ولما جد الإمام (عليه السلام) في المخرج المنصور، أرسل القاضي أيضاً بهذا الشعر، وذلك في شهر صفر عام خمس وستين وألف [ديسمبر 1654م) وهو:
عزمت على اسم الله بالفتح والنصر
وباليمن والإيمان تصدع بالأمر
وبالبركات الناميات توجهت
عزائمك الكبرى لحرب ذوي الكبر
وبالباقيات الصالحات نشرت من
لواء الهدى أكرم بذلك من بشر
وبالله تستهدي جنودك حيث ما
تؤم وبالأملاك والسادة الغر
بدعوة خير المرسلين دعوت في
العباد فأبشر بالبشارة والبشر
دعوت إلى ربح الجهاد وحبدا
تجارته للصابرين من التجر
[197/أ]توكل على الحي العزيز الذي له
جنود السما والأرض والبحر والبر
فقد صدق الميعاد في نصر حزبه
وخزي ذوي الإلحاد والزيغ والمكر
فيا بن رسول الله وابن وصيه
وسبطيه وابن القاسم القائم البر
جزاك إله العرش عنا ثوابه
السني من الدنيا ومدخر الأجر
شرحت صدور المؤمنين بهذه العزائم
فاستبشر بشارحة الصدر
غضبت لرب العرش واخترت نصره
وذلك عند الله عارمة الغفر
أعدت لدين الله عادات سادة
أقاموا قناة الحق بالبيض والسمر
تهن أمير المؤمنين فإنما
جنودك جند الله يقدم بالنصر
تهن بما أوليت دام لك الهنا
وبلغت فيما ترتجي غاية الفخر
ودم وابق للإسلام ترفع ذكره
كما رفع الرحمن ذكرك في الذكر
وحرض جنود الحق في قطع ساقة الـ
ـعدو رماه الله بالهلك والبتر
وأمددهم في ظلمة الليل بالدعاء
ووصهم بالذكر لله والصبر
إمام الهدى لا زلت ترفع للورى
هدى وتريهم واضحاً منهج البر
وترفع للتوحيد والعدل راية
على شرفات في عمان وفي مصر
وتنصب في أقصى العراق لوائك الأعز
وفي الغرب الأقصى على يسر

وتمحو بما آتاك ربك من هدى
ومن حجج بيض عقاير ذي الكفر
أمدك مولاك الكريم بغارة
من الملأ الأعلى المكرم ذي الطهر
وأولاك منه ما تؤمل من رضى
ومن درجات عنده لذوي الشكر
ولا زلت أواها منيباً مباركاً التقية
في طي الأمور وفي النشر
تقيم عمود الدين في كل وجهة
وتظهر معروفاً وتزجر عن نكر
لك الله جاراً في أمورك كلها
ونعماؤه تسري إليك بلا حصر
لك الله عوناً ناصراً ومؤيداً
وأعداؤك الهاوون في هوة الحشر
لك الله مولاً حايطاً حيث وجهت
جنودك من بر البلاد ومن بحر
لك الله مولاً حافظاً حيث وجهت
جنودك من سهل البلاد ومن وعر
لك الله ثق بالله لا رب غيره
وأرسل على الأعداء قاصمة الظهر
جنود دعاء الليل فالله ضامن
إجابة من تدعوه في السر والجهر
وأنت أمير المؤمنين وليه
فلا تخش من سوء ولا تخش من ضر
[197/ب]وأعداؤك الفجار أعداء ربهم
وقد خاب من عادى وناوى أولي الأمر
وأنت قرين الذكر والحق والتقى
وهم قرناء اللهو واللغو والغدر
لشتان ما بين الفريقين في الهدى
فريق على عدل وآخر ذو جبر
تهن أمير المؤمنين جهادهم
ومالك عند الله ربك من ذخر
وطهر بقاع الأرض منهم فإنهم
شرار الورى لا يعرفون سوى الشر
وهن جنود المؤمنين بما نحوا
وما طلبوه من جهاد ومن صبر
هنيئاً لهم رضوان ربي عليهم
هنيئاً مريئاً دائم المجد والفخر
ولا تيأسن والمسلمين من الدعاء
بمرحمة تحيي لدى الحشر والنشر
وتعجيل غيث مرجي مبارك
به يكشف الرحمن غاشية العسر
فقد أدب الله العباد بشدة
لها فرج من ربهم عاجل اليسر
فإن الإمام البر مقبول دعوه
كما أنه للناس كالوالد البر
ولا تنسني منهم فإني لطامع

