وفرقت جمع الماردين وقد عدت .... لك الهمة القعسا بعقبى العواقب
لقد أنشد الراوي وقال لسانه .... مقالة صدق ليس فيها بكاذب
إذا علوي لم يكن مثل طاهر .... فما هو إلا حجة للنواصب
إلى قوله:
[قدم في المعالي لابساً ثوب عزها .... ويسمو على هام النجوم الثواقب]
[209/ب]وقال الفقيه المذكور قصيدة أيضاً وجهها إلى مولانا شرف الدين الحسين بن الحسن بن أمير المؤمنين:
بشرى بنصر جاء على الأعداء .... جاء البشير به إلى صنعاء
من سيد السادات بل شرف الهدى .... وافى السرور به من الزهراء
بمسرة وافت وتم حديثها .... جذل الورى من نشوة السراء
إلى قوله من قصيدة طويلة:
أصبحت يا نجل الأئمة شامخاً .... عال على العادات والكبراء
وسفرت في البحرين والبرين والـ .... ـملوين والحرمين كابن ذكاء
وسموت سادات الوجود بأسرهم .... بالبأس والإقدام في الهيجاء
ساس الوية الحروب كأنها .... درر النجوم بخيمة زرقاء
تسري على الغبراء فتخترم العدى .... بكتيبه منظومة خضراء

تطوي البلاد بشترب يعنو لها .... من في البسيطين الثرى والماء
في يوم نجد أنت فرقت العدى .... وسقيت ترب ثغورهم بدماء
ونشرت في الآفاق إيراد الندى .... والفضل للنجباء والأدباء
هذا الحسين المالك الملك الذي .... قد فاق في النبلاء والنجباء
ذا نجل أروع من سلالة قاسم .... فخرت به الأبناء على الآباء
إلى قوله:
وسقيت سحائب جودكم كل الورى .... فلقد أتت بطرائف النعماء
وبرفعة العلماء والفضلاء والـ .... ـكرماء والرحماء والعظماء
فالله يحرس قائماً في عصرنا .... ويحوطه بالذكر في الأسماء
وقال الفقيه المذكور قصيدة أيضاً في المذكور موجهاً إلى مولانا عز الإسلام محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله:
أضحك السعد مبسم الأفراح .... عن بديد تفوق ثغر الأقاح
وتجلى به السرور فأغنى .... نور إشراقه عن المصباح
مستفيد بنوره من جبين .... طلعت من سناه شمس الصباح
كيف لا والبدر طراً سناها .... مستفاد من نوره الوضاح

غرة صاغها الإله تعالى .... من سناءٍ ومن هدى وصلاح
من رآها فيومه يوم سعد .... وله السعد قد قضى بالفلاح
فهو النور والهدى والمعالي .... طالع صادع وللإصلاح
ولذا اليوم شاهد الناس طراً .... سعد نصر لقد قضى بالنجاح
[غرة السيد الهمام جليل الـ .... قدر ليث الوفاء همزر الكفاح
هو عز الهدى محمد بن أحمد .... غيث الندى وبحر الكفاح
لم يزل كفه تسبح الأيادي .... والمعالي للباذل المرتاح]
[210/أ]يا هماماً سمى على النجم قدراً .... بفؤاد إلى العلا طماح
هذه أحرف تهينك بالفتح .... وما نلته من الأفراح
من محب صافي المودة يدعو .... لك مولاه في المسا والصباح
ماله بغية سواك ومن ذا .... يعتلي عن وجهك الوضاح
لا برحنا طوال المدى تتملي .... بأسارير نورك اللماح
وعبير التسليم تهدى إلى روح .... رسول الهدى وبدر النواحي
وكذا الآل والصحابة طراً .... ما شدى كل ساجع صداح
………………………………………………………… .

