نعم! وعرض عليه مولانا الحسين (أيده الله) الركوب على الخيل فبعد كثيراً، وقد أنس وذهب ما به، وتلقته العساكر المنصورة وعظمه مولانا الصفي وخلع عليه، وعلى كبار أصحابه الكساء الفاخر، ثم السادة الكرام كذلك، وأضافوه الضيافات الحسنة، وأقام عندهم إلى يوم السبت ثاني شهر جمادى الأولى، وعاد إلى محله الأول، وقد استقر خاطره، وأعادوا عليه شيئاً من البلاد وجامكية معها وحصاناً عظيماً محلياً، ومن أنواع الكسوة كثيراً، وكانت أحمالاً عطاء من غير تقرير، وعاد منشرح الصدر، كثير الوفر، وقد رأى ما ملأ صدره رهبة ورغبة.

[ولاء سلطان قبائل العوالق والفضلي للإمام]
ذكر من وصل بعد قتل الرصاص من سلاطين المشرق، ومع الخطاب المتقدم لصالح الرصاص، وصلت كتب السلطان منصر بن صالح العولقي، ومحله مدينة صغيرة تسمى يشبم من بلاد العوالق، وهذا السلطان وأهل بلاده من أهل الحضر، وفي بلاده أسواق كثيرة، وقرى واسعة، منها مدائن، ويركبون الخيل، ويبلغ إلى أربعمائة وطلب الأمان على بلاده، وكان له مكاتبة إلى الإمام (عليه السلام)، وما كان يعطي الرصاص إلا ظاهر الطاعة مداراة له؛ لأنه قد ظهر عليه في وقعات، وقتل الرصاص من أصحاب العولقي في وقعة واحدة ما يدنو من ثلاثمائة، فأجابه مولانا الصفي (أيده الله) بالقبول، وأمر بالمنادي في المخيم المنصور بالله أن العولقي وبلاده من جملة بلاد الإمام (عليه السلام)، وسار ذكر النداء وذلك باستدعاء من يعرف قواعدهم، وفي يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الآخر وصل ولد الفضلي مواجهاً، فأمنه السادة (أيدهم الله تعالى) ووضعوا له ولاية بلاده، وعاد إلى والده بعد أن أعطي وكسي، وفي بقية هذا الشهر المذكور[202/ب] امتدت الكتب إلى جهة كل من المشارق، ووصل منهم من وصل بالهدايا والمواصلة من الكثيري كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

والجوابات من كل واحد من الواحدي والعمودي وغيرهما، وتقدم الأمير الفاضل صالح بن حسين بن مطهر بن الشويع، هو ومحمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن القاسم بن الهادي بن محمد بن أحمد بن الإمام المنصور بالله (عليه السلام) إلى الشحر وجهات حضرموت، وكان كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وذلك عن أمر مولانا أمير المؤمنين، وسادتنا الكرام (أيدهم الله)، وكان من الإعراض والجواب ما سيأتي.
ومما قيل في هذه الوقعة من الأشعار، ما قاله القاضي العلامة فخر اليمن وحافظ علوم آل الحسين والحسن، أحمد بن سعد الدين بن الحسن بن محمد المسوري ، وكان يومئذ في (شهارة) كما تقدم:
تحمد ربك فاستكثر من المنن .... يزدك ربك من أفضاله الحسن
والشكر فالزمه في قول وفي عمل .... وفي اعتقادٍ وفي سر وفي علن
والذكر فاذكره بالنعماء تظفر من .... بلاغ مقصدك الأعلى وكل سني
والصبر في حسن تصريف العباد بما .... ترضي به الله في شام وفي يمن
والاحتمال لجافيهم غباوته .... والعفو والصفح عن ذي الذنب أن يكن
والبر والفضل والإحسان إن لها .... مواقعاً تترقى أرفع الفنن
واضرع إلى الله في جنح الدجى ملقاً .... إليه مفتقراً ذا مدمع هتن
فإنه وهو ذو الآلاء خصك من .... بين الورى بعظيم الفضل في الزمن
فاشكره واذكره واستمسك بعروته .... وكن به عن جميع العالمين غني
وهذه دعوة فيها الحياة لمن .... أجابها وأوى في أشرف السفن
علت بها كلمات الله وانتشرت .... شرقاً وغرباً بملء العين والأذن
وقابلتها من الرحمن نصرته .... فكشفت ضلمات الإفك والفتن
وبيضت وجه دين الله إذ صرعت .... وجه الضلالة حتى خر للذقن
واستنزلت كل عاص طائع عجل .... إلى السلامة من عال من الوكن

