أخبرني من شهد ذلك أن الإمام عليه السلام جعل له صدر المكان ولم ينصب له[170/ب] سرير في حضرته، ومما قيل في ذلك من التهاني………… [171/أ] وأما مولانا الحسين فبقي في صعدة المحروسة بالله تعالى، وقد تكاثرت العساكر لديه، والنفقة عليهم، وعرف أن الشام قد صلح، وكثر تفلت العسكر لألفهم سكون اليمن وطمأنيته فاستأذن الإمام (عليه السلام) في القدوم عليه ولم ينتظر الجواب وكان الإمام (عليه السلام) كما أخبرني بعض الخواص يحب بقاه في بلاد صعدة وينوب عن عمه فيها، فسارع بالوصول إلى الإمام (عليه السلام) لكراهة البقاء في الشام وهو خليفة أبيه في أولاده وأهله، فيحب البقاء في شهارة لذلك وللاحتشام من والده أن يتولى أعماله، فأظهر الإمام (عليه السلام) الرضى بذلك وإن ذلك من مقاصد المصالح، وقد ترك على صعدة وأعمالها ولد مولانا أحمد بن أمير المؤمنين، وهو السيد الفاضل العالم العامل جمال الدين علي بن أحمد بن أمير المؤمنين، وهو إذ ذاك دون العشرين سنة وقد صار لديه علم كثير، وفضل شهير، وسياسة نافعة، ونهضة في الأعمال، فقرره الإمام (عليه السلام) خليفة لوالده.

[وصول الشيخ بن روكان إلى الإمام]
وأما الشيخ يحيى بن روكان فإنه وصل إلى الإمام (عليه السلام) صحبة مولانا الحسن، أيده الله، وكان في صنعاء المحروسة بالله، وكان له به أنس لتعلقه به أيام ولايته لصعدة المحروسة بالله وبلادها، فأذن له بعد أن أعطاه كثيراً وأحسن إليه إحساناً غفيراً واغتفر ما كان منه صغيراً وكبيراً، وكذلك مولانا محمد بن الحسن أيده الله أحسن إليه، وألحقه بخاصته، فأقام أياماً على ذلك ثم انسل من صنعاء يرافقه قوم، وصار إلى بلاده، ولم يظهر خلافاً غير أنه لم يصطبر على المقام في صنعاء.

ولما استقر في بلاده، اجتمع إليه من يريد الفساد فأخذوا في تغيير الحقوق والعصيان شيئاً فشيئاً، وعرف الإمام (عليه السلام) أن ذلك منه ومن أصحابه وإن يد صاحب صعدة لم تشتد على مثله، فأمر مولانا محمد بن الحسين أيده الله أن يسير بعسكره، وكانوا زهاء من ألف، وأن لا يجيء صعدة المحروسة بالله فسار سيراً مستمراً إلى مدينة ساقين من أعلى بلاد خولان وقد أمره الإمام (عليه السلام) أن يتبع المفسدين، ويستوفي الحقوق المهملة وأن يغرم كل جان بما جنى، ففعل ذلك واستوفاه، واستمرت الحقوق، وضيق المسالك على الشيخ المذكور، حتى استأمن إليه، فأمنه على شريطة واحدة، وهو وصوله إلى الإمام (عليه السلام) وله الأمان على نفسه، وكان الإمام (عليه السلام)، يريد[171/ب] أن تكون ولاية الجهات المذكورة إلى مولانا محمد بن الحسين ليلي أمورها ويستدفع به شرورها، فلم تطب نفسه بها عوضاً عن بلاده التي هي صالحة ومطيعة وفيها أولاده وخاصته وقد عرف أن الإمام (عليه السلام) لا يأذن له في القفول فاستتم الأعمال ووصل بالشيخ المذكور، وجميع من اتهم بالفساد، ولا عرف الإمام (عليه السلام) إلا وهو في قرن الوعر، (ولم [تكن] قد وصلته) من الإمام (عليه السلام) العزيمة على البقاء ولا تصريح بولاية تلك البلاد، فلم يكن من الإمام (عليه السلام) إلا قبول عذره، ولم يحصل تقصير من مولانا محمد، أيده الله، عن المقصود، فإنه استوفى ما أمر به الإمام (عليه السلام) على أتم الوجوه، ووصل بهذا الشيخ الشرير وغيره وقوى الإمام (عليه السلام) ولايه صنوه الصفي، وولده علي على الحال الأول وقد أمن الإمام

