ووصلت إليه الوفود إلى هذا الموضع من جهات متفرقة منها من الهند، وفارس، ومكة المشرفة، وغيرها، وكثرت الخيرات والنفقات، والصلات.
فلما قرب شهر رمضان المعظم وكان صنوه مولانا صفي الدين أحمد بن أمير المؤمنين (أطال الله بقاه) في خمر من بلاد بني صريم، وله فيه أهل وأملاك، وصله إلى ظفار، ورجح له أن يكون الصيام في السودة من شظب للرفق بالمسلمين، والقرب من شهارة المحروسة بالله، وللإمام (عليه السلام) في السودة أولاد أيضاً فخرج (عليه السلام) من ظفار سادس وعشرين من شهر شعبان وبات في ملاحة من هربه، مكان الفقهاء آل الأكوع، وهم من عماله (عليه السلام)، وأهل المروة والكمال في الدين والدنيا.
ثم تقدم إلى خمر فأقام فيه يومين، ثم توجه إلى السودة من طريق غربان في أول يوم من شهر رمضان، وكان الماء قليلاً عندهم فأمدهم الله مع وصوله بالمطر الغزير، وخضرت الثمار، وحصل ابتداءً ما يأتي من نقصها، وغلاء الأسعار، والشدائد الكبار، فأرسل السعاة لجمع الثمرة للمسلمين، وتقسيطها في طبقاتهم، وقد تعطلت شهارة المحروسة بالله من الطعام مع كثرة من فيها من المستنفقين، حتى بلغت نفقتهم في الشهر الواحد أكثر من خمسمائة زبدي، هذا الراتب وقد تعرضت مثلها لحوائج الإمام ومن يرد إليه، وقد ظهر أوائل الشدة الآتية مع الوفود من الجهات البعيدة، ممن لهم الحقوق الكثيرة الأكيدة.
[وصول الشريف محمد السليماني صاحب صبيا إلى الإمام]
وممن وصله إلى السودة الشريف الكامل الرئيس محمد بن الحسين الخواجي السليماني صاحب صبيا ، وقد لحقه وبلده المشاق، وتقطع الأرفاق، فتلقاهم الإمام (عليه السلام) بالإعظام، وأعطاهم نجائب الخيل والنقود، والأكسية الكثيرة على أنواعها وأمر أن يساق إليه ألف زبدي، كما أخبرني من اطلع على ذلك ليقيم بها أوده ويعمر بلده فكان ما سيأتي إن شاء الله من ضعف الحال.
[وفاة الأمير أحمد بن القاسم بن محمد]
[وفي شهر شوال] من عام ثلاث وستين وألف (سبتمبر 1652م) استرجع الإمام (عليه السلام) ولاية صنوه مولانا الصفي أحمد بن [176/أ] أمير المؤمنين (أيده الله) صعدة ومخاليفها ونجران وما إليه، فتجهز من السودة في العشر الوسطى من شوال، وشيعة الإمام (عليه السلام) إلى قريب من الموسم من بلاد شظب، وعاد الإمام إلى السودة، وتقدم مولانا أحمد إلى حبور، وتلقاه السادة الكرام آل جحاف بالإعظام والإكرام، ثم تقدم إلى شهارة وأقام فيها إلى شهر القعدة.
ثم تقدم إلى صعدة المحروسة، وكان ظهر من بعض مخاليف المشرق، من جهة أملح أحداث ومفاسد، فأرسل عليهم مولانا الصفي عسكراً فهزمهم، وهدم دور قوم منهم، وقطع أعنابهم، فانقادوا بعدها وصلحوا. وأقام في صعدة المحروسة بالله وعمرها وأهلها بإحياء المدارس والطاعات، وتجرد للإنفاق، وما تجلب إلى تلك المدينة من الأرفاق وقد عظم الجدب وعم في اليمن، وبلغ حمل الذرة خمسين حرفاً، وحملوا من صنعاء الطعام إلى صعدة على مشقة ومخافة، وكاد الناس يأكل بعضهم بعضاً، وتوفي (رحمه الله) بعدها في يوم الأربعاء رابع وعشرين في شهر صفر سنة 1066هـ [23سبتمبر 1655م]، وقبر في صرح جده الإمام الهادي (عليه السلام) وعمر عليه ولده السيد الحبيب الفاضل علي بن أحمد قبة شهيرة، وكان (رحمه الله) كما يليق من النشأة الطاهرة، والمحافظة على الطاعات، والأوراد التي قل مستعملها بعده، وكان له (رحمه الله) هيبة على حفدته وأعوان دولته فلا يكاد يوجد فيهم ذو تسهيل في صلاته وطهارته حتى أخدام المرافع وسواس الخيل، فقل من لم ير عليه منهم أثر الطاعات (رحمة الله عليه)، وبلغني أن له وصية عجيبة فيها أحكام وإحاطة، وتحرٍ للصواب كما يحق لمثله فإن وجدتها أثبتها إن شاء الله في هذا المحل والله الهادي والموفق.
