتاب، وأعطانا وأكثر، ولم نسمع منه ومن أصحابه غير كراهة أهل بيت الإمام وأهل البيت ومذهبهم.

وفي سنة أربعين وألف [1634م] حج هذا السلطان عبد الله بن عمر، واستخلف أخاه بدر بن عمر، وقد مر في سيرة مولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله شيء من ذلك، ومات السلطان عبدالله بن عمر بما لا أتحقق وفاته هل كانت في طريق الحج أم في بيته، وقد انتصب مكانه أخوه بدر بن عمر، وكان قد كاتب الإمام المؤيد بالله (عليه السلام) في أيام مغيب أخيه، وأجابه الإمام (عليه السلام) بشيء مما تقدم أيضاً، واستمرت مكاتبته إلى الإمام (عليه السلام) في بعض الأمور، وكان ميل كبراء آل كثير مع أولاد السلطان عبد الله، فاحتال أولاد السلطان عبد الله على عمهم بالغدر، وذلك أنهم وجهوا له بلسان من يقبل قوله أنهم يزوجونه امرأة ممن تتعلق بهم، وهيأوها، ثم لبسوا معها في لباس جواري في أخبار[243/ب] حكوها، حاصلها أنهم قتلوا من دافع عن عمهم، وقبضوا عليه، وعلى أولاده وعلى جميع ما يملكه، وجعلوه في حصن [ ] ، وخلفوا للسلطان بدر بن عبد الله بن عمر هذا الآتي ذكره، فساس البلاد وأطاعه أهلها، وله ملابسة للسياسة، ومراعاة لأسباب الرئاسة، فكان أكمل من عمه وأنهض، فأحبه أهل تلك الجهات، ولكونه لم يوال الإمام (عليه السلام).

ولما ظهرت دعوة مولانا وإمامنا وإمام الأمة، ومن كشف الله به عن المسلمين كل غمة، وجلى به عن الدين كل ملمة وبهمة ، أمير المؤمنين وسيد المسلمين المتوكل على الله رب العالمين إسماعيل بن أمير المؤمنين أيد الله به الدين، وأدامه شجاً في حلوق المعتدين، بلغه أن هذا السلطان بدر بن عمر أخذه بجريرة موالاة الأئمة (عليهم السلام)، وكاتب هذا السلطان بدر بن عبد الله في شأن عمه المذكور، وقد تقدم أنه أرسل إليه بدعوة إلى الله مع السيد الأعلم الأفضل محمد بن عبد الله بن محمد المؤيدي، وجعل معه أنفاراً، فأخبرني بعض من حضر مع السيد محمد بن عبد الله المذكور أنه أحسن تلقيهم، وأظهر الطاعة، وعمه حينئذ في الاعتقال، وأجاب الإمام (عليه السلام) بنحو ما تقدم من المجاراة والتلون والتخنس.
وفي عام أربع وستين وألف [1653م] عاوده الإمام (عليه السلام) بالمكاتبة بإطلاق عمه، والإجابة الصحيحة، فكان الجواب من نحو ما تقدم، وعرف الإمام (عليه السلام) أنه لحق جانبه المصون وضم، ووجوب طاعته المفروضة من الله سبحانه وتعالى نقض وهضم، وأن هذا السلطان بدر بن عمر أخذ بجريرة موالاته ظلماً فاستعان الله سبحانه وتعالى كما تقدم من أخبار الرصاص ويافع وغيرهم، وأن السلطان بدر بن عمر قد أطلق من الحبس كما تقدم.

وصار إليه ولاية بلاد ظفار وما والها، وكان مع ذلك وصل إلى الإمام (عليه السلام) أخ للسلطان جعفر، وكان إليه شيء من البلاد، فأظهر السلطان بدر لأخيه أن الإمام قد أخذ علينا بلاد ظفار، وجعلها لعمنا، فما بقي من البلاد ما يسع عوائدكم أو كما قال، وكثر بينهم الاختلاف، فوصل إلى الإمام (عليه السلام) شاكياً من أخيه، وطالباً من الإمام (عليه السلام) أن يفرض له بلاداً، فلم ير الإمام ذلك لما يحذره من الفتنة بينهم، وكثرة الاختلاف، وقد أحسن إليه الإمام (عليه السلام) كثيراً، واستطاب نفس أخيه، فطال على جعفر المذكور المقام في حضرة الإمام عليه السلام، واشتاق إلى بلاده وملاهيها، فتقرب إلى الإمام (عليه السلام) بحسن الطاعة، وأنه لا يريد بلاداً، وإنما يريد الكون مع أخيه السلطان بدر بن عبد الله فكتب له الإمام (عليه السلام) إلى السلطان، وأرسله كما يحب.

فلما وصل إلى عند السلطان[244/أ] بدر اتحد أمرهما، وصلح حالهما فاستراب منهما عمهما السلطان بدر بن عمر، وأرسل ولديه محمداً وعلياً إلى الإمام (عليه السلام)، من طريق البحر وبلاد المهري، ليوقع في نفس السلطان بدر بن عبد الله هيبة الإمام رجاء أنه لا يتجاسر على ما وقع، وطلب أيضاً الرباعة من آل كثير احتياطاً، وهي ضمانة من له يد وشوكة، فلم ينجح ذلك بل توجه السلطان جعفر إلى ظفار سراً والمكاتبة بينه وبين عمه صاحب ظفار بالاتحاد في الظاهر، وأظهر أن جعفر هذا ذاهب إلى الهند وجهات النعمان ، فاحتالا على عمهما كما أخبرني مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن (أيده الله) مكاتبة أن جعفر هذا جمع أوباشاً من الناس، وقد استراب منه عمه وأظهر أنه قاصده من طريق هي المعهودة، فخرج السلطان فيمن أجابه للقائه إلى ذلك المحل، فلم يجده، وقد سلك طريقاً أخرى غير معهودة، وهو ذو خبرة بالبلاد وأهلها، فقتل ابن عمه، وملك ظفار، واستولى على الحصن، ولجأ عمه السلطان بدر بعدها إلى بعض البدو، وكان هنالك، ثم انسل على أيديهم واتصل بالبحر، وركب إلى بلاد المهري، ثم إلى عدن، وكان قد أرسل إلى الإمام (عليه السلام) ولديه محمداً وعلياً، كما سبق ليستوثق من الإمام (عليه السلام) النصرة، وأنه يخاف غدرهم، انتهى.

95 / 116
ع
En
A+
A-