ثم ساروا والشموع في أيديهم كذلك، يؤمون مشهد الإمام صلاح الدين (عليه السلام)، وقد ارتقى بعض السفهاء صومعة الجامع ونادى بالتفجع على الإسلام، والتعزية لأهله فيه، فأمر مولانا علي بن أمير المؤمنين (أيده الله)، بالقبض عليهم، وركب من أهل الخيل من ركب وانتهبوا ما قدروا عليه من ثيابهم، وقبضوا على بعضهم، وقد أطفى أهل البطالة الشمع، وانسلوا في الظلام وكتب كثير من أهل صنعاء وأهل الفضل إلى الإمام (عليه السلام)، وتبرأوا مما كان. فأمر الإمام (عليه السلام)، بإشخاص من كان أكثرهم فعلاً، وأولهم قولاً وعملاً، وأدبهم وحبس منهم وتشدد في أمرهم، وسكنت المدينة بعدها، وكثر القول على القاضي شرف الدين (أيده الله) أنه أطلق لهم القول لما كان ابتداء مسيرهم من عنده ووقع في نفس الإمام (عليه السلام) وغيره عليه، ثم بحث عن ذلك فلم يصح عليه شيء منه وحاشاه واعتذر إليه الإمام (عليه السلام)، وكذلك الفضلاء.
وكان وقع قبل هذه الحادثة في سنة تسع وخمسين [وألف] [1649م] أن بعض أهل صنعاء اطلع على شيء مثال الأصنام مع بعض البانيان، وقد علقه في موضع من حانوته، وداخل السمسرة فصاح الصنعاني بالنكير بأعلى صوته، وقال: يا للمسلمين يُعبد في صنعاء غير الله.
قال الفقيه لطف الله بن أحمد السحولي (أسعده الله): وكنت ممن سارع الغارة إلى السمسرة، وكان إليه يعني الفقيه أعمال في السوق والسمسرة.
قال[217/ب]: فلم أقدر على النفوذ لما امتلأت الطرقات، وأفواه السكك، فما يقدر إلا بأعوان ومشقة.

قال: وقبضنا ذلك، وإذا هو شيء من نحاس كالمقص المتوسط، وإلى الصغرى أقرب، فيه شبه من الآدميين، فقبضناه، وأغلقنا على أمتعة البانيان في الحانوت، واستوثقنا ورفعنا خبره إلى مولانا علي بن أمير المؤمنين (أيده الله) وأنهاه إلى الإمام (عليه السلام)، فأمر بأشخاص البانيان إليه.
فلما وصله أمره بالخروج من بلاد المسلمين، وطلب من الإمام أجلاً يستقضي دينه، ويقضي ما عليه للمسلمين، وآجله أربعة أشهر، وأشهد عليه إن وجد بعدها ضربت عنقه، وبقي الإمام مدة يرتاي في أمرهم وكثرهم، فأمر عليهم بالجزية، وأن يصرح بأخذها منهم، وكانت على كل نفر قرشاً في كل شهر، وعلى حسب حالهم، وقد كانوا ألوفاً في اليمن، فأنف كثير منهم، وعادوا الهند، وهو الذي أراد (عليه السلام) من تقليلهم، انتهى.
وأما مشايخ يافع وابن هرهرة، ومن وصل من سلاطين المشرق، فإن الإمام (عليه السلام)، أحسن إليهم كما تقدم، وزيادة، وقد رأى منهم وسمع عنهم ما أوجب حسن الظن بهم، فعرفهم الواجبات، وكتب فيها عهداً كما يفعله (حفظه الله) لمثلهم وعادوا إلى بلادهم، وقد استحلفهم، وذلك في شهر […………] .

[عصيان أهل شرعب]
ومما عرض مع هذا الاشتغال بالشرق أن قوماً من أهل شرعب من بلاد تعز عصوا أو امتنعوا من تسليم الواجبات، وقتلوا من العسكر ثلاثة أنفار.
فأمر الإمام (عليه السلام) عليهم الشيخ محمد بن المنتصر بن عبد الله الطير الأسدي في عسكر، فتمادوا على العصيان، فاجتمع مع الشيخ المذكور عسكر من تعز من قبل السيد علي بن الهادي المحرابي، ما فرق الله بهم جمعهم، وانتهب بلادهم، وشردهم من خلفهم، ومثلهم أطراف الحجرية كذلك، فتركهم مولانا محمد بن الحسن (حفظه الله تعالى)، وكانوا إليه حتى فرغ لهم واستعادهم.

