بسم الله الرحمن الرحيم، المقام الذي قام بأعباء الإمامة العظمى فأظهر معالمها، ورفع على قمة الفلك الأثير إيوانها الأحمى، وثبت دعائمها من عكفت شوارد المجد تناديه، ووكفت على كل جهات سحائب أياديه، ظل الله الثابت على الأنام، وسيفه المصلت على أعدائه بالانتقام، من شاع فضله وذاع، وملأ الدفاتر والأسماع، حامي حمى الدين القويم، وقسطاس العدل المستقيم، السؤدد العريض، والشرف الباذخ المستفيض، مدار فلك الشرف الأعلى وقطبه، ومراح راح التقى وقطبه، وروح جسد المجد الأثيل وقلبه، وطراز حلة الشرع المطهر وجدى معصمه وقلبه، باسط بساط الأمن للرعية السالكة، ورافع صيغ أرباب العلوم والفتية الناسكة، ومنبر فساطل الكتائب الحالكة، من استدارت منطقة العز حول مركز سعادته، واستنارت كواكب المجد فأضوى بسادته، وامتدت كلمة دولته إلى منتهى ممالك العرب، وتطأطأت تحت أخمص رفعته معالي الرتب، إمام العظماء ورئيسهم، وسلطان العلماء ونفيسهم، ذو الحسب الصميم، الذي حفظت أواخره أوائله، وأوضحت الأيام والليالي دلائله، فرع الدوحة الساطعة بالأنوار المحمدية، والأخلاق الواسعة العظيمة الأحمدية، مركز دائرة العز المصون، من الدولة المتوكلية ذو اليد البيضاء في سائر الفنون، والكلمة العليا في الأماني والمنون، كيف لا وهو نخبة الآل، ومطلع فخرها المتلال، فما الذي يبلغ من وصفه الواصفون في الإسهاب والإغراق، وهو الحاوي لشتات الخلق العظيم على الإطلاق، وقد كان الدهر به شهيداً، فما من تولى الروح الأمين مدحه قرآناً أكرم ممن يولي الشعراء مدحه قصيداً، والمشهور نسب كان عليه من شمس
الضحى نوراً، ومن فلق الصباح عموداً، خلاصة أهل الكمال من محتد النبوة العظماء الأكارم، السيد الشريف الأعظم[223/أ] سيدنا ومولانا وإمامنا أمير المؤمنين إسماعيل بن أمير المؤمنين القاسم خلد الله دولته النبوية، وأعلى مقاماته المصطفوية، وتولى رعايته فيما أبرم ونقض، وجعل السداد مقروناً بأرائه فيما رفع وخفض، ولا زال بفضل الله متفيئاً ظلال الفيض الوارف، ومتدثر إجلال الكمال ومستمداً بغموره الذارف، وأهدي إلى حضرته الشريفة سلاماً تاماً تجري أنهاره الكوثرية من الذات، وتسطع أنواره القمرية من دواوين الأسماء والصفات، ممزوجاً بالتحيات المباركات.
أما بعد.. ننهي إلى المقام الشريف النبوي، والجانب الإمامي المصطفوي، ما بلغنا من أخبار هذا المقام العظيم وآثاره، وما أجراه الله من النصر والفتوح على يديه، وبما من به من الظفر والتمكين عليه بامتداد دولة كلمة مولانا إلى منتهى قطر اليمن، فتلك الأخبار مما يحسن أن تكون شنوفاً لأسماع الزمن، إذ أطلع الله بهذه الدعوة النبوية شمس اليمن وأضاء، وأذهب عنه غبار الجهل وكشف نقابه ولضا، بفتح ما استغلق من أبوابه، واقتراع قشه وهضابه، وتنضيده بالدر الثمين بعد سحابه، حمدنا الله سبحانه وتعالى على اجتماع كلمة هذه الدولة وانتظامها، وتمام اتساقها بالدعوة المحمدية والتئامها، وتلألأت بالبشارة من جهاتنا الأندية، وأشرقت منها القصور والأبنية، جدد الله لهذا المقام الشريف سعود طالعه، وسعود نيره في مطالعه، وجعل النصر العزيز قائد جنوده، وقرين صدوره ووروده، وتعريف هذا الجناب الأعلى أن المحبين يتعلقون من ولاء هذه الأسرة بأقوى سبب، إذ الآل سفينة النجاة والمرء مع من أحب، وقد خامر حبكم منا الأرواح، ومازج الأشباح، جعلنا الله ممن أرسى من ود آل رسول الله في بحابح الغرف وحضي من صحة ولائهم بأعلى رتبة من العز والشرف، ونسأله أن يجدد عمران الوداد، ويؤكد أسبابه التي هي عنوان الرشاد، وجعلنا ممن خاف مقام ربه، وألزم التقوى أعمال لسانه وقلبه، وسلك بنا أقوم طرق الهداية والتوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أيده بالقرآن المجيد، وعلى أله الذين هدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد، وصحبه والتابعين وسلم وشرف وكرم، فكان هذا الكتاب من ابتدائه.