[أحداث الحبشة ومراسلة الأمير درويش إلى الإمام المتوكل]
[210/ب]نعم! وفي خلال حلول هذه البشرى العظيمة، وصل كتاب من الأمير درويش بن محمد من الحبشة، وكان هذا الأمير قد تغلب على باشا الحبشة، وصفة ذلك كما أخبرني الحاج في تلك السنة، وصحح ذلك تفصيلاً السيد الجليل عبد العزيز بن محمد بن الحسني من ساكني المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والسلام، أنه كان عليها باشا يسمى أحمد، وكان فاسداً مقبلاً على اللذات من المعاصي مستضعفاً في أمره مغلوباً عليه، فغلب على أمره خواصه، وساموا أهل سواكن العذاب وأفسدوا في البلد، وكان في أصحابه رجل يسمى درويش، فاتكاً شجاعاً، فجمع من أجابه من عسكر الأروام وأخرج الباشا المذكور من الحبشة، وغلب على (سواكن) واستعاد أمرها، واستنقذ أهلها، غير أنه سفك الدم، ولم يجعل عقوبة لمن خالفه في (أمر) غير القتل، صغيراً كان أو كبيراً، والمثلة به فخرج عليه باشا من مصر يسمى أحمد بن مصطفى وحصل بينهما حروب في البحر، وعاد هذا الباشا أحمد إلى جدة منهزماً، وكتب إلى مصر، فأمده صاحب مصر بأربعة أمراء، وثلاثة وعشرين مركباً، وأربعة غربان، وكان من جملتهم الأمير أحمد خليفة الأمير المسمى رضوان فقاري ، وكان معظماً في ملوكهم، وله مماليك، وله تردد إلى الحرمين أعواماً كثيرة، وله عمائر وتعصب لمذهب السنية كثيراً، وطلع هذا الأمير مع غيره مكة معتمراً وقد أظهر عدلاً، وأخرج من دخل البيوت من الأمراء في جدة حتى باشتهم أخرجه، وقد نزلوا دور الناس.

ولما صح له ذلك طلع (مكة) كما تقدم، وكان الشريف الكامل والملك العادل زيد بن محسن (أطال الله بقاه) في الطايف، فخاف شره، ولم يأمن مكره، كما سبق بين الشريف المذكور وبين الأمير غيطاش، مما تقدمت الإشارة إليه، وقد أظهر أن معه خلعة من السلطان للشريف، وأنه يصل مكة المشرفة ليلبسها إياه، فاعتذر الشريف بأن مكة في غير الموسم لا تحمله، ودارت المكاتبة، وقد أمر الشريف نائبه في مكة بضيافته، وأكثرها لهم، وداراهم كثيراً.
قال السيد عبد العزيز المذكور: إنه سمع من تحدث في مكةأن مخروج تلك الضيافة ألفا قرش، فلم يمد إليها الأتراك يداً فعوضهم الشريف، ونائبه مثل ذلك محمولاً إلى مواضعهم، وأن يصنعوها لنفوسهم ففرقوها لأهل مكة وألفافها، وعادوا بالكسوة إلى (جدة).
ولما كان هنالك أنبه الكبراء من الأروام، وقالوا هذا الشريف ابن رسول الله وخادم بيت الله، وأكثروا من مثل ذلك، وإنك لا ترى خيراً مع غضبه عليك[211/أ]، أو كما قالوا، فعاد إلى رضا الشريف زيد وطلبه العفو، وأرسل له بالكسوة ودراهم معها، وتوجهوا الحبشة، لقتال درويش المذكور آنفاً، فقابلهم بحروب شديدة وهي سجال، وأبلي فيها حتى غلبوه عليها، وكان له وكيل يحفظ له حصناً قد أعده خارج (سواكن) المتصلة ببلاد الشرك، فانهزم هذا درويش، وأراد أن ينجو بالحصن المذكور، ومن فيه من الرتبة، فخانوه، وساروا إلى رأي السلطنة العثمانية.