وأذهبت عن قلوب المؤمنين بما .... سرت به كربات الغم والحزن
واستغرق الشكر للباري ونعمته .... قوى الجوارح والألباب واللسن
فتح المدائن والرحمن يسره .... بحوله كان أغنى نافذ فطن
[203/أ]تبارك الله ما شاء بمعجزة .... وما لمن غالب الرحمن من ركن
فزادك الله شكراً كي يزيدك من .... عطائه الجم إن الله ذو المنن
ولا برحت أمير المؤمنين إلى .... سبيل ربك تدعو الحق غير وني
مبلغاً من رضى الرحمن غايته .... ومن أقام الهدى بالسعد واليمن
تهن هيأ لك الباري مواهبه الـ .... حسنى وزادك من نعماه كل هني
وهن أبناؤك الشم الكرام بما .... أوتوا وما منحوا من أحصن الختن
وما سعوا في رضى الرحمن وانتصروا .... للدين دين نبي خير مؤتمن
وما ارتقوا من علالي المجد إذ نهضوا .... لله جل بلا ضعف ولا وهن
وتاجروا الله صدقاً في شراء درج .... من المعالي وبالغالي من الثمن
فعجل الفتح فضلاً وهي عادته .... لكل عبد بتقوى الله ممتحن
ومن يحف بهم من أهل دعوتهم .... من كل أروع عالي همة فطن
جنود حق تولى الله أمرهم .... وصانهم عن صفات العجز والجبن
حب الإله وحب المصطفى لهم .... والآل دين بلا ريب ولا دفن
ووصهم حاط رب العرش حوزتهم .... بالشكر والذكر فعل الشاكر اليقن
والصبر للناس والتعليم إنهم .... في بدء نشر بيان الفضل والسنن
وفي ديار بعيد عهدها بذوي آل .... إرشاد من بهدى العالمين غني
قد طال ما ذهبت ممن يلابسها .... بجهله بضلال الرأي والأفن
والآن قد عاد فيها الحق واضحة .... سماته بعد طول النوم والأسن
وأصبحت مستقراً للهداة وللـ .... ـهدى واطمأن الحق في وطن
فأولهم يا أمير المؤمنين بما .... أولاك ربك ثوب المصلح الأمن
وافرش لهم في مهاد الأمن مملقة .... ليعرفوه بلا ميل ولا حجن

وهدهم لهدى الرحمن واسع لهم .... في الرشد أنجد من يرنو إلى حصن
فجدك الرحمة العظمى وأنت له .... خليفة صادق يجري على سنن
وابشر من الله بالرضوان في زلف .... مع ما أتينا به بشرى بن ذي يزن
وأنت للدين والدنيا وللشرف الـ .... عالي الفخار كمثل الروح للبدن
ولا زلت ترفع أعلام الهدى وتري .... هذا الورى رشدهم في غير ما عطن
وتورد الناس عذباً من هداك لهم .... إلى النجاة نميراً غير ذي أسن
[203/ب]تتلوا عليهم كتاب الله والسنن .... اللاتي تجلت وتشجي كل ذي درن
وكل مبتدع في الدين ليس له .... بصيرة شيء في فعله درن
أغواه شيطانه بالغي فاجتمعا .... على الضلال والإضلال في قرن
والحمد لله حمداً لا انقطاع له .... على مواهبه في السر والعلن
ثم الصلاة على خير الورى وعلى .... أهليه ما سجعت ورقاء في غصن
وقال أيضاً (أطال الله بقاه) في جوابه على مولانا أمير المؤمنين (حفظه الله) في كتابه الذي رفع فيه البشرى بقتل الرصاص، وذكر مولانا (حفظه الله) في ذلك الكتاب أن سادتنا لما استولوا على حريم الرصاص ستروهن وسيروهن إلى مقرهن.ولم يتعرض لهن أحد بسوء، فكان مما قال القاضي (أيده الله) وذكرني صنع سادتنا بحريم الرصاص فعل الوصي صلوات الله عليه في أهل البصرة، وهم أهل الجمل، حيث قال مهيار الشاعر:
حتى إذا دارت رحى بغيهمُ .... عليهمُ وسبق السيف العذل
عادوا بعفو ماجد معود .... للعفو حمال لهم على العلل
فنجت التقيا عليهم من نجا .... وأكل الحديد منهم من أكل
قال القاضي (أيده الله): فلشدة ما لبسني من السرور وغشيني من الحبور عرض في الحال بديهاً لموقع ما هز فيها:

