تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } وقوله عز وجل: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ، وقوله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وقول نبيه جدنا ً: ((أفضل الأعمال بعد الصلاة المفروضة والزكاة الواجبة وحجة الإسلام وصوم رمضان، والجهاد في سبيل الله ، والدعاء إلى دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها)) ، والبراءة إليه تبارك وتعالى من مثل حال من قال فيهم عز وجل:{كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ الله

عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} ومن وعيد قول نبيه ً: ((لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليهم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ، ثم يدعو أخياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله هو المنتصر لنفسه، ثم يقول ما منعكم إذ رأيتموني أغضب أن لا تغضبوا لغضبي)) ، وقول أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة: (يكون في آخر الزمان قوم نبغ فيهم قوم مراءون فيقرأون ولا يتنسكون ولا يوجبون أمراً بالمعروف، ولا نهياً عن المنكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم[212/ب] الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء، وما لا يضرهم في نفس ولا مال، فلو أضرت الصلاة والصيام وسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها وقد رفضوا أسنم الفرائض وأشرفها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين فريضة تقام بها الفرائض، وتحمل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، فأنكروا المنكر، وصلوا بها جباههم، ولا يخافون في الله لومة لائم، قال: وأوحى الله إلى نبي من أنبيائه: (إني معذب قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم، قال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار، قال: داهنو أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي)، ومثل هذا لا يقوله علي بن أبي طالب

كرم الله وجهه إلا وقد علمه من جهة رسول الله ؛ لأنه إخبار عن غيب، وتصديق قول الله عز وجل فينا أهل البيت: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ، وقوله عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} وقول جدنا ً: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى )) ، وقوله ً: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يرد علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) ، وقوله ً: ((إن عند كل بدعة تكون بعدي يكاد بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موكلاً يذب عنه يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على الله))، وقوله ً: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة في أرضه ، وخليفة كتابه، وخليفة رسوله)) ، وقوله ً: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، كما أن النجوم أمان أهل السماء، فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون وإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون)) ، وقوله

ً: ((ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة )) ٍعلى ذلك مضى الأطهار من سلفنا، وعلى ذلك إن شاء الله تعالى مشي الأبرار من خلفنا[213/أ] فلسان حال كل داع إلى الله من آل محمد ً يقول ويتمثل بما قال بعض آبائنا الأئمة الهادين (سلام الله عليهم) الذين بهم يقتدى، وإلى الله يتوسل:
فهلموا إلى التي ندب الله .... إليها من كان براً صبورا
واتركوا فانياً يزول فإني .... قد شهرت الحسام أبغي نصيرا
إنني حجة عليكم من الله .... فلا تخذلوا سراجاً منيرا
وابتغوا داعياً دعاكم إلى الله .... وخافوا عذابه القمطريرا
فعلينا دعاؤكم وعليكم .... أن تجيبوا كتابه المسطورا
وأعدوا جواب جدي لدى الحوض .... وقوموا وشمروا تشميرا

فالحمد لله الذي جعل لنا أهل البيت من صالح عباده مثلكم في تلك الديار ظهيراً، ولدعوة الله عنا مبلغاً، وعلى إعلان دين الحق عوناً ووزيراً، فاصدع ثبتك الله وأيدك بالحق جهيراً: {قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} وأبشر إن شاء الله بالظفر، وبلاغ الأمل الصالح إن شاء الله والوطر، فقد قال الله تعالى عز وجل وهو أصدق القائلين، وهو مبلغ من اتقاه من عباده آمالهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} ، وقال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} .