وأما الجواب عما أريد منه بسفارة الأمير صالح المذكور فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أرشدنا في كتابه العزيز إلى المودة لقرابة نبيه المجتبى إذ قال عز من قائل: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } ، فنحمده حمداً متواتراً متكاثراً على ما أولانا من الخيرات[223/ب]، وخصنا به من الطاعات، ونصلي ونسلم على سيدنا ومولانا محمد ً القائل: ((إنما الأعمال بالنيات )) وعلى آله وصحبه أولي الدرجات العليات، ونستمده من هدايته العظيمة، ونفحاته الربانية الجسيمة، حفظ الشريعة المحمدية، وتشييد مبانيها وأمن أقطارها الإسلامية، وعمران معانيها ببقاء من تلمس مراضي الله وطاعته، في كل حركاته وسكناته، حاوي جميع العلوم الدينية النافعة، التي لكل خير جالبة ولكل شر دافعة، من لم ينطق عن الهوى عن سائر أقواله وأفعاله، القائم بأمر الدين وحامل أثقاله، سلالة النبي الطاهر الأمين، مدار فلك العز والوفاء من السادة الأكرمين، تميمة عقدهم المنتظم الثمين، ظل الله في أرضه المخصوص بالتأييد والتمكين، مورد أهل طاعات الله عين معين، وداده وأمنه والحافه، شامل الرعايا بفضله وعدله وإنصافه، الإمام الأعظم والخليفة المعظم، المرشد للهدى والذايد عن المآثم، مولانا المتوكل على الله أمير المؤمنين إسماعيل بن مولانا أمير المؤمنين القاسم، ولا زالت جيوشه منصورة، وبركاته منشورة، وأعماله مبرورة، وأفعاله مشكورة، ولا زال الكون ينشر علومه عاطر الربا، ولا برح الزمان بوجوده طلق المحيا، آمين آمين.
وأهدي إلى حضرته ساطع الأنوار، سلاماً ضاحك الأزهار، عظيم البركات والأسرار، تغشى تلك الحضرة العلية على استمرار الليل والنهار، شعر:
أهدي سلاماً ذكي ينشر .... لحضرة السيد الإمام
من خصه ربه تعالى .... برفعة القدر والمقام
وبعد.. فالباعث على الكتاب وزبره هو الانقياد لله تعالى والإئتمار لأمره إذ قال في محكم كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} فعلمنا أن لا حياة في الدارين لمن لا يواليكم حيث أنتم عترة الرسول، وأبناء فاطمة البتول، وعلمنا ولله الحمد أن لكم علينا وعلى غيرنا وجوب الطاعة، وأن لمن أطاعكم منكم الرأفة والرحمة والإرشاد إلى أعز بضاعة، وليس بلايق من ذي لب سمع كتاب الله أن يميل عنكم وقد قرع سمعه قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} فأنتم أولوا الأمر الهداة إلى الصراط المستقيم صراط العزيز الحكيم، ونحن إن شاء الله على قدم الطاعة، لم نبرح قائمين لكم بما ترضونه منا، ولم ننفك عن لزوم محبتكم التي يكون لنا بها الارتقاء[244/أ] إلى مقام أسنى، وكيف لا نلتزم طاعتك ومحبتك أيها الإمام الأكبر وأنت الوارث لجدك المصطفى بالعلم والنسب الأطهر، فمن انفك عن ربقة طاعتك فقد انغمر في أعمق بحار الخطر، وعدم في الدنيا والآخرة النجاح والظفر، ولسنا نجهل أن مصير من يبغض أهل البيت المحمدي إلى سقر، فصح أن حبكم الوسيلة العظمى إلى رضاء الله الواحد الأكبر، نسأله دوام ثبوت قلوبنا على الوداد والمحبة