لأني أمام الحق منك على ذكر
وإنك تدري ما لدي من الأسى
من البعد لولا ما علمت من العذر
عليك صلاة الله بعد محمد
نبي الهدى والعترة الأنجم الزهر
وذكر القاضي (أيده الله) الجدب المشار إليه، ولما توجهت الجنود المنصورة كما سيأتي إن شاء الله تعالى أرسل الله سبحانه مطراً عظيماً في المواضع الشديدة الجدب، سيما بلاد صعدة، وما كثر جدبها.
ثم لما أهلك الله الرصاص كما سيأتي عم جميع البلاد شرقاً وغرباً ولا زالت المسرات تتجدد والخيرات تتردد، وحيت البلاد، وكان كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.
نعم! والإمام (عليه السلام) يكرر الدعاء للرصاص خاصة، ولأهل المشرق عامة إلى غرة محرم الحرام سنة خمس وستين وألف [نوفمبر 1654م] واستخار الله سبحانه وتعالى وأكثر من ذلك، وبلغني أنه عدله عن ذلك كثير من الناس، إما لمحبة السكون أو لتخوف العواقب، فلم يجبهم بغير العزيمة، والأسعار مرتفعة، ولكن دون ما سيأتي، واستجاش العسكر المنصور من كل جهة من بلاد شهارة، وصنعاء، وكوكبان، والحيمة، وما إليها.

وقد تقدم إلى (ذمار) مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن (أيده الله)، وصنوه الصفي، وصنوهما الحسين بن الحسن، وقد جمعوا عساكرهم وخيلهم، حتى غصت (ذمار) بمن فيها، وكذلك (الحصين)[198/أ] امتلأت جوانبه وعرصاته عسكراً وخيلاً، وانقطعت المياه لكثرة الناس، ولم يبق سعة لصلاة الجمعة، فاتخذ الإمام (عليه السلام) للجمعة مصلاه في العيدين، حتى انفصلت الجموع، وقامت الأسواق ، وكثرت النفقات والعوائد والصلات، والإمام يوزع كفايتهم، ويستعجل المتأخر منهم، وكل ذلك بسهولة عليه.
كما أخبرني من شهد ذلك أو العمائر في الجامع والأسواق، والمرافق بحالهم، ولما استتب له ما أراد من اجتماع العسكر المنصور، وكان مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين (أيده الله) في بلاد مسار، وجهات حراز، وهي إليه، أمره (عليه السلام) بالنهوض، فصعد إلى صنعاء المحروسة في شهر صفر الخير، وقد جمع عسكره وأعطاهم أرزاقهم، وعسكر بهم خارج المدينة، وكتب إلى الإمام (عليه السلام) يستورد رأيه الكريم في أي حين يريد وصوله، فأمره الإمام (عليه السلام) بالبقاء حتى يأتيه رأيه الكريم لأجل التخفيف على الحصين.
وأما مولانا عز الإسلام محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين فكذلك كان استعداده، وكتب إلى الإمام كذلك.

قال بعض من نقل أوائل هذه الحركة الميمونة ما لفظه: وذكرت خبر هذا المخرج الأعظم، والجمع الذي مثله لم يعلم، وأنكم قد تحققتم مراسلة الإمام (عليه السلام) لهذا المخذول حسين الرصاص، والمعاودة لقيام الحجة والخلاص، ودعاه بالوعظ الحسن، وأن يقوم ذلك عما سيبدي عليه من المحن، وأن يسلك مسلك الحق الأقوم، ويتولى محمداً وآل محمد صلى الله عليهم وسلم، إلى قوله: فما زاده ذلك إلا تكبراً في نفسه، فاستحوذ عليه الشيطان بغروره ولبسه بما سيكون (إن شاء الله) من نكاله ونكسه.
ولما طغى وخالف الهدى، واصله الشيطان فاعتدى، أمر الإمام (عليه السلام) للأنصار، وأهل الهمم الكبار، من ساداتنا الأخيار، حماة الأقطار، مولانا عز الإسلام والمسلمين محمد بن الحسين بن أمير المؤمنين، وأهل الحيمة وما والاها، وشهارة المحروسة بالله وسواها من حاشد وبكيل أنصار الحق من كل جيل، فكانوا زهاء من عشرة آلاف، وعدة من الخيل، مع اجتماعها في محروس ذمار مع مولانا عز الإسلام والمسلمين وصنوه صفي الدين (أيدهما الله) من غير من ذكرناه عند الإمام (عليه السلام) فوق ألف فرس وستة آلاف جمل.