[تمرد الشيخ العفيف في يافع]
ذكر نكث الشيخ [محمد معوض] العفيف ومن أجابه، قد ذكرنا أن الإمام (عليه السلام) رجح نظره الكريم ولاية السيد الرئيس شرف الدين بن مطهر بن عبد الرحمن على بلاد يافع، وما إليه، والفقيه المجاهد محمد بن علي بن جميل بلاد الرصاص وما إليها.
وقد كان رق العسكر لا سيما عند السيد شرف الدين، فإنهم كانوا أقل من المائة، [وكانت الثمرة قد خضرت] ، فأرسلوا الخواص لمباشرتها، فكان من ابن العفيف أن أحدث حدثاً، وهو أنه منع الخواص أن يطوفوا ثمرة بلاده، وكان السيد شرف الدين قد كتب عسكراً من يافع لما عرف عدم رغبة عسكر الزيدية[218/أ] عن البقاء في بلاد يافع، فكانوا زهاء من أربعمائة، فخرج من الموسطة وكان مستقراً فيها، وقد تزوج منهم وأكثر من المعروف إليهم، واستشارهم بالخروج على ابن العفيف المذكور، وكذلك ابن الهرهرة، فقالوا جميعاً نقدم معك على ابن العفيف ونفعل ونفعل.
فسار السيد المذكور بأصحابه إلى موضع يسمى البتاجي ، ما بين الموسطة وبني قاصد ، فلما فارق البلد تخلف عنه الذين كانوا وعدوه حتى العسكر الذين قد كانوا في ديوانه.
وكان ابن العفيف قد جمع جموعاً كثيرة، وأظهر الخلاف، فحالوا بين السيد وبين موضعه الأول، وحاصروه في موضعين، وذلك في ثالث يوم عيد النحر، ثم أظهر أهل المشرق جميعاً من يافع وغيرهم الخلاف إلا قبيلة واحدة من يافع يسمون بني المفلحي أصحاب الشيخ عمر المفلحي، فإنهم أووا من وصل إليهم، ولم يدخلوا في شيء من أمر يافع.

وأما ابن هرهرة، فإنما هو الخائن المواري شخصه المُظهر سوء فعله، وكذلك جميع أهل المشرق عادوا بالنقض، والأمير أحمد بن شعفل على نحو عمل ابن هرهرة.
وأما السلطان صالح فأظهر البراءة من أهل الفساد، وكتب إلى الفقيه محمد بن علي بن جميل إني معك، وخرج في طائفة من قومه ليرى الفقيه بدر الدين النصيحة، وأنه له عضد ناصر، غير أن الفقيه احتاط بزيادة الحذر من كل واحد، وجمع العسكر، وكتب إلى الرصاص، وشكر له وقال: لا لنا ولا لك إقدام ولا إحجام، حتى يأتي رأي الإمام (عليه السلام) أو كما قال.
وقد بلغ الخبر إلى الإمام (عليه السلام)، فحشد من وجد وسارع بإرسال ولده عز الدين محمد بن أمير المؤمنين، وهو ابن سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة، وضم إليه السيد المجاهد الفاضل أحمد بن الهادي بن هارون، فسار بمن معه حتى أمسوا ذمار، ومن ذمار إلى الحميمة، وأقاموا لاستلحاق الغارة في رداع خمسة أيام، بعد أن كان قد وصل إليه كتاب من الفقيه محمد بن علي بن جميل يذكر فيه بأنه لا مخافة عليه، ولا حرج وأن لديه من العسكر ما يحفظ الله به البلد التي هو فيها، وقد انظم إلى مولانا محمد بن أمير المؤمنين الشيخ الزين القايفي وأصحابه، وساروا معه إلى رداع.
وأما السيد شرف الدين وما اتفق عليه فإنه انحصر كما ذكرنا، وأحربوه ليلاً ونهاراً، وانقطع عليه جميع الأسباب والأمداد فجرى الخطاب[218/ب] بعد أن قتل منهم نحواً من خمسة وعشرين نفراً، ومن أصحابه ثلاثة أحدهم سايس فرسه، فأمنوه بشرط أن يكون في أيديهم فلم يرض بذلك، وحاول أن يخرجوه إلى رداع فلم يرضوا بذلك.