لا غرو إن حذا بنوه حذوه .... وإن رقوا من مجده أعلى القلل
وإن سعوا كسعيه فأصبحت .... معلنة حي على خير العمل
وإن أطاعوا الله في طاعة من .... دل على نهج الصواب وحمل
[والدهم إمامهم من خلصت .... نيته ومن على الله اتكل]
يدعو إلى التوحيد والعدل وما .... جاء به نص الكتاب وفصل
وسنة المختار جده الذي .... عليه جبريل من الله ونزل
وصنوه المولى الإمام خير من .... من بعده يوما جفا أو انتعل
وسيرة الأبرار من ذرية .... قد طهرت من كل رجس وزلل
بالمصطفى والمرتضى قد اقتدوا .... والحسنين السيدين في العمل
وزيد الداعي إلى سبيلهم .... ومن قفا آثارهم بلا خطل
قف إمام الحق فينا إثرهم .... وسادة شفوا من القلب الغلل
[204/أ]دعاهم إلى الجهاد فانبروا .... مثل الليوث وثبة بلا مهل
وسلهم صوارماً على العدا .... بنصر رب العرش من غير كسل
وجههم أسنة مسنونة .... تجارة الله انتجوا بلا فشل
لله در سادة غطارف .... علوا سيوف الحق من بعد النهل
سقوا أعادي الله كأساً مرة .... وأشبعوا وحش الفلاة والجبل

وحينما استولوا على حريمهم .... عادوا بصفح الماجدين في الحلل
وكرموا أنفسهم إذ كرمت .... بالحلم والمعروف من غير دغل
وستروا بفضلهم ما كشفت .... تلك الذنوب الموبقات والخلل
ما أحسن العفو وراء قدرة .... تبخرت من الوفاء في حلل
ملكهم مولاهم فاسجحوا .... لوجهه ما اتكلوا على العلل
لله در من عفاف بعد ما .... أدرك ما رام وجاد واحتمل
ودر جند الحق من حين دعوا .... لنصر دين الله أجابوا عن عجل
وسارعوا للخير فيهم قادة .... رؤساء الكل منهم قد كمل
لهم معال شامخ قبابها .... قد سيرت في الأرض تسيير المثل
قد صدقوا في ودهم خير الورى .... والعترة الأطهار ما فيهم شلل
من نصر الله يجد نصرته .... إمامه وحيث حط وارتحل
من يتق الله يجعل فتحه .... له سريعاً ويبلغه الأمل
يا رب أيدهم جميعاً واحمهم .... وصلهم فأنت خير من وصل
وجد عليهم بالأيادي والرضى .... والنصر منك أنت تعطي من يسل
وصل ما غنت حمام أيكة .... على نبي حل في أعلى محل
وإله الأطهار خير من جعلهم .... هداة من حاد عن الحق وضل
ومن هم حبل مع الذكر كما .... جاء به عن الرسول من نقل
والحمد لله على أنعمه .... ما أعلنت حي على خير العمل

وقال الفقيه الأديب البارع وجيه الدين مهدي بن محمد المهلا [قصيدة] نيابة عن مولانا أمير المؤمنين، فاستحسنها مولانا الإمام (عليه السلام)، وأمر برقمها في كتاب (الغيث المدرار)،[204/ب] وكان تاريخ تمام نسخه الغيث الذي كتبه الفقيه المذكور في العام المذكور، فكان إفتح بلاد (الشحر) فهذا اللفظ ألف سنة وخمسة وستون سنة [1654م]، ونظمه المذكور في أبيات من جملتها:
حتمي له قال عجيب الأمر .... ألهمته ليلاً بحسن فكري
ولفظه:
افتح بلاد الشحر .... أبا علي شارحاً للصدر
وذلك من جملة أرجوزة أيضاً في آخر ذلك الكتاب، وهذه الأبيات التي على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام):
يقول أمام الحق والله عونه .... على خاذل للحق رام التباسه
عزمنا على اسم الله ننصر دينه .... ونهدي إليه من أراد اقتباسه
بعثنا جنود العدل شرقاً عزيمة .... لفرض علينا أن نقيم أساسه
هو الأمر بالمعروف والنكر ينتفي .... وشرع إله العرش يجزي اجتنابه
فصدهم الرصاص عن نجده الذي .... أراد به عزاً فنال انعكاسه
وناوش حرباً بعض يوم فجاءه .... شجاع من الفتيان فاجتز رأسه
ومن قابل الليث الهصور بكلبه .... فثم يرى إقدامه وافتراسه
كأن لم يكن سلطان أرض وقومه .... جميعاً سقاهم أحمر القتل كأسه
وكنا تأنينا لإعذاره عسى .... يفي إلى خير فأظهر بأسه
ومن كان شيطان الهوى غالباً له .... يرى عن قريب هلكه وانتكاسه
وليس بمقصود لنا غير أنه .... تعرض للجيش اللهام فداسه
توهم أن النصر قول وليه .... فأبطل نصر الله ما كان قاسه
يريد إله الحق إتمام نوره .... وود العدى إطفاءه وانطماسه
ومن زين الشيطان والنفس فعله .... فليس لباس المؤمنين لباسه
ومن أحسن الظن الجميل بربه .... يحقق رجواه ويذهب باسه