ولما كان إلى يوم الخميس تاسع وعشرين شهر صفر، وصل كتاب من الشيخ الزين بن مصعب القايفي إلى مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن (أيده الله تعالى)، أنه رأى من المصلحة أن يقدم بقبائله قايفة إلى بلد [198/ب]الزهراء الآتي ذكرها، وهي أقرب جواراً إلى بلاد قايفة، وهي من بلاد الرصاص، وأنه يخاف أن يسبقه إليها الرصاص، ومن انضاف إليه من سلاطين المشرق، وطلب الغارة لحفظ البلد المذكورة، وأنها عنوان الفتح إن شاء الله تعالى فأمده بالسيد الأكمل صلاح بن محمد الديلمي، وهو من خواص مولانا أحمد بن الحسن، والشيخ حسين بن صالح بن مذيور الحيمي، وكذلك غربان، ونقباؤهم فتقدموا إلى الزهراء ليلاً ونهاراً، وكان فيها رتبة من أصحاب الرصاص، فولوا الأدبار، وتركوا البلد.

فلما كان إلى غرة ربيع الأول خرج مولانا عز الإسلام والمسلمين محمد بن الحسن (أيده الله) ومولانا سيف الإسلام أحمد بن الحسن (أيده الله) بعساكرهم المنصورة، وكتائبهم الموفورة، أمسوا في حيمة عنس، وقد فرقوا العسكر المنصور في مواضع لأجل سعة الطريق في يوم الأحد ثاني ربيع الأول، وقدموا إلى محروس رداع، وساق كلاماً ما حاصله أن مولانا الإمام (عليه السلام) ولّى على جميع العام والخاص، والداني والقاصي، في الكثير والقليل، والدقيق والجليل، مولانا وملكنا عز الإسلام والمسلمين محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين، وأعلمهم بما هو عليه (أيده الله) من جودة الرأي وكمال السياسة من غير منازع، وكان مما دبره (أيده الله) بأن بعث محطة عظيمة مع ولده السيد النجيب، الرئيس الفاضل الحسيب، عماد الدين يحيى بن محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين، وضم إليه عيوناً، منهم: الشيخ الرئيس محمد بن ناصر المحبشي وأمره بالمضي إلى (قعطبة) ، وجمع معه من القبائل سواداً عظيماً لعلمه أن مشارق اليمن إلى طريق عدن قد تحدثوا بجمع المشرق وخلافهم للحق، وقد ركزت رعايا تلك الأطراف رؤوسها، فلما استقرت المحطة المنصورة بالله تعالى في (قعطبة) قل الإرجاف، وأمن أهل تلك الجهة نايرة الخلاف، فكانوا إلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[الرصاص يتهيأ للخروج]
نعم! ولما استقرت المحطة الأولى في الزهراء، وقد أجلب الرصاص بمشارق اليمن من العوالق، ويافع وغيرهم من سلاطين المشرق المتقدم ذكره، فكانوا أكثر من ثلاثين ألفاً، وعسكروا في نجد السلف، وهو باب بلادهم ولا طريق إليها من غيره للجمال والأثقال، وجموع الرجال، وقد نقلوا إلى هذا الموضع بيوت الشعر وأهليهم وأنعامهم، فكانوا محاطاً متكاتفة، وفي عدد بيوت الشَعْر روايات إلى ألوف كثيرة، ونفقاتهم مع ذلك من أصحاب الرصاص، وقد فرض على أهل مدينة البيضاء كما تواتر عنه في كل يوم دراهم وغنماً وطعاماً[199/أ] وكَتب الإمام (عليه السلام) لا تزال إلى هذا الضال، فلا يزداد إلا بعداً، وكتب الخبيث المتقدم ذكره وهو سالم بن أحمد بن حسين بن أبي سالم المغرور بأن الزيدية طعمة لك، وأنه وقد وهبه أياهم، وأرسل بمسبحته وقال: إنها تقوم مقام الجيوش الكثيرة، وكاتبوه أيضاً، ووصفوا له ما دهمهم من الجنود الإمامية، فأرسل مرة أخرى براية من راياتهم المنكوسات، وعبداً يحملها من أهل الخلاعة، فقطع المغرور بذلك، وبشر من أخبره بقدوم العساكر الإمامية، وقطع بما وعده ذلك الضال، وقال في ذلك شعراً، وهو في الحقيقة مما يعد هذياناً وهجراً:
[أما علينا وسالم قد غلب
لا تتحطب يا ذوا الغلب القليل
ولوسماعيل هام بالعرب
الغر ماله في المشرق سبيل]