ثم اتفقوا على أن يتسلم إلى يد ابن العفيف، وأن يخرجوه من طريق أبين، ففعلوا ذلك وقد بلغهم حركة الإمام (عليه السلام)، فصانوا جانب السيد المذكور، وأخرجوه كما ذكرنا، وكتب إلى الإمام (عليه السلام) من هنالك، فهان على الإمام (عليه السلام) بعض ما كان في نفسه عليهم، وتلقى السيد شرف الدين ومن معه الأمير الحسين بن عبد القادر، وفعل إليهم معروفاً كثيراً، وأعطى السيد شرف الدين حصاناً وجملاً وكساءً.
وأما مولانا محمد بن أمير المؤمنين فلما اجتمعت إليه الغارات تقدم إلى البيضاء في يوم [ ] من شهر الحجة سنة خمس وستين وألف [أكتوبر 1654م]، فسكنت البلاد بعض السكون، واستمرت الطريق ووصلت إليه المكاتبة من مشايخ يافع وغيرهم.
وواجه منهم من واجه إلا ابن العفيف ومن إليه، وكان قد كتب الإمام (عليه السلام) إلى مولانا الصفي أحمد بن الحسن (حفظه الله)، وإلى صنوه الحسين بن الحسن، وإلى مولانا محمد بن الحسين يأمرهم بالوصول والخروج على المذكورين، فسارعوا بإرسال مولانا الحسين بن الحسن في من حضر، وأخذوا في جمع العسكر.
أخبرني من شهد وصول أمر الإمام (عليه السلام) إلى مولانا أحمد بن الحسن (أيده الله) بالمسارعة، وقد أخبروه بنكث المذكورين، وكان في ميدان الروضة في يوم رياضة الخيل، وقال الراوي: فرأيته يبتسم إلى أصحابه، ويخبرهم بما كان كالمشتاق إلى الخروج إليهم، ويقول فيما بين ذلك: إما نحن وإما ذلك، وأما الآن فقد سلطونا على أنفسهم، وأخذ في أهبة السفر واستنهاض العسكر ولسان حاله يقول ما قاله الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (عليه السلام) في مثل ذلك:

فمن يخبر الأعادي من كلاكلها .... إذا أناخت بأهل الزيغ والريب
وقلت والبيض والأرماح واردة .... يا موقد النار احميها من الحطب
ومولانا محمد بن الحسين كذلك، وتجرد للعزم إلى الإمام (عليه السلام) إلى محروس الدامغ ومن لديهما من العسكر، وأثقالهما، وسارا من طريق زراجة ومنفذة إلى ذمار، وقد بادر (عليه السلام) قبل وصولهما بمولانا شرف الدين الحسين[219/أ] بن الحسن إلى رداع، وكانت إليه.
ثم منها إلى الخلقة، وقد كان توفر العسكر معه فكان مستقراً فيها، ووصله من مشايخ يافع من يتبرأ من ابن العفيف وفعله ويتستر بذلك، وطلب مولانا الحسن مدداً من العسكر الذين في البيضاء مع مولانا عز الدين محمد بن أمير المؤمنين، فأمده بعسكر حصن الدامغ، ثم غارة من آنس.
ثم بالفقيه جمال الدين علي بن صلاح الجملولي وأهل راتبه، ولما تكاثر العسكر عند مولانا شرف الدين الحسين بن الحسن (حفظه الله)، قدَّم منهم مُقدَّمة إلى المرفد موضع يسمى هنالك، ثم إلى الموسطة، فكانوا بالنهار يظهرون بالطاعة وفي الليل يغزون العسكر إلى مواضعهم، حتى أنهم قتلوا جماعة من العسكر، منهم السيد [الكامل محمد بن الناصر صبح الغرباني] ، وكان [قد] ولاه مولانا الحسين بن الحسن (أيده الله) البلاد المذكورة.