فهرب بخواص أصحابه، واتصل بملك الحبشة، وبقي لديه معظماً، وكان تعلقه بجانب وزير من وزراء ملك الحبشة، فأحسن إليه كثيراً، ثم عاد إلى المعهود له من حالة الخبث في السكر، فضرب الوزير الحبشي الذي هو متعلق في أهدابه وقتله، فقتل به (لا رحمهما الله) وكان هذا درويش قد كتب إلى الإمام (عليه السلام).
كما أخبرني الشيخ المجاهد عامر بن صلاح الصايدي (أبقاه الله تعالى)، وكذا غيره كتب إلي بمثل ذلك، وطلب من الإمام (عليه السلام) المدد، وأن يكون في جملته، وكان الإمام (عليه السلام) مشتغلاً بما تقدم من حروب المشرق ونواحي حضرموت.
وأراد الإمام (عليه السلام) إرسال الشيخ المذكور مدداً لما تكررت المكاتبة من هذا الأمير درويش المذكور، ثم أنه وصل بعض التجار، ممن يعرف أحوال تلك الجهة والمذكورين، وأخبر الإمام (عليه السلام) بحالهم الخبيث، وأنه لا يثق منهم بالوفاء، وبقي الإمام (عليه السلام) يرتأي، وقد كتب جواباً إلى هذا الأمير بما هذه نسخته، ووصل بعض الطريق وبلغه الخبر بقتله (لا رحمه الله) بما سبق من السبب.
وقال غيره: إن الأتراك قتلوه لا رحمهم الله جميعاً، وكان الجواب.

[رد الإمام على الأمير درويش]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} .
وبعد العلامة الشريفة قال (عليه السلام): والحمد لله رب العالمين الذي من يعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم، ومن يغضب له ولمحارمه، ينله عظيم فضله، ويلحقه بمن قال فيهم: {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ومن يرد وجهه يهد قلبه ويسدد قوله ويصلح عمله ويزده من فضله الكريم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} حسبي الله لا إله إلا[211/ب] هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي يمنن عليه بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} وعلى المؤمنين بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، وأصلي وأسلم على محمد وعلى آل محمد الذي جعلهم حبله الأصغر كما جعل كتابه حبله الأكبر، وقرنهم به كما أخبر به ً ((ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض في المحشر ))، وجعل ودهم أجراً لنبيه، كما قال تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } في الذكر الحكيم.

وبعد فإنه وصل إلينا كتاب كريم، وخطاب فخيم، ممن جعل التمسك بالله ورسوله وأهل بيته له عصاماً، والاعتزاء إلى أئمة الهدى الهادين من العترة المكرمين، الذي يهدون بالحق وبه يعدلون لأمره وإقدامه وإحجامه تماماً، وإجابة دعوتهم التي هي دعوة الله عز وجل بالحق لما يريده مما عند الله عز وجل من خير الدنيا والآخرة نظاما، والاقتداء بهم في الدعاء إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأخذ على أيدي الظالمين، والجهاد لهم في سبيل الله امتثالاً لأمر الله ورسوله قواماً.

المقر الأمجدي، الأكرمي الأوحدي، ولينا آل محمد درويش بن محمد، بلغه الله صالح الآمال، كما وفقه لصادق الأقوال وحسن الأفعال، وأهدى إليه شرائف السلام، وزلائف الإكرام، وعوارف الافضال والإنعام، مترجماً عن حالته المحمودة، معبراً عن همته المباركة إن شاء الله المسعودة. فيما كان منه أسعده الله تعالى من الغضب لمحارم الشرع الشريف، زاده الله شرفاً على من هتكها ولعهود الله التي أخذها على عباده ومواقيته التي شددها، بالقيام بالقسط في بلاده على من نقضها وهتكها، رغبة فيما عند الله عز وجل من الزلفى، وانتظاماً في سلك أتباعنا آل محمد الذين آجابوا دعوتنا إلى الله عز وجل لتكون كلمة الله هي العليا، ولحفظ ملة إبراهيم الذي وفى، مقتدياً إن شاء الله في العدل والإحسان بهذه السيرة، ناشراً إن شاء الله في تلك الجهة التي مكنه الله منها لواء دعوة الحق وظل جناح الأمان، وصلاح علانية وسريرة، منزلاً نفسه إن شاء الله منزلة الخاصة، حين عرف ما أحسن الله به إلينا، وإلى عباده من اقتدائنا أهل البيت النبوي بسيرة جدنا المصطفى، واتباعاً[212/أ] لسبيله كما علمه الله سبحانه في قوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، وحسبنا الله وكفى لا نريد بذلك إن شاء الله لنا إلا التعبد لله عز وجل بتوحيده وتعديله، وتصديقه في وعده ووعيده، وحمده وشكره، وتعظيم شريعته الغراء، وملته البيضاء بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله، والاتعاظ بمواعظه، وامتثال موجب نهيه وأمره، في مثل قوله

84 / 116
ع
En
A+
A-