[تقدم جيوش الإمام المتوكل إلى ذي كراش]
نعم! ولما استقرت المقدمة التي مع السيد صلاح بن محمد تقدم من فايقة أصحاب الشيخ الزين ما يدنوا من أربعمائة نفر إلى موضع يسمى ذي كراش، وهي بلد حصينة، أهلها يدنو من مائة بيت، وفيها حبوب كثيرة، وإرفاق واسعة، فانتهبوها وأخذوا ما لا يعلم حسابه من الأطماع، ثم لحق بهم العسكر ستون رجلاً لمثل ما فعلت قايفة، وأرسلوا إلى السيد صلاح ومن بقي معه ليلحقوا بهم، فخاف السيد صلاح على البلد التي هي عهدته.
ولما رأى أصحاب الرصاص وهم أهل البلد المذكور قل العسكر، وأن (قايفة) يحملون الأطماع، ولا ينتظر أولهم آخرهم، فأرسلوا إلى الرصاص، وأخبروه بما وقع فأمدهم بما يدنو من الألفين، فانحاز العسكر الذين في البلد في البيوت، وكذلك من بقي من قايفة فكانوا في بيت آخر، وأحاط بهم أصحاب الرصاص من كل جهة، وكادوا يدخلون عليهم البيوت، واشتد الأمر، وقتل من العسكر أنفاراً، ومن أصحاب (قيفة) ستة أنفار، ومن أصحاب الرصاص جماعة، وحملوا قتلاهم على الجمال، وقل على العسكر المتحاربين وعلى (قايفة) أيضاً البارود والرصاص، ودافعوا عن أنفسهم أشد دفاع، وكان في المخذولين رسول خبيثهم براية الضلال المتقدم ذكرها، فحمل بها قاطعاً أن كلام شيخه حق، وأن الرصاص لا يصيبه، وإن أصابته، فكا الماء فصب عليه أهل البنادق الرصاص فقل ما أخطأه منها، وتطاير قحفه وخر إلى سقر[199/ب] واجتز رأسه، وأخذت رأسه، فكانت لعنة لأهل السوق الإمامي، ولما وصلوا إلى الرصاص لامهم، وعنفهم على الهزيمة، وهم بأخيه صالح، وكان عليهم.

نعم! وقد نفذ البريد إلى مولانا محمد بن الحسن (أيده الله تعالى) فتجهر مولانا أحمد بن الحسن، وصنوه الحسين في أكثر من أربعة آلاف ونحو أربعمائة فارس، يوم السبت ثاني عشر شهر ربيع الأول إلى موضع يسمى خريص ، ثم منه إلى المعسال، ثم منه إلى الزهراء ولما وصلوها أقاموا خمساً، وخرجوا للضيافة إلى ذي كرش، فقرروا الرتبة الأولى وزادوا عليها، وانفرد الشيخ المجاهد الحسن بن الحاج أحمد بن عواض في أنفار، فوقع بينه وبين رتبة الرصاص حرب وعادوا إلى الزهراء.
ثم وصل مولانا عز الدين محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين في نحو ألف وثمانمائة، ثم مولانا عز الدين محمد بن الحسين بن أمير المؤمنين في نحو من ألفين وخمسمائة، ومع ذلك الإمداد يلحق بهم، فكانوا زهاء من عشرة آلاف ومن قايفة وبني ضبيان نحو من الألف، ووصل إلى مولانا الصفي أيده الله خفية شيخ بن غيلان، وشيخ الملاحم من السكون حوالي النجد المذكور، فأحسن إليهم ووعدوه بأن يدلوه على عورات المخذول، وأن ينخذلوا عن نصرته، ووفوا بما أعطوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

80 / 116
ع
En
A+
A-