(عليه السلام) الغيار على المسلمين بالقبض على الشيخ السيء.
ولما سار مولانا محمد بن الحسين أيده الله، من السودة إلى صنعاء تعلق هذا الشيخ المذكور به، وأن يكون يكون في جملة ديوانه فعول على الإمام عليه السلام بذلك فنزله أحسن ما يعامل به وأن يكون بقاه في صنعاء، فكان فيها في جملة أصحاب مولانا محمد بن الحسين أياماً ويتصل بمولانا محمد بن الحسن أيده الله، والإحسان إليه جار من الجميع كما تقدم، مجرون عليه الكفاية وزيادة عليها، فكان كذلك.
ثم انسل مرة أخرى عن طريق تهامة والجهة التي لا يعرف فيها، ثم صعد إلى بلاد حيدان، وبقى يتردد في بيته ما إليه، وينقبض عن الناس بعض الإنقباض، ولم يظهر شيئاً من الأعذار، وكتبه إلى الإمام (عليه السلام) وإلى مولانا محمد: كما بلغ إني خفت ممن له قتل في بلادنا في الحروب الأول، وعلمت أنكم لا تأذنون لي، والآن اتركوني في بلدي، ويخدمكم ولدي، أو كما قال، وغفل عنه الإمام (عليه السلام) مترجياً لصلاحه فعاد لما كان عليه، وأطاعه بعض أهل الفساد.

[توجيه الفقيه جمال الدين علي بن صلاح إلى صعدة للتبع المفسدين]
ولما كان إلى شهر جمادى الأولى سنة سبع وستين وألف [1656م] أمر الإمام (عليه السلام) الفقيه المجاهد جمال الدين علي بن صلاح بن إبراهيم الجمولي في عسكر ليسوا بالكثير، إنما هم نحو المائة بالمسير إلى الشام كعادة الفقيه المذكور في أنه يتتبع المفسدين، ويخص المعتدين بعقوبات ولا علم لأحد إلا أنه يريد صعدة المحروسة بالله لذلك الغرض، فسار مغذاً من محروس الحصين.
ولما وصل بلاد آل عمار جاء طريق ساقين على صفة الغارة ليلاً ونهاراً، حتى أحاط ببيت المذكور، وطرقه ليلاً فاستتر عدو الله ببعض ثياب نسائه وخرج [172/أ] من كوة ونجا في ظلام الليل، وقبض العسكر ما في بيته، وولديه، وأرسل بهما الفقيه علي إلى الإمام وبعم لهما يسمى علياً، فكانوا عند الإمام (عليه السلام) في محروس الحصين، وعليهم الحرس والحفاظ، وأمر الإمام (عليه السلام) بهدم دار الشيخ المذكور، وقد تقدم هدمها، ثم عمارتها، وأظن أن هذه الهدمة الثالثة.

وأما عدو الله فإنه لما هرب استجار بالقبائل فاستعفوه من المعاودة إلى بلادهم وقالوا له: قد أهلكت نفسك وبلادك، فلا تهلكنا أو كما قالوا، وكان مولانا الحسين بن أمير المؤمنين المؤيد بالله، حفظه الله، في الهجر من بلاد الأهنوم، فلم يشعر في بعضها إلا والشيخ المذكور في مقامه الشريف في الهجر من غير عهد ولا عقد فطلب جواره، فقال: أيده الله، لا أقبلك إلا بالنزول على حكم الإمام. ثم أرسله إلى الإمام (عليه السلام) فأمر بإشخاصه فوراً إلى محبس أهل الجرايم في محروس الدامغ، فكان هنالك وطمع في الخلاص من الحبس بأن يكون عليه ضميناً ويكون حبسه في غير ذلك، فلم ير الإمام (عليه السلام) صواباً، ثم إنه احتال بأن عقد على امرأة من أهل الحصن وطلب الإمام (عليه السلام) الإذن بالدخول عليها في بيت أهلها، فقال (عليه السلام) لا يحل لي ذلك وأخاف الله على نفسي، ولا يراني الله كذلك، أو كما قال، ثم مات المذكور لا رحمه الله وأخوه كذلك وأطلق الإمام (عليه السلام) أولاده، وصلحت بعد موته بلاد خولان وساير بلاد صعدة والحمد لله رب العالمين.
فصل.. وأما مولانا محمد بن الحسن، أطال الله بقاه، فقد تقدم استقراره في محروس إب، ثم تقدمه إلى تعز العدنية وبلاد المعافر، وتجهيز العساكر إلى اللحوق بصنوه مولانا أحمد بن الحسن، أيده الله، وقد ذكرنا طرفاً من ذلك ثم عاد إلى ذمار المحروسة، فكان فيها وأرسل لأهله الذين في صعدة فوصلوا إلى صنعاء المحروسة، وطلع من ذمار بالجنود الواسعة وعمرت أسواقها وكثرت أرفاقها، ودرت أرزاقها، وتفجرت أنهارها كما سيأتي قريباً إن شاء الله.