فصل: نرجع إلى بلاد صعدة قد ذكرنا ما وقع فيها من الاختلاف وما لقي الإمام (عليه السلام) من الشدائد في صلاحها، وقد وصل صنوه أحمد أطال الله بقاه كما تقدم، واستخلف عليها ولده الفاضل علي بن أحمد، ثم وصل أيضاً إلى الإمام (عليه السلام) وإلى والده وهَمَّ الإمام (عليه السلام) أن يولي عليها غير صنوه وولده، وهم أيضاً أن يجعلها بنظر ولده من غير واسطة أبيه، وعظم عليه أن يكون صنوه منقطعاً عن أهله أو يكون فيها والتصرف لغيره فقرر ولايتها إليه، وأعادها عليه كما تقدم، وإن عليه صلاحها وسد خللها فتجهز في شوال السنة المذكورة، وقد شملها الجدب وأضعفتها الهزاهز[176/ب] والفتن، وكان كما سيجيء إن شاء الله من الجدب الهايل، والمحل الطايل، والإمام (عليه السلام) مع هذه الأمور يمده بالعسكر إلى أطراف الشام كنجران ومشرق صعدة، وغيرهما وأقام الإمام عليه السلام في السودة إلى سلخ ذي الحجة، وهو في كلها تسخير الله سبحانه، ويرتأي في العود منها إلى شهارة المحروسة بالله، أو التقدم إلى صنعاء وحصن الدامغ، فإن أهله فيها كما تقدم، فتقدم في العشر الأواخر من ذي الحجة إلى حبور من أعمال ظليمة.
[أخبار قرية حبور]
ولنذكر طرفاً من أخبار قرية حبور في الدولة المؤيدية والمتوكلية، وهذه البلد صفة مدينة معمورة بعالم من الناس، سادتهم الأشراف المعروفون بآل جحاف، وهم من ولد الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني (عليه السلام)، فيهم علم وكرم، وفيهم مع ذلك كمال دنيوي لا يزال منهم مع الأئمة (عليهم السلام) كالإمام الأعظم شرف الدين (عليه السلام)، ومن قبله ومن بعده قضاة وولاة، ومرجعاً في مهمات الأمور.
ثم كانوا مع مولانا المنصور بالله (عليه السلام) كتابه وأعوانه، وقد تقدم ذكر مشاهيرهم وقد ذكرنا فيما تقدم من أخبار الإمام القاسم (عليه السلام)، ما تعمدهم به الأتراك، ومن والاهم من بني المعافا بن عمرو وأهل السودة من هدم دورهم، وتتبع آثارهم، وإن الإمام (عليه السلام) كما أخبرني من أثق به رأى وهو في جبل سيران أن الهدم في بلدهم والحرائق فرق لهم كثيراً، ودعا الله سبحانه وتعالى لهم ولبلدهم بالعمارة والإقالة فكانت عمائر حبور مما يضرب بها المثل في أرض اليمن، وتولوا مع الإمام الأعمال الجليلة، وكان الإمام (عليه السلام) في ستة تسع وخمسين وألف[1649م][ ] تزوج الشريفة الفاضلة [ ] بنت السيد الأعلم الحسن بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن المهدي، وأقام في حبور مدة، وتردد إليه مراراً، والسادة المذكورون في إعانته، وتلقى وفوده بالإحسان ما يفوته الحصر، وضاق بالمسلمين، وتقدم إلى أقر المعمور بالله يوزع حوائج المسلمين، ويؤثر المساكين، ولا تزال بعوثه إلى الأطراف لتنفيذ الأحكام، وبلاغ شريعة النبي عليه وآله أفضل الصلاة والسلام منهم القاضي العلامة محمد بن علي بن محمد الجملولي الأهنومي، فإنه أرسله بما هذه نسخته [177/أ]………………… . [177/ب]ووجه غيره أيضاً إلى جهات أخرى للتذكير والبلاغ، ولما أراد المسير إلى بلاد صنعاء وحصن الدامغ صعد إلى محروس شهارة عمرها الله بالتقوى، فتفقد أعمالها، وذخائرها وحوائج أهلها، ثم استخلف ولد أخيه مولانا الحسين بن أمير المؤمنين (أيده الله)، وكان الماء فيها في حكم المعدوم بانقطاعه من المناهل فأمدهم الله سبحانه
وتعالى بالمطر الغزير المتتابع.
[تفقد الإمام لبعض المناطق]
مما أخبرني بعض الخواص عن بعض أهله (عليه السلام) أنه رأى شدة ما الناس عليه، فخلى في موضع من بيته الطاهر مفتوحاً إلى السماء فجعل يبتهل ويتضرع ويبكي فما عاد من موضعه إلا وقد التفت ثيابه عليه من المطر. ثم خرج من شهارة في ثاني وعشرين من شهر ربيع الآخر عام أربع وستين وألف [11مارس 1653م] فأقام في أقر ستة أيام لعارض المطر المانع لمرور الأثقال في أخرف ، ثم تقدم إلى السودة يوم الثلاثاء من ثامن وعشرين شهر ربيع الآخر وأقام في السودة ينظم أعمالها وفيها ولده السيد الطاهر يحيى بن أمير المؤمنين صغيراً بلغه الله وبلغ به رجاء والده أمير المؤمنين.
ثم خرج من السودة المحروسة يوم الخميس سادس شهر جمادى الأولى، فبات في الخدرة من أعمال جبل عيال يزيد، وصلى الجمعة في محروس عمران وكانت ولاية عمران لولد أخيه عز الدين محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين، وكان إذ ذلك في روضة صنعاء فسارع الوصول إلى الإمام (عليه السلام) بعد صلاة الجمعة وحصل الضيافة السنية، وفتح المخازين المعدة للطعامات .
وكان قد التاث بالإمام (عليه السلام) عالم من الضعفاء كما سنراه إن شاء الله في الفصل الآتي، ثم وصل الأمير الكبير حسام الدين الناصر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى شرف الدين شمس الدين بن الإمام المهدي (عليهما السلام) في عدة من العسكر ووجوه أصحابه، وعول على الإمام (عليه السلام) بالوصول إلى محروس كوكبان فأجابه الإمام (عليه السلام) إلى ذلك فسار (عليه السلام) يوم السبت سابع عشر إلى كوكبان بعد أن دفن حي السيد الماجد المجاهد عز الدين محمد بن عامر بن علي فإنه توفي في صبيحة يوم السبت.