[فتح بلاد يافع وما والاها]
رجعنا إلى ذكر فتح بلاد يافع وما والاها. ولما صلح أمر المشارق كلها بالمواصلة ممن قرب، والمراسلة ممن بعد إلى أقصى بلاد (حضرموت) كما أخبرني السيد المجاهد الصمصام الناصر بن عبد الرحمن الزيدي نسباً ومذهباً، وهو حاضر جميع ما مر، وكان على خيل مولانا[213/ب] عز الإسلام في هذا المخرج المنصور.
كما كان مع حي والده مولانا الحسن (رحمة الله عليه) في كثير من المواقف سيما تهامة، وكذا غيره ممن كتب إلينا، تقدم مولانا عز الدين محمد بن الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله (عليه السلام) يوم الخميس ثامن شهر جمادى الآخرة إلى الحلقة بجميع قومه، وأضاف إليه مولانا الصفي (أيده الله) السيد الرئيس المجاهد الكامل شرف الدين بن المطهر بن عبد الرحمن بن المطهر بن أمير المؤمنين شرف الدين (عليه السلام) في أهل ديوانه، إلى نحو ستمائة نفر غالبهم بنو الحارث ومن إليهم من بني حشيش.
ولما استقر في الحلقة تلقاه أهلها ومن حولها ممن يخاف، وبقيت جبال يافع ومن انظم إليهم ألوف لا تعد، فإنهم تحصنوا ولزموا الجبال الشوامخ منها جبل العر ، وهو جبل حصين فعمروا فيه دوائر مرتفعة، ومتارس ملوية [وعمروا فيه قصبة جربة وقطعوا قطع طرف جبل العوالي نحو بلادهم لئلا تمر الخيل نحوها] ، وشحنوها بالرجال والبنادق الكثيرة، وكثر جمعهم في هذا المحل حتى لا يقال فيهم بعدد معلوم غير الكثرة التي لا وراها، فحصل من ألطاف الله سبحانه وما أراده من تفريق جمعهم أنه اتصل بمولانا سيف الإسلام (أيده الله) أن الخبيث سالم خرج من حضرموت مريداً ليافع.

وقد كثرت منهم الكتب إليه، فوصل إلى بلاد ابن عبد المانع، وبلاد (أحور)، وبلغ مولانا أحمد (حفظه الله)، فأرسل جماعة من الخيل والرجال، منهم السيد المجاهد الناصر بن عبد الرحمن المتقدم ذكره بخيل كانت بنظره من عند مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن (حفظه الله)، كما أخبرني بها مولانا عز الإسلام مكاتبة، وجعل على الرجَّالة السيد صلاح بن محمد السراجي، والشيخ المجاهد الحسن بن أحمد بن عواض الأسدي، في محطة من الرجال، فكانوا في مدينة (دثينة) في واحد وعشرين من الشهر المذكور، وأمرهم أن يتقدموا إلى مواضع طمع فيها أن يظفره الله بهذا الخبيث قبل أن يتعلق بلاد يافع، فانتهوا إلى قريب من أحور، وبلغهم أنه قد نفذ ولده الخبيث مع جماعة من يافع، وعرفوا أنه فاتهم وترددوا في تلك المواضع، حتى أنه صح لهم رجوع سالم الخبيث إلى منشأ ضلالة، ومحل خياله من بلاد حضرموت واسترجع مولانا الصفي في خلال ذلك تقدم مولانا محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين ومن معه.
فكان في دثينة، فجعل الله في ذلك خيراً كثيراً، فإن يافع قطعوا بأن المقدمة الأولى خالقة لهم إلى بلادهم، وكذا من لحق إلى دثينة لطمع في جبال يافع أو لدسيسة يحصل بها دخول بلادهم، فعاد منهم كثير إلى جهات ذي ناخب .

وأما مولانا عز الدين محمد بن الحسين (أيده الله تعالى) فإنه خرج يوماً، وتمشى إلى موضع يسمى نجد الخلقة وعاد من غير حرب، وفي اليوم الثاني يوم الاثنين خامس[214/أ] جمادى الآخرة خرج كذلك متمشياً بالعسكر للرياضة والإطهار، وعدم التعويل عليهم، فانتهى إلى وادٍ في أسفل نقيل العر يسمى الشرف، وأراد الرجوع فتلازم أول أصحابه بمقدمات من يافع يسمى الحضارمة، وحصل بينهم الحرب الشديد، فلم يتمكن مولانا محمد بن الحسين من رجوعهم إليه، ولم يكن معه كل الإعداد لما وقع، فحمل العسكر المنصور فتصادموا هم ومن ذكر، وكان ذلك حرباً هائلاً.
أخبرني بعض أصحاب مولانا محمد بن الحسين أنه رأى ظهور العسكر الإمامي في مواضع لا متارس لهم فيها، وقد علاهم دخان بنادق يافع ورجالها المجاهدون ليس معهم شيء من ذلك.
قال: فرأيته (عليه السلام) يبكي شفقة على العسكر، ثم أمر بالحملة، وكان بالقرب من صنوه الصمصام أحمد بن الحسين، والسيد المجاهد شرف الدين، فاقتحموا بمن بقي ذلك الهول.
ثم ركب مولانا محمد بعدهما بمن بقي، فقتل كثير من يافع، وهزمهم الله سبحانه وتعالى، حتى وصلوا بهم إلى العر، وقد كان عمروا كما تقدم آنفاً، وخندقوا مواضع ولم يكن للمجاهدين من ذلك شيء، وعرفوا أيدهم الله أنهم إن عادوا هلكوا، فجددوا أيضاً حملة أعظم من الأولى فقتلوا من يافع كثيراً، وأخذوا سلاحهم، فأتوا [الآخرين] هرباً.
أخبرني بعض من شهد ذلك أن رجلاً من المجاهدين ضرب عنق رجل من يافع ويد ذاك الرجل في بعض البندق، فما أتم الضربة إلا وقد أثنى عنقه، قال: وربما أن بندق اليافعي صوبت من لا تتحققه.