وقال الفقيه العلامة الأريب المصقع البليغ الأديب، قمطر العلم والأدب، أوحد من أنشأ وكتب، جمال الدين علي بن محمد بن يحيى بن سلامة طول الله عمره، وشرح صدره، ويسر أمره، أبياتاً ووجهها إلى مولانا عز الإسلام، وبركة الأنام محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين (حفظه الله) يهنئه بالفتوحات الشهيرة، والذخائر الكبيرة، بعد الظفر بجميع [205/أ] الأعداء، والإعقاب بظفر بنجد السلف النافع، بالظفر الكبير بيافع، والحمد لله رب العالمين:
تبلغ عز الآل حلو التراجم .... تهاني وافت كالبدور التمائم
تهاني جاءت كالشموس تواردت .... بها انجاب عن أفق الهدى كل قاتم
جواهر أخبار إليه طوالع .... فهل مثلها روض الرياض النواعم
ببشر عميم للبرية عن يد .... ونصر وتأييد ويسر مكارم
وإعلان دين الحق في كل وجهة .... وإظهاره حق بصدق عزائم
بعون من الله الكريم ولطفه .... وتأييده جم العلى والمراحم
فما النصر إلا منه جلا جلاله .... فمنه تدانى سالم وابن سالم
يدلي عن الأرض القصية سالم .... وكان مدى الأيام غير مسالم
أراد بأن يهدي ليافع نافعاً .... فحملهم أثقال كل المغارم
دنو السيوف الهند والسمر والقنا .... وخروا له من شامخات عواطم
جزى المشرفيات الحداد فإنها .... تقطع عن ذي الزيغ مهوى التمائم
وخطية سمر طوال ثواقب .... وضحك سيوف بالثغور البواسم
لقد نصر الرحمن نصراً مؤزراً .... وزعزع من أركانه كل ظالم
وقوض بالرعب الشديد صياصيا .... وذللها حتى دنت بالسلالم
ويافع أدناهم وسهل أرضهم .... وكانت ترى للعز حيث النعائم

تتابعت البشرى وكان رواوها .... لعز الهدى والفضل سبط البراجم
بحر الهدى جم الندى مالك الهدى .... بطعن وضرب حيث ليَّ العمائم
سرت نحو أرض الشرق منه كتائب .... فجلت بحمد الله كل العظائم
أتاح لهم عز الهداة محمد .... كتائب تترى كالنسور القَشَاعِم
وساق لهم من آله الغر أنجماً .... أكارم جاءوا بالعلا والمكارم
ثلاثتهم جاءوا بكل غريبة .... من الفضل حتى أزهرت عن كمائم
ولا ننس جيشاً للحسين وبارقاً .... له الفضل أضحى شايماً أي شايم
سموا ورقوا للمرمات والعلا .... مراتب يرقاها ذؤابة هاشم
أهابوا إلى أرض الشروق ولم تزل .... جموعهم مثل البخور الحضارم
إلى أن أبادوا كل ضد معاند .... وسقَّوهم بالسيف صاب علاقم
[205/ب]وهل يوم بدر كان بالنجد مثله .... وأعجب بيوم كان دير الجماجم
مقاماتهم في كل يوم مبارك .... أشادت لدين الحق بيض المعالم
وبالعدوة القصوى استبانت من العدى .... رؤوسهم من بعد حز غلاصم
وبالعدوة الدنيا استنارت عن الهدى .... وجوه وعادت ضاحكات المباسم
عصابة مولانا الإمام وحزبه .... عصابة بدر يوم ذاك التخاصم
أدلة قرآن بذاك وسنة .... ووحي فذع قول الوشاة اللوائم
ويوم حنين هل بيافع مثله .... وثبت ذاك الجيش عند التراحم

82 / 116
ع
En
A+
A-