التامة الملازمة الاعتقاد، وقد سبق منا إليكم حفظكم الله كتاب من بندر الشحر المحروس بالله تعالى مضمونه نشر طاعتنا لكم على رؤوس الأشهاد، وإظهار الانقياد لكم منا بين الحاضر والباد، نرجو من الله وقوعكم على ذلك وانشراح صدوركم بما هنالك، وإن تسألوا عن سائر أخبار الجهة فهي ببركاتكم شارحة، والأحوال بلطف الله ثم بحسن نظركم صالحة، وننهى إلى مسمعك الشريف ومحلك العالي المنيف، أنه وصل إلينا السيد الشريف المهذب الجلاجل الكامل الألمعي الأريب، محب العصابة الإمامية المحمدية الأفاضل الأمير صالح بن حسين مطيع حماة شريعة سيد الفريقين، فكان وصوله من لدن سيف الله الصادي على أهل الضلالة، المجتهد في تشييد مباني الحق وتخريب مباني البطالة مولانا صفي الدين أحمد بن مولانا شرف الدين الحسن وصحبته إلينا كتب مضمونها إن شاء الله تعالى صلاح جميع الأحوال ومن جملته ما تضمنته كتبه الكريمة من سيد الأقوال، تحريضنا على لزوم طاعتكم التي فيها مرضاة الله ذي العزة والجلال، فشرحنا له ما نحن لكم عليه من الطاعة التي لا يصفها واصف، وعرفناه أنا لأمركم ونهيكم مطيعون، لا في شيء مما تهوونه نخالف، ولا يخفاكم حفظكم الله أن كتابنا هذا أصحبناه السيد الماجد الحابد من كل شين ومين، الأمير المكرم المحترم صالح بن حسين وعلى لسانه ما فيه الكفاية في جميع الأخبار، لأنا لم نكتم عنه كما الله يعلم شيئاً من غوامض الأسرار، فاستملوا منه كلامه بما فيه التحقيق فمثله من تفوه بالصدق ومثلكم من نقابله بالتصديق، وأصحبناه إلى جنابكم الرفيع ، ومحلكم المنيع، من أعيان الجهة الحضرمية
المعمورة ببركاتكم السيد الجليل الأريب الورع الكامل النجيب، المنظوي لكم على المحبة والطاعة، السيد الذي هو بالقبول منكم حري أحمد بن عبد الله بن أحمد الجفري، ثم صحبهما من المشايخ الأجلاء أعيان فقراء حضرموت المباركة الشيخ[224/ب] الأريب الورع المهذب الأمجد المنظوي لكم على المحبة والاعتقاد، الشيخ الأجل أحمد بن علي بن أحمد عباد، وهما عندنا من ذوي الصدق والعدالة، ومن الساعين في صلاح المسلمين في كل حالة، قد عرفنا هؤلاء المتوجهين إلى سوحكم الرحيب الواسع لكل بعيد وقريب، باطن أحوالنا معكم وظاهرها خاطبوكم متى شئتم لهم الخطاب، واستملوا منهم بالصواب إن شاء الله سريع الجواب، ومشية مسبب الأسباب، ومحبك حفظك الله لم يزل لك على قدم طاعته لك يمشي المشي المتتابع، ووظيفته لك علينا هذه النعمة الجسيمة، ولا سلبنا هذه الهبة العظيمة المقيمة ونرغب إليه أن ينيلنا بحبكم فوزاً كبيراً، وأن يهب لنا به الأمن في يوم كان شره مستطيراً، وبلغنا حفظك الله دوماً وأبقاك للمسلمين إماماً، عن مولانا الليث الضرغام السيد الهمام عز الإسلام محمد بن مولانا شرف الدين الحسن وعن أخيه الغشمشم صفي الدين السيد المفحم أحمد حفظهما الله استيلايكم على بلاد يافع واستملاككم لها وعرها وسهلها، وحصونها الموانع، وذلك بعد أن صدقتهم جيوش الهداة إلى طاعة الرحمن وأروت من دمائهم صيداً البواتر والمران، ثم آل أمر من سَّلم منهم إلى الدخول في الطاعة مذعناً بما لاقاه في حرب حزب الله من الأهوال في الشناعة، وقد زعموا قبل ذلك أنهم من المنتصرين فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، ولله
الحمد على هذا الفتح المبين الذي ينقا صدور المؤمنين المحبين للعصابة الإمامية، ونسأل الله أن يديم لكم الفتوحات، وأن يجزل لكم المنوحات وأن ينفعنا بحبكم، وأن يجعلنا من حزبكم إنه جواد كريم، رؤوف رحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
[جواب الإمام المتوكل على الله إلى السلطان بدر بن عبد الله الكثيري]
وهذا جواب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً.. وبعد[225/أ] حمداً لله الذي جعل التمسك بكتابه وعترة نبيه أمنة من الضلالة، واتباع أئمة الهدى والاهتداء بهديهم والاقتداء بأمرهم نجاة من الهلكة، وموقية من الجهالة، إذ أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، بنص الكتاب، وجعلهم سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى، على لسان نبيه الذي أوتي من الحكمة فصل الخطاب، ووعى ذلك من انتفع بما آتاه الله من ذوي العقول والألباب، ولبى دعوتهم تلبية الحق الذي لا ريب فيه إن شاء الله وأجاب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب، الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب، وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب، وأن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيل السلامة والثواب، والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمد كما جعل الصلاة والسلام عليه وعلى آله نجاحاً للآمال، ومفتاحاً للدعاء المستجاب.
أما بعد فإنه وصل إلينا من السلطان الذي حسنت إن شاء الله آثاره، وطاب بالخير والصلاح إن شاء الله خبره وأخباره، وخلصت في الله سبحانه ورسوله والعترة المطهرين نيته، وصدقت في العروة الوثقى من طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة ذوي الأمر من الأئمة الهادين من آل محمد المطهرين كلمته، الأمجدي، الخطيري، الشميري، الكثيري، بدر بن عبد الله بن عمر الكثيري، كثرالله بأمثاله، معالم الخير والتقوى، وبلغه من طاعته وطاعة رسوله، وأئمة الحق غاية ما يهوى وأتحفه شريف السلام الأسنى، والإكرام الأهنى، ورحمة الله وبركاته الحسنى، كتابان كريمان، ثانيهما صحبة الأمير الأمجد، الخطير الأوحد، الأشهر صالح بن حسين بن مطهر، والسيد النجيب الحسيب، الأوحد، الأريب، أحمد بن عبد الله الجفري، والشيخ المخلص الصادق الأديب، أحمد بن علي بن عباد أصلح الله أحوالهم، وبلغهم في الخيرات آمالهم، منطوياً على تحقيق توليه لله ولرسوله، ولنا قولاً وفعلاً، وإعلامه بما يحب من ذلك في جميع ما إليه من الجهات المباركات، إن شاء الله وعراً وسهلاً، وإقامة[225/ب] فرائض الطاعة ومعالم الدين الحنيف من الجمعة والجماعة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء إلى ما أمر الله بالدعاء إليه بالأسود والأحمر، وتثبيت القدم إن شاء الله تعالى، على نهج الاستقامة ومطابقة الباطن للظاهر، في إجابة دعوة الله ودعوة رسوله، ودعوة هذه الإمامة، امتثالاً لأمر رب العزة تبارك وتعالى في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ، وكفى بذلك حجة