قال بعضهم: إنه قدر لساحة هربهم الذي لم تكن فيه حرب بخمسة أميال، وقد كَلَّ المجاهدون لما لقوه، ولبعد المسافة من الخلقة إلى هذا الموضع ففاتوهم، وقد قتلوا منهم زهاء مائة نفر.
وتقدم مولانا عز الإسلام ومن معه إلى موضع يسمى مرفد ، وفيه بيوت الشيخ هرهرة، فاستولوا عليها، وأخذ منها ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ذكر الغنيمة وجموع يافع ارتحلوا يوم الثلاثاء في مواضع متحصنة، وأحربوا جنود الحق ذلك اليوم بطوله، وقد ذهب البُرُد إلى مولانا الصفي سيف الإسلام (أيده الله تعالى) وكان قد قل معهم البارود والرصاص، أعني جنود مولانا عز الإسلام محمد بن الحسين (أيده الله تعالى)، فإن أثقالهم كانت باقية في الخلقة، فلم يشعروا إلا وقد طلعت عليهم رايات مولانا الصفي (أيده الله) فلما رأى ذلك يافع ولوا على أعقابهم مدبرين، وتعلقوا بجبالهم منهزمين. أخبرني بعض من شهد ذلك أنهم نادوهم في حال الحرب لمن هذه الرايات ومن صاحبها. فلما قالوا رايات الصفي (أيده الله) فروا كما تقدم.
وكان جملة من استشهد من المجاهدين ستة عشر رجلاً فحسب، وقد كتب مولانا [214/ب] الصفي (أيده الله) إلى مولانا محمد بن أحمد بالغارة وباسترجاع الخيل التي كانت قد أعدت في طلب الخبيث سالم والمبادرة، وكانوا في موضع يسمى ذم داعة.

قال السيد المذكور أطال الله بقاه: وكنا نظن نحن وغيرنا طول المطاف، وأنا ومن لحق من عندالمولى أمير المؤمنين (أيده الله) ندرك الحرب، قال: فعزمنا ليلة الأربعاء ثالث وعشرين شهر جمادى الآخرة، وأصبحوا في سفل عقبة بردة، وكانت صعبة، وتعسرت عليهم، فقدموا أثقالهم والخيل، واستعانوا بالله سبحانه وتعالى، وصعدوا بأكثرها على أكتافهم، فأصبحوا في بلد من بني أرض يوم الخميس، ووصلتهم البشرى إلى ذلك الموضع بوصول مولانا الصفي (أيده الله) وتفرق يافع، ويأمرهم بسرعة الوصول إليه.
ولما كان إلى يوم الجمعة تقدموا مهتمين، وقد تعبوا تعبية الحرب، فكان وقت صلاة الجمعة وهم في حصن العر المذكور، صلوا فيه الجمعة، فلما قضيت الصلاة تقدموا بعدها إلى موضع أعلى مرفد وعشروا بالبنادق الكثيرة، فازداد يافع يأساً من العود إلى ما كانوا عليه، فلما قدموا إلى المحطة المنصورة تلقاهم مولانا الصفي، ومولانا العزي.

85 / 116
ع
En
A+
A-