[أعمال محمد بن الحسن في إب وذمار]
ذكر عماير مولانا عز الإسلام في أيام بقائه في إب وفي محروس ذمار، فإنه وسع الجامع الكبير فيها وعمر مرافقه، وتفقد أوقافه، وكانت الزيادة أكثر من القديم بكثير ووسع المنارة والمطاهر، وعمر ما بقي في الجامع المقدس من معمور الحصين في ضوران الذي كان أسسه والده (رحمه الله) وأدخل فيه زيادات كثيرة، تأتي مثل نصف الأول تقريباً، ووقف[172/ب] على الجامع المذكور أوقافاً كثيرة، وعمر الصروح، والمنازل، التي بقرب القبة الشريفة، وأقام الدرس والتدريس فيها، وقد كثر الله الماء في الحصين ببركة مولانا (عليه السلام) فإنه استخرج عيوناً بإعانة الله له وتيسيره وكانت لا تعرف فيما قبل، وكثر الماء في الحصين، وفاض على كفاية الجامع والمدينة وأهلها، والماء إلى زيادة والحمد لله كثيراً، وكان قد عمر أطال الله بقاه أيضاً مسجداً في بير العيان، وأجرى في متوضاه الماء الكثير، والمطاهر فكان من أحسن المساجد، ذكر ما عمره (أيده الله تعالى) غير المساجد والمدارس منها حصن كحلان بنواحي خبان ومنها عمائر في دمت ومنها الدار المشهور في محروس ذمار، فإنه قل مثلها في حسن العمارة والمرافق.

وأخبرني بعض من يتردد إليها أنه بعد تمامها طلع بعض الخدم بحصانه ولامته كاملة إلى إعلاه، وإنه حركه في صرحه الأعلى، ومنها في صنعاء السمسرة المنسوبة إليه أيده الله تعالى لم يعمر في صنعاء مثلها ولا في اليمن ما شاكلها في العلو والارتفاع والسعة فإنها تشتمل على طبقات تحتوي تقريباً على مائة واثنين وعشرين منزلاً، ولكل طبقة كيفية غير الأخرى، وصارت من أعلى قصور المدينة فتبادر إليها التجار، وأخذوا في مرافقها خطوطاً شريفة، ومنها الدار الكبرى في أعلى المدينة بالقرب من المدرسة الشرقية عمرها الله بالعلم وأهله،بحق محمد وآله، فإنها من أعظم ما عمر في صنعاء المحروسة وعمر غيرها أيضاً مما يقرب عمارتها.

[ذكر الغيول في صنعاء]
وأما الغيول التي فجرها الله سبحانه وتعالى في صنعاء، ففي ذلك آيات للمتوسمين وعبرة للمعتبرين، ونذكر بعض فضل الله سبحانه العميم، على مولانا عز الدين ثم على المسلمين، بهذه الآيات التي ظهرت للآخرين، وذلك أن صنعاء المحروسة بالله لم تخل عن ملك بعد ملك من المحقين والمبطلين، وماؤها كله من الآبار إلا غيل الروضة المعروف بغيل رسلان، وكان مولانا الحسن (رضوان الله عليه) احتفر غيلاً بالقرب منه يأتي مثل ثلثه تقديراً، وانتهى بالحفر فيه إلى مقدار حبال الآبار المجاورة له، وأكثر فهو في الحقيقة إنما استخرج ماء بير عظيمة بالقوة عند انتهاء مساحة قعرها بظاهر الأرض، وهذا ممكن بالحيلة، والصبر عليه، واستخرج بعض المتقدمين غيل آلاف القريب من ارتل ويقال أن الذي أخرجه السيد الإمام الفاضل القاسم بن أحمد المقبور في ذمار، من ذرية زيد بن علي (عليه السلام) وكان عاملاً للإمام الأعظم القاسم بن علي العياني[173/أ] (عليه السلام) وغير ذلك كان لا يعرف في صنعاء.

وأما هذه الغيول التي أظهرها الله، وكثرها فلم تكن من فعل البشر، وإنما وقف بعض أهل شعوب على بلل في طين بالقرب من السد المعروف بسد الإمام فلحقه فظهر فيه ماء، فلما رآه يزداد، أخبر مولانا عز الإسلام (أيده الله) فخرج إليه، وأمر بحفره وتوسيعه وهو يزداد، حتى كان كما سنذكره إن شاء الله، وكان ابتداء استخراجه بعد وجود أوله في يوم[ ] وجعل عليه الأمناء للحفر والعمارة، ثم عمره بالحجارة، وجعل فيه كظائم مستطيلة، فكانت إلى رقم هذا التوقيع[ ] كل كظيمة قريبة من عمارة البير، وجعل عليها مواضع للعبور إلى الطرقات، ومواضع للصابون ولمن أراد الاغتراف وللصلاة وسقي لعامة أهل شعوب أموالهم من الجراف ثم الروضة والحشيشية وهو يزداد في كل حين، وكثر فأخرجه إلى نواحي ذهبان، وأوطان جدر وعلمان، وأحيى الله به عالماً من الناس والأنعام واحتمل مؤن مولانا محمد بالأقوات والنفقات الخاصة على من يعول، ثم علف خيله، وجمع دوابه، وربما وخيل بيت المال وأمد كثيراً من غيرهم، وكل هذه الطرقات إلى الماء ابتداء، لم نلق لها أثر والله أعلم.

70 / 116
ع
En
A+
A-