ويروى أن الذين رموه في الليل هم الذين كانوا لديه من يافع في الدار التي هو فيها، ثم قدم مولانا محمد بن أمير المؤمنين المتوكل على الله (حفظه الله)، بمن بقي لديه إلى الخلقة أيضاً، وذلك في يوم [ ] سنة خمس وستين وألف [1654م]. ثم قدم مولانا الصفي أحمد بن الحسن، ومولانا عز الدين محمد بن الحسين بقومهما إلى الخلقة، وأما مولانا محمد بن الحسن (حفظه الله) فإنه جهز مع صنوه الصفي (أيده الله) وجوه أصحابه وخيله، وبقي في ذمار، وكان قد أرسل إلى قعطبة ولده عماد الدين يحيى بن محمد، وضم إليه جماعة من الرؤساء والخيل والعسكر على نحو ما تقدم المرة الأولى، فشغلوا ابن شعفل وأهل جهانة عن إمداد يافع، ولم يحصل منهم بذلك ما يضر أحداً من المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
نعم! ولما كان إلى [ ] تقَّدم السادة الكرام، وهم مولانا الصفي سيف الإسلام أحمد بن الحسن، ومولانا العزي محمد بن الحسين بنحو ثلاثة آلاف إلى الخلقة، وقد صاروا جمعاً كثيراً.
ولما انتهوا إلى الخلقة أقاموا فيها ثمانية أيام، ثم ارتحلوا إلى موضع يسمى جربة غالب، ثم منها إلى مسجد النور من بلاد الموسطة والخطاب إلى ابن العفيف ومن أجابه، وإلى الناخبي وغيرهما، وهم يزدادون بعداً عن الهدى وينظمون نفوسهم في الغلب من العدى، والله لهم بالمرصاد.

ولما كان يوم الخميس في شهر صفر المظفر عام ست وستين وألف [ديسمبر1655م] رجح سادتنا[219/ب] (أيدهم الله) القدوم على المخذولين، وقد كانوا حطوا في أعلى جبل النفاح، ومحل آل فرح، وكان قد عمروه مع ما كان فيه من الحصانة والطول، وقطعوا الطرق وزربوها وشحنوها مع ذلك بالبنادق الكثيرة، والجموعات الغفيرة بما يظنونه مانعاً لهم من دون حرب، فعبَّى مولانا الصفي المجاهدين فجعل في الجهة القبلية السيد الأفضل صلاح بن محمد الديلمي، ومن إليه وإلى جنبه من ميمنة القلب الفقيه محمد بن علي بن جميل، والفقيه علي بن صلاح الجملولي، ومن إليهم، وفي الميسرة إلى جانب العدن قايفة ومن إليهم.

وكان في القلب سادتنا الكرام أولاً، والإمام (عليه السلام) وجمهور القوم، فخرجوا من مسجد النور عند طلوع الشمس، فصب عليهم أعداء الله من رؤوس الجبال الرصاص، وكبار الحجارة والجنادل ودفاع الله عليهم، وطال عليهم الأمر وجرح كثير من العسكر، واستشهد جماعة، حتى أن الله سبحانه بعد أن أفرغ الصبر على المجاهدين يسر لجماعة من أصحاب الفقيه محمد وأصحاب الفقيه علي أن وجدوا موضعاً خالياً وهو شاهق جبل عظيم فدلى العسكر بعضهم في ذلك الشاهق، حتى أنهم رقوه، وقتل منهم ثلاثة أنفار، ثم جروا غيرهم من العسكر، وقاتلوا من قرب منهم، واجتزوا روؤساً، والعسكر يزدادون، وتفرق الذين صعدوا من العسكر للتحرف للقتال، ثم وجدوا معلافاً من قصب الذرة، وكان كبيراً، ثم غيره وأحرقوها، وطلع دخان النار مع زعقات الأصوات، وخفق الأعلام في رأس الجبل، فانهزم أعداء الله، وولوا مدبرين، والعسكر المجاهدون في أثرهم يقتلونهم ويسلبونهم ويجتزون الرؤوس، وكان جملة من قتل يافع نحو من ثلاثمائة نفر حتى أن من العسكر الإمامي لم يعد إلا اليوم الثاني، وأكثر من ذلك وقد أخذوا من الغنائم الواسعة ……… .

87 / 116
ع
